مَا لِلمَلِيكِ مُؤَرَّقاً يَتَقَلَّبُ
هَلْ يَحْمِلُ الْهَمَّ السَّرِيرُ المُذْهَبُ
أَنْتَ الرَّجَاءُ فَأَيَّ شَيْءٍ تَرْتَجِي
وَالرَّوْعُ أَنْتَ فَأَيَّ شَيْءٍ تَرْهَبُ
وَالمُلكُ جِسْمٌ أَنْتَ فِيهِ هَامَةٌ
وَيَدَاكَ مَشْرِقُ شَمْسِهِ وَالمَغْرِبِ
إِني مُنِيتُ بأُمَّةٍ مَخْمُورَةٍ
مِنْ ذُلِّهَا وَلَهَا الْقَنَاعَةُ مَشْرَبُ
لاَ ظُلْمَ يَغْضِبُهُمْ وَلَوْ أَوْدَى بِهِمْ
أَتَعِزُّ شَأْناً أُمَّةٌ لاَ تَغْضَبُ
إِنْ يَبْكِ ثَاكِلُ وُلْدِهِ وَزَجَرْتَهُ
عَنْ نَحْبِهِ أَلْفَيْتَهُ لاَ يَنْحَبُ
وَإذَا نَهَيْتَ عَنِ الْوُرُودِ عِطَاشَهُمْ
وَتَحَرَّقَتْ أَكْبَادُهُمْ لَمْ يَشْرَبُوا
وَإِذَا أَذَبْتَ الشَّحْمَ مِنْ أَجْسَامِهِمْ
تَعَباً فَإِنَّ نُفُوسَهُمْ لاَ تَتْعَبُ
أَعْيَانِيَ التَّفْكِيرُ في أَدْوَائِهِمْ
مِمَّا عَصِينَ وَحِرْتُ كَيْفَ أَطَبِبُ
إنَّ الْجَمَادَ أَبَرُّ مِنْ أَرْوَاحِهِمْ
بهِمُ وَأَمْتَنُ في الدِّفَاعِ وَأَصْلَبُ
فَلأَبْنِيَنَّ لَهْمْ جِدَاراً ثَابِتاً
كَالأَرْضِ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَخَرَّبُ
تَقَعُ الدُّهُورُ وَكُلُّ جَيْشٍ ظَافِرٍ
مِنْ دُونِهِ وَثَبَاتُهُ مُتَغَلِّبُ
وَتَهُزُّ مَنْكِبَهُ الصَّوَاعِقُ حَيْثُمَا
شَاءَتْ وَلاَ يَهْتَزُّ مِنْهُ المَنْكِبُ
وَيَعَضُّهُ نَابُ الصَّوَاعِقِ مُحْرِقاً
فَيَرُدُّهُ كِسَراً وَلاَ يَتَثَقَّبُ
وَيَمِيدُ ظَهْرُ الأَرْضِ تَحْتَ رِكَابِهِ
وَرِكَابُهُ فِي المَتْنِ لاَ تَتَنَكَّبُ
وَلأَجْعَلَنَّ بِهِ البِلاَدَ مَنِيعَةً
يَرْتَدُّ عَنْهَا الطَّامِعُ المُتَوَثِّبُ
وَلأَدُعُوَنَّ مَمَالِكِي وَشُعُوبَهَا
بِاسْمِي فَيُجْمَعُ شَمْلُهَا المُتَشَعَّبُ
وَلأَمْحُوَنَّ رُسُومَ أَسْلاَفِي بِهَا
فَيَبِيتُ مَاضِي الصِّينِ وَهْوَ مُحَجَّبُ
وَيُظَنُّ عَهَدِي بَدْءَ عَهْدِ وُجَودِهَا
فَيَتِمُّ لِي الفَخْرُ الَّذِي أَتَطَلَّبُ
يَا أَيُّهَا المَلِكُ الَّذِي حَسَنَاتُهُ
فَوْقَ الَّذِي نُثْنِي عَلَيْهِ وَنُطْنِبُ
كَمْ غَزْوَةٍ لَكَ في عِدَاكِ عَجِيبَةٍ
لاَ شَيْءَ غَيْرَ نَدَاكَ مِنْهَا أَعْجَبُ
كَمْ رَحْمَةٍ قَلَّدْتَ أَقْواماً بِهَا
أعْنَاقَهُمْ وَالسَّيْفُ يُوشِكُ يَسْلُبُ
كَمْ مِنَّةٍ لَكَ فِي الْعِبَادِ جَمِيلَةٍ
كَالشَّمْسِ تُنْمِي رَوْضَةً وَتُذَهِّبُ
هَذِي كَوَافِلُ حُسْنِ ذِكْرِكَ في الْوَرَى
وَأَبَرُّ مَا يَبْقَى الْفَعَالُ الطَّيِّبُ
يَكْفِيكَ فَخْراً أَنَّ أَعْظَمَ أُمَّةٍ
تَنْضَمُّ في مُلكٍ إلى اسْمِكَ يُنْسَبُ
فَعَلاَمَ أَنْتَ تُزِيلُ ذِكْرَ مُلُوكِهَا
وَأُولَئِكَ الْعُظَمَاءُ مَوْتَي غُيَّبُ
إِنْ تَمْحُ مِنْ أَسْفَارِهِمْ أَخْبَارَهُمْ
فَالصَّخْرُ يُنْحَتُ وَالمَنَاحِتُ تُكْتَبُ
وَلَيَعْلَمَنَّ النَّاسُ بَعْدَكَ أَمْرَهُمْ
فَتُلاَمُ مَا طَالَ المَدَى وتُؤَنَّبُ
خَدَعَتْكَ كَاذِبَةُ المُنَى بَوعُودِهَا
وَالحُرُّ يُخْدَعُ وَالأَمَانِي تَكْذِبُ
وَإِذَا نَظَرْتَ إلىَ الْحَقِيقَةِ صَادِقاً
فَالذِّكْرُ لَيْسَ يُعِيدُ عُمْراً يَذْهَبُ
أَمَّا الْجِدَارُ فَلَو رَفَعْتَ بِنَاءَهُ
حَتَّى اسْتّقَرَّ عَلَى ذُرَاهُ الكَوْكَبُ
وَلَو الْجِبَالُ جُعِلْنَ بَعْضَ حِجَارِهِ
وَلُحِمْنَ حَتَّى المَاءُ لاَ يَتَسَرَّبُ
فَلَيُحْدِثّنَّ النَّاسُ مَا هُوَ فَوْقَهُ
عِظَماً وَإتْقَاناً وَمَا هُوَ أَغْرَبُ
وَلَتُصْنَعَنَّ نَوَاسَفٌ تُثْفَى الرُّبَى
بِدُخَانِهَا مَنْثُورَةً تَتَلَهَّبُ
وَلَتَنْفُذَنَّ إِلَى بَكِينَ خَلاَئِقٌ
بَيْضَاءُ تَغْنَمُ مَا تَشَاءُ وَتَنْهَبُ
تَأْتِي بِهَا فَوْقَ الْبِحَارِ سَفَائِنٌ
كَالْجِنِّ في جِدِّ الْعَوَاصِفِ تَلْعَبُ
مَاذَا يُفِيدُ السُّورُ حَوْلَ دِيَارِهِمْ
وَقُلُوبُهُمْ فِيهَا ضِعَافٌ هُرَّبُ
فَأَبَرُّ مِنْ تَضْيِيقِ دُنْيَاهُمْ بِهِ
أَنْ تَرْحُبَ الدُّنْيَا بِهِمْ مَا تَرْحُبُ
أَلأَمْنُ قَتَّالُ الشَّجَاعَةِ فِيهِمُ
وَحَيَاتُهَا فِيهِمْ مَخَاوِفُ تُرْقَبُ
لاَ يَعْصِمُ الأُمَمَ الضَّعِيفَةَ فِطْرَةً
إِلاَّ فَضَائِلُ بِالتَّجَارِبِ تُكْسَبُ
فَتَكُونُ حَائِطَهَا المَنِيعَ عَلَى الْعِدَى
وَتَكُونُ قُوَّتَهَا الَّتِي لاَ تُغْلَبُ