أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب
من الذين بشّرهم رسول الله بالجنة
أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين وعلى آله وصحبه وسلم.
قال الله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا}(الأحزاب).
أما بعد، فهذه حلقات في ذكر الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين وأمراء المؤمنين ورثة خير المرسلين وهم أربعة ومدة خلافتهم ثلاثون سنة وحديثنا اليوم عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه مدة خلافته سنتان وثلاثة أشهر وثلاثة عشر يوما ابتداء من سنة إحدى عشر هجرية من يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
نسبه وكنيته:
هو أبو بكر الصديق معدن الهدى والتصديق وهو عبد الله بن أبي قحافة القرشي.
ولد بعد الفيل بنحو ثلاث سنين كان من رؤساء قريش وعلمائهم محببا فيهم زاهدا خاشعا حليما وقورا مقداما شجاعا صابرا برا كريما رؤفا رحيما. كان أبيض اللون نحيف الجسم خفيف العارضين ناتئ الجبهة أجود الصحابة أول من أسلم من الرجال وعمره سبع وثلاثون سنة عاش في الإسلام ستا وعشرين سنة. بويع له بالخلافة يوم وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم في السنة الحادية عشرة من الهجرة وأجمعت الصحابة كلهم على خلافته.
تجهيزه الجيوش لنصرة الحق:
لمّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظمت مصيبة المسلمين والإسلام كثر النفاق واشرأبت المشركون وارتدت بعض القبائل، والبعض امتنع عن أداء الزكاة فأسرع أبو بكر رضي الله عنه لمداركة هذا الأمر العظيم فأمر بتجهيز الجيوش لقتال أهل الردة ومن منع الزكاة فتوجهت الجيوش وقاتلوا المرتدين، وقتل مسيلمة الكذاب، وهرب طليحة بن خويلد إلى أرض الشام وكان ادعى النبوة ثم أسلم في زمن عمر بن الخطاب، واستشهد من الصحابة نحو سبعمائة رجل أكثرهم من القراء ثم جمع أبو بكر الصديق رضي الله عنه القرءان وهو أول من سماه مصحفا وقبل ذلك لم يكن مجموعا بل كان محفوظا في صدور القراء من الصحابة ومكتوبا في صحف مطهرة متفرقة.
وفي السنة الثالثة عشرة جهز أبا عبيدة بن الجراح أميرا على جيوش بلاد الشام. فكان المسلمون في وقعة اليرموك نحو ستة وثلاثين ألفا، والعدو مائتان وأربعون ألفا. وبينما هم في القتال حضر بريد من المدينة المنورة أخبر خالد بن الوليد أن الخليفة أبا بكر رضي الله عنه قد توفي وولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأسر خالد ذلك الخبر ولم يعلم أحدا لشغلهم بالقتال.
فضائل عظيمة لرجل عظيم:
عن عمر بن الخطاب قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر أن سبقته يوما قال فجئت بنصف مالي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك. قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك: أبقيت لهم الله ورسوله فقلت: لا أسابقك إلى شىء أبدا". أخرجه الترمذي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر". فبكى أبو بكر وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله. "أخرجه أحمد.
وذكر أهل العلم والتواريخ والسير أن أبا بكر شهد مع رسول الله بدرا وجميع المشاهد وثبت مع رسول الله يوم أحد حين انهزم الناس ودفع إليه رسول الله رايته العظمى يوم تبوك وأنه كان يملك يوم أسلم أربعين ألف درهم فكان يعتق منها ويقوى المسلمين.
موعظة للخليفة الراشد:
ورد عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لمّا ولي أبو بكر خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: "أما بعد أيها الناس قد وليت أمركم ولست بخيركم، ولكنّ الله أنزل القرءان، وسن النبيّ صلى الله عليه وسلم السنن فعلمنا، اعلموا أنّ أكيس الكيّس التقوى، وأن أحمق الحمق الفجور إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق، أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمتدع فإن أحسنت فأعينوني وإن زغت فقوموني".
وفاته رضي الله عنه:
وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه كانت في السنة الثالثة عشرة عن ثلاث وستين سنة من عمره وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وثلاثة عشر يوما. ودفن في بيت عائشة ورأسه عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولمّا توفي جاء علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه باكيا مسرعا مسترجعا حتى وقف بالباب وقال: يرحمك الله أبا بكر لقد كنت والله أول القوم إسلاما، صدقت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كذّبه الناس وواسته حين بخلوا، وقمت معه حين قعدوا، وسماك الله في كتابه صديقا فقال: {والذي جاء بالصدق وصدّق به} سورة الزمر.
اللهم احشرنا في زمرة الصديقين وأمتنا على محبتهم واجعلنا من أتباعهم.
عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه وسلم.
قال الله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا}(الأحزاب).
أما بعد، فهذه حلقات في ذكر الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين وأمراء المؤمنين ورثة خير المرسلين وهم أربعة ومدّة خلافتهم ثلاثون سنة وحديثنا اليوم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مدة خلافته عشر سنين وستة أشهر إلا يوما واحدا ابتداء من سنة ثلاث عشر هجرية من يوم وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
نسبه وكنيته:
هو أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن القرشي وأمه حثمة بنت هاشم لقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاروق لأنه يفرق بين الحق والباطل وقال صلى الله عليه وسلم: "الحق يجري على لسان عمر وقلبه".
ولد رضي الله عنه بعد الفيل بثلاث عشرة سنة وأسلم في السنة الثالثة من البعثة وله حينئذ سبع وعشرون سنة كان طويلا مشرفا أصلع الرأس، أبيض اللون، شديد الحمرة كثّ اللحية خفيف شعر العارضين شديد البطش كثير التواضع زاهدا ورعا متقشفا من الدنيا.
ولي الخلافة بعهد من أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما وبويع له في حياته ثم قام بأمر الخلافة بالصدق والعدل وحسن التدبير والسياسة لا يخاف في الله لومة لائم، رتّب الجيوش للجهاد في سبيل الله وعزل خالد بن الوليد عن أمارة الجيوش بالشام وولى أبا عبيدة بن الجراح شفقة على الجيوش والعسكر لشدة بطش خالد وهجماته.
الفتوحات في عهد عمر بن الخطاب:
فتح دمشق:
ولما انقضى أمر اليرموك ساروا إلى دمشق فحاصروها أشدّ الحصار سبعين ليلة من نواحيها الأربع فاستغفل خالد بن الوليد ليلة من الليالي وتسّور السور بمن معه وقتل البوابين واقتحم بالعسكر وكبر وكبروا ففزع أهل البلد إلى أمرائهم فنادوا بالصلح فدخلوا من نواحيها صلحا.
فتح بيت المقدس:
ثم سار أبو عبيدة إلى الأردن فجمع الجيوش وقصد بيت المقدس وكتب لهم كتابا فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم من أبي عبيدة بن الجراح إلى بطارقة أهل إيلياء. سلام على من تبع الهدى وءامن بالله وبالرسول". ثم انتظرهم فأبوا أن يأتوه فسار إليهم ونزل بهم وحاصرهم أشد الحصار وضيق عليهم فلما اشتد عليهم الحصار طلبوا منه الصلح فقبل منهم، فقالوا: أرسل إلى خليفتكم فيكون هو الذي يعطينا عهد الصلح فجمع عمر كبار الصحابة وشاورهم في المسير فأشاروا كلهم بالمسير فجمع العساكر وخرج واستخلف على المدينة المنورة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ودخل أمير المؤمنين الجابية وجاء أهل بيت المقدس وقد هرب أرطبون أمير عسكر الروم إلى مصر وحينئذ وقع الصلح بين أمير المؤمنين وبين رؤساء أهل بيت المقدس على الجزية بشروط معلومة.
فتح مصر:
وأما فتح مصر فإنه لما فتح بيت المقدس استأذن عمرو بن العاص أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فتح مصر فأذن له واتبعه الزبير بن العوام، فساروا حتى دخلوا في قرى الريف، وتقابل الفريقان والتحم القتال وانهزم الكفار شر هزيمة وحاصرهم المسلمون فقبلوا الصلح والجزية. ونزل المسلمون مصر واستلموها ثم توجه عمرو إلى الإسكندرية وفتحها عنوة وجعل أهلها ذمة وجعل فيها جندا من المسلمين.
من فضائل الفاروق عمر:
جاهد رضي الله عنه في الله حق جهاده، وجيّش الجيوش وفتح البلاد، وأعز المسلمين والإسلام وأذل الكفر وأجلى اليهود من بلاد الحجاز، كما أجلى نصارى نجران ويهودها من جزيرة العرب. كثرت في أيامه الفتوحات وعمّر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، وفي سنة سبعة عشر توجه أمير المؤمنين معتمرا وأقام بمكة عشرين يوما وفيها وسّع المسجد الحرام. وفي هذه السنة تزوج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وفي سنة ثمان عشرة حصل قحط شديد سميّ ذلك العام عام الرمادة فاستسقى عمر رضي الله عنه، وخطب وأخذ العباس بن عبد المطلب وتوسل به وجثا على ركبتيه وبكى يدعو إلى أن نزل المطر وأُغيثوا. وهو أول من جمع الناس إلى صلاة التراويح، وأول من تسمى بأمير المؤمنين رضي الله عنه.
نبذة من كلامه ومواعظه رضي الله عنه:
وعن ثابت بن الحجاج قال: قال عمر: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، تزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية" (الحاقة). وعن الأحنف قال: قال لي عمر بن الخطاب: "يا أحنف، من كثر ضحكه قلّت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن أكثر من شىء عرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قلّ حياؤه وقلّ ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه.
وفاته رضي الله عنه:
وفي سنة ثلاث وعشرين حج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم رجع إلى المدينة المنورة وفي ختامها طعنه أبو لؤلؤة فيروز مملوك المغيرة بن شعبة أصله من نهاوند مجوسي كافر لعنه الله. وكان عمر رضي الله عنه خرج لصلاة الصبح وقد استوت الصفوف فدخل الخبيث أبو لؤلؤة بين الصفوف وبيده خنجر مسموم برأسين فضربه به ثلاث طعنات إحداها تحت سرّته فمسكوه وأصيب من الصحابة نحو اثني عشر رجلا مات منهم ستة وطعن اللعين نفسه فمات. وسقط عمر رضي الله عنه على الأرض.
أخي المسلم:
لقد كان عهد عمر بن الخطاب كعهد سلفه عهدا ذهبيا، عاش المسلمون في أيام خير وعدل وعز كيف لا وأميرهم وقائدهم هو الفاروق الذي فرّق بين الحقّ والباطل، والذي كان لا يخشى في الله لومة لائم، والذي كانت مخافة الله لا تفارق قلبه. وما أحوجنا نحن المسلمون في هذا الزمن إلى فاروق آخر وأمير عادل يحكم بالإسلام وبشريعة خير الأنام.
عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الطاهر الأمين وعلى آله وصحبه وسلم.
قال الله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}(الأحزاب).
أما بعد، فهذه حلقات في ذكر الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين وأمراء المؤمنين ورثة خير المرسلين وهم أربعة، ومدة خلافتهم ثلاثون سنة وحديثنا اليوم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه مدة خلافته اثنتا عشرة سنة إلا يوما ابتداء من سنة أربع وعشرين هجرية من يوم وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
نسبه وكنيته:
هو أبو عمرو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي أمه أروى بنت كريز. لقب بذي النورين لأنه تزوج بنتي سيد الكونين رقية وأم كلثوم. كان ربعة، حسن الوجه، أبيض، مشربا بحمرة، كث اللحية، طويل الذراعين، شعره كسا ذراعيه أصلع قد شد أسنانه بالذهب، كان خاتمه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر رضي الله عنهم.
ولد بالطائف بعد الفيل بست سنين، أسلم قديما على يد أبي بكر رضي الله عنهما وعمره حينئذ تسع وثلاثون سنة، ثم هاجر مع زوجته رقية إلى الحبشة، ثم قدم مكة قبل الهجرة ومنها إلى المدينة قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم. شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بدرا لأن زوجته رقية كانت مريضة فأمره صلى الله عليه وسلم أن يقيم بالمدينة ليمرضها وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بدر وأسهم له من غنائمها. بويع له بالخلافة بعد دفن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بثلاث ليال.
غزوات عهده:
بعث عثمان بن عفان جيشا بإمرة سلمان بن ربيعة إلى بلاد أرمينية فذهبوا ودخلوا البلاد، ثم غزا معاوية بلاد الروم حتى بلغ عمورية في خلافة عثمان وكان عمرو بن العاص غزا طرابلس الغرب وحاصرها شهرا وكان بها الروم من جهة هرقل.
فضائله رضي الله عنه:
وفي سنة ثلاثين بلغ الخليفة عثمان بن عفان أنه وقع في العراق اختلاف في القرءان فجمع عثمان الصحابة ونسخوا أربعة مصاحف فبعث أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى كل أفق من الآفاق بمصحف يكون مرجعا وعمدة يعتمدون عليه فلم يقع بعد ذلك ولله الحمد خلاف في كلمة أبدا.
وقد ورد عن عثمان ابن موهب قال: جاء رجل من أهل مصر، حج البيت فرأى قوما جلوسا فقال، من هؤلاء؟ قالوا قريش قال: فمن الشيخ فيهم: قالوا: عبد الله بن عمر. قال: يا بن عمر أني سائلك عن شىء، فحدثني، هل تعلم أن عثمان فرّ يوم أحد؟ قال: نعم قال: هل تعلم أنه تغيب عن يوم بدر ولم يشهدها؟ قال: نعم. قال: هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان ولم يشهدها؟ قال نعم. قال: الله أكبر، فقال ابن عمر: تعال أبين لك. أما فراره يوم أحد فأشهد أنّ الله عفا عنه وغفر له. وأما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه، وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب إلى مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى "هذه يد عثمان" فضرب بها على يده فقال: هذه لعثمان. فقال له ابن عمر: اذهب بها الآن معك (أي اذهب بهذه الأجوبة الآن لعله يزول عنك ما تسمعه في عثمان فإنه ذو منزلة سامية). أخرجه البخاري والترمذي في مناقب عثمان.
من مآثر هذا الخليفة المتواضع الورع:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا عائشة لو كان عندنا من يحدثنا. قالت: قلت يا رسول الله ألا أبعث إلى أبي بكر؟ فسكت. ثم قال: لو كان عندنا من يحدثنا
فقلت: ألا أبعث إلى عمر؟ فسكت. قالت ثم دعا وصيفا بين يديه فسارّه فذهب. قالت: فإذا عثمان يستأذن، فأذن له، فدخل فناجاه النبيّ صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال: يا عثمان إنّ الله عز وجل مقمصك قميصا (أي الخلافة) فإذا أدارك المنافقون على أن تخلعه فلا تخلعه لهم ولا كرامة. يقولها له مرتين أو ثلاثا. رواه ابن ماجه والترمذي وأحمد في المسند.
وعن عبد الرحمن بن خباب السلمي قال: خطب النبيّ صلى الله عليه وسلم فحث على جيش العسرة فقال عثمان: علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها. ثم حث، فقال عثمان: على مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها، قال: ثم نزل مرقاة من المنبر ثم حث فقال عثمان: عليّ مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها فرأيت النبي بيده يحركها: ما على عثمان ما عمل بعد اليوم. (معنى أحلاسها: كساء رقيق)
وفاته رضي الله عنه:
لما تكاملت الفتوحات للأمة الإسلامية وقوى الملك في الأمصار واختلطت العرب بالأمم والأقوام المختلفة اللغات وكثر الطعن والقيل والقال في المدينة كتب رؤساء الفتنة إلى جماعتهم في Gلأمصار يستقدمونهم إلى المدينة إرادة الفتنة والمكيدة للخليفة. ودخل عليه سفهاء الفتنة فضربه أحدهم بالسيف فأكبت عليه نائلة زوجته فقطعت أصابع يدها، ثم قتلوه رضي الله عنه وذلك يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ودفن في البقيع وكانت خلافته اثني عشرة سنة إلا يوما.
قال عثمان رضي الله عنه قبل قتله أني رأيت البارحة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وأبا بكر وعمر فقالوا لي: اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة.
أخي المسلم:
نسأل الله عز وجل أن يجعل في ذكر سيرة هؤلاء الأفذاذ الأبرار ما ينير لنا دربنا، ويقوّم اعوجاجنا ويحسن أحوالنا وأفعالنا وأخلاقنا، ونسأله أن يقوي عزائمنا للإقتداء بمسلكهم القويم ونهجهم السليم. والسلام عليك يا سيدنا يا ذا النورين عثمان بن عفان ورحمة الله وبركاته.
اللهم خلّقنا بأخلاق الخلفاء الراشدين المهديين، واجعلنا على خطاهم سائرين.
علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين وعلى آله وصحبه وسلم.
قال الله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}(الأحزاب).
أما بعد، فهذه حلقات في ذكر الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين وأمراء المؤمنين ورثة خير المرسلين وهم أربعة ومدة خلافتهم ثلاثون سنة وحديثنا اليوم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مدة خلافته أربع سنين وتسعة أشهر من سنة خمس وثلاثين من يوم وفاة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
نسبه وكنيته:
هو أبو الحسن عليّ بن أبي طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم ولد قبل البعثة بعشر سنين وتربى في حجر النبيّ صلى الله عليه وسلم وفي بيته، أول من أسلم بعد خديجة وهو صغير، كان يلقب حيدرة وكنّاه النبيّ صلى الله عليه وسلم أبا تراب. ولمّا هاجر النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة أمر عليا أن يبيت على فراشه وأجله ثلاثة أيام ليؤدي الأمانات التي كانت عند النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أصحابها ثم يلحق به إلى المدينة فهاجر من مكة إلى المدينة المنورة ماشيا. شهد المشاهد كلها مع النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا غزوة تبوك واصطفاه النبيّ صلى الله عليه وسلم صهرا له وزوجه بنته فاطمة الزهراء وأعطاه اللواء يوم خيبر ففتحها، واقتلع باب الحصن، كان رضي الله عنه وكرّم وجهه آدم اللون، أدعج العينين عظيمها، حسن الوجه، ربعة القد، كثير الشعر عريض اللحية، أصلع الرأس، ضحوك السن، أشجع الصحابة وأعلمهم في القضاء، وأزهدهم في الدنيا لم يسجد لصنم قط رضي الله عنه.
فضائل هذا العالم العامل الزاهد:
كان رضي الله عنه وأرضاه غزير العلم، زاهدا ورعا شجاعا وقد ورد عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه قال: "ما جاء لأحد من فضائل ما جاء لعلي". ويكفيه خصوصية أنه من المغفور لهم حيث جاء في حديث عبد الله بن مسلمة عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن غفر الله لك وإن كنت مغفورا لك؟ قال: قل لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله ربّ العرش العظيم الحمد لله ربّ العالمين" أخرجه الترمذي.
وعن عائشة بنت سعد قالت: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجحفة فأخذ بيد علي فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أيها الناس إني وليكم" قالوا: صدقت يا رسول الله ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: "هذا وليي ويؤدي عني دَيني وأنا موالي من والاه ومعادي من عاداه" أخرجه النسائي في خصائص أمير المؤمنين.
رجل يحبه الله ورسوله:
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: “لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه". قال عمر بن الخطاب: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ قال: فتساورت لها رجاء أن ادعي لها قال: فدعا علي بن أبي طالب فأعطاه إياها ثم قال: امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك. قال فسار علي شيئا ثم وقف ولم يلتفت فصرح: يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال: "قاتلهم حتى يشهدوا أن لا ءاله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله. رواه مسلم.
وكان علي كرّم الله وجهه لا يجد حرا ولا بردا بعد أن دعا الرسول له قائلا: "اللهم اكفه أذى الحر والبرد". فكان رضي الله عنه يخرج في البرد في الملاءتين ويخرج في الحر في الخشن والثوب الغليظ". أخرجه النسائي في خصائص أمير المؤمنين.
وكان ذا قوة متميزة، فقد روى الطبراني عن أحد الصحابة أنه قال: "خرجنا مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من اليهود فطاح ترسه من يديه، فتناول علي بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده حين فرغ فقد رأيتني في نفر سبعة نجهد على أن نقلب ذلك الباب فلم نستطع.
من أقواله ومواعظه المأثورة:
لقد كان لسيدنا علي كرم الله وجهه أقوال ومواعظ كثيرة منها أنه قال: "إن أخوف ما أخاف اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة."
وقال أيضا: "ارتحلت الدنيا وهي مدبرة وارتحلت الآخرة وهي مقبلة ولكل واحدة منها بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، اليوم العمل ولا حساب وغدا الجزاء ولا عمل" رواه البخاري.
وفاته رضي الله عنه:
لمّا كثر أهل افتن وتعددت فرق الضلال تآمر بعضهم وتواعد لسبع عشرة ليلة من شهر رمضان سنة أربعين هجرية، فوثب ابن ملجم وقد خرج علي رضي الله عنه إلى صلاة الصبح فضربه بالسيف في جبهته فكانت وفاة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه لإحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين عن ثلاث وستين أو تسع وخمسين سنة من عمره فكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر.
أخي المسلم:
إليك هذه النصيحة العظيمة: كن محبا لمن أحبهم الله ورسوله، معظما لمن رفع الله من شأنهم وأعلى قدرهم، وليبق حب الصحابة محفورا في قلبك، ولا سيما الخلفاء الراشدين العاملين الورعين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وسلام الله عليهم أجمعين.
اللهم املأ قلوبنا بحبك وحب أحبابك، واجعل ولاة أمورنا من الصالحين العاملين الورعين. اللهم أصلح ولاة أمورنا واجعلهم كعمر يفرقون بين الحق والباطل ولا يخشون في الله لومة لائم.
من الذين بشّرهم رسول الله بالجنة
أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين وعلى آله وصحبه وسلم.
قال الله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا}(الأحزاب).
أما بعد، فهذه حلقات في ذكر الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين وأمراء المؤمنين ورثة خير المرسلين وهم أربعة ومدة خلافتهم ثلاثون سنة وحديثنا اليوم عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه مدة خلافته سنتان وثلاثة أشهر وثلاثة عشر يوما ابتداء من سنة إحدى عشر هجرية من يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
نسبه وكنيته:
هو أبو بكر الصديق معدن الهدى والتصديق وهو عبد الله بن أبي قحافة القرشي.
ولد بعد الفيل بنحو ثلاث سنين كان من رؤساء قريش وعلمائهم محببا فيهم زاهدا خاشعا حليما وقورا مقداما شجاعا صابرا برا كريما رؤفا رحيما. كان أبيض اللون نحيف الجسم خفيف العارضين ناتئ الجبهة أجود الصحابة أول من أسلم من الرجال وعمره سبع وثلاثون سنة عاش في الإسلام ستا وعشرين سنة. بويع له بالخلافة يوم وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم في السنة الحادية عشرة من الهجرة وأجمعت الصحابة كلهم على خلافته.
تجهيزه الجيوش لنصرة الحق:
لمّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظمت مصيبة المسلمين والإسلام كثر النفاق واشرأبت المشركون وارتدت بعض القبائل، والبعض امتنع عن أداء الزكاة فأسرع أبو بكر رضي الله عنه لمداركة هذا الأمر العظيم فأمر بتجهيز الجيوش لقتال أهل الردة ومن منع الزكاة فتوجهت الجيوش وقاتلوا المرتدين، وقتل مسيلمة الكذاب، وهرب طليحة بن خويلد إلى أرض الشام وكان ادعى النبوة ثم أسلم في زمن عمر بن الخطاب، واستشهد من الصحابة نحو سبعمائة رجل أكثرهم من القراء ثم جمع أبو بكر الصديق رضي الله عنه القرءان وهو أول من سماه مصحفا وقبل ذلك لم يكن مجموعا بل كان محفوظا في صدور القراء من الصحابة ومكتوبا في صحف مطهرة متفرقة.
وفي السنة الثالثة عشرة جهز أبا عبيدة بن الجراح أميرا على جيوش بلاد الشام. فكان المسلمون في وقعة اليرموك نحو ستة وثلاثين ألفا، والعدو مائتان وأربعون ألفا. وبينما هم في القتال حضر بريد من المدينة المنورة أخبر خالد بن الوليد أن الخليفة أبا بكر رضي الله عنه قد توفي وولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأسر خالد ذلك الخبر ولم يعلم أحدا لشغلهم بالقتال.
فضائل عظيمة لرجل عظيم:
عن عمر بن الخطاب قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر أن سبقته يوما قال فجئت بنصف مالي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك. قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك: أبقيت لهم الله ورسوله فقلت: لا أسابقك إلى شىء أبدا". أخرجه الترمذي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر". فبكى أبو بكر وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله. "أخرجه أحمد.
وذكر أهل العلم والتواريخ والسير أن أبا بكر شهد مع رسول الله بدرا وجميع المشاهد وثبت مع رسول الله يوم أحد حين انهزم الناس ودفع إليه رسول الله رايته العظمى يوم تبوك وأنه كان يملك يوم أسلم أربعين ألف درهم فكان يعتق منها ويقوى المسلمين.
موعظة للخليفة الراشد:
ورد عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لمّا ولي أبو بكر خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: "أما بعد أيها الناس قد وليت أمركم ولست بخيركم، ولكنّ الله أنزل القرءان، وسن النبيّ صلى الله عليه وسلم السنن فعلمنا، اعلموا أنّ أكيس الكيّس التقوى، وأن أحمق الحمق الفجور إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق، أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمتدع فإن أحسنت فأعينوني وإن زغت فقوموني".
وفاته رضي الله عنه:
وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه كانت في السنة الثالثة عشرة عن ثلاث وستين سنة من عمره وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وثلاثة عشر يوما. ودفن في بيت عائشة ورأسه عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولمّا توفي جاء علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه باكيا مسرعا مسترجعا حتى وقف بالباب وقال: يرحمك الله أبا بكر لقد كنت والله أول القوم إسلاما، صدقت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كذّبه الناس وواسته حين بخلوا، وقمت معه حين قعدوا، وسماك الله في كتابه صديقا فقال: {والذي جاء بالصدق وصدّق به} سورة الزمر.
اللهم احشرنا في زمرة الصديقين وأمتنا على محبتهم واجعلنا من أتباعهم.
عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه وسلم.
قال الله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا}(الأحزاب).
أما بعد، فهذه حلقات في ذكر الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين وأمراء المؤمنين ورثة خير المرسلين وهم أربعة ومدّة خلافتهم ثلاثون سنة وحديثنا اليوم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مدة خلافته عشر سنين وستة أشهر إلا يوما واحدا ابتداء من سنة ثلاث عشر هجرية من يوم وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
نسبه وكنيته:
هو أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن القرشي وأمه حثمة بنت هاشم لقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاروق لأنه يفرق بين الحق والباطل وقال صلى الله عليه وسلم: "الحق يجري على لسان عمر وقلبه".
ولد رضي الله عنه بعد الفيل بثلاث عشرة سنة وأسلم في السنة الثالثة من البعثة وله حينئذ سبع وعشرون سنة كان طويلا مشرفا أصلع الرأس، أبيض اللون، شديد الحمرة كثّ اللحية خفيف شعر العارضين شديد البطش كثير التواضع زاهدا ورعا متقشفا من الدنيا.
ولي الخلافة بعهد من أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما وبويع له في حياته ثم قام بأمر الخلافة بالصدق والعدل وحسن التدبير والسياسة لا يخاف في الله لومة لائم، رتّب الجيوش للجهاد في سبيل الله وعزل خالد بن الوليد عن أمارة الجيوش بالشام وولى أبا عبيدة بن الجراح شفقة على الجيوش والعسكر لشدة بطش خالد وهجماته.
الفتوحات في عهد عمر بن الخطاب:
فتح دمشق:
ولما انقضى أمر اليرموك ساروا إلى دمشق فحاصروها أشدّ الحصار سبعين ليلة من نواحيها الأربع فاستغفل خالد بن الوليد ليلة من الليالي وتسّور السور بمن معه وقتل البوابين واقتحم بالعسكر وكبر وكبروا ففزع أهل البلد إلى أمرائهم فنادوا بالصلح فدخلوا من نواحيها صلحا.
فتح بيت المقدس:
ثم سار أبو عبيدة إلى الأردن فجمع الجيوش وقصد بيت المقدس وكتب لهم كتابا فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم من أبي عبيدة بن الجراح إلى بطارقة أهل إيلياء. سلام على من تبع الهدى وءامن بالله وبالرسول". ثم انتظرهم فأبوا أن يأتوه فسار إليهم ونزل بهم وحاصرهم أشد الحصار وضيق عليهم فلما اشتد عليهم الحصار طلبوا منه الصلح فقبل منهم، فقالوا: أرسل إلى خليفتكم فيكون هو الذي يعطينا عهد الصلح فجمع عمر كبار الصحابة وشاورهم في المسير فأشاروا كلهم بالمسير فجمع العساكر وخرج واستخلف على المدينة المنورة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ودخل أمير المؤمنين الجابية وجاء أهل بيت المقدس وقد هرب أرطبون أمير عسكر الروم إلى مصر وحينئذ وقع الصلح بين أمير المؤمنين وبين رؤساء أهل بيت المقدس على الجزية بشروط معلومة.
فتح مصر:
وأما فتح مصر فإنه لما فتح بيت المقدس استأذن عمرو بن العاص أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فتح مصر فأذن له واتبعه الزبير بن العوام، فساروا حتى دخلوا في قرى الريف، وتقابل الفريقان والتحم القتال وانهزم الكفار شر هزيمة وحاصرهم المسلمون فقبلوا الصلح والجزية. ونزل المسلمون مصر واستلموها ثم توجه عمرو إلى الإسكندرية وفتحها عنوة وجعل أهلها ذمة وجعل فيها جندا من المسلمين.
من فضائل الفاروق عمر:
جاهد رضي الله عنه في الله حق جهاده، وجيّش الجيوش وفتح البلاد، وأعز المسلمين والإسلام وأذل الكفر وأجلى اليهود من بلاد الحجاز، كما أجلى نصارى نجران ويهودها من جزيرة العرب. كثرت في أيامه الفتوحات وعمّر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، وفي سنة سبعة عشر توجه أمير المؤمنين معتمرا وأقام بمكة عشرين يوما وفيها وسّع المسجد الحرام. وفي هذه السنة تزوج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وفي سنة ثمان عشرة حصل قحط شديد سميّ ذلك العام عام الرمادة فاستسقى عمر رضي الله عنه، وخطب وأخذ العباس بن عبد المطلب وتوسل به وجثا على ركبتيه وبكى يدعو إلى أن نزل المطر وأُغيثوا. وهو أول من جمع الناس إلى صلاة التراويح، وأول من تسمى بأمير المؤمنين رضي الله عنه.
نبذة من كلامه ومواعظه رضي الله عنه:
وعن ثابت بن الحجاج قال: قال عمر: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، تزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية" (الحاقة). وعن الأحنف قال: قال لي عمر بن الخطاب: "يا أحنف، من كثر ضحكه قلّت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن أكثر من شىء عرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قلّ حياؤه وقلّ ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه.
وفاته رضي الله عنه:
وفي سنة ثلاث وعشرين حج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم رجع إلى المدينة المنورة وفي ختامها طعنه أبو لؤلؤة فيروز مملوك المغيرة بن شعبة أصله من نهاوند مجوسي كافر لعنه الله. وكان عمر رضي الله عنه خرج لصلاة الصبح وقد استوت الصفوف فدخل الخبيث أبو لؤلؤة بين الصفوف وبيده خنجر مسموم برأسين فضربه به ثلاث طعنات إحداها تحت سرّته فمسكوه وأصيب من الصحابة نحو اثني عشر رجلا مات منهم ستة وطعن اللعين نفسه فمات. وسقط عمر رضي الله عنه على الأرض.
أخي المسلم:
لقد كان عهد عمر بن الخطاب كعهد سلفه عهدا ذهبيا، عاش المسلمون في أيام خير وعدل وعز كيف لا وأميرهم وقائدهم هو الفاروق الذي فرّق بين الحقّ والباطل، والذي كان لا يخشى في الله لومة لائم، والذي كانت مخافة الله لا تفارق قلبه. وما أحوجنا نحن المسلمون في هذا الزمن إلى فاروق آخر وأمير عادل يحكم بالإسلام وبشريعة خير الأنام.
عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الطاهر الأمين وعلى آله وصحبه وسلم.
قال الله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}(الأحزاب).
أما بعد، فهذه حلقات في ذكر الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين وأمراء المؤمنين ورثة خير المرسلين وهم أربعة، ومدة خلافتهم ثلاثون سنة وحديثنا اليوم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه مدة خلافته اثنتا عشرة سنة إلا يوما ابتداء من سنة أربع وعشرين هجرية من يوم وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
نسبه وكنيته:
هو أبو عمرو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي أمه أروى بنت كريز. لقب بذي النورين لأنه تزوج بنتي سيد الكونين رقية وأم كلثوم. كان ربعة، حسن الوجه، أبيض، مشربا بحمرة، كث اللحية، طويل الذراعين، شعره كسا ذراعيه أصلع قد شد أسنانه بالذهب، كان خاتمه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر رضي الله عنهم.
ولد بالطائف بعد الفيل بست سنين، أسلم قديما على يد أبي بكر رضي الله عنهما وعمره حينئذ تسع وثلاثون سنة، ثم هاجر مع زوجته رقية إلى الحبشة، ثم قدم مكة قبل الهجرة ومنها إلى المدينة قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم. شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بدرا لأن زوجته رقية كانت مريضة فأمره صلى الله عليه وسلم أن يقيم بالمدينة ليمرضها وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بدر وأسهم له من غنائمها. بويع له بالخلافة بعد دفن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بثلاث ليال.
غزوات عهده:
بعث عثمان بن عفان جيشا بإمرة سلمان بن ربيعة إلى بلاد أرمينية فذهبوا ودخلوا البلاد، ثم غزا معاوية بلاد الروم حتى بلغ عمورية في خلافة عثمان وكان عمرو بن العاص غزا طرابلس الغرب وحاصرها شهرا وكان بها الروم من جهة هرقل.
فضائله رضي الله عنه:
وفي سنة ثلاثين بلغ الخليفة عثمان بن عفان أنه وقع في العراق اختلاف في القرءان فجمع عثمان الصحابة ونسخوا أربعة مصاحف فبعث أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى كل أفق من الآفاق بمصحف يكون مرجعا وعمدة يعتمدون عليه فلم يقع بعد ذلك ولله الحمد خلاف في كلمة أبدا.
وقد ورد عن عثمان ابن موهب قال: جاء رجل من أهل مصر، حج البيت فرأى قوما جلوسا فقال، من هؤلاء؟ قالوا قريش قال: فمن الشيخ فيهم: قالوا: عبد الله بن عمر. قال: يا بن عمر أني سائلك عن شىء، فحدثني، هل تعلم أن عثمان فرّ يوم أحد؟ قال: نعم قال: هل تعلم أنه تغيب عن يوم بدر ولم يشهدها؟ قال: نعم. قال: هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان ولم يشهدها؟ قال نعم. قال: الله أكبر، فقال ابن عمر: تعال أبين لك. أما فراره يوم أحد فأشهد أنّ الله عفا عنه وغفر له. وأما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه، وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب إلى مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى "هذه يد عثمان" فضرب بها على يده فقال: هذه لعثمان. فقال له ابن عمر: اذهب بها الآن معك (أي اذهب بهذه الأجوبة الآن لعله يزول عنك ما تسمعه في عثمان فإنه ذو منزلة سامية). أخرجه البخاري والترمذي في مناقب عثمان.
من مآثر هذا الخليفة المتواضع الورع:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا عائشة لو كان عندنا من يحدثنا. قالت: قلت يا رسول الله ألا أبعث إلى أبي بكر؟ فسكت. ثم قال: لو كان عندنا من يحدثنا
فقلت: ألا أبعث إلى عمر؟ فسكت. قالت ثم دعا وصيفا بين يديه فسارّه فذهب. قالت: فإذا عثمان يستأذن، فأذن له، فدخل فناجاه النبيّ صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال: يا عثمان إنّ الله عز وجل مقمصك قميصا (أي الخلافة) فإذا أدارك المنافقون على أن تخلعه فلا تخلعه لهم ولا كرامة. يقولها له مرتين أو ثلاثا. رواه ابن ماجه والترمذي وأحمد في المسند.
وعن عبد الرحمن بن خباب السلمي قال: خطب النبيّ صلى الله عليه وسلم فحث على جيش العسرة فقال عثمان: علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها. ثم حث، فقال عثمان: على مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها، قال: ثم نزل مرقاة من المنبر ثم حث فقال عثمان: عليّ مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها فرأيت النبي بيده يحركها: ما على عثمان ما عمل بعد اليوم. (معنى أحلاسها: كساء رقيق)
وفاته رضي الله عنه:
لما تكاملت الفتوحات للأمة الإسلامية وقوى الملك في الأمصار واختلطت العرب بالأمم والأقوام المختلفة اللغات وكثر الطعن والقيل والقال في المدينة كتب رؤساء الفتنة إلى جماعتهم في Gلأمصار يستقدمونهم إلى المدينة إرادة الفتنة والمكيدة للخليفة. ودخل عليه سفهاء الفتنة فضربه أحدهم بالسيف فأكبت عليه نائلة زوجته فقطعت أصابع يدها، ثم قتلوه رضي الله عنه وذلك يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ودفن في البقيع وكانت خلافته اثني عشرة سنة إلا يوما.
قال عثمان رضي الله عنه قبل قتله أني رأيت البارحة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وأبا بكر وعمر فقالوا لي: اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة.
أخي المسلم:
نسأل الله عز وجل أن يجعل في ذكر سيرة هؤلاء الأفذاذ الأبرار ما ينير لنا دربنا، ويقوّم اعوجاجنا ويحسن أحوالنا وأفعالنا وأخلاقنا، ونسأله أن يقوي عزائمنا للإقتداء بمسلكهم القويم ونهجهم السليم. والسلام عليك يا سيدنا يا ذا النورين عثمان بن عفان ورحمة الله وبركاته.
اللهم خلّقنا بأخلاق الخلفاء الراشدين المهديين، واجعلنا على خطاهم سائرين.
علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين وعلى آله وصحبه وسلم.
قال الله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}(الأحزاب).
أما بعد، فهذه حلقات في ذكر الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين وأمراء المؤمنين ورثة خير المرسلين وهم أربعة ومدة خلافتهم ثلاثون سنة وحديثنا اليوم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مدة خلافته أربع سنين وتسعة أشهر من سنة خمس وثلاثين من يوم وفاة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
نسبه وكنيته:
هو أبو الحسن عليّ بن أبي طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم ولد قبل البعثة بعشر سنين وتربى في حجر النبيّ صلى الله عليه وسلم وفي بيته، أول من أسلم بعد خديجة وهو صغير، كان يلقب حيدرة وكنّاه النبيّ صلى الله عليه وسلم أبا تراب. ولمّا هاجر النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة أمر عليا أن يبيت على فراشه وأجله ثلاثة أيام ليؤدي الأمانات التي كانت عند النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أصحابها ثم يلحق به إلى المدينة فهاجر من مكة إلى المدينة المنورة ماشيا. شهد المشاهد كلها مع النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا غزوة تبوك واصطفاه النبيّ صلى الله عليه وسلم صهرا له وزوجه بنته فاطمة الزهراء وأعطاه اللواء يوم خيبر ففتحها، واقتلع باب الحصن، كان رضي الله عنه وكرّم وجهه آدم اللون، أدعج العينين عظيمها، حسن الوجه، ربعة القد، كثير الشعر عريض اللحية، أصلع الرأس، ضحوك السن، أشجع الصحابة وأعلمهم في القضاء، وأزهدهم في الدنيا لم يسجد لصنم قط رضي الله عنه.
فضائل هذا العالم العامل الزاهد:
كان رضي الله عنه وأرضاه غزير العلم، زاهدا ورعا شجاعا وقد ورد عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه قال: "ما جاء لأحد من فضائل ما جاء لعلي". ويكفيه خصوصية أنه من المغفور لهم حيث جاء في حديث عبد الله بن مسلمة عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن غفر الله لك وإن كنت مغفورا لك؟ قال: قل لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله ربّ العرش العظيم الحمد لله ربّ العالمين" أخرجه الترمذي.
وعن عائشة بنت سعد قالت: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجحفة فأخذ بيد علي فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أيها الناس إني وليكم" قالوا: صدقت يا رسول الله ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: "هذا وليي ويؤدي عني دَيني وأنا موالي من والاه ومعادي من عاداه" أخرجه النسائي في خصائص أمير المؤمنين.
رجل يحبه الله ورسوله:
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: “لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه". قال عمر بن الخطاب: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ قال: فتساورت لها رجاء أن ادعي لها قال: فدعا علي بن أبي طالب فأعطاه إياها ثم قال: امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك. قال فسار علي شيئا ثم وقف ولم يلتفت فصرح: يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال: "قاتلهم حتى يشهدوا أن لا ءاله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله. رواه مسلم.
وكان علي كرّم الله وجهه لا يجد حرا ولا بردا بعد أن دعا الرسول له قائلا: "اللهم اكفه أذى الحر والبرد". فكان رضي الله عنه يخرج في البرد في الملاءتين ويخرج في الحر في الخشن والثوب الغليظ". أخرجه النسائي في خصائص أمير المؤمنين.
وكان ذا قوة متميزة، فقد روى الطبراني عن أحد الصحابة أنه قال: "خرجنا مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من اليهود فطاح ترسه من يديه، فتناول علي بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده حين فرغ فقد رأيتني في نفر سبعة نجهد على أن نقلب ذلك الباب فلم نستطع.
من أقواله ومواعظه المأثورة:
لقد كان لسيدنا علي كرم الله وجهه أقوال ومواعظ كثيرة منها أنه قال: "إن أخوف ما أخاف اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة."
وقال أيضا: "ارتحلت الدنيا وهي مدبرة وارتحلت الآخرة وهي مقبلة ولكل واحدة منها بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، اليوم العمل ولا حساب وغدا الجزاء ولا عمل" رواه البخاري.
وفاته رضي الله عنه:
لمّا كثر أهل افتن وتعددت فرق الضلال تآمر بعضهم وتواعد لسبع عشرة ليلة من شهر رمضان سنة أربعين هجرية، فوثب ابن ملجم وقد خرج علي رضي الله عنه إلى صلاة الصبح فضربه بالسيف في جبهته فكانت وفاة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه لإحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين عن ثلاث وستين أو تسع وخمسين سنة من عمره فكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر.
أخي المسلم:
إليك هذه النصيحة العظيمة: كن محبا لمن أحبهم الله ورسوله، معظما لمن رفع الله من شأنهم وأعلى قدرهم، وليبق حب الصحابة محفورا في قلبك، ولا سيما الخلفاء الراشدين العاملين الورعين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وسلام الله عليهم أجمعين.
اللهم املأ قلوبنا بحبك وحب أحبابك، واجعل ولاة أمورنا من الصالحين العاملين الورعين. اللهم أصلح ولاة أمورنا واجعلهم كعمر يفرقون بين الحق والباطل ولا يخشون في الله لومة لائم.