يبلغ عدد سكان منطقة عفرين حسب إحصاءات السجل المدني لعام 2007 (469748) نسمة
وهذا الرقم لا يمثل العدد الفعلي المقيم للسكان بسبب الهجرة إلى خارج المنطقة التي أخذت أشكالاً عديدة يمكن إجمالها فيما يلي :
1- هجرة دائمة وهي نوعان :
o خارجية : توجهت إلى خارج القطر وخاصة أوروبة .
o داخلية : ( داخل القطر ) توجهت نحو مدينة حلب بشكل خاص .
وفي نطاق أضيق باتجاه العاصمة دمشق ومدينة الثورة خلال فترة بناء سد الفرات.
2- هجرة مؤقتة : باتجاه القطر اللبناني الشقيق بقصد العمل وهي هجرة موسمية تتم في المواسم الزراعية وأثناء جني الفاكهة وقد استشهد 23 مواطناً ومواطنة من هؤلاء العمال من جراء العدوان الإسرائيلي على القطر اللبناني في تموز2006 حيث استهدفتهم الطائرات الإسرائيلية في بلدة القاع وأثناء عملهم في جني الدراق والخوخ .
3- نصف هجرة : أي إقامة مزدوجة في حلب وعفرين بآن واحد وهذا النوع أكثر شيوعاً بين أبناء المنطقة حيث يعمد الأهل لاقتناء منزل في مدينة حلب لتأمين السكن لأبنائهم الطلاب أو لمن توفرت له فرصة عمل منهم.
4- هجرة داخل منطقة عفرين : توجهت نحو مدينة عفرين ومراكز النواحي كبلدتي جنديرس وراجو وإلى بعض القرى على محاور الطرق الرئيسة والتي نمت بشكل سريع خلال سنوات معدودة كقرى قسطل مقداد و قسطل خضريانلي وكفرجنة.
ورغم صعوبة الهجرة وما تسببه من وضع غير مستقر وضغوط نفسية على المهاجر وصعوبات مادية فكانت الشر الذي لا بد منه للتخلص من الفقر والفاقة وقلة الموارد وفرص العمل و لتحقيق حياة أفضل ...
فكانت الهجرة كما رأينا من أحضان الجبل إلى أقدامه أو نحو مدينة حلب والبعض نحو العاصمة دمشق أو مدينة الطبقة ويبدو أن بعضا آخرً لم يشف غليله من هكذا هجرة فابتعد باتجاه بلاد المغترب نحو أوروبا القارة العجوز وشمر عن ساعديه دون تردد ليفني شبابه في العمل والعلم ..بيده شجرة زيتون وفي قلبه جبل ما زالت سفينة نوح ترسو إليه.
إنه ابن عفرين فهو فيها رغم بعده الطارئ .. والمؤقت .. وبالتالي قد لا يكون مستغرباً أن تجد حياً يسمى بعفرين في مدينة بون الألمانية أو تجد مطعماً في وسط المدينة نفسها يكنى بالمطعم السوري وقد راحت آلة التسجيل تصدح بأغنيات عذبة لجميل هورو وعدنان دلبرين ...
إنها الغربة لا يعرف مذاقها المر إلا صاحبها. وكثيرون ممن هاجروا لا يملكوا سوى الذكرى علها تنفعهم كلما اشتد بهم الشوق والحنين لمعانقة شجرة زيتون أو لنسمة الجبل المنعشة ...
نعود للأرقام علها تعطينا حجم هذه المشكلة وأسبابها ومخاطرها وخاصة أن قرى كثيرة أصبحت خالية الوفاق وتعطلت فيها لغة الكلام وراحت الريح تصفر في بيادرها بمختلف الاتجاهات على أطلال محتها سنوات الغربة .. فلا تجد فيها إلا من أطال الله في عمره من الشيوخ وكبار السن فكأنما أصبحت المنطقة داراً للعجزة أو المتقاعدين .... لا تدب فيها الحياة إلا في موسم الزيتون أو في مناسبة عيد أو فرح حيث يعود البعض من أبنائها .. وقد أكون سوداوياً في وصف حال عفرين ....وإليكم الأرقام :
لنستعرض جداول التعداد العام للسكان والمساكن الذي تم بإشراف المكتب المركزي للإحصاء في أعوام 1981 /1994 / 2004 ونقارن هذا العدد الفعلي المقيم للسكان أو ما يسمى عدد السكان المتواجدين ليلة الإسناد الزمني للتعداد مع عدد السكان المسجلين في سجلات الأحوال المدنية والذي يضم المتواجدين ضمن المنطقة وخارجها
ثانياً : أسباب الهجرة :
إن استعراض الجدول الإحصائي أعلاه يظهر تبايناً كبيراً بين عدد المقيمين والمسجلين وأسبابها تعود للهجرة الداخلية التي اتسعت في النصف الثاني من القرن الماضي وتمثلت في الهجرة من الريف إلى المدينة وفي حالة منطقة عفرين كانت الهجرة أكثر اتساعاً و تدل الأرقام والنسب على ارتفاعها حيث وصلت نسبة من غادر المنطقة إلى 61.43% عام 2004 ولا نملك حالياً أرقاماً جديدة كون التعداد العام يحصل كل عشر سنوات وتقدر النسبة حالياً ب 66% أي يقطن حالياً في منطقة عفرين 34% من سكانها وهذه النسبة تعبر بشكل صارخ عن حجم المشكلة وإليكم بعض أسبابها :
ثالثاُ : قراءات مستقبلية :
أ ـ ضيق رقعة الأرض الزراعية بسبب فقر التربة في بعض النواحي وانتشار الجبال بنسب تصل إلى 90%، وتدل الأرقام والنسب التي تعود إلى عام 2004 أن أكثر المناطق التي تشهد نزيفاً متصاعدا في أعداد سكانها هي النواحي الجبلية وأقلها النواحي ذات الأراضي السهلية
أما منطقة جبل ليلون وهي تابعة لناحية المركز ورغم طبيعة أراضيها الصخرية الوعرة فإن الهجرة منها أقل وطأة نسبياً بسبب قربها من مدينة حلب والطالب الجامعي أو العامل في المدينة يمكنه التوجه يومياً إلى مدينة حلب دون الحاجة للإقامة فيها ودون مشقة أو صعوبة تذكر .
ب- الغطاء النباتي الطبيعي والاصطناعي يخرج 10% من مساحة المنطقة من دائرة الاستثمار الزراعي ويشكل عاملاً من عوامل الهجرة لعدم توفر الأرض الزراعية. (أنظر تفاصيل توزع الأراضي في منطقة عفرين المخطط التفصيلي الآتي:
ت- تدني مردود موسم الزيتون بسبب المياومة من جهة، وارتفاع تكاليف الإنتاج وتدني سعر الزيت، من جهة ثانية، إذ وصل سعر الكيلو في سنوات سابقة إلى ما دون ال 60 ل.س مع صعوبات كبيرة في تصريف الإنتاج وهذا أدى إلى انخفاض مستوى المعيشة وتراكم الديون و يفسر ذلك كثرة ظاهرة (رهن الزيتون واستدانة الأموال بفوائد ظالمة )، مما دفع أبناء الفلاحين للهجرة بحثاً عن فرص عمل فكانت المدينة هي الموئل ...
ث- عدم إمكانية الاعتماد على حرفة الرعي وتربية الماشية في المنطقة كون النمط المعيشي لسكان عفرين حضري ولكون منطقتهم جبلية يحظر فيها تربية الماعز الذي يشكل خطراً على المناطق الحراجية .
ج- تراجع أهمية موقع المنطقة بعد اتفاقية سايكس بيكو وسلخ لواء اسكندرون وضعف دورها التجاري حيث كانت ممراً للقوافل التجارية بين حلب وإنطاكية وقد أمعن في إضعاف هذا الدور الاقتصادي إغلاق معبر الحمام الحدودي مع تركيا .. كما أن موقع المنطقة الحالي والمتطرف في الزاوية الشمالية الغربية من القطر حيث تحيط بها الحدود التركية شمالاً وغرباً بعيداً عن الطرق الدولية أو الطرق التي تربط بين المحافظات لا يتيح لها أي دور تجاري أو اقتصادي..
ح- عدم إمكانية توفير المسكن المناسب للأجيال الشابة مع أزمات نقص حادة شهدتها مرحلة الثمانينيات في مواد البناء وغلاء أسعارها بالإضافة إلى عدم إمكانية الاستفادة من قروض المصرف العقاري كون المنطقة غير محددة ومحررة ومع غياب الجمعيات السكنية والمساكن الشعبية كانت المدينة وأحياء المخالفات فيها هي الحل البديل .. فنمت أحياء غربي مدينة حلب جلى سكانها من منطقة عفرين .. ( كالأشرفية والشيخ مقصود وبستان الباشا و الخالدية ) وقد تجد حياً بالكامل في إحدى هذه المناطق يسمى باسم القرية هذه أو تلك نسبة لقاطنيها ( كحارة بعدنلي في الأشرفية ).
خ- كما أن المدينة تلك ( الفتاة اللعوب) كانت عامل جذب لأبناء الريف عامة وأبناء منطقة عفرين خاصة لما توفره من خدمات وفرص عمل ومجالات تعليم أفضل وخاصة أن منطقة عفرين تعتبر أكثر المناطق توجهاً للعلم وفيها أعلى نسبة متعلمين في محافظة حلب وخاصة في مجال الإناث وتدل الأعداد الكبيرة من حملة الدكتوراة ومن الأطباء والمهندسين والمحامين والصيادلة على مدى التوجه نحو التعلم ولن يكون مستغرباً أن تجد سائق تكسي أو نادلاً في مطعم من أبناء المنطقة يحمل الشهادة الثانوية كحد أدنى ... ( أنظر جدولاً بأسماء حملة الإجازة في الجغرافيا على سبيل المثال ).
وضاع الكثيرين منهم و أصبحوا على أبواب التقاعد بعد أن انتهت مهمتهم في تأمين وتأسيس السكن لأولادهم وتوفير فرص عمل لهم ومورد مناسب لتحسين مستوى معاشهم ( معروف عن أبناء عفرين بأنهم يحبون تحسين ملبسهم ومسكنهم ووضعهم الدراسي والتعليمي ولو على حساب طعامهم ) ...فأقفل عائداً باتجاه مسقط رأسه ليتابع مسيرة الجهد والشقاء في تحسين سكنه وتوفير حياة أفضل وخاصة أن تحسن أسعار الزيت قد أمده بدخل إضافي مناسب كما أن الازدحام الشديد وضعف الخدمات في مناطق المخالفات في المدينة قد عجل في الهروب نحو الريف وتدل الحركة النشطة في عفرين على مدى النشاط السكني فيها .
2- بناء سد 17 نيسان وإقامة مشروع ري عفرين ( إرواء 30 ألف هكتار ) سيساهم في قيام زراعة مستقرة وكثيفة تمتص البطالة وتوفر فرص عمل مجزية.. بالإضافة إلى أن السد سيعمل على تأمين مياه الشرب لبعض القرى ولمدينة عفرين مما يساهم في حل مشكلة متفاقمة كانت سبباً في تردي الوضع الصحي في مدينة عفرين كما أن تحسن الوضع الخدمي في المنطقة من حيث الطرق المعبدة و إنارة جميع القرى وساهم الطريق الحدودي في ربط قرى المنطقة ببعضها ... كل ذلك سيجعل من الريف عامل جذب معاكس
3- البدء بتنفيذ طريق حلب - إعزاز – عفرين وهو طريق سريع سيعمل على اختصار المسافة وبحيث تصبح مناطق كثيرة من عفرين بمثابة ضاحية مجاورة لمدينة حلب والوصول للمدينة لا يحتاج سوى إلى نصف ساعة ..ولن تكون هناك حاجة للإقامة في المدينة..
4- تحسن وضع السكن وإمكانية توفيره لذوي الدخل المحدود من خلال بعض الإجراءات غير المباشرة كتحديد وتحرير المساكن وتأسيس جمعيات سكنية في مدينة عفرين وقراها كما أن مؤسسة الإسكان والمرافق تسعى حالياً لبناء مساكن شعبية قد تساهم في الحد من الهجرة ...
5- هناك تحسن باتجاه السياحة مع بناء سد 17 نيسان وبحيرة ميدانكي الجميلة و وجود عشرات المتنزهات والأماكن الأثرية بالإضافة إلى اكتشاف موطن الإنسان البدائي ( النياندرتال ) واكتشاف مدفن القديس مار مارون في قرية براد، كل ذلك جعل المنطقة متنفساً لأهالي محافظة حلب ..... و سيعمل على تحسين وضع المنطقة اقتصادياً مع ازدياد عدد المطاعم والمتنزهات وتوفير فرص العمل ....
6- أخيراً ..أتمنى أن نشهد في سنوات قادمة تراجعاً في الهجرة الداخلية في القطر، لما لذلك من إيجابيات على الريف والمدينة معاً
تقدمة هاوار عفرين المغترب