التوبة
لقد عرفتَ في البحث السابق غوائل الذنوب، وأضرارها المادية والروحية، والتشابه بينهما وبين الأمراض الجسمية في مذاحتها، وسوء آثارها على الإنسان.
فكما تجدرُ المسارعة الى علاج الجسم من جراثيم الأمراض قبل استفحالها، وضعف الجسم عن مكافحتها، كذلك تجب المبادرة الى تصفية النفس، وتطهيرها من أوضار الذنوب، ودنس الآثام، قبل تفاقم غوائلها، وعسر تداركها.
وكما تعالج الأمراض الصحيحة بتجرع العقاقير الكريهة، والاحتماء عن المطاعم الشهية الضّارة، كذلك تعالج الذنوب بمعاناة التوبة والإنابة، والإقلاع عن الشهوات العارمة، والأهواء الجامحة، ليأمن التأثب أخطارها ومآسيها الدنيوية والأخروية.
حقيقة التوبة:
لا تتحقق التوبة الصادقة النصوح إلا بعد تبلورها، واجتيازها
{ 254 }
أطواراً ثلاثة:
فالطور الأول: هو: طور يَقظَة الضمير، وشعور المذنب بالأسى والندم على معصية اللّه تعالى، وتعرضه لسخطه وعقابه، فاذا امتلأت نفس المذنب بهذا الشعور الواعي انتقل الى:
الطور الثاني، وهو: طور الانابة الى اللّه عز وجل، والعزم الصادق على طاعته، ونبذ عصيانه، فإذا ما أنس بذلك تحول الى:
الطور الثالث، وهو: طور تصفية النفس من رواسب الذنوب، وتلافي سيئاتها بالأعمال الصالحة الباعثة على توفير رصيد الحسنات، وتلاشي الشيئات، وبذلك تتحقق التوبة الصادقة النصوح.
وليست التوبة هزل عابث، ولقلقة يتشدق بها اللسان، وإنما هي: الانابة الصادقة الى اللّه تعالى، ومجافاة عصيانه بعزم وتصميم قويين، والمستغفر بلسانه وهو سادر في المعاصي مستهتر كذّاب، كما قال الامام الرضا عليه السلام:
«المستغفر من ذنب ويفعله كالمستهزئ بربه».
فضائل التوبة:
للتوبة فضائل جمة، ومآثر جليلة، صورها القرآن الكريم، وأعربت عنها آثار أهل البيت عليهم السلام.
وناهيك في فضلها أنّها بلسم الذنوب، وسفينة النجاة، وصمام الأمن
{ 255 }
من سخط اللّه تعالى وعقابه.
وقد أبَت العناية الالهية أن تُهمل العصاة يتخبطون في دياجير الذنوب، ومجاهل العصيان، دون أن يسعهم بعطفه السامي، وعفوه الكريم، فشوقهم الى الأنابة، ومهد لهم التوبة، فقال سبحانه:
«وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم، كتب ربكم على نفسه الرحمة، أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة، ثم تاب من بعده وأصلح، فانه غفور رحيم» (الأنعام: 54).
وقال تعالى: «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه، إن اللّه يغفر الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم» (الزمر: 53).
وقال تعالى حاكياً: «فقلت: استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يُرسل السماء عليكم مدراراً، ويُمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جنات، ويجعل لكم أنهارا» (نوح: 10 - 12).
وقال تعالى: «إن اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين»
(البقرة: 222)
وقال الصادق عليه السلام: «إذا تاب العبد توبة نصوحاً، أحبه اللّه تعالى فستر عليه في الدنيا والآخرة. قال الراوي: وكيف يستر اللّه عليه؟ قال: ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب، ثم يوحي اللّه الى جوارحه اكتمي عليه ذنوبه، ويوحي الى بقاع الأرض اكتمي عليه ما كان يعمل عليك من الذنوب، فيلقى اللّه تعالى حين يلقاه، وليس شيء يشهد
{ 256 }
عليه بشيء من الذنوب»(1).
وعن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: التائب من الذنب كمن لا ذنب له».
وقال صلى اللّه عليه وآله في حديث آخر: «ليس شيء أحب الى اللّه من مؤمن تائب، أو مؤمنة تائبة»(2).
وعن أبي عبد اللّه أو عن ابي جعفر عليهما السلام قال: «إن آدم قال: يا رب سلّطت عليّ الشيطان وأجريته مجرى الدم مني فاجعل لي شيئاً.
فقال: يا آدم جعلتُ لك أن من همّ من ذريتك بسيئة لم يكتب عليه شيء، فان عملها كتبت عليه سيئة، ومن همّ منهم بحسنة فان لم يعملها كتبت له حسنة، فإن هو عملها كتبت له عشراً.
قال: يا رب زدني. قال: جعلت لك أن من عمل منهم سيئة ثم استغفرني غفرت له.
قال: يا رب زدني. قال: جعلت لهم التوبة حتى يبلغ النفس هذه. قال: يا رب حسبي»(3).
وقال الصادق عليه السلام: «العبد المؤمن إذا أذنب ذنباً أجله اللّه سبع ساعات، فان استغفر اللّه لم يكتب عليه، وإن مضت الساعات ولم يستغفر كتبت عليه سيئة، وإن المؤمن ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة حتى
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 183 عن الكافي.
(2) البحار م 3 ص 98 عن عيون اخبار الرضا عليه السلام.
(3) الوافي ج 3 ص 184 عن الكافي.
{ 257 }
يستغفر ربه فيغفر له، وإن الكافر لينساه من ساعته»(1).
وقال عليه السلام: «ما من مؤمن يقارف في يومه وليلته أربعين كبيرة فيقول وهو نادم: «أستغفر اللّه الذي لا إله إلا هو الحي القيّوم بديع السماوات والأرض ذو الجلال والاكرام وأسأله أن يصلي على محمد وآل محمد وأن يتوب عليّ» إلا غفرها اللّه له، ولا خير فيمن يقارف في يومه أكثر من أربعين كبيرة»(2).
وجوب التوبة وفوريتها:
لا ريب في وجوب التوبة، لدلالة العقل والنقل على وجوبها:
أما العقل: فمن بديهياته ضرورة التوقي والتحرز عن موجبات الأضرار والأخطار الموجبة لشقاء الانسان وهلاكه. لذلك وجب التحصن بالتوبة، والتحرز بها من غوائل الذنوب وآثارها السيئة، في عاجل الحياة وآجلها.
وأما النقل: فقد فرضتها أوامر القرآن والسنة فرضاً محتّماً، وشوقت اليها بألوان التشويق والتيسير.
فعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: من تاب قبل موته بسنة قبل اللّه تبوته، ثم قال: إن السنة
_____________________
(1) البحار م 3 ص 103 عن الكافي.
(2) الوافي ج 3 ص 182 عن الكافي.
{ 258 }
لكثير، من تاب قبل موته بشهر قبل اللّه توبته. ثم قال: إن الشهر لكثير، من تاب قبل موته بجمعة قبل اللّه توبته. ثم قال: إن الجمعة لكثير، من تاب قبل موته بيوم قبل اللّه توبته. ثم قال: إن يوماً لكثير، من تاب قبل أن يعاين قبل اللّه توبته»(1).
وعن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: إنّ للّه عز وجل فضولاً من رزقه يُنحله من يشاء من خلقه، واللّه باسط يديه عند كل فجر لمذنب الليل هل يتوب فيغفر له، ويبسط يديه عند مغيب الشمس لمذنب النهار هل يتوب فيغفر له» (2).
تجديد التوبة:
من الناس من يهتدي بعد ضلال، ويستقيم بعد انحراف، فيتدارك آثامه بالتوبة والانابة، ملبياً داعي الايمان، ونداء الضمير الحُر.
بيد أنّ الانسان كثيراً ما تخدعه مباهج الحياة، وتسترقه بأهوائها ومغرياتها، فيقارف المعاصي من جديد، منجرفاً بتيارها العَرمِ، وهكذا يعيش صراعاً عنيفاً بين العقل والشهوات، ينتصر عليها تارة، وتنتصر عليه أخرى، وهكذا دواليك.
وهذا ما يعيق الكثيرين عن تجديد التوبة، ومواصلة الانابة خشية النكول
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 183 عن الكافي.
(2) البحار م 3 ص 100 عن ثواب الأعمال للصدوق (ره).
{ 259 }
عنها، فيظلّون سادرين في المعاصي والآثام.
فعلى هؤلاء أن يعلموا أن الانسان عرضة لاغواء الشيطان، وتسويلاته الآثمة، ولا ينجو منها إلا المعصومون من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام، وانّ الأجدر بهم إذا ما استزلهم بخدعه ومغرياته، أن يجددوا عهد التوبة والانابة بنيّة صادقة، وتصميم جازم، فان زاغوا وانحرفوا فلا يُقنطهم ذلك عن تجديدها كذلك، مستشعرين قول اللّه عز وجل:
«قل يا عباديّ الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه، أنّ اللّه يغفر الذنوب جميعاً، إنّه هو الغفور الرحيم» (الزمر: 53).
وهكذا شجّعت أحاديث أهل البيت عليهم السلام على تجديد التوبة، ومواصلة الانابة، إنقاذاً لصرعى الآثام من الانغماس فيها، والانجراف بها، وتشويقاً لهم على استئناف حياة نزيهة مستقيمة.
فعن محمد بن مسلم قال: قال الباقر عليه السلام: «يا محمد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب عنها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة، أما واللّه إنها ليست إلا لأهل الايمان.
قلت: فان عاد بعد التوبة والاستغفار في الذنوب، وعاد في التوبة. فقال: يا محمد بن مسلم أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر اللّه تعالى منه ويتوب ثم لا يقبل اللّه توبته!! قلت: فانه فعل ذلك مراراً، يذنب ثم يتوب ويستغفر. فقال: كلّما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة، عاد اللّه عليه بالمغفرة، وإنّ اللّه غفور رحيم، يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات،
{ 260 }
فإيّاك أن تُقنّط المؤمنين من رحمة اللّه تعالى»(1).
وعن أبي بصير قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: «يا أيها الذين آمنوا توبوا الى اللّه توبة نصوحاً» (التحريم: 8)؟ قال: هو الذنب الذي لا يعود اليه أبداً. قلت: وأيّنا لم يعد. فقال: يا أبا محمد. إن اللّه يحب من عباده المفتن التوّاب»(2).
المراد بالمفتن التوّاب: هو من كان كثير الذنب كثير التوبة.
ولا بدع أن يحب اللّه تعالى المفتن التواب، فان الاصرار على مقارفة الذنوب، وعدم ملافاتها بالتوبة، دليل صارخ على موت الضمير وتلاشي الايمان، والاستهتار بطاعة اللّه عز وجل، وذلك من دواعي سخطه وعقابه.
منهاج التوبة:
ولا بد للتائب أن يعرف أساليب التوبة، وكيفية التخلص من تبعات الذنوب، ومسؤولياتها الخطيرة، ليكفّر عن كل جريرة بما يلائمها من الطاعة والانابة.
فللذنوب صور وجوانب مختلفة:
منها ما يكون بين العبد وخالقه العظيم، وهي قسمان: ترك الواجبات، وفعل المحرمات.
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 183 عن الكافي.
(2) الوافي ج 3 ص 183 عن الكافي.
{ 261 }
فترك الواجبات: كترك الصلاة والصيام والحج والزكاة ونحوها من الواجبات. وطريق التوبة منها بالاجتهاد في قضائها وتلافيها جُهد المستطاع.
وأما فعل المحرمات: كالزنا وشرب الخمر والقمار وأمثالها من المحرمات، وسبيل التوبة منها بالندم على اقترافها، والعزم الصادق على تركها.
ومن الذنوب: ما تكون جرائرها بين المرء والناس، وهي أشدّها تبعة ومسؤولية، وأعسرها تلافياً، كغصب الأموال، وقتل النفوس البريئة المحرمة، وهتك المؤمنين بالسب والضرب والنمّ والاغتياب.
والتوبة منها بإرضاء الخصوم، وأداء الظُّلامات الى أهلها، ما استطاع الى ذلك سبيلاً، فان عجز عن ذلك فعليه بالاستغفار، وتوفير رصيد حسناته، والتضرع الى اللّه عز وجل أن يرضيهم عنه يوم الحساب.
قبول التوبة:
لا ريب أن التوبة الصادقة الجامعة الشرائط مقبولة بالاجماع، لدلالة القرآن والسنّة عليها:
قال تعالى: «وهو الذي يقبل التوبة عن عباده» (الشورى: 25 ).
وقال تعالى: «غافر الذنب، وقابل التوب» (غافر: 3).
وقد عرضنا في فضائل التوبة طرفاً من الآيات والأخبار الناطقة بقبول التوبة، وفوز التائبين بشرف رضوان اللّه تعالى، وكريم عفوه ، وجزيل آلائه.
{ 262 }
وأصدق شاهد على ذلك ما جاء في معرض حديث للنبي صلى اللّه عليه وآله حيث قال: «لولا أنكم تذنبون فتستغفرون اللّه لخلق اللّه خلقاً حتى يذنبوا ثم يستغفروا اللّه فيغفر لهم، إن المؤمن مفتن تواب، أما سمعت قول اللّه «إن اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين»
(البقرة: 222)(1)
أشواق التوبة:
تتلخص النصائح الباعثة على التوبة والمشوقة إليها فيما يلي:
1 - أن يتذكر المذنب ما صوَّرته الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، من غوائل الذنوب، ومآسيها المادية والروحية، في عاجل الحياة وآجلها، وما توعد اللّه عليها من صنوف التأديب وألوان العقاب.
2 - أن يستعرض فضائل التوبة ومآثر التائبين، وما حباهم اللّه به من كريم العفو، وجزيل الأجر، وسمو العناية واللطف، وقد مرّ ذلك في بداية هذا البحث.
وكفى بهاتين النصيحتين تشويقاً إلى التوبة، وتحريضاً عليها، ولا يرغب عنها إلا أحمق بليد، أو ضعيف الايمان والبصيرة.
_____________________
(1) البحار م 3 ص 103 عن الكافي.
{ 263 }
محاسبة النفس ومراقبتها:
المحاسبة هي: محاسبة النفس كل يوم عمّا عملته من الطاعات والمبرات، أو اقترفته من المعاصي والآثام، فان رجحت كفة الطاعات على المعاصي، والحسنات على السيئات، فعلى المحاسب أن يشكر اللّه تعالى على ما وفقه اليه وشرّفه به من جميل طاعته وشرف رضاه.
وان رجحت المعاصي، فعليه أن يؤدّب نفسه بالتأنيب والتقريع على شذوذها وانحرافها عن طاعة اللّه تعالى.
وأما المراقبة: فهي ضبط النفس وصيانتها عن الاخلال بالواجبات ومقارفة المحرمات.
وجدير بالعاقل المستنير بالايمان واليقين، أن يروّض نفسه على المحاسبة والمراقبة فإنّها (أمّارة بالسوء): متى أهملت زاغت عن الحق، وانجرفت في الآثام والشهوات، وأودت بصاحبها في مهاوي الشقاء والهلاك، ومتى اُخذت بالتوجيه والتهذيب، أشرقت بالفضائل، وازدهرت بالمكارم، وسمت بصاحبها نحو السعادة والهناء، «ونفس وما سوّاها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكّاها، وقد خاب من دسّاها» (الشمس: 7 - 10).
{ 264 }
هذا إلى أن للمحاسبة، والمراقبة أهمية كبرى في تأهب المؤمن، واستعداده لمواجهة حساب الآخرة، وأهواله الرهيبة، ومن ثم اهتمامه بالتزوّد من أعمال البر والخير الباعثة على نجاته وسعادة مآبه.
لذلك طفقت النصوص تشوّق، وتحرّض على المحاسبة والمراقبة بأساليبها الحكيمة البليغة:
قال الامام الصادق عليه السلام: «إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئاً الا أعطاه، فلييأس من الناس كلهم، ولا يكون له رجاء الا من عند اللّه تعالى، فاذا علم اللّه تعالى ذلك من قلبه لم يسأل شيئاً إلا أعطاه، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها، فإن للقيامة خمسين موقفاً كل موقف مقام ألف سنة، ثم تلا «في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة» (المعارج: 4) (1).
وقال الامام موسى بن جعفر عليه السلام: «ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل حسنة استزاد اللّه تعالى، وإن عمل سيئة استغفر اللّه تعالى منها وتاب اليه»(2).
وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن رجلاً أتى النبي صلى اللّه عليه وآله فقال له: يا رسول اللّه أوصني.
فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: فهل أنت مستوصٍ إن أنا أوصيتك؟ حتى قال له ذلك ثلاثاً، وفي كلها يقول له الرجل: نعم
_____________________
(1) الوافي الجزء الثالث ص 62 عن الكافي.
(2) الوافي ج 3 ص 62 عن الكافي.
{ 265 }
يا رسول اللّه.
فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: فاني أوصيك، إذا أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإن يك رشداً فأمضه، وإن يك غيّاً فانته عنه»(1).
وقال الصادق عليه السلام لرجل: «إنّك قد جُعلتَ طبيب نفسك، وبُيّن لك الداء، وعُرّفت آية الصحة، ودُلِلت على الدواء، فانظر كيف قياسك على نفسك»(2).
وعن موسى بن جعفر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال:
«قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعث سرية، فلما رجعوا قال: مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر، وبقي عليهم الجهاد الأكبر.
قيل: يا رسول اللّه، وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس. ثم قال: أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه»(3).
دستور المحاسبة:
لقد ذكر المعنيون بدراسة الأخلاق دستور المحاسبة والمراقبة بأسلوب مفصّل ربما يشق على البعض تنفيذه، بيد أني أعرضه مجملاً وميسراً في
_____________________
(1)، (2) الوافي ج 3 ص 62 عن الكافي.
(3) البحار م 15 ج 2 ص 40 عن معاني الأخبار وأمالي الصدوق.
{ 266 }
أمرين هامين:
1 - أول ما يجدر محاسبة النفس عليه أداء الفرائض التي أوجبها اللّه تعالى على الناس، كالصلاة والصيام والحج والزكاة ونحوها من الفرائض، فإن أداها المرء على الوجه المطلوب، شكر اللّه تعالى على ذلك ورجّى نفسه فيما أعد اللّه للمطيعين من كرم الثواب وجزيل الأجر.
وإن أغفلها وفرّط في أدائها خوّف نفسه بما توعد اللّه العصاة والمتمردين عن عباده بالعقاب الأليم، وجد في قضائها وتلافيها.
2 - محاسبة النفس على اقتراف الآثام واجتراح المنكرات، وذلك: بزجرها زجراً قاسياً، وتأنيبها على ما فرط من سيئاتها، ثم الاجتهاد بملافاة ذلك بالندم عليه والتوبة الصادقة منه.
ولقد ضرب النبي صلى اللّه عليه وآله أرفع مثل لمحاسبة النفس، والتحذير من صغائر الذنوب ومحقراتها:
قال الصادق عليه السلام: «إن رسول اللّه نزل بأرض قرعاء، فقال لأصحابه: إئتونا بحطب. فقالوا: يا رسول اللّه نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب. قال: فليأت كل إنسان بما قدر عليه، فجاءوا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: هكذا تجتمع الذنوب.
ثم قال: إياكم والمحقرات من الذنوب، فإن لكل شيء طالباً، ألا وانّ طالبها يكتب:
{ 267 }
«ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين» (ياسين: 12)(1).
وكان بعض الأولياء يحاسب نفسه بأسلوب يستثير الدهشة والاكبار:
من ذلك ما نقل عن توبة بن الصمة، وكان محاسباً لنفسه في أكثر أوقات ليله ونهاره، فحسب يوماً ما مضى من عمره، فاذا هو ستون سنة، فحسب أيامها فكانت احدى وعشرين ألف يوم وخمسمائة يوم، فقال: ياويلتاه!!، ألقى مالكاً باحدى وعشرين ألف ذنب، ثم صعق صعقة كانت فيها نفسه(2).
وما أحلى هذا البيت:
إذا المرء أعطى نفسه كل شهوة*** ولم ينهها تاقت الى كل باطل
اغتنام فرصة العمر:
لو وازن الانسان بين جميع مُتع الحياة ومباهجها، وبين عمره وحياته لوجد أنّ العمر أغلى وأنفس منها جميعاً، وأنه لا يعدله شيء من نفائس الحياة وأشواقها الكثر، إذ من الممكن اكتسابها او استرجاع ما نفر منها.
أما العمر فإنه الوقت المحدد الذي لا يستطيع الانسان إطالة أمده، وتمديد أجله المقدر المحتوم «ولكل أمة أجل، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون» (الأعراف: 34).
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 168 عن الكافي.
(2) سفينة البحار ج 1 ص 488.
{ 268 }
كما يستحيل استرداد ما تصرم من العمر، ولو بذل المرء في سبيل ذلك جميع مقتنيات الحياة.
وحيث كان الانسان غفولاً عن قيم العمر وجلالة قدره، فهو يسرف عابثاً في تضييعه وإبادته، غير آبه لما تصرم منه، ولا مغتنم فرصته السانحة.
من أجل ذلك جاءت توجيهات آل البيت عليهم السلام موضحة نفاسة العمر، وضرورة استغلاله وصرفه فيما يوجب سعادة الانسان ورخائه في حياته العاجلة والآجلة.
قال سيد المرسلين صلى اللّه عليه وآله في وصيته لأبي ذر: «يا أبا ذر، كُن على عمرك أشحّ منك على درهمك ودينارك»(1).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «إنما الدنيا ثلاثة أيام: يوم مضى بما فيه فليس بعائد، ويوم أنت فيه فحقّ عليك اغتنامه، ويوم لا تدري أنت من أهله، ولعلك راحل فيه.
أما اليوم الماضي فحكيم مُؤدب، وأما اليوم الذي أنت فيه فصديق مودّع، وأمّا غد فإنما في يديك منه الأمل».
وقال عليه السلام: «ما من يوم يمر على ابن آدم، إلا قال له ذلك اليوم: أنا يوم جديد، وأنا عليك شهيد، فقل فيّ خيراً، واعمل
_____________________
(1) الوافي قسم المواعظ في وصية النبي (ص) لأبي ذر.
{ 269 }
فيّ خيراً، أشهد لك به يوم القيامة، فإنك لن تراني بعد هذا أبداً»(1).
وروي أنه جاء رجل الى علي بن الحسين عليهما السلام يشكو اليه حاله، فقال: «مسكين ابن آدم، له في كل يوم ثلاث مصائب لا يعتبر بواحدة منهن، ولو اعتبر لهانت عليه المصائب وأمر الدنيا:
فأما المصيبة الأولى: فاليوم الذي ينقص من عمره. قال: وإن ناله نقصان في ماله اغتم به، والدهر يخلف عنه والعمر لا يردّه شيء.
والثانية: انه يستوفي رزقه، فان كان حلالاً حُوسِبَ عليه، وان كان حراماً عوقب.
قال: والثالثة أعظم من ذلك. قيل: وما هي؟ قال: ما من يوم يمسي إلا وقد دنا من الآخرة مرحلة، لا يدري على جنة أم على نار.
وقال: أكبر ما يكون ابن آدم اليوم الذي يولد من أمّه.
«قالت الحكماء ما سبقه الى هذا أحد»(2).
وقال الصادق عليه السلام: «إصبروا على طاعة اللّه، وتصبروا عن معصية اللّه، فإنما الدنيا ساعة، فما مضى فلست تجد له سروراً ولا حزناً، وما لم يأت فلست تعرفه، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنك قد اغتبطت »(3).
وقال الباقر عليه السلام: «لا يغرّنك الناس من نفسك،
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 63 عن الفقيه.
(2) عن كتاب الاختصاص المنسوب للشيخ المفيد.
(3) الوافي ج 3 ص 63 عن الكافي.
{ 270 }
فإن الأمر يصل إليك دونهم، ولا تقطع نهارك بكذا وكذا، فإنّ معك من يحفظ عليك عملك، فأحسن فانّي لم أر شيئاً أحسن دركاً، ولا أسرع طلباً، من حسنة محدثة لذنب قديم»(1).
وعن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله: «بادر بأربع قبل أربع، بشبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك»(2).
وعن الباقر عليه السلام عن النبي صلى اللّه عليه وآله قال: «لا يزولُ قدم (قدما) عبد يوم القيامة من بين يدي اللّه، حتى يسأله عن أربع خصال: عمرك فيما أفنيته، وجسدك فيما أبليته، ومالك من أين اكتسبته واين وضعته، وعن حبنا أهل البيت؟»(3).
وقال بعض الحكماء: إنّ الانسان مسافر، ومنازله ستة، وقد قطع منها ثلاثة وبقي ثلاثة:
فالتي قطعها: -
1 - من كتم العدم الى صلب الأب وترائب الأم.
2 - رحم الأم.
3 - من الرحم الى فضاء الدنيا.
وأما التي لم يقطعها : -
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 62 عن الكافي.
(2) البحار م 15 ص 165 عن كتاب كمال الدين للصدوق.
(3) البحار م 7 ص 389 عن مجالس الشيخ المفيد.
{ 271 }
فأولها القبر. وثانيها فضاء المحشر. وثالثها الجنة أو النار.
ونحن الآن في قطع مرحلة المنزل الثالث، ومدة قطعها مدة عمرنا، فأيامنا فراسخ، وساعاتنا أميال، وأنفاسنا خطوات.
فكم من شخص بقي له فراسخ، وآخر بقي له أميال، وآخر بقي له خطوات.
وما أروع قول الشاعر:
دقات قلب المرء قائلة له*** إن الحياة دقائق وثواني
لقد عرفتَ في البحث السابق غوائل الذنوب، وأضرارها المادية والروحية، والتشابه بينهما وبين الأمراض الجسمية في مذاحتها، وسوء آثارها على الإنسان.
فكما تجدرُ المسارعة الى علاج الجسم من جراثيم الأمراض قبل استفحالها، وضعف الجسم عن مكافحتها، كذلك تجب المبادرة الى تصفية النفس، وتطهيرها من أوضار الذنوب، ودنس الآثام، قبل تفاقم غوائلها، وعسر تداركها.
وكما تعالج الأمراض الصحيحة بتجرع العقاقير الكريهة، والاحتماء عن المطاعم الشهية الضّارة، كذلك تعالج الذنوب بمعاناة التوبة والإنابة، والإقلاع عن الشهوات العارمة، والأهواء الجامحة، ليأمن التأثب أخطارها ومآسيها الدنيوية والأخروية.
حقيقة التوبة:
لا تتحقق التوبة الصادقة النصوح إلا بعد تبلورها، واجتيازها
{ 254 }
أطواراً ثلاثة:
فالطور الأول: هو: طور يَقظَة الضمير، وشعور المذنب بالأسى والندم على معصية اللّه تعالى، وتعرضه لسخطه وعقابه، فاذا امتلأت نفس المذنب بهذا الشعور الواعي انتقل الى:
الطور الثاني، وهو: طور الانابة الى اللّه عز وجل، والعزم الصادق على طاعته، ونبذ عصيانه، فإذا ما أنس بذلك تحول الى:
الطور الثالث، وهو: طور تصفية النفس من رواسب الذنوب، وتلافي سيئاتها بالأعمال الصالحة الباعثة على توفير رصيد الحسنات، وتلاشي الشيئات، وبذلك تتحقق التوبة الصادقة النصوح.
وليست التوبة هزل عابث، ولقلقة يتشدق بها اللسان، وإنما هي: الانابة الصادقة الى اللّه تعالى، ومجافاة عصيانه بعزم وتصميم قويين، والمستغفر بلسانه وهو سادر في المعاصي مستهتر كذّاب، كما قال الامام الرضا عليه السلام:
«المستغفر من ذنب ويفعله كالمستهزئ بربه».
فضائل التوبة:
للتوبة فضائل جمة، ومآثر جليلة، صورها القرآن الكريم، وأعربت عنها آثار أهل البيت عليهم السلام.
وناهيك في فضلها أنّها بلسم الذنوب، وسفينة النجاة، وصمام الأمن
{ 255 }
من سخط اللّه تعالى وعقابه.
وقد أبَت العناية الالهية أن تُهمل العصاة يتخبطون في دياجير الذنوب، ومجاهل العصيان، دون أن يسعهم بعطفه السامي، وعفوه الكريم، فشوقهم الى الأنابة، ومهد لهم التوبة، فقال سبحانه:
«وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم، كتب ربكم على نفسه الرحمة، أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة، ثم تاب من بعده وأصلح، فانه غفور رحيم» (الأنعام: 54).
وقال تعالى: «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه، إن اللّه يغفر الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم» (الزمر: 53).
وقال تعالى حاكياً: «فقلت: استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يُرسل السماء عليكم مدراراً، ويُمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جنات، ويجعل لكم أنهارا» (نوح: 10 - 12).
وقال تعالى: «إن اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين»
(البقرة: 222)
وقال الصادق عليه السلام: «إذا تاب العبد توبة نصوحاً، أحبه اللّه تعالى فستر عليه في الدنيا والآخرة. قال الراوي: وكيف يستر اللّه عليه؟ قال: ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب، ثم يوحي اللّه الى جوارحه اكتمي عليه ذنوبه، ويوحي الى بقاع الأرض اكتمي عليه ما كان يعمل عليك من الذنوب، فيلقى اللّه تعالى حين يلقاه، وليس شيء يشهد
{ 256 }
عليه بشيء من الذنوب»(1).
وعن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: التائب من الذنب كمن لا ذنب له».
وقال صلى اللّه عليه وآله في حديث آخر: «ليس شيء أحب الى اللّه من مؤمن تائب، أو مؤمنة تائبة»(2).
وعن أبي عبد اللّه أو عن ابي جعفر عليهما السلام قال: «إن آدم قال: يا رب سلّطت عليّ الشيطان وأجريته مجرى الدم مني فاجعل لي شيئاً.
فقال: يا آدم جعلتُ لك أن من همّ من ذريتك بسيئة لم يكتب عليه شيء، فان عملها كتبت عليه سيئة، ومن همّ منهم بحسنة فان لم يعملها كتبت له حسنة، فإن هو عملها كتبت له عشراً.
قال: يا رب زدني. قال: جعلت لك أن من عمل منهم سيئة ثم استغفرني غفرت له.
قال: يا رب زدني. قال: جعلت لهم التوبة حتى يبلغ النفس هذه. قال: يا رب حسبي»(3).
وقال الصادق عليه السلام: «العبد المؤمن إذا أذنب ذنباً أجله اللّه سبع ساعات، فان استغفر اللّه لم يكتب عليه، وإن مضت الساعات ولم يستغفر كتبت عليه سيئة، وإن المؤمن ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة حتى
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 183 عن الكافي.
(2) البحار م 3 ص 98 عن عيون اخبار الرضا عليه السلام.
(3) الوافي ج 3 ص 184 عن الكافي.
{ 257 }
يستغفر ربه فيغفر له، وإن الكافر لينساه من ساعته»(1).
وقال عليه السلام: «ما من مؤمن يقارف في يومه وليلته أربعين كبيرة فيقول وهو نادم: «أستغفر اللّه الذي لا إله إلا هو الحي القيّوم بديع السماوات والأرض ذو الجلال والاكرام وأسأله أن يصلي على محمد وآل محمد وأن يتوب عليّ» إلا غفرها اللّه له، ولا خير فيمن يقارف في يومه أكثر من أربعين كبيرة»(2).
وجوب التوبة وفوريتها:
لا ريب في وجوب التوبة، لدلالة العقل والنقل على وجوبها:
أما العقل: فمن بديهياته ضرورة التوقي والتحرز عن موجبات الأضرار والأخطار الموجبة لشقاء الانسان وهلاكه. لذلك وجب التحصن بالتوبة، والتحرز بها من غوائل الذنوب وآثارها السيئة، في عاجل الحياة وآجلها.
وأما النقل: فقد فرضتها أوامر القرآن والسنة فرضاً محتّماً، وشوقت اليها بألوان التشويق والتيسير.
فعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: من تاب قبل موته بسنة قبل اللّه تبوته، ثم قال: إن السنة
_____________________
(1) البحار م 3 ص 103 عن الكافي.
(2) الوافي ج 3 ص 182 عن الكافي.
{ 258 }
لكثير، من تاب قبل موته بشهر قبل اللّه توبته. ثم قال: إن الشهر لكثير، من تاب قبل موته بجمعة قبل اللّه توبته. ثم قال: إن الجمعة لكثير، من تاب قبل موته بيوم قبل اللّه توبته. ثم قال: إن يوماً لكثير، من تاب قبل أن يعاين قبل اللّه توبته»(1).
وعن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: إنّ للّه عز وجل فضولاً من رزقه يُنحله من يشاء من خلقه، واللّه باسط يديه عند كل فجر لمذنب الليل هل يتوب فيغفر له، ويبسط يديه عند مغيب الشمس لمذنب النهار هل يتوب فيغفر له» (2).
تجديد التوبة:
من الناس من يهتدي بعد ضلال، ويستقيم بعد انحراف، فيتدارك آثامه بالتوبة والانابة، ملبياً داعي الايمان، ونداء الضمير الحُر.
بيد أنّ الانسان كثيراً ما تخدعه مباهج الحياة، وتسترقه بأهوائها ومغرياتها، فيقارف المعاصي من جديد، منجرفاً بتيارها العَرمِ، وهكذا يعيش صراعاً عنيفاً بين العقل والشهوات، ينتصر عليها تارة، وتنتصر عليه أخرى، وهكذا دواليك.
وهذا ما يعيق الكثيرين عن تجديد التوبة، ومواصلة الانابة خشية النكول
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 183 عن الكافي.
(2) البحار م 3 ص 100 عن ثواب الأعمال للصدوق (ره).
{ 259 }
عنها، فيظلّون سادرين في المعاصي والآثام.
فعلى هؤلاء أن يعلموا أن الانسان عرضة لاغواء الشيطان، وتسويلاته الآثمة، ولا ينجو منها إلا المعصومون من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام، وانّ الأجدر بهم إذا ما استزلهم بخدعه ومغرياته، أن يجددوا عهد التوبة والانابة بنيّة صادقة، وتصميم جازم، فان زاغوا وانحرفوا فلا يُقنطهم ذلك عن تجديدها كذلك، مستشعرين قول اللّه عز وجل:
«قل يا عباديّ الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه، أنّ اللّه يغفر الذنوب جميعاً، إنّه هو الغفور الرحيم» (الزمر: 53).
وهكذا شجّعت أحاديث أهل البيت عليهم السلام على تجديد التوبة، ومواصلة الانابة، إنقاذاً لصرعى الآثام من الانغماس فيها، والانجراف بها، وتشويقاً لهم على استئناف حياة نزيهة مستقيمة.
فعن محمد بن مسلم قال: قال الباقر عليه السلام: «يا محمد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب عنها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة، أما واللّه إنها ليست إلا لأهل الايمان.
قلت: فان عاد بعد التوبة والاستغفار في الذنوب، وعاد في التوبة. فقال: يا محمد بن مسلم أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر اللّه تعالى منه ويتوب ثم لا يقبل اللّه توبته!! قلت: فانه فعل ذلك مراراً، يذنب ثم يتوب ويستغفر. فقال: كلّما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة، عاد اللّه عليه بالمغفرة، وإنّ اللّه غفور رحيم، يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات،
{ 260 }
فإيّاك أن تُقنّط المؤمنين من رحمة اللّه تعالى»(1).
وعن أبي بصير قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: «يا أيها الذين آمنوا توبوا الى اللّه توبة نصوحاً» (التحريم: 8)؟ قال: هو الذنب الذي لا يعود اليه أبداً. قلت: وأيّنا لم يعد. فقال: يا أبا محمد. إن اللّه يحب من عباده المفتن التوّاب»(2).
المراد بالمفتن التوّاب: هو من كان كثير الذنب كثير التوبة.
ولا بدع أن يحب اللّه تعالى المفتن التواب، فان الاصرار على مقارفة الذنوب، وعدم ملافاتها بالتوبة، دليل صارخ على موت الضمير وتلاشي الايمان، والاستهتار بطاعة اللّه عز وجل، وذلك من دواعي سخطه وعقابه.
منهاج التوبة:
ولا بد للتائب أن يعرف أساليب التوبة، وكيفية التخلص من تبعات الذنوب، ومسؤولياتها الخطيرة، ليكفّر عن كل جريرة بما يلائمها من الطاعة والانابة.
فللذنوب صور وجوانب مختلفة:
منها ما يكون بين العبد وخالقه العظيم، وهي قسمان: ترك الواجبات، وفعل المحرمات.
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 183 عن الكافي.
(2) الوافي ج 3 ص 183 عن الكافي.
{ 261 }
فترك الواجبات: كترك الصلاة والصيام والحج والزكاة ونحوها من الواجبات. وطريق التوبة منها بالاجتهاد في قضائها وتلافيها جُهد المستطاع.
وأما فعل المحرمات: كالزنا وشرب الخمر والقمار وأمثالها من المحرمات، وسبيل التوبة منها بالندم على اقترافها، والعزم الصادق على تركها.
ومن الذنوب: ما تكون جرائرها بين المرء والناس، وهي أشدّها تبعة ومسؤولية، وأعسرها تلافياً، كغصب الأموال، وقتل النفوس البريئة المحرمة، وهتك المؤمنين بالسب والضرب والنمّ والاغتياب.
والتوبة منها بإرضاء الخصوم، وأداء الظُّلامات الى أهلها، ما استطاع الى ذلك سبيلاً، فان عجز عن ذلك فعليه بالاستغفار، وتوفير رصيد حسناته، والتضرع الى اللّه عز وجل أن يرضيهم عنه يوم الحساب.
قبول التوبة:
لا ريب أن التوبة الصادقة الجامعة الشرائط مقبولة بالاجماع، لدلالة القرآن والسنّة عليها:
قال تعالى: «وهو الذي يقبل التوبة عن عباده» (الشورى: 25 ).
وقال تعالى: «غافر الذنب، وقابل التوب» (غافر: 3).
وقد عرضنا في فضائل التوبة طرفاً من الآيات والأخبار الناطقة بقبول التوبة، وفوز التائبين بشرف رضوان اللّه تعالى، وكريم عفوه ، وجزيل آلائه.
{ 262 }
وأصدق شاهد على ذلك ما جاء في معرض حديث للنبي صلى اللّه عليه وآله حيث قال: «لولا أنكم تذنبون فتستغفرون اللّه لخلق اللّه خلقاً حتى يذنبوا ثم يستغفروا اللّه فيغفر لهم، إن المؤمن مفتن تواب، أما سمعت قول اللّه «إن اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين»
(البقرة: 222)(1)
أشواق التوبة:
تتلخص النصائح الباعثة على التوبة والمشوقة إليها فيما يلي:
1 - أن يتذكر المذنب ما صوَّرته الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، من غوائل الذنوب، ومآسيها المادية والروحية، في عاجل الحياة وآجلها، وما توعد اللّه عليها من صنوف التأديب وألوان العقاب.
2 - أن يستعرض فضائل التوبة ومآثر التائبين، وما حباهم اللّه به من كريم العفو، وجزيل الأجر، وسمو العناية واللطف، وقد مرّ ذلك في بداية هذا البحث.
وكفى بهاتين النصيحتين تشويقاً إلى التوبة، وتحريضاً عليها، ولا يرغب عنها إلا أحمق بليد، أو ضعيف الايمان والبصيرة.
_____________________
(1) البحار م 3 ص 103 عن الكافي.
{ 263 }
محاسبة النفس ومراقبتها:
المحاسبة هي: محاسبة النفس كل يوم عمّا عملته من الطاعات والمبرات، أو اقترفته من المعاصي والآثام، فان رجحت كفة الطاعات على المعاصي، والحسنات على السيئات، فعلى المحاسب أن يشكر اللّه تعالى على ما وفقه اليه وشرّفه به من جميل طاعته وشرف رضاه.
وان رجحت المعاصي، فعليه أن يؤدّب نفسه بالتأنيب والتقريع على شذوذها وانحرافها عن طاعة اللّه تعالى.
وأما المراقبة: فهي ضبط النفس وصيانتها عن الاخلال بالواجبات ومقارفة المحرمات.
وجدير بالعاقل المستنير بالايمان واليقين، أن يروّض نفسه على المحاسبة والمراقبة فإنّها (أمّارة بالسوء): متى أهملت زاغت عن الحق، وانجرفت في الآثام والشهوات، وأودت بصاحبها في مهاوي الشقاء والهلاك، ومتى اُخذت بالتوجيه والتهذيب، أشرقت بالفضائل، وازدهرت بالمكارم، وسمت بصاحبها نحو السعادة والهناء، «ونفس وما سوّاها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكّاها، وقد خاب من دسّاها» (الشمس: 7 - 10).
{ 264 }
هذا إلى أن للمحاسبة، والمراقبة أهمية كبرى في تأهب المؤمن، واستعداده لمواجهة حساب الآخرة، وأهواله الرهيبة، ومن ثم اهتمامه بالتزوّد من أعمال البر والخير الباعثة على نجاته وسعادة مآبه.
لذلك طفقت النصوص تشوّق، وتحرّض على المحاسبة والمراقبة بأساليبها الحكيمة البليغة:
قال الامام الصادق عليه السلام: «إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئاً الا أعطاه، فلييأس من الناس كلهم، ولا يكون له رجاء الا من عند اللّه تعالى، فاذا علم اللّه تعالى ذلك من قلبه لم يسأل شيئاً إلا أعطاه، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها، فإن للقيامة خمسين موقفاً كل موقف مقام ألف سنة، ثم تلا «في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة» (المعارج: 4) (1).
وقال الامام موسى بن جعفر عليه السلام: «ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل حسنة استزاد اللّه تعالى، وإن عمل سيئة استغفر اللّه تعالى منها وتاب اليه»(2).
وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن رجلاً أتى النبي صلى اللّه عليه وآله فقال له: يا رسول اللّه أوصني.
فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: فهل أنت مستوصٍ إن أنا أوصيتك؟ حتى قال له ذلك ثلاثاً، وفي كلها يقول له الرجل: نعم
_____________________
(1) الوافي الجزء الثالث ص 62 عن الكافي.
(2) الوافي ج 3 ص 62 عن الكافي.
{ 265 }
يا رسول اللّه.
فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: فاني أوصيك، إذا أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإن يك رشداً فأمضه، وإن يك غيّاً فانته عنه»(1).
وقال الصادق عليه السلام لرجل: «إنّك قد جُعلتَ طبيب نفسك، وبُيّن لك الداء، وعُرّفت آية الصحة، ودُلِلت على الدواء، فانظر كيف قياسك على نفسك»(2).
وعن موسى بن جعفر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال:
«قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعث سرية، فلما رجعوا قال: مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر، وبقي عليهم الجهاد الأكبر.
قيل: يا رسول اللّه، وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس. ثم قال: أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه»(3).
دستور المحاسبة:
لقد ذكر المعنيون بدراسة الأخلاق دستور المحاسبة والمراقبة بأسلوب مفصّل ربما يشق على البعض تنفيذه، بيد أني أعرضه مجملاً وميسراً في
_____________________
(1)، (2) الوافي ج 3 ص 62 عن الكافي.
(3) البحار م 15 ج 2 ص 40 عن معاني الأخبار وأمالي الصدوق.
{ 266 }
أمرين هامين:
1 - أول ما يجدر محاسبة النفس عليه أداء الفرائض التي أوجبها اللّه تعالى على الناس، كالصلاة والصيام والحج والزكاة ونحوها من الفرائض، فإن أداها المرء على الوجه المطلوب، شكر اللّه تعالى على ذلك ورجّى نفسه فيما أعد اللّه للمطيعين من كرم الثواب وجزيل الأجر.
وإن أغفلها وفرّط في أدائها خوّف نفسه بما توعد اللّه العصاة والمتمردين عن عباده بالعقاب الأليم، وجد في قضائها وتلافيها.
2 - محاسبة النفس على اقتراف الآثام واجتراح المنكرات، وذلك: بزجرها زجراً قاسياً، وتأنيبها على ما فرط من سيئاتها، ثم الاجتهاد بملافاة ذلك بالندم عليه والتوبة الصادقة منه.
ولقد ضرب النبي صلى اللّه عليه وآله أرفع مثل لمحاسبة النفس، والتحذير من صغائر الذنوب ومحقراتها:
قال الصادق عليه السلام: «إن رسول اللّه نزل بأرض قرعاء، فقال لأصحابه: إئتونا بحطب. فقالوا: يا رسول اللّه نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب. قال: فليأت كل إنسان بما قدر عليه، فجاءوا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: هكذا تجتمع الذنوب.
ثم قال: إياكم والمحقرات من الذنوب، فإن لكل شيء طالباً، ألا وانّ طالبها يكتب:
{ 267 }
«ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين» (ياسين: 12)(1).
وكان بعض الأولياء يحاسب نفسه بأسلوب يستثير الدهشة والاكبار:
من ذلك ما نقل عن توبة بن الصمة، وكان محاسباً لنفسه في أكثر أوقات ليله ونهاره، فحسب يوماً ما مضى من عمره، فاذا هو ستون سنة، فحسب أيامها فكانت احدى وعشرين ألف يوم وخمسمائة يوم، فقال: ياويلتاه!!، ألقى مالكاً باحدى وعشرين ألف ذنب، ثم صعق صعقة كانت فيها نفسه(2).
وما أحلى هذا البيت:
إذا المرء أعطى نفسه كل شهوة*** ولم ينهها تاقت الى كل باطل
اغتنام فرصة العمر:
لو وازن الانسان بين جميع مُتع الحياة ومباهجها، وبين عمره وحياته لوجد أنّ العمر أغلى وأنفس منها جميعاً، وأنه لا يعدله شيء من نفائس الحياة وأشواقها الكثر، إذ من الممكن اكتسابها او استرجاع ما نفر منها.
أما العمر فإنه الوقت المحدد الذي لا يستطيع الانسان إطالة أمده، وتمديد أجله المقدر المحتوم «ولكل أمة أجل، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون» (الأعراف: 34).
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 168 عن الكافي.
(2) سفينة البحار ج 1 ص 488.
{ 268 }
كما يستحيل استرداد ما تصرم من العمر، ولو بذل المرء في سبيل ذلك جميع مقتنيات الحياة.
وحيث كان الانسان غفولاً عن قيم العمر وجلالة قدره، فهو يسرف عابثاً في تضييعه وإبادته، غير آبه لما تصرم منه، ولا مغتنم فرصته السانحة.
من أجل ذلك جاءت توجيهات آل البيت عليهم السلام موضحة نفاسة العمر، وضرورة استغلاله وصرفه فيما يوجب سعادة الانسان ورخائه في حياته العاجلة والآجلة.
قال سيد المرسلين صلى اللّه عليه وآله في وصيته لأبي ذر: «يا أبا ذر، كُن على عمرك أشحّ منك على درهمك ودينارك»(1).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «إنما الدنيا ثلاثة أيام: يوم مضى بما فيه فليس بعائد، ويوم أنت فيه فحقّ عليك اغتنامه، ويوم لا تدري أنت من أهله، ولعلك راحل فيه.
أما اليوم الماضي فحكيم مُؤدب، وأما اليوم الذي أنت فيه فصديق مودّع، وأمّا غد فإنما في يديك منه الأمل».
وقال عليه السلام: «ما من يوم يمر على ابن آدم، إلا قال له ذلك اليوم: أنا يوم جديد، وأنا عليك شهيد، فقل فيّ خيراً، واعمل
_____________________
(1) الوافي قسم المواعظ في وصية النبي (ص) لأبي ذر.
{ 269 }
فيّ خيراً، أشهد لك به يوم القيامة، فإنك لن تراني بعد هذا أبداً»(1).
وروي أنه جاء رجل الى علي بن الحسين عليهما السلام يشكو اليه حاله، فقال: «مسكين ابن آدم، له في كل يوم ثلاث مصائب لا يعتبر بواحدة منهن، ولو اعتبر لهانت عليه المصائب وأمر الدنيا:
فأما المصيبة الأولى: فاليوم الذي ينقص من عمره. قال: وإن ناله نقصان في ماله اغتم به، والدهر يخلف عنه والعمر لا يردّه شيء.
والثانية: انه يستوفي رزقه، فان كان حلالاً حُوسِبَ عليه، وان كان حراماً عوقب.
قال: والثالثة أعظم من ذلك. قيل: وما هي؟ قال: ما من يوم يمسي إلا وقد دنا من الآخرة مرحلة، لا يدري على جنة أم على نار.
وقال: أكبر ما يكون ابن آدم اليوم الذي يولد من أمّه.
«قالت الحكماء ما سبقه الى هذا أحد»(2).
وقال الصادق عليه السلام: «إصبروا على طاعة اللّه، وتصبروا عن معصية اللّه، فإنما الدنيا ساعة، فما مضى فلست تجد له سروراً ولا حزناً، وما لم يأت فلست تعرفه، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنك قد اغتبطت »(3).
وقال الباقر عليه السلام: «لا يغرّنك الناس من نفسك،
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 63 عن الفقيه.
(2) عن كتاب الاختصاص المنسوب للشيخ المفيد.
(3) الوافي ج 3 ص 63 عن الكافي.
{ 270 }
فإن الأمر يصل إليك دونهم، ولا تقطع نهارك بكذا وكذا، فإنّ معك من يحفظ عليك عملك، فأحسن فانّي لم أر شيئاً أحسن دركاً، ولا أسرع طلباً، من حسنة محدثة لذنب قديم»(1).
وعن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله: «بادر بأربع قبل أربع، بشبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك»(2).
وعن الباقر عليه السلام عن النبي صلى اللّه عليه وآله قال: «لا يزولُ قدم (قدما) عبد يوم القيامة من بين يدي اللّه، حتى يسأله عن أربع خصال: عمرك فيما أفنيته، وجسدك فيما أبليته، ومالك من أين اكتسبته واين وضعته، وعن حبنا أهل البيت؟»(3).
وقال بعض الحكماء: إنّ الانسان مسافر، ومنازله ستة، وقد قطع منها ثلاثة وبقي ثلاثة:
فالتي قطعها: -
1 - من كتم العدم الى صلب الأب وترائب الأم.
2 - رحم الأم.
3 - من الرحم الى فضاء الدنيا.
وأما التي لم يقطعها : -
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 62 عن الكافي.
(2) البحار م 15 ص 165 عن كتاب كمال الدين للصدوق.
(3) البحار م 7 ص 389 عن مجالس الشيخ المفيد.
{ 271 }
فأولها القبر. وثانيها فضاء المحشر. وثالثها الجنة أو النار.
ونحن الآن في قطع مرحلة المنزل الثالث، ومدة قطعها مدة عمرنا، فأيامنا فراسخ، وساعاتنا أميال، وأنفاسنا خطوات.
فكم من شخص بقي له فراسخ، وآخر بقي له أميال، وآخر بقي له خطوات.
وما أروع قول الشاعر:
دقات قلب المرء قائلة له*** إن الحياة دقائق وثواني