[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
د. راغب السرجاني
بعد استعراضنا لجذور القضية الكردية، وأبعادها المختلفة ينبغي التصدي لعرض رؤيتنا لمستقبل المشكلة الكردية، وما هي صائرة إليه في المستقبل بإذن الله.
بدايةً المشكلة معقدة، ولعلها تستمر فترةً طويلةً أخرى، وهذا ما تدل عليه المعطيات الحالية للقضية، وما تؤكده في نفس الوقت نتيجة الاستبيان الذي طرحناه للتصويت في الموقع؛ إذ صوَّت ما يزيد على 76% على خيار استمرار المشكلة.
أسباب نشأة المشكلة الكردية
كما لا بد من الإقرار بأن المشكلة الكردية نشأت نتيجةً لضعف الخلافة العثمانية، ثم إسقاطها، وتحكم القوى الصليبية فيها، وفي العالم بأسره، وأن هذه الخلافة لو ظلَّت قويةً على حالها لحصل الأكراد على حقوقهم كاملة كمواطنين في الدولة الإسلامية، لا فرق بينهم وبين غيرهم، ولما تعنَّتت دولهم معهم في حدود المطالب المشروعة التي ينبغي لكل مواطن أن يحصل عليها؛ كأحقية الأكراد - كمواطنين - في تولِّي المناصب العُليا في الدولة التي ينتمون إليها، ولو حدث ذلك لما برزت لديهم مطالب الانفصال والاستقلال؛ فإن المسلمين جميعًا جسدٌ واحد؛ قال الله عز وجل: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِْ} (الأنبياء: 92). والأكراد منذ القدم معروفون بتدينهم، وارتباطهم الشديد بأمتهم الإسلامية؛ وذلك ما جعلهم أحرص الناس على الارتباط بالخلافة العباسية في فترات ضعفها، في الوقت الذي هبَّ فيه كل أمير، وكل صاحب بدعة إلى الانفصال عنها - كما ذكرنا في المقال الأول من هذا الملف.
كما أن من أسباب تفاقم المشكلة اختراق الأفكار القومية واليسارية لعقول نفر من الأكراد؛ مما قاد هؤلاء النفر إلى التخلي عن انتمائهم الإسلامي على حساب انتمائهم العِرقي القومي، وتلك مصيبة ابتُلِي بها العالم الإسلامي منذ أوائل القرن العشرين على أيدي الاستعمار الغربي الذي أراد تفتيت وحدة الأمة الإسلامية العقائدية بهذه الدعوات العصبية المنتنة.
وبناءً على ما سبق، فإنه ليس من المقبول لحل القضية الكردية أن يتم التغافل عن مشاكل الأكراد ومعاناتهم المستمرة منذ زمن، كما أنه ليس من المقبول في الوقت ذاته أن يكون هناك انفصال لجنس الأكراد عن الدول الإسلامية التي يعيشون فيها؛ فإن ذلك يشجع كل جنس من الأجناس المشكِّلة لجسد الأمة على أن ينفصل عنها مكوِّنًا دولة عِرقية لا مكان فيها لغير هذا الجنس؛ وهذا باب عظيم من أبواب تدمير الأمة، فضلاً عن أن ذلك يقطع صلة الأكراد بالمحيط الإسلامي، ويقيم الحواجز السياسية والنفسية بينهم وبين إخوانهم.
رؤيتنا لحل المشكلة الكردية
ونحن لا نستطيع أن نعوِّل -في الوقت الراهن، وفي هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة من تمزق وتشرذم، وسيطرةٍ للأعداء عليها- على فكرة أن يتحد المسلمون، ويعيدون الخلافة من جديد؛ فذلك -رغم أنه المطلب الأساسي لكل الغيورين على الأمة- مطلب بعيد؛ لذا فالتعويل عليه في حلِّ مشاكل الأكراد الآنيَّة ما هو إلا تسويف لهذه المشاكل.
ولذلك فإن رؤيتنا لحل المشكلة الكردية تتضح في النقاط التالية:
أولاً: الإبقاء على القضية حيةً وسط جموع المسلمين؛ وذلك عن طريق التوعية المستمرة، والفهم الواضح لجذور المشكلة الكردية، وتطوراتها على مرِّ السنين، وحقيقة أطراف الصراع، وأهدافهم العاجلة والآجلة.
ثانيًا: يجب المحافظة على طرح قضية الأكراد في لقاءات منظمة المؤتمر الإسلامي باستمرار، مع تفعيل دور المنظمات الإسلامية للقيام بدورها نحو الأكراد، وخاصة الجامعات الإسلامية الكبرى؛ كجامعة الأزهر، والجامعة الإسلامية بالمملكة العربية السعودية، والجامعة الإسلامية بباكستان التي يجب أن تقدم المنح الدراسية للطلاب الأكراد؛ لكي يتم التواصل الغائب بين الأكراد والعالم الإسلامي.
ثالثًا: نشر الوعي الإسلامي الصحيح في وسط الأكراد؛ ليكون منطلقهم في مطالباتهم بحقوقهم إسلاميًّا يَدين بوحدة الأمة الإسلامية، والحفاظ على قوتها، وليس قوميًّا يدعو للعصبية الجاهلية، ويحرِّض على الانفصال، وتشتيت قوى الأمة أكثر مما هي عليه بالفعل؛ مما يصب في مصلحة أعدائها، وهذا النشر للوعي لن يتم إلا بالتواصل المستمر عن طريق وسائل الإعلام المتاحة؛ كالفضائيات، والكتب، والمجلات، ومواقع الإنترنت، وخاصةً لو تم استخدام اللغة الكردية فيها.
كما يتم ذلك الهدف أيضًا بإقامة مدارس إسلامية تربي النشء الكردي على المبادئ الإسلامية الصحيحة، وكذا إقامة فروع للجامعات الإسلامية في أراضي الأكراد.
رابعًا: ممارسة الضغوط الإعلامية على الحكومتين: التركية والعراقية؛ من أجل إعطاء الأكراد حقوقهم كمواطنين، فهذه الضغوط قد تسفر عن نتائج إيجابية.
خامسًا: طرح الحلول العادلة البديلة للانفصال في هذه المرحلة؛ وذلك كالحصول على حكم ذاتي، أو تخصيص حصة برلمانية لهم، أو عدد من الوظائف القيادية في الدولة، واعتماد اللغة الكردية لغة دراسة في مدارس الأكراد بجوار اللغة العربية.
وهذه الإجراءات -وإن كانت في الظروف العادية تُعتَبَر إجراءات تعزز الطائفية- نرى أن اتخاذها في ظروف الأكراد بصورة استثنائية ولمدة محددة، قد يُسهم في تدارك الكثير من الظلم الذي وقع عليهم، كما يُعزِّز من شعورهم بالانتماء إلى بلادهم، ويُشعرهم بالمواطنة الحقيقية.
سادسًا: يجب على الأكراد وقياداتهم أن يشتركوا في إنجاح الحلول المطروحة؛ وذلك بتخفيض سقف مطالباتهم، والامتناع عن الدعوة للانفصال عن الأمة، وكذلك توقف القيادات عن التعاون مع أعداء الأمة كأمريكا وإسرائيل اللتين تستغلان الورقة الكردية في تفتيت الأمة الإسلامية أكثر، كما أنهما خذلتا الأكراد قبل ذلك - كما ذكرنا سابقًا في مقالاتنا.
هذا ما نراه من أفكار لحل المشكلة الكردية، نسأل الله عز وجل أن يكون صوابًا، ونسأله أن يوحِّد الأمة الإسلامية على الحق والخير، وعلى الأخَّوة في سبيله، وأن ينصرها على أعدائها؛ إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.
د. راغب السرجاني
بعد استعراضنا لجذور القضية الكردية، وأبعادها المختلفة ينبغي التصدي لعرض رؤيتنا لمستقبل المشكلة الكردية، وما هي صائرة إليه في المستقبل بإذن الله.
بدايةً المشكلة معقدة، ولعلها تستمر فترةً طويلةً أخرى، وهذا ما تدل عليه المعطيات الحالية للقضية، وما تؤكده في نفس الوقت نتيجة الاستبيان الذي طرحناه للتصويت في الموقع؛ إذ صوَّت ما يزيد على 76% على خيار استمرار المشكلة.
أسباب نشأة المشكلة الكردية
كما لا بد من الإقرار بأن المشكلة الكردية نشأت نتيجةً لضعف الخلافة العثمانية، ثم إسقاطها، وتحكم القوى الصليبية فيها، وفي العالم بأسره، وأن هذه الخلافة لو ظلَّت قويةً على حالها لحصل الأكراد على حقوقهم كاملة كمواطنين في الدولة الإسلامية، لا فرق بينهم وبين غيرهم، ولما تعنَّتت دولهم معهم في حدود المطالب المشروعة التي ينبغي لكل مواطن أن يحصل عليها؛ كأحقية الأكراد - كمواطنين - في تولِّي المناصب العُليا في الدولة التي ينتمون إليها، ولو حدث ذلك لما برزت لديهم مطالب الانفصال والاستقلال؛ فإن المسلمين جميعًا جسدٌ واحد؛ قال الله عز وجل: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِْ} (الأنبياء: 92). والأكراد منذ القدم معروفون بتدينهم، وارتباطهم الشديد بأمتهم الإسلامية؛ وذلك ما جعلهم أحرص الناس على الارتباط بالخلافة العباسية في فترات ضعفها، في الوقت الذي هبَّ فيه كل أمير، وكل صاحب بدعة إلى الانفصال عنها - كما ذكرنا في المقال الأول من هذا الملف.
كما أن من أسباب تفاقم المشكلة اختراق الأفكار القومية واليسارية لعقول نفر من الأكراد؛ مما قاد هؤلاء النفر إلى التخلي عن انتمائهم الإسلامي على حساب انتمائهم العِرقي القومي، وتلك مصيبة ابتُلِي بها العالم الإسلامي منذ أوائل القرن العشرين على أيدي الاستعمار الغربي الذي أراد تفتيت وحدة الأمة الإسلامية العقائدية بهذه الدعوات العصبية المنتنة.
وبناءً على ما سبق، فإنه ليس من المقبول لحل القضية الكردية أن يتم التغافل عن مشاكل الأكراد ومعاناتهم المستمرة منذ زمن، كما أنه ليس من المقبول في الوقت ذاته أن يكون هناك انفصال لجنس الأكراد عن الدول الإسلامية التي يعيشون فيها؛ فإن ذلك يشجع كل جنس من الأجناس المشكِّلة لجسد الأمة على أن ينفصل عنها مكوِّنًا دولة عِرقية لا مكان فيها لغير هذا الجنس؛ وهذا باب عظيم من أبواب تدمير الأمة، فضلاً عن أن ذلك يقطع صلة الأكراد بالمحيط الإسلامي، ويقيم الحواجز السياسية والنفسية بينهم وبين إخوانهم.
رؤيتنا لحل المشكلة الكردية
ونحن لا نستطيع أن نعوِّل -في الوقت الراهن، وفي هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة من تمزق وتشرذم، وسيطرةٍ للأعداء عليها- على فكرة أن يتحد المسلمون، ويعيدون الخلافة من جديد؛ فذلك -رغم أنه المطلب الأساسي لكل الغيورين على الأمة- مطلب بعيد؛ لذا فالتعويل عليه في حلِّ مشاكل الأكراد الآنيَّة ما هو إلا تسويف لهذه المشاكل.
ولذلك فإن رؤيتنا لحل المشكلة الكردية تتضح في النقاط التالية:
أولاً: الإبقاء على القضية حيةً وسط جموع المسلمين؛ وذلك عن طريق التوعية المستمرة، والفهم الواضح لجذور المشكلة الكردية، وتطوراتها على مرِّ السنين، وحقيقة أطراف الصراع، وأهدافهم العاجلة والآجلة.
ثانيًا: يجب المحافظة على طرح قضية الأكراد في لقاءات منظمة المؤتمر الإسلامي باستمرار، مع تفعيل دور المنظمات الإسلامية للقيام بدورها نحو الأكراد، وخاصة الجامعات الإسلامية الكبرى؛ كجامعة الأزهر، والجامعة الإسلامية بالمملكة العربية السعودية، والجامعة الإسلامية بباكستان التي يجب أن تقدم المنح الدراسية للطلاب الأكراد؛ لكي يتم التواصل الغائب بين الأكراد والعالم الإسلامي.
ثالثًا: نشر الوعي الإسلامي الصحيح في وسط الأكراد؛ ليكون منطلقهم في مطالباتهم بحقوقهم إسلاميًّا يَدين بوحدة الأمة الإسلامية، والحفاظ على قوتها، وليس قوميًّا يدعو للعصبية الجاهلية، ويحرِّض على الانفصال، وتشتيت قوى الأمة أكثر مما هي عليه بالفعل؛ مما يصب في مصلحة أعدائها، وهذا النشر للوعي لن يتم إلا بالتواصل المستمر عن طريق وسائل الإعلام المتاحة؛ كالفضائيات، والكتب، والمجلات، ومواقع الإنترنت، وخاصةً لو تم استخدام اللغة الكردية فيها.
كما يتم ذلك الهدف أيضًا بإقامة مدارس إسلامية تربي النشء الكردي على المبادئ الإسلامية الصحيحة، وكذا إقامة فروع للجامعات الإسلامية في أراضي الأكراد.
رابعًا: ممارسة الضغوط الإعلامية على الحكومتين: التركية والعراقية؛ من أجل إعطاء الأكراد حقوقهم كمواطنين، فهذه الضغوط قد تسفر عن نتائج إيجابية.
خامسًا: طرح الحلول العادلة البديلة للانفصال في هذه المرحلة؛ وذلك كالحصول على حكم ذاتي، أو تخصيص حصة برلمانية لهم، أو عدد من الوظائف القيادية في الدولة، واعتماد اللغة الكردية لغة دراسة في مدارس الأكراد بجوار اللغة العربية.
وهذه الإجراءات -وإن كانت في الظروف العادية تُعتَبَر إجراءات تعزز الطائفية- نرى أن اتخاذها في ظروف الأكراد بصورة استثنائية ولمدة محددة، قد يُسهم في تدارك الكثير من الظلم الذي وقع عليهم، كما يُعزِّز من شعورهم بالانتماء إلى بلادهم، ويُشعرهم بالمواطنة الحقيقية.
سادسًا: يجب على الأكراد وقياداتهم أن يشتركوا في إنجاح الحلول المطروحة؛ وذلك بتخفيض سقف مطالباتهم، والامتناع عن الدعوة للانفصال عن الأمة، وكذلك توقف القيادات عن التعاون مع أعداء الأمة كأمريكا وإسرائيل اللتين تستغلان الورقة الكردية في تفتيت الأمة الإسلامية أكثر، كما أنهما خذلتا الأكراد قبل ذلك - كما ذكرنا سابقًا في مقالاتنا.
هذا ما نراه من أفكار لحل المشكلة الكردية، نسأل الله عز وجل أن يكون صوابًا، ونسأله أن يوحِّد الأمة الإسلامية على الحق والخير، وعلى الأخَّوة في سبيله، وأن ينصرها على أعدائها؛ إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.