تعيش المملكة العربية السعودية هذه الأيام وخاصة في منطقة العيص غرب المملكة حركة زلزالية ونشاطاً بركانياً تطرقت إليه وسائل الإعلام، والمسلم دائماً حينما تحصل مثل هذه الأمور مأمور بالرجوع إلى التوجيه الشرعي لمعرفة ما يشرع له تجاهها.
وقد تحدث فضيلة الشيخ الدكتور: عبد العزيز الفوزان "المشرف العام على مواقع رسالة الإسلام" حول هذا الموضوع، مبيناً حقيقة الزلازل والآفات والفيضانات وغيرها من الآيات الكونية التي تحدث الخوف في الناس، مؤكداً أن المخرج من هذه المحن يكون بعودة الناس إلى الله عز وجل والحذر كل الحذر من تعديهم لحدوده, وانتهاكهم لمحارمه فقال فضيلته:
حقيقة هذه الآيات العظيمة التي يخوف الله بها عباده من الزلازل والبراكين والرياح العاتية والفيضانات المغرقة والحرائق المدمرة التي تحرق البشر والشجر وتدمر النباتات والغابات لا تكاد تخلو منها الكرة الأرضية في شرقها وغربها، أيضاً هذه الآفات في الأنفس من أنواع الأمراض والطواعين العامة وتسلط الخلق بعضهم على بعض، وهذه الآفات أيضاً التي تصيب الحيوانات والبهائم بأنواعها والآفات التي تصيب الزروع والثمار كلها مواعظ ونذر يخوف الله عز وجل بها عباده لكي يشعروا بمقدار تقصيرهم في جنب الله وتعديهم لحدوده، وأن الواجب عليهم أن يعودوا إلى الله عز وجل وأن يخافوا من شؤم ذنوبهم وسوء عواقبها، وأن يخشوا من غضب الله عز وجل ومقته وسطوته، لهذا قال الله عز وجل: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا}, ونعى على الكفار وأهل العصيان والفجور أنهم لا تنفع فيهم المواعظ والنذر فقال عز وجل: {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا}, نسأل الله العافية, يعني يرون هذه الآيات العظيمة والنذر وهذه العقوبات التي تتوالى، ومع ذلك لا تزيدهم إلا عتواً وظلماً وتمادياً في طغيانهم ومعاصيهم، وما أحرى هؤلاء أن يحل بهم غضب الله إن لم يتوبوا إلى ربهم ويعودوا إلى رشدهم, ونبينا - صلى الله عليه وسلم - هو أتقى الخلق لله عز وجل وزمنه أفضل الأزمنة وقرنه أفضل القرون وأصحابه هم أفضل هذه الأمة من بعده عليه الصلاة والسلام، وأيضاً وجوده كان أماناً للبشرية جمعاء من العقوبات العامة كما قال ربنا سبحانه: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، ومع ذلك تقول عائشة رضي الله عنها وكذلك أنس بن مالك وورد عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم أنه كان إذا رأى الريح والغيوم الشديدة السوداء المتراكمة رئي ذلك في وجهه, وفي حديث عائشة قالت أخذ يدخل ويخرج ويحمر وجهه ويصفر وتقول يا رسول أتخاف؟ قال: ما لي لا أخاف يا عائشة، وقد عذب الله قوماً بالريح يعني قوم عاد: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ* دَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}, نسأل الله العافية، هذه الرياح التي تجلب الخير والأمطار بإرادة الله عز وجل هي جند من جنود الله، قد تكون عذاباً على قوم كما فعل الله بقوم عاد وكما فعل الله عز وجل بقريش ومن شارك معها في غزوة الخندق حينما أرسل الله عز وجل عليهم الدبور فكفأت قدورهم، وأطفأت نيرانهم، وقلعت خيامهم، وملأت عيونهم وأفواههم تراباً وغباراً، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}، هذا هو البحر يسخره الله لموسى عليه السلام وقومه، حين حاصره فرعون وجنوده، فيأمره الله بأن يضرب البحر بعصاه فانفلق ذلك البحر المتلاطم فكان كل فلق كالطود العظيم، كالجبال الراسيات ويبست الأرض في لحظات بأمر الله، ثم لما تكامل موسى ومن معه خارجين من البحر, ودخل فرعون ومن معه وتكاملوا داخلين أطبقه الله عليهم وأغرقهم أجمعين.
وهناك من يحاول تفسير كل شيء بتفسيرات مادية طبيعية، وأن هذه الظواهر الكونية من غضب الطبيعة كما يعبرون, نعم هناك أسباب طبيعية يقول بها المختصون في علوم الطبيعة ويفسرون بها الزلازل والرياح والأعاصير وغيرها، مثل قولهم في حالة الزلازل إن هناك ضعفاً في القشرة الأرضية، وهذه دورات زلزالية تحصل، وكأن هؤلاء يقولون إن هذا الأمر شيء طبيعي وعادي ولا داعي للخوف أيها الناس، ولا تحاسبوا أنفسكم على تقصيركم وذنوبكم وتفريطكم في جنب الله!!
ومع إيماننا بهذه الأسباب المادية الكونية وأنها قد تكون صحيحة، إلا أن وراءها أسباباً شرعية يجب أن تؤخذ في الحسبان، وهذا هو الذي نبَّه إليه القرآن الكريم في آيات كثيرة, وأكده النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه الشريفة، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور", مع أن كلها ريح، لكن الريح تأتي بالرحمة وأيضاً تأتي بالعذاب سبحان الله، ولذلك أنا أقول هذه المصائب العامة التي تحصل في الكرة الأرضية - وقد كثرت في زماننا مثل الزلازل والبراكين والخسوف والحرائق والأمراض والطواعين الفتاكة, ومنها إنفلونزا الخنازير التي أصبحت هاجس العالم بأسره، وقبلها إنفلونزا الطيور ثم مرض جنون البقر وحمى الوادي المتصدع ، هذه الأمراض التي تصيب البشر وتنتشر فيهم وتهلكهم بالملايين، أيضاً هذه الحروب الطاحنة وتسليط هؤلاء الظلمة على الضعفاء - كل هذا مواعظ ونذر يعظ الله بها عباده، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كسفت الشمس في عهده: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده" سبحان الله "فإذا رأيتم ذلك فافزعوا للصلاة" وفي رواية أخرى "فادعوا وصلوا وتصدقوا". إذن هذه الزلازل التي تحصل الآن في العيص وما حولها وحول المدينة المنورة هذه الأرض الطيبة الطاهرة وحول تبوك وغيرها هي أيضاً ليست استثناء, أنا أقرأ قبل يومين على أنها امتدت إلى البحر الأحمر وباب المندب وامتدت إلى بعض دول الخليج, والله إنها آيات تخيف الإنسان العاقل الذي يعرف غيرة الله عز وجل على محارمه: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}, يقول أنتم أيها المسلمون احذروا فتنة يعني عقوبة وعذاباً عاماً لا يصيب العصاة وأهل الكبائر وأهل الظلم والعدوان وحدهم، بل يصيب عامة الناس ممن سكتوا عن إنكار المنكر، رأوه بين أظهرهم وداهنوا فيه، فهنا قد تحل بهم العقوبة العامة لتأخذ الصالح والطالح, وفي الأثر عن مسعر بن كدام وهو أثر مشهور ورد من عدة طرق أن الله عز وجل بعث ملكاً ليهلك قرية فرأى فيها رجلاً صالحاً يصلي فقال يا رب: "إن فيهم عبدك فلاناً. قال به فابدأ فإنه لم يتمعر وجهه في ساعة قط"، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب" وقال: "إذا رأيتم أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منهم" أي تخلى الله سبحانه وتعالى عنهم, ولم يبال بهم بأي واد هلكوا، وما أكثر الظلم والمعاصي والمنكرات ومنها الزنا والشذوذ الجنسي, والربا والرشوة وأكل أموال الناس بالباطل, والحسد والكبر وتعدي الناس بعضهم على بعض. فهذه المعاصي والمظالم هي سبب النقص واستجلاب العقوبات وحلول غضب الله ومقته، ولذلك أقول لإخواني في كل مكان لا تغتروا بإمهال الله ولا تغتروا وتقولوا نحن والحمد لله مسلمون ونحن أحسن الناس وأفضلهم, "من عصاني وهو يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني" والذي يعصي الله على بصيرة وقد أنار الله قلبه بالإيمان ليس كالكافر الذي ربما لم تقم عليه الحجة بعد، ولم تبلغه الدعوة ولا يأمن مكر الله إلا جاهل مغرور كما قال الله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}، ولهذا ثبت عن عمر بن الخطاب: أنه لما زلزلت المدينة عام 20 هجرية قام في الناس خطيباً وحمد الله وأثنى عليه وقال: "يا أهل المدينة ما هذا؟ ما أسرع ما أحدثتم، والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم" وفي رواية "لئن عادت لا أساكنكم فيها أبداً".
وأختم بهذه النصيحة لعمر بن عبد العزيز لما حصل رجف في بعض المناطق كتب إلى عماله: "إن هذا الرجف شيء يعاقب الله به العباد، وقد كتبت إلى الأمصار أن يخرجوا يوم كذا من شهر كذا، فمن كان عنده شيء فليتصدق قال الله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى*وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى},وقولوا مثل ما قال أبوكم آدم: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}, وقولوا كما قال نوح عليه السلام: {وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ}, وكما قال يونس: {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، وهذا يبين واجب ولاة الأمر، وأن عليهم أن ينبهوا الناس خلال هذه الأحداث على وجوب العودة إلى الله، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي، والخروج عن الظلم بأنواعه.
المصدر : رسالة الإسلام
المؤمن الصادق يعلم أن في الكون أسباباً وأن لأحداثه عللاً
الدويش ينتقد تنحية السنن الإلهية في "هزات العيص"
الدكتور إبراهيم الدويش بدور الفهد (سبق) الدمام: انتقد الأمين العام لمركز رؤية للدراسات الاجتماعية الشيخ الدكتور إبراهيم الدويش وسائل الإعلام المرئية والمقروءة في معرض حديثه عن زلال العيص قائلا : "نقرأ ونسمع الكثير من التحليلات العلمية في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة ومن المتخصصين في الأرض وعلومها، فيعلل تارة بأنها منطقة زلازل، وبأن الزلازل كوارث طبيعة، وكلنا يعلم أن الحقائق العلمية الحديثة لا تخفى على علماء الأرض وما هي أسباب حدوث الزلازل، والفيضانات، لكن تحرير أسبابها العلمية لا يخرجها أبداً من كونها جنداً من جند الله، فلماذا تنحية النظرة الشرعية والسنن الإلهية في مثل هذه الأحداث؟ فبأمر من تحدث الزلازل؟ وبأمر من تتحرك الأمواج والبحار؟ { قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}، ويبقى العالم بكل ما أوتي من قوة عاجزًا عن تلافيها أو دفع أضرارها، {وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} ".
وأضاف الدويش "إن المؤمن الصادق يعلم أن في الكون أسباباً وأن لأحداثه عللاً، ولكنه يؤمن بأن الله خالق هذه الأسباب وأنه موجد هذه العلل، فالله هو الذي يزلزل الأرض، والله هو الذي يجري الأنهار، والله هو الذي يرسل الرياح، وكل شيء بأمره، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}، فيا عجباً لنا ولقلوبنا عندما تُفسر تلك الأحداث بأنها حوادث طبيعية، وبسبب تقلص القشرة الأرضية، وبأن الزلازل عبارة عن رياح وأبخرة تحت الأرض، تبحث عن مخرج لها فإن وجدته خرجت على شكل بركان، وإن لم تجده تهتز الأرض، فيكون الزلزال، ثم كفى؟ أيعقل أن نسمع بتحرك الأرض وتهدم المباني وربما هلاك الأنفس ثم لا نتأثر ولا نعتبر؟ ".
وتساءلَ الدويش: "أيعقل أن يبقى الناس على بعدهم وغفلتهم وقسوة قلوبهم؟ أيعقل أن ترتجف المحيطات والبحار ولا ترتجف القلوب التي في الصدور؟ إن كان هذا فهو وربي أشد من تزلزل الأرض لأن موت القلوب أشد من موت الأبدان والعمران؟ عجيب حال الناس! الزلزال يضرب في غرب البلاد، والناس في شرقها وجنوبها ووسطها وشمالها لا يزالون في غمرة ساهون، فمتى يشعر الإنسان بجلال الله وعظمتِه وجبروتِه، إن لم يكن في مثل هذا الحدث؟ متي يستيقظ القلب إن لم يكن في مثل هذه المحنِ والمصائِبِ؟ متى يعرِف الناسُ عزَّ الرّبوبيّة وقهرَها، وذلَّ العبودية وكسرَها، إن لم يكن في هذه الفتن؟ فهيا نرجع الناس للأسباب الحقيقية، فإنه لما وقع الزلزال في خلافة عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله في البلدان وأمرهم أن يأمروا المسلمين بالتوبة إلى الله والضراعة إليه والاستغفار من ذنوبهم. إنه ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة، وصنائع المعروف تطفئ غضب الرب، والواجب على المؤمنين أن يكونوا على وجلٍ من ذنوبهم كما قال الحسن البصري رحمه الله إن المؤمن لا يصبح إلا خائفاً ولا يصلحه إلا ذاك".
وقال الدويش: لا أظن أن أحداً خطر في باله أن نتحدث يوماً عن الزلازل في بلادنا، والعجيب أن زلازل العالم تحل فجأة وفي ثوان ترتج الأرض فتتهدم المباني، وبطرفة عين تحل المصائب والآلام، فيحل الخوف والرعب وتتلاشى الأحلام، ويكون الخراب والدمار، أما زلازل العيص فقد قدر الله أن ترصدها المقاييس وأن تتنبأ بها بتوفيق من الله وقدرته، وأن تستعد لها الجهات الرسمية وتُعد العدة وتتهيأ النفوس، ثم من عجيب لطف الله أن قوتها بدأت شيئاً فشيئاً وبتدرج رحيم، ولا شك أن هذا كله من رحمة الله ولطفه، لو أن الناس يعقلون ويتدبرون، فسبحان الله زلازل وغلاء أسعار، وأزمات مالية، وانفلونزا خنازير، وطواعين وفيروسات، وبراكين وأعاصير وأجواء متقلبة مغبرة ومتربة، وأحداث تهز القلوب، وعبر توقظ الضمائر، ومخاوف تحيط بالجميع، وقوارع تنذر الناس أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ولا مفر لنا إلا بالرجوع إليه، {وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} أولا تعجبون أيها المؤمنون تتلاحق النذر، وتتوالى الفتن، وتعصف بالناس المحن، وقلة مؤمنة تتذكر وترجع وتستغفر: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} ما أجمل حياة الإيمان، والاتعاظ والاعتبار، فالقلوب تحيى مع المصائب والمحن، وتلين النفوس لذكر الله وحبه وخوفه؟.
وأكدَ الدويش أن هذه الزلازل "لا شك أنها نذر وعقوبات، وفيها عبر وعظات، ودلالة على قدرة الله الباهرة، حيث يأذن لهذه الأرض أن تتحرك بضع ثوان أو دقائق فينتج عن ذلك دمار وهلاك وربما رعب وفزع، لعل الناس يراجعون أنفسهم لعلهم يتوبون، لعلهم يستغفرون. لعلهم يتضرعون ويكثرون من العبادة.. الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن معاصيه والندم، كما قال بعض السلف لما زلزلت الأرض: (إن ربكم يستعتبكم) ".
وأضاف الدويش "أن ما أصاب أرضنا هز القلوب أكثر من هزه للأرض، إنه هزة للقلوب الغافلة، وصيحة قوية مزلزلة، إن في هذا لذكرى للقلب المؤمن، ذكرى لمن يتعظ ويعتبر، وفي الأرض المتحركة قلوب لا تتحرك ولا تتأثر، قلوب قست وأظلمت، قلوب طغت عليها الشهوات فلم تعد تتعظ، أو تتفكر، إنها رسالة توقِظنا من رَقدتنا لنتذكَّرَ الآخرةَ، فلقد خدَّرتَنا الدنيا بمفاتِنها، وشغَلتنا بهجتُها، حتى كأنّنا مخلَّدون على ظهرها، غير مرتَحِلين إلى بطنِها، وكأنَّ الموتَ والآخرة قِصص تُتلَى وحديث يُروى ثم ينسَى. إن الزلازل رسالة وإنذارٌ لنا جميعاً بأنّ الحياةَ مؤقَّتة، وأنّ الأجلَ قريب مهما طالَ الأمل، وأنّ العبدَ عُرضة في كلِّ لحظةٍ للزوال فجأة. هكذا ليكن الموقف: فالمؤمن مرهف الحس لمثل هذه الأحداث، فهل يتعلم الناس من هذا الزلزال التوبة من العصيان، والتطهر من الذنوب والرجوع إلى الرؤوف الرحيم؟".
وتابع :" لقد فشا في كثير من المجتمعات الإسلامية، بدع وشرك صريح، من طواف حول القبور وعكوف حولها وسؤال الأموات، ومحاربة للسنة والإسلام سراً وجهراً، والحكم بغير شرع الله، والظلم والجور، وانتشار الربا وأكل أموال الناس بالباطل، وكثرة الفواحش كالزنا وتبرج النساء، وشرب الخمور والمسكرات، وإدمان المخدرات، كثر أكل الحرام، وتنوعت الحيل، شهادات باطلة، وأيمان فاجرة، وخصومات ظالمة، ارتفعت أصوات المعازف والمزامير، وفشت رذائل الأخلاق، حورب الدين وأهله، وسخر من الدعاة والمصلحين، وأصبح قدوة الشباب الفنّان والمطرب واللاعب، وحين ابتعد الناس عن الطريق المستقيم كثر الكفر والفسوق والعصيان، وقلّ الشكر وإرجاع الحقوق، كذبٌ وتزوير وحسد، وترك للنهي عن المنكرات، تبرج وسفور، وزنا ولواط، غيبة ونميمة، وجدال وخصومة، {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ،(النحل61)، ومن فضل الله ورحمته أنه لا يؤاخذ الناس بكل ذنب، ولكن إذا نسوا تذكيرَ الله لهم خوّفهم بالآيات التي تهتزّ لها المشاعر والأبدان، كالزلازل والفيضانات، والفتن والتفجيرات، وما ذاك إلا ليخوّف الله به الإنسان إذا تمادى في الطغيان، ولعذاب الآخرة أكبر، ولأمر الله أعظم، والأمة حين تغفل عن سنن الله تغرق في شهواتها وتضل طريقها حتى تقع في مصارع السوء، والعذاب يعم الصالح والفاسد كما ورد في الحديث:"أنهلك وفينا الصالحون؟ قال:"نعم، إذا كثر الخبث".
ودعا الدويش إلى اتقاء غضب الجبار بالتواصي بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبكثرة الاعتذار والاستغفار، وكثرة الأعمال الصالحة والصدقات وإطعام الطعام، ومواساة المنكوب والكسير، وأنواع البر والإحسان، فإن في الناس محتاجين ومنكوبين، وفي مجتمعنا صور وأخبار، وفي البيوت أسرار، وأرامل وأطفال صغار، ومسنين وعجزة كبار، عضهم البؤس بنابه، وأوجعهم الفقر بكلابه، لا موارد لهم، يتحدثون فتظنهم من الأغنياء، وهم أهل تعفف وحياء، والله أعلم بما يقاسون، من الهموم والديون، ومن ألم الحاجة والفقر، والشدة والعسر، بمثل هؤلاء يُرحم الناس، فتواصوا بالحق واستغفروا وتصدقوا، فصنائع المعروف تقي مصارع السوء، و لعل الله أن يرحمنا ويدفع عن الأذى والفتن، فإنما ترحمون وتنصرون بضعفائكم".
المصدر : جريدة سبق
وقد تحدث فضيلة الشيخ الدكتور: عبد العزيز الفوزان "المشرف العام على مواقع رسالة الإسلام" حول هذا الموضوع، مبيناً حقيقة الزلازل والآفات والفيضانات وغيرها من الآيات الكونية التي تحدث الخوف في الناس، مؤكداً أن المخرج من هذه المحن يكون بعودة الناس إلى الله عز وجل والحذر كل الحذر من تعديهم لحدوده, وانتهاكهم لمحارمه فقال فضيلته:
حقيقة هذه الآيات العظيمة التي يخوف الله بها عباده من الزلازل والبراكين والرياح العاتية والفيضانات المغرقة والحرائق المدمرة التي تحرق البشر والشجر وتدمر النباتات والغابات لا تكاد تخلو منها الكرة الأرضية في شرقها وغربها، أيضاً هذه الآفات في الأنفس من أنواع الأمراض والطواعين العامة وتسلط الخلق بعضهم على بعض، وهذه الآفات أيضاً التي تصيب الحيوانات والبهائم بأنواعها والآفات التي تصيب الزروع والثمار كلها مواعظ ونذر يخوف الله عز وجل بها عباده لكي يشعروا بمقدار تقصيرهم في جنب الله وتعديهم لحدوده، وأن الواجب عليهم أن يعودوا إلى الله عز وجل وأن يخافوا من شؤم ذنوبهم وسوء عواقبها، وأن يخشوا من غضب الله عز وجل ومقته وسطوته، لهذا قال الله عز وجل: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا}, ونعى على الكفار وأهل العصيان والفجور أنهم لا تنفع فيهم المواعظ والنذر فقال عز وجل: {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا}, نسأل الله العافية, يعني يرون هذه الآيات العظيمة والنذر وهذه العقوبات التي تتوالى، ومع ذلك لا تزيدهم إلا عتواً وظلماً وتمادياً في طغيانهم ومعاصيهم، وما أحرى هؤلاء أن يحل بهم غضب الله إن لم يتوبوا إلى ربهم ويعودوا إلى رشدهم, ونبينا - صلى الله عليه وسلم - هو أتقى الخلق لله عز وجل وزمنه أفضل الأزمنة وقرنه أفضل القرون وأصحابه هم أفضل هذه الأمة من بعده عليه الصلاة والسلام، وأيضاً وجوده كان أماناً للبشرية جمعاء من العقوبات العامة كما قال ربنا سبحانه: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، ومع ذلك تقول عائشة رضي الله عنها وكذلك أنس بن مالك وورد عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم أنه كان إذا رأى الريح والغيوم الشديدة السوداء المتراكمة رئي ذلك في وجهه, وفي حديث عائشة قالت أخذ يدخل ويخرج ويحمر وجهه ويصفر وتقول يا رسول أتخاف؟ قال: ما لي لا أخاف يا عائشة، وقد عذب الله قوماً بالريح يعني قوم عاد: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ* دَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}, نسأل الله العافية، هذه الرياح التي تجلب الخير والأمطار بإرادة الله عز وجل هي جند من جنود الله، قد تكون عذاباً على قوم كما فعل الله بقوم عاد وكما فعل الله عز وجل بقريش ومن شارك معها في غزوة الخندق حينما أرسل الله عز وجل عليهم الدبور فكفأت قدورهم، وأطفأت نيرانهم، وقلعت خيامهم، وملأت عيونهم وأفواههم تراباً وغباراً، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}، هذا هو البحر يسخره الله لموسى عليه السلام وقومه، حين حاصره فرعون وجنوده، فيأمره الله بأن يضرب البحر بعصاه فانفلق ذلك البحر المتلاطم فكان كل فلق كالطود العظيم، كالجبال الراسيات ويبست الأرض في لحظات بأمر الله، ثم لما تكامل موسى ومن معه خارجين من البحر, ودخل فرعون ومن معه وتكاملوا داخلين أطبقه الله عليهم وأغرقهم أجمعين.
وهناك من يحاول تفسير كل شيء بتفسيرات مادية طبيعية، وأن هذه الظواهر الكونية من غضب الطبيعة كما يعبرون, نعم هناك أسباب طبيعية يقول بها المختصون في علوم الطبيعة ويفسرون بها الزلازل والرياح والأعاصير وغيرها، مثل قولهم في حالة الزلازل إن هناك ضعفاً في القشرة الأرضية، وهذه دورات زلزالية تحصل، وكأن هؤلاء يقولون إن هذا الأمر شيء طبيعي وعادي ولا داعي للخوف أيها الناس، ولا تحاسبوا أنفسكم على تقصيركم وذنوبكم وتفريطكم في جنب الله!!
ومع إيماننا بهذه الأسباب المادية الكونية وأنها قد تكون صحيحة، إلا أن وراءها أسباباً شرعية يجب أن تؤخذ في الحسبان، وهذا هو الذي نبَّه إليه القرآن الكريم في آيات كثيرة, وأكده النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه الشريفة، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور", مع أن كلها ريح، لكن الريح تأتي بالرحمة وأيضاً تأتي بالعذاب سبحان الله، ولذلك أنا أقول هذه المصائب العامة التي تحصل في الكرة الأرضية - وقد كثرت في زماننا مثل الزلازل والبراكين والخسوف والحرائق والأمراض والطواعين الفتاكة, ومنها إنفلونزا الخنازير التي أصبحت هاجس العالم بأسره، وقبلها إنفلونزا الطيور ثم مرض جنون البقر وحمى الوادي المتصدع ، هذه الأمراض التي تصيب البشر وتنتشر فيهم وتهلكهم بالملايين، أيضاً هذه الحروب الطاحنة وتسليط هؤلاء الظلمة على الضعفاء - كل هذا مواعظ ونذر يعظ الله بها عباده، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كسفت الشمس في عهده: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده" سبحان الله "فإذا رأيتم ذلك فافزعوا للصلاة" وفي رواية أخرى "فادعوا وصلوا وتصدقوا". إذن هذه الزلازل التي تحصل الآن في العيص وما حولها وحول المدينة المنورة هذه الأرض الطيبة الطاهرة وحول تبوك وغيرها هي أيضاً ليست استثناء, أنا أقرأ قبل يومين على أنها امتدت إلى البحر الأحمر وباب المندب وامتدت إلى بعض دول الخليج, والله إنها آيات تخيف الإنسان العاقل الذي يعرف غيرة الله عز وجل على محارمه: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}, يقول أنتم أيها المسلمون احذروا فتنة يعني عقوبة وعذاباً عاماً لا يصيب العصاة وأهل الكبائر وأهل الظلم والعدوان وحدهم، بل يصيب عامة الناس ممن سكتوا عن إنكار المنكر، رأوه بين أظهرهم وداهنوا فيه، فهنا قد تحل بهم العقوبة العامة لتأخذ الصالح والطالح, وفي الأثر عن مسعر بن كدام وهو أثر مشهور ورد من عدة طرق أن الله عز وجل بعث ملكاً ليهلك قرية فرأى فيها رجلاً صالحاً يصلي فقال يا رب: "إن فيهم عبدك فلاناً. قال به فابدأ فإنه لم يتمعر وجهه في ساعة قط"، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب" وقال: "إذا رأيتم أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منهم" أي تخلى الله سبحانه وتعالى عنهم, ولم يبال بهم بأي واد هلكوا، وما أكثر الظلم والمعاصي والمنكرات ومنها الزنا والشذوذ الجنسي, والربا والرشوة وأكل أموال الناس بالباطل, والحسد والكبر وتعدي الناس بعضهم على بعض. فهذه المعاصي والمظالم هي سبب النقص واستجلاب العقوبات وحلول غضب الله ومقته، ولذلك أقول لإخواني في كل مكان لا تغتروا بإمهال الله ولا تغتروا وتقولوا نحن والحمد لله مسلمون ونحن أحسن الناس وأفضلهم, "من عصاني وهو يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني" والذي يعصي الله على بصيرة وقد أنار الله قلبه بالإيمان ليس كالكافر الذي ربما لم تقم عليه الحجة بعد، ولم تبلغه الدعوة ولا يأمن مكر الله إلا جاهل مغرور كما قال الله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}، ولهذا ثبت عن عمر بن الخطاب: أنه لما زلزلت المدينة عام 20 هجرية قام في الناس خطيباً وحمد الله وأثنى عليه وقال: "يا أهل المدينة ما هذا؟ ما أسرع ما أحدثتم، والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم" وفي رواية "لئن عادت لا أساكنكم فيها أبداً".
وأختم بهذه النصيحة لعمر بن عبد العزيز لما حصل رجف في بعض المناطق كتب إلى عماله: "إن هذا الرجف شيء يعاقب الله به العباد، وقد كتبت إلى الأمصار أن يخرجوا يوم كذا من شهر كذا، فمن كان عنده شيء فليتصدق قال الله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى*وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى},وقولوا مثل ما قال أبوكم آدم: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}, وقولوا كما قال نوح عليه السلام: {وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ}, وكما قال يونس: {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، وهذا يبين واجب ولاة الأمر، وأن عليهم أن ينبهوا الناس خلال هذه الأحداث على وجوب العودة إلى الله، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي، والخروج عن الظلم بأنواعه.
المصدر : رسالة الإسلام
المؤمن الصادق يعلم أن في الكون أسباباً وأن لأحداثه عللاً
الدويش ينتقد تنحية السنن الإلهية في "هزات العيص"
الدكتور إبراهيم الدويش بدور الفهد (سبق) الدمام: انتقد الأمين العام لمركز رؤية للدراسات الاجتماعية الشيخ الدكتور إبراهيم الدويش وسائل الإعلام المرئية والمقروءة في معرض حديثه عن زلال العيص قائلا : "نقرأ ونسمع الكثير من التحليلات العلمية في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة ومن المتخصصين في الأرض وعلومها، فيعلل تارة بأنها منطقة زلازل، وبأن الزلازل كوارث طبيعة، وكلنا يعلم أن الحقائق العلمية الحديثة لا تخفى على علماء الأرض وما هي أسباب حدوث الزلازل، والفيضانات، لكن تحرير أسبابها العلمية لا يخرجها أبداً من كونها جنداً من جند الله، فلماذا تنحية النظرة الشرعية والسنن الإلهية في مثل هذه الأحداث؟ فبأمر من تحدث الزلازل؟ وبأمر من تتحرك الأمواج والبحار؟ { قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}، ويبقى العالم بكل ما أوتي من قوة عاجزًا عن تلافيها أو دفع أضرارها، {وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} ".
وأضاف الدويش "إن المؤمن الصادق يعلم أن في الكون أسباباً وأن لأحداثه عللاً، ولكنه يؤمن بأن الله خالق هذه الأسباب وأنه موجد هذه العلل، فالله هو الذي يزلزل الأرض، والله هو الذي يجري الأنهار، والله هو الذي يرسل الرياح، وكل شيء بأمره، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}، فيا عجباً لنا ولقلوبنا عندما تُفسر تلك الأحداث بأنها حوادث طبيعية، وبسبب تقلص القشرة الأرضية، وبأن الزلازل عبارة عن رياح وأبخرة تحت الأرض، تبحث عن مخرج لها فإن وجدته خرجت على شكل بركان، وإن لم تجده تهتز الأرض، فيكون الزلزال، ثم كفى؟ أيعقل أن نسمع بتحرك الأرض وتهدم المباني وربما هلاك الأنفس ثم لا نتأثر ولا نعتبر؟ ".
وتساءلَ الدويش: "أيعقل أن يبقى الناس على بعدهم وغفلتهم وقسوة قلوبهم؟ أيعقل أن ترتجف المحيطات والبحار ولا ترتجف القلوب التي في الصدور؟ إن كان هذا فهو وربي أشد من تزلزل الأرض لأن موت القلوب أشد من موت الأبدان والعمران؟ عجيب حال الناس! الزلزال يضرب في غرب البلاد، والناس في شرقها وجنوبها ووسطها وشمالها لا يزالون في غمرة ساهون، فمتى يشعر الإنسان بجلال الله وعظمتِه وجبروتِه، إن لم يكن في مثل هذا الحدث؟ متي يستيقظ القلب إن لم يكن في مثل هذه المحنِ والمصائِبِ؟ متى يعرِف الناسُ عزَّ الرّبوبيّة وقهرَها، وذلَّ العبودية وكسرَها، إن لم يكن في هذه الفتن؟ فهيا نرجع الناس للأسباب الحقيقية، فإنه لما وقع الزلزال في خلافة عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله في البلدان وأمرهم أن يأمروا المسلمين بالتوبة إلى الله والضراعة إليه والاستغفار من ذنوبهم. إنه ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة، وصنائع المعروف تطفئ غضب الرب، والواجب على المؤمنين أن يكونوا على وجلٍ من ذنوبهم كما قال الحسن البصري رحمه الله إن المؤمن لا يصبح إلا خائفاً ولا يصلحه إلا ذاك".
وقال الدويش: لا أظن أن أحداً خطر في باله أن نتحدث يوماً عن الزلازل في بلادنا، والعجيب أن زلازل العالم تحل فجأة وفي ثوان ترتج الأرض فتتهدم المباني، وبطرفة عين تحل المصائب والآلام، فيحل الخوف والرعب وتتلاشى الأحلام، ويكون الخراب والدمار، أما زلازل العيص فقد قدر الله أن ترصدها المقاييس وأن تتنبأ بها بتوفيق من الله وقدرته، وأن تستعد لها الجهات الرسمية وتُعد العدة وتتهيأ النفوس، ثم من عجيب لطف الله أن قوتها بدأت شيئاً فشيئاً وبتدرج رحيم، ولا شك أن هذا كله من رحمة الله ولطفه، لو أن الناس يعقلون ويتدبرون، فسبحان الله زلازل وغلاء أسعار، وأزمات مالية، وانفلونزا خنازير، وطواعين وفيروسات، وبراكين وأعاصير وأجواء متقلبة مغبرة ومتربة، وأحداث تهز القلوب، وعبر توقظ الضمائر، ومخاوف تحيط بالجميع، وقوارع تنذر الناس أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ولا مفر لنا إلا بالرجوع إليه، {وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} أولا تعجبون أيها المؤمنون تتلاحق النذر، وتتوالى الفتن، وتعصف بالناس المحن، وقلة مؤمنة تتذكر وترجع وتستغفر: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} ما أجمل حياة الإيمان، والاتعاظ والاعتبار، فالقلوب تحيى مع المصائب والمحن، وتلين النفوس لذكر الله وحبه وخوفه؟.
وأكدَ الدويش أن هذه الزلازل "لا شك أنها نذر وعقوبات، وفيها عبر وعظات، ودلالة على قدرة الله الباهرة، حيث يأذن لهذه الأرض أن تتحرك بضع ثوان أو دقائق فينتج عن ذلك دمار وهلاك وربما رعب وفزع، لعل الناس يراجعون أنفسهم لعلهم يتوبون، لعلهم يستغفرون. لعلهم يتضرعون ويكثرون من العبادة.. الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن معاصيه والندم، كما قال بعض السلف لما زلزلت الأرض: (إن ربكم يستعتبكم) ".
وأضاف الدويش "أن ما أصاب أرضنا هز القلوب أكثر من هزه للأرض، إنه هزة للقلوب الغافلة، وصيحة قوية مزلزلة، إن في هذا لذكرى للقلب المؤمن، ذكرى لمن يتعظ ويعتبر، وفي الأرض المتحركة قلوب لا تتحرك ولا تتأثر، قلوب قست وأظلمت، قلوب طغت عليها الشهوات فلم تعد تتعظ، أو تتفكر، إنها رسالة توقِظنا من رَقدتنا لنتذكَّرَ الآخرةَ، فلقد خدَّرتَنا الدنيا بمفاتِنها، وشغَلتنا بهجتُها، حتى كأنّنا مخلَّدون على ظهرها، غير مرتَحِلين إلى بطنِها، وكأنَّ الموتَ والآخرة قِصص تُتلَى وحديث يُروى ثم ينسَى. إن الزلازل رسالة وإنذارٌ لنا جميعاً بأنّ الحياةَ مؤقَّتة، وأنّ الأجلَ قريب مهما طالَ الأمل، وأنّ العبدَ عُرضة في كلِّ لحظةٍ للزوال فجأة. هكذا ليكن الموقف: فالمؤمن مرهف الحس لمثل هذه الأحداث، فهل يتعلم الناس من هذا الزلزال التوبة من العصيان، والتطهر من الذنوب والرجوع إلى الرؤوف الرحيم؟".
وتابع :" لقد فشا في كثير من المجتمعات الإسلامية، بدع وشرك صريح، من طواف حول القبور وعكوف حولها وسؤال الأموات، ومحاربة للسنة والإسلام سراً وجهراً، والحكم بغير شرع الله، والظلم والجور، وانتشار الربا وأكل أموال الناس بالباطل، وكثرة الفواحش كالزنا وتبرج النساء، وشرب الخمور والمسكرات، وإدمان المخدرات، كثر أكل الحرام، وتنوعت الحيل، شهادات باطلة، وأيمان فاجرة، وخصومات ظالمة، ارتفعت أصوات المعازف والمزامير، وفشت رذائل الأخلاق، حورب الدين وأهله، وسخر من الدعاة والمصلحين، وأصبح قدوة الشباب الفنّان والمطرب واللاعب، وحين ابتعد الناس عن الطريق المستقيم كثر الكفر والفسوق والعصيان، وقلّ الشكر وإرجاع الحقوق، كذبٌ وتزوير وحسد، وترك للنهي عن المنكرات، تبرج وسفور، وزنا ولواط، غيبة ونميمة، وجدال وخصومة، {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ،(النحل61)، ومن فضل الله ورحمته أنه لا يؤاخذ الناس بكل ذنب، ولكن إذا نسوا تذكيرَ الله لهم خوّفهم بالآيات التي تهتزّ لها المشاعر والأبدان، كالزلازل والفيضانات، والفتن والتفجيرات، وما ذاك إلا ليخوّف الله به الإنسان إذا تمادى في الطغيان، ولعذاب الآخرة أكبر، ولأمر الله أعظم، والأمة حين تغفل عن سنن الله تغرق في شهواتها وتضل طريقها حتى تقع في مصارع السوء، والعذاب يعم الصالح والفاسد كما ورد في الحديث:"أنهلك وفينا الصالحون؟ قال:"نعم، إذا كثر الخبث".
ودعا الدويش إلى اتقاء غضب الجبار بالتواصي بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبكثرة الاعتذار والاستغفار، وكثرة الأعمال الصالحة والصدقات وإطعام الطعام، ومواساة المنكوب والكسير، وأنواع البر والإحسان، فإن في الناس محتاجين ومنكوبين، وفي مجتمعنا صور وأخبار، وفي البيوت أسرار، وأرامل وأطفال صغار، ومسنين وعجزة كبار، عضهم البؤس بنابه، وأوجعهم الفقر بكلابه، لا موارد لهم، يتحدثون فتظنهم من الأغنياء، وهم أهل تعفف وحياء، والله أعلم بما يقاسون، من الهموم والديون، ومن ألم الحاجة والفقر، والشدة والعسر، بمثل هؤلاء يُرحم الناس، فتواصوا بالحق واستغفروا وتصدقوا، فصنائع المعروف تقي مصارع السوء، و لعل الله أن يرحمنا ويدفع عن الأذى والفتن، فإنما ترحمون وتنصرون بضعفائكم".
المصدر : جريدة سبق