يوجد موقع نبي هوري في أقصى الزاوية الشمالية الشرقية من منطقة عفرين . وهو لايبعد عن الحدود الدولية مع تركيا سوى /2/ كم. وتبلغ المسافة بينه وبين مدينة عفرين نحو / 45 / كم، وعلى بعد / 10 / كم من بلدة بلبل.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
يمر نهر صابون إلى الشرق منه على مسافة / 1.5 / كم. وفي نهاية الانحدار الشرقي للموقع، نبع يسمى ( غرمكه ) ، وهو نبع غزير المياه، يصب في نهر صابون بعد عشرات الأمتار من تفجره.
أما مدينة نبي هوري، فتقع على السفح الشرقي للمرتفع الجبلي الذي أقيمت قلعة نبي هوري. والمدينة تتحدد من الجنوب بمرتفعات قليلة الارتفاع مغطاة بأشجار الزيتون. أما من الشمال: فتتراءى الطبيعة الجميلة للقرى السورية الواقعة خلف حدود تركيا. ومنطقة نبي هوري من مناطق الاصطياف الممتعة في محافظة حلب، يرتادها مئات المصطافين أسبوعيا، من أهالي المنطقة ومدينة حلب، كما تزورها الفرق السياحية الأجنبية للتعرف على مدينة سيروس وقلعتها وآثارها الرائعة، ولكن وللأسف الشديد، لم يبق من القلعة سوى أجزاء من سورها. ويقابل موقع القلعة من الغرب قمة جبلية أخرى، عليها أطلال آثار، كانت عبارة عن حصن تابع للقلعة الأم، ويقال انه كان يصل بينهما نفق بينهما.
ولهذا الموقع الأثرى عدة تسميات. فهو يعرف حاليا بـ ( نبي هوري )، قلعة هوري، أو قلعة نبي هوري، والاسم اليوناني للمدينة هو ( سيروس )، وسميت أحيانا (آجيا بولس) أي مدينة القديسَين كوزما ودميانوس اللذان بنيا كنيسة حول قبريهما، فقد دخلت سيروس المسيحية عل يد (سمعان الغيور) الذي بنى فيها كنيسة، ومات ودفن فيها. أما المؤرخون العرب والمسلمون فقد كتبوا اسمها على شكل ( قورش ) وأحيانا ( كورش ) ، ولجميع هذه الأسماء صلة بتاريخ استيطان هذا الموقع، وبناء المدينة فيها، والأحداث التي وقعت حولها.
فللاسم ( هوري ) رواية تقول: انه يعود إلى اسم ( اوريا ابن حّنان ) أحد قادة نبي داوود، الذي قتل في معركة هناك ودفن فيها، وقصة داوود مع زوجة ذلك القائد التي جرت هذه الأحداث في أوائل الألف الأول ق.م، معروفة تقول رواية دينية (( أن النبي ( داوود )، احب زوجة قائده أوريا، فأرسله إلى القتال في تلك الجهات، لكي يأخذ زوجته بعد مقتله. وهناك من المؤرخين من يرى أن هذه رواية مغرضة، لمناقضتها عصمة الأنبياء ،( الدر المنتخب، ص 225 ) .
كما أن ( هوري ) اسم شعب جبلي قديم سكن جبال زاغروس وطوروس ، وله ذكر في تاريخ الشرق الأدنى، يغطي نصف الألف الثالثة، وكل الألف الثانية ق.م. حيث انتشر هذا الشعب بكثافة في كل أرجاء الهلال الخصيب والنصف الشمالي من بلاد الرافدين. وتأسست الإمبراطورية الميتاهورية الكبيرة في أواسط الألف الثانية ق.م الميلاد، وسيطرت على كامل الشرق الأدنى القديم تقريبا. ويعتبر هذا الشعب الهوري سلفا قديما لشعوب هذه المنطقة. ولاتزال في هذه المطقة أماكن تحمل اسم هوري، مثل: كهوف وخرائب الهوريين قرب قرية جويق، وأيضا اسم جبل ( هاوار ) القريب لفظيا من اسم هوري. أما الاسم سيروس فتقول بعض المصادر انه اللفظ اليوناني لاسم الملك الفارسي (كورش ) و يعود وجود المدينة إلى أيامه. وقد كتبه العرب أيضا على شكل ( قورش ) أحيانا.
أما عن تاريخ بناء المدينة، فإن المصادر تقول: انه في الفترة السابقة للهلينية (اليونانية )، كانت هناك مدينة، واغلب الاعتقاد، أنها كانت موجودة منذ الفترة الهورية.
أما المدينة الحدث ( سيروس ) التي نرى أطلالها الآن، والتي بناها القائد اليوناني (سلوقس نيكاتور) مؤسس الدولة اليونانية السلوقية في الشرق، وتقول المصادر التاريخية انه باسم بلدة في بلاد اليونان.
مدينة سيروس في الفترة اليونانية( 312-64 ) ق.م:
لايعرف تاريخ بناء المدينة بشكل دقيق، ولكنها تنسب كما قلنا إلى فترة حكم سلوقس نيكاتور ( 312-280 ) ق.م. ونظرا للموقع الهام للمدينة، فقد تمركزت فيها قوات عسكرية كبيرة، ولايعرف إن كانت تابعة لمدينة ما، وربما كانت مستقلة بذاتها. وفي تلك الفترة، وازدهرت بسرعة كبيرة، وكان يضرب فيها النقود، كما كانت مركزا مهما لعبادة الإلهين أثينا حامية البلاد العظيمة، وزيوس (إله الصاعقة). ويعتقد أن معبد زيوس كان على قمة الجبل المجاور للمدينة. إلا انه بعد انسلاخ آسيا الصغرى عن الدولة السلوقية، إثر معاهدة أفاميا عام 188 ق.م، فأصبحت سيروس مدينة حدودية، فقدت أهميتها المدنية، أصبحت مركزا لتجميع الجيوش، وتأمين الجنود الأشداء لملوك إنطاكية. وفي عام 83 ق.م، سيطر عليها ملك أرمينيا ( تيكران ) الكبير، فشمل الفوضى كل منطقتها، إلى أن استردها الرومان في عام 69 ق.م.
في الفترة الرومانية:
أصبحت سوريا ولاية رومانية بدخول القائد الروماني ( بومباي ) إليها في عام /64/ ق.م. وكانت سيروس في بداية العصر الروماني مسرحا لمعارك كبيرة بين الرومان والبارسيين ( الفرس )، الذين اجتاحوا سوريا في عام /40 / ق.م وبصورة مؤقتة. وفي بداية سيطرة الرومان على مناطق سوريا استخدم الرومان سيروس مركزا لقوة عسكرية كبيرة هي الفرقة العاشرة، وظلت كذلك في الثلثين الأولين من القرن الأول الميلادي. ولكن بعد اتساع حدود الدولة الرومانية نحو الشرق، لم تعد سيروس منطقة حدودية، بل أصبحت مركزا لإحدى المناطق الإدارية الثلاث في سوريا، وعرفت بـ (سيروستيك) أو (قورستيكا) نسبة إلى عاصمتها مدينة سيروس، وكانت مدينة بيروا ( حلب ) تابعة لها.
وازدهرت منطقة سيروس ازدهارا رائعا في أيام الحكم الروماني البيزنطي، وخاصة في الفترة التي تسمى بالسلم الروماني، حتى أصبحت مفتاح منطقة الرافدين، وصلة الوصل بين إنطاكية وتسويجما ( مدينة نزب ) في تركيا شرقي عنتاب، وسكت فيها العملة. ولكن بعد إنشاء الطريق الروماني المعبد بين بيروا ومدينة منبج، تحول المركز الإداري لمقاطعة سيروستيكا إلى منبج، وأصبحت سيروس تابعا إداريا لها، إلا أن أهميتها التجارية استمرت، وظلت عقدة اتصال هامة في المنطقة طوال القرنين الثاني والثالث الميلاديين، وكان يتفرع من سيروس ست طرق رئيسية إلى الأقاليم المجاورة.
بعد استلام الأسرة الساسانية عرش المملكة البارسية سنة 227 م، غزا الفرس سوريا واحتلوا سيروس وانطاكية سنة 257 م لفترة قصيرة، ولكن سرعان ما استعادها الرومان. ورغم أحداث الحرب، وظروف الاحتلال، بقيت سيروس مزدهرة، ومركزا دينيا مسيحيا، وسياسيا مرموقا حتى نهاية العصر الروماني. فقد كانت كنيسة (ديونيسيوس) في سيروس والمدينة، في عهد القيصر اناستاس ملجأ للهاربين دون أن يصابوا بأذى (الدر المنتخب، ص 62).
العصر البيزنطي (القرن الرابع الميلادي وحتى مجيء الإسلام):
جرى الانفصال السياسي بين بيزنطة وروما عام 330 م، وتشكلت على أثرها الدولة البيزنطية التي اعتنقت المسيحية. ويعود الفضل في معرفة معلومات غزيرة عن أحوال مدينة سيروس في هذه الفترة إلى كتاب (التاريخ الديني)، الذي ألفه أسقف سيروس المسمى تيودور أو تاودوره (رزق الله)، الذي استلم اسقفيتها اعتبارا من عام 423م. فقد ذكر تاودوره في كتابه أن منطقة سيروس كانت أبرشية تضم 800 كنيسة، أما إداريا، فقد كانت جزءا من ولاية الفرات. وأصبحت منطقة كبيرة طولها 80 كم، وعرضها 50 كم، تحيط بها أربع ابرشيات، هي: إنطاكية وعنتاب ومنبج وحلب. وكانت إداريا تضم: جبل الأكراد، وشيخ خوروس، وميدانكي واعزاز، وكلز، وجبرين اعزاز، واكده ، نيارا، وشيخ ريح، إضافة إلى العاصمة سيروس. وغيرها العديد من القرى ( الأب بولس، ص 80 ). أما قلعة المدينة وسورها والعديد من الأبنية العامة، فقد بنيت بفضل الإمبراطور جوستينيان. وفي هذه الفترة البيزنطية كانت سيروس، أصبحت مقرا لفرقة عسكرية كبيرة.
وفي النصف الأول من القرن السادس للميلاد، تعرضت المدينة إلى غارات الفرس، وانتهت تلك العمليات العسكرية بتوقيع معاهدة سلام بينهم وبين الإمبراطور جوستينيان في عام 532 م. إلا أن الفرس خرقوا تلك المعاهدة بعد عدة سنوات وهاجموا سوريا مجددا، واحتلوا حلب وانطاكية، واستمرت حالة الحرب والسلم بين الفرس والبيزنطيين حوالي قرن من الزمن، تبادلوا خلالها السيطرة على هذه المناطق من شمال سوريا، إلى أن طرد الإمبراطور البيزنطي ( هرقل ) طرد الفرس منها نهائيا في عام 630 م. ونتيجة للحروب السابقة، تعرضت سيروس للخراب مرتين في أعوام 540 و 574 م. وعلى اثر ذلك ضعفت أهميتها التجارية، ولكنها بقيت تحتفظ بأهمية دينية مرموقة، وسميت في القرن السادس الميلادي ( آجيا بوليس ) المدينة المقدسة أو القديسين.
العهد الإسلامي:
استسلمت مدينة سيروس إلى القائد الإسلامي عياض بن غنم عام / 637 / ميلادي سلما، شرط دفع الجزية. ونظرا لوقوعها على الحدود البيزنطية، فقد كانت لها أهمية عسكرية خاصة في أيام الأمويين والعباسيين. وقد أمر الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك، بنقل حجارة كنيسة سيروس، لاستعمالها في بناء جامع ذكريا بحلب، فدفع الإمبراطور البيزنطي أموالا طائلة لقاء استرداد ثلاثة أعمدة من أعمدة الكنيسة، التي يقول عنها ابن الشحنة: أنها كانت من عجائب الدنيا السبع، إلا أن الوليد رفض طلبه. وفي عهد هارون الرشيد الخليفة الأموي، كانت سيروس من جملة العواصم السبع، وفيها حامية عسكرية كبيرة تابعة إداريا لمنبج .
وقد استولى البيزنطيون على سيروس مجددا في عام 905 م، وبقيت في حوزتهم. إلى أن استولى عليها الصليبيون وأطلقوا عليها اسم (كوريسي)، وجعلوها من الإقطاعيات التابعة لكونتيسة اديسا (رها الحالية).
وقد لعبت مدينة سيروس دورا هاما في الربط بين إمارتي إنطاكية والرها في الفترة الصليبية. وفي عام 1150 م، بعد أن اسر القائد البيزنطي جوسلين بيد مجموعة من سكان المنطقة المسلمين، سيطر نورالدين زنكي على سيروس، كما سقطت بيده قلاع وحصون الإفرنجة في تلك الأنحاء، مثل اعزاز وراوندان…الخ. إلا أن نورالدين أمر بتدمير سيروس، والانسحاب منها عام 1157 م خوفا من عودة سقوطها بيد الفرنجة. كما أن زلزالا كبيرا حدث في عام 1140 م كان قد اضر بالمدينة كثيرا.
ومنذ ذلك التاريخ هجرت المدينة تماما، وتحولت إلى أطلال مندثرة، إلى أن قام مدير المعهد الفرنسي للآثار في بيروت السيد /هنري سرينغ/ في عام 1952، بالتنقيب فيها لسبع مواسم متفرقة، وكشف النقاب عن المعالم الأساسية للمدينة وأبنيتها، فأثار انتباه الباحثين والمهتمين بالآثار والتاريخ إليها.
ومن ابرز المعالم الأثرية الباقية لمدينة سيروس، هو المسرح الروماني الرائع الذي يعتبر اجمل مدرج روماني، ويعود بناؤه إلى القرنين الثاني والثالث الميلاديين، إضافة إلى شارعها الرئيسي والحمامات والمدافن التي بنيت عل غاية من الرقي والإبداع. وفيها قبر لقائد روماني على شكل برج مسدس الشكل لايزال يحتفظ بكامل هيكله، يقع على الطرف الجنوبي الغربي للمدينة، في الغرفة الصغيرة تحت البرج مقام (قبر رمزي) مؤرخ لعام 703 للهجرة، و قد بني بجانب المدفن مسجد مؤرخ في عام /1276/ للهجرة يؤمه المصلون المسلمون من القرى المجاورة في إقامة صلاة الجمعة والعيدين.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
يمر نهر صابون إلى الشرق منه على مسافة / 1.5 / كم. وفي نهاية الانحدار الشرقي للموقع، نبع يسمى ( غرمكه ) ، وهو نبع غزير المياه، يصب في نهر صابون بعد عشرات الأمتار من تفجره.
أما مدينة نبي هوري، فتقع على السفح الشرقي للمرتفع الجبلي الذي أقيمت قلعة نبي هوري. والمدينة تتحدد من الجنوب بمرتفعات قليلة الارتفاع مغطاة بأشجار الزيتون. أما من الشمال: فتتراءى الطبيعة الجميلة للقرى السورية الواقعة خلف حدود تركيا. ومنطقة نبي هوري من مناطق الاصطياف الممتعة في محافظة حلب، يرتادها مئات المصطافين أسبوعيا، من أهالي المنطقة ومدينة حلب، كما تزورها الفرق السياحية الأجنبية للتعرف على مدينة سيروس وقلعتها وآثارها الرائعة، ولكن وللأسف الشديد، لم يبق من القلعة سوى أجزاء من سورها. ويقابل موقع القلعة من الغرب قمة جبلية أخرى، عليها أطلال آثار، كانت عبارة عن حصن تابع للقلعة الأم، ويقال انه كان يصل بينهما نفق بينهما.
ولهذا الموقع الأثرى عدة تسميات. فهو يعرف حاليا بـ ( نبي هوري )، قلعة هوري، أو قلعة نبي هوري، والاسم اليوناني للمدينة هو ( سيروس )، وسميت أحيانا (آجيا بولس) أي مدينة القديسَين كوزما ودميانوس اللذان بنيا كنيسة حول قبريهما، فقد دخلت سيروس المسيحية عل يد (سمعان الغيور) الذي بنى فيها كنيسة، ومات ودفن فيها. أما المؤرخون العرب والمسلمون فقد كتبوا اسمها على شكل ( قورش ) وأحيانا ( كورش ) ، ولجميع هذه الأسماء صلة بتاريخ استيطان هذا الموقع، وبناء المدينة فيها، والأحداث التي وقعت حولها.
فللاسم ( هوري ) رواية تقول: انه يعود إلى اسم ( اوريا ابن حّنان ) أحد قادة نبي داوود، الذي قتل في معركة هناك ودفن فيها، وقصة داوود مع زوجة ذلك القائد التي جرت هذه الأحداث في أوائل الألف الأول ق.م، معروفة تقول رواية دينية (( أن النبي ( داوود )، احب زوجة قائده أوريا، فأرسله إلى القتال في تلك الجهات، لكي يأخذ زوجته بعد مقتله. وهناك من المؤرخين من يرى أن هذه رواية مغرضة، لمناقضتها عصمة الأنبياء ،( الدر المنتخب، ص 225 ) .
كما أن ( هوري ) اسم شعب جبلي قديم سكن جبال زاغروس وطوروس ، وله ذكر في تاريخ الشرق الأدنى، يغطي نصف الألف الثالثة، وكل الألف الثانية ق.م. حيث انتشر هذا الشعب بكثافة في كل أرجاء الهلال الخصيب والنصف الشمالي من بلاد الرافدين. وتأسست الإمبراطورية الميتاهورية الكبيرة في أواسط الألف الثانية ق.م الميلاد، وسيطرت على كامل الشرق الأدنى القديم تقريبا. ويعتبر هذا الشعب الهوري سلفا قديما لشعوب هذه المنطقة. ولاتزال في هذه المطقة أماكن تحمل اسم هوري، مثل: كهوف وخرائب الهوريين قرب قرية جويق، وأيضا اسم جبل ( هاوار ) القريب لفظيا من اسم هوري. أما الاسم سيروس فتقول بعض المصادر انه اللفظ اليوناني لاسم الملك الفارسي (كورش ) و يعود وجود المدينة إلى أيامه. وقد كتبه العرب أيضا على شكل ( قورش ) أحيانا.
أما عن تاريخ بناء المدينة، فإن المصادر تقول: انه في الفترة السابقة للهلينية (اليونانية )، كانت هناك مدينة، واغلب الاعتقاد، أنها كانت موجودة منذ الفترة الهورية.
أما المدينة الحدث ( سيروس ) التي نرى أطلالها الآن، والتي بناها القائد اليوناني (سلوقس نيكاتور) مؤسس الدولة اليونانية السلوقية في الشرق، وتقول المصادر التاريخية انه باسم بلدة في بلاد اليونان.
مدينة سيروس في الفترة اليونانية( 312-64 ) ق.م:
لايعرف تاريخ بناء المدينة بشكل دقيق، ولكنها تنسب كما قلنا إلى فترة حكم سلوقس نيكاتور ( 312-280 ) ق.م. ونظرا للموقع الهام للمدينة، فقد تمركزت فيها قوات عسكرية كبيرة، ولايعرف إن كانت تابعة لمدينة ما، وربما كانت مستقلة بذاتها. وفي تلك الفترة، وازدهرت بسرعة كبيرة، وكان يضرب فيها النقود، كما كانت مركزا مهما لعبادة الإلهين أثينا حامية البلاد العظيمة، وزيوس (إله الصاعقة). ويعتقد أن معبد زيوس كان على قمة الجبل المجاور للمدينة. إلا انه بعد انسلاخ آسيا الصغرى عن الدولة السلوقية، إثر معاهدة أفاميا عام 188 ق.م، فأصبحت سيروس مدينة حدودية، فقدت أهميتها المدنية، أصبحت مركزا لتجميع الجيوش، وتأمين الجنود الأشداء لملوك إنطاكية. وفي عام 83 ق.م، سيطر عليها ملك أرمينيا ( تيكران ) الكبير، فشمل الفوضى كل منطقتها، إلى أن استردها الرومان في عام 69 ق.م.
في الفترة الرومانية:
أصبحت سوريا ولاية رومانية بدخول القائد الروماني ( بومباي ) إليها في عام /64/ ق.م. وكانت سيروس في بداية العصر الروماني مسرحا لمعارك كبيرة بين الرومان والبارسيين ( الفرس )، الذين اجتاحوا سوريا في عام /40 / ق.م وبصورة مؤقتة. وفي بداية سيطرة الرومان على مناطق سوريا استخدم الرومان سيروس مركزا لقوة عسكرية كبيرة هي الفرقة العاشرة، وظلت كذلك في الثلثين الأولين من القرن الأول الميلادي. ولكن بعد اتساع حدود الدولة الرومانية نحو الشرق، لم تعد سيروس منطقة حدودية، بل أصبحت مركزا لإحدى المناطق الإدارية الثلاث في سوريا، وعرفت بـ (سيروستيك) أو (قورستيكا) نسبة إلى عاصمتها مدينة سيروس، وكانت مدينة بيروا ( حلب ) تابعة لها.
وازدهرت منطقة سيروس ازدهارا رائعا في أيام الحكم الروماني البيزنطي، وخاصة في الفترة التي تسمى بالسلم الروماني، حتى أصبحت مفتاح منطقة الرافدين، وصلة الوصل بين إنطاكية وتسويجما ( مدينة نزب ) في تركيا شرقي عنتاب، وسكت فيها العملة. ولكن بعد إنشاء الطريق الروماني المعبد بين بيروا ومدينة منبج، تحول المركز الإداري لمقاطعة سيروستيكا إلى منبج، وأصبحت سيروس تابعا إداريا لها، إلا أن أهميتها التجارية استمرت، وظلت عقدة اتصال هامة في المنطقة طوال القرنين الثاني والثالث الميلاديين، وكان يتفرع من سيروس ست طرق رئيسية إلى الأقاليم المجاورة.
بعد استلام الأسرة الساسانية عرش المملكة البارسية سنة 227 م، غزا الفرس سوريا واحتلوا سيروس وانطاكية سنة 257 م لفترة قصيرة، ولكن سرعان ما استعادها الرومان. ورغم أحداث الحرب، وظروف الاحتلال، بقيت سيروس مزدهرة، ومركزا دينيا مسيحيا، وسياسيا مرموقا حتى نهاية العصر الروماني. فقد كانت كنيسة (ديونيسيوس) في سيروس والمدينة، في عهد القيصر اناستاس ملجأ للهاربين دون أن يصابوا بأذى (الدر المنتخب، ص 62).
العصر البيزنطي (القرن الرابع الميلادي وحتى مجيء الإسلام):
جرى الانفصال السياسي بين بيزنطة وروما عام 330 م، وتشكلت على أثرها الدولة البيزنطية التي اعتنقت المسيحية. ويعود الفضل في معرفة معلومات غزيرة عن أحوال مدينة سيروس في هذه الفترة إلى كتاب (التاريخ الديني)، الذي ألفه أسقف سيروس المسمى تيودور أو تاودوره (رزق الله)، الذي استلم اسقفيتها اعتبارا من عام 423م. فقد ذكر تاودوره في كتابه أن منطقة سيروس كانت أبرشية تضم 800 كنيسة، أما إداريا، فقد كانت جزءا من ولاية الفرات. وأصبحت منطقة كبيرة طولها 80 كم، وعرضها 50 كم، تحيط بها أربع ابرشيات، هي: إنطاكية وعنتاب ومنبج وحلب. وكانت إداريا تضم: جبل الأكراد، وشيخ خوروس، وميدانكي واعزاز، وكلز، وجبرين اعزاز، واكده ، نيارا، وشيخ ريح، إضافة إلى العاصمة سيروس. وغيرها العديد من القرى ( الأب بولس، ص 80 ). أما قلعة المدينة وسورها والعديد من الأبنية العامة، فقد بنيت بفضل الإمبراطور جوستينيان. وفي هذه الفترة البيزنطية كانت سيروس، أصبحت مقرا لفرقة عسكرية كبيرة.
وفي النصف الأول من القرن السادس للميلاد، تعرضت المدينة إلى غارات الفرس، وانتهت تلك العمليات العسكرية بتوقيع معاهدة سلام بينهم وبين الإمبراطور جوستينيان في عام 532 م. إلا أن الفرس خرقوا تلك المعاهدة بعد عدة سنوات وهاجموا سوريا مجددا، واحتلوا حلب وانطاكية، واستمرت حالة الحرب والسلم بين الفرس والبيزنطيين حوالي قرن من الزمن، تبادلوا خلالها السيطرة على هذه المناطق من شمال سوريا، إلى أن طرد الإمبراطور البيزنطي ( هرقل ) طرد الفرس منها نهائيا في عام 630 م. ونتيجة للحروب السابقة، تعرضت سيروس للخراب مرتين في أعوام 540 و 574 م. وعلى اثر ذلك ضعفت أهميتها التجارية، ولكنها بقيت تحتفظ بأهمية دينية مرموقة، وسميت في القرن السادس الميلادي ( آجيا بوليس ) المدينة المقدسة أو القديسين.
العهد الإسلامي:
استسلمت مدينة سيروس إلى القائد الإسلامي عياض بن غنم عام / 637 / ميلادي سلما، شرط دفع الجزية. ونظرا لوقوعها على الحدود البيزنطية، فقد كانت لها أهمية عسكرية خاصة في أيام الأمويين والعباسيين. وقد أمر الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك، بنقل حجارة كنيسة سيروس، لاستعمالها في بناء جامع ذكريا بحلب، فدفع الإمبراطور البيزنطي أموالا طائلة لقاء استرداد ثلاثة أعمدة من أعمدة الكنيسة، التي يقول عنها ابن الشحنة: أنها كانت من عجائب الدنيا السبع، إلا أن الوليد رفض طلبه. وفي عهد هارون الرشيد الخليفة الأموي، كانت سيروس من جملة العواصم السبع، وفيها حامية عسكرية كبيرة تابعة إداريا لمنبج .
وقد استولى البيزنطيون على سيروس مجددا في عام 905 م، وبقيت في حوزتهم. إلى أن استولى عليها الصليبيون وأطلقوا عليها اسم (كوريسي)، وجعلوها من الإقطاعيات التابعة لكونتيسة اديسا (رها الحالية).
وقد لعبت مدينة سيروس دورا هاما في الربط بين إمارتي إنطاكية والرها في الفترة الصليبية. وفي عام 1150 م، بعد أن اسر القائد البيزنطي جوسلين بيد مجموعة من سكان المنطقة المسلمين، سيطر نورالدين زنكي على سيروس، كما سقطت بيده قلاع وحصون الإفرنجة في تلك الأنحاء، مثل اعزاز وراوندان…الخ. إلا أن نورالدين أمر بتدمير سيروس، والانسحاب منها عام 1157 م خوفا من عودة سقوطها بيد الفرنجة. كما أن زلزالا كبيرا حدث في عام 1140 م كان قد اضر بالمدينة كثيرا.
ومنذ ذلك التاريخ هجرت المدينة تماما، وتحولت إلى أطلال مندثرة، إلى أن قام مدير المعهد الفرنسي للآثار في بيروت السيد /هنري سرينغ/ في عام 1952، بالتنقيب فيها لسبع مواسم متفرقة، وكشف النقاب عن المعالم الأساسية للمدينة وأبنيتها، فأثار انتباه الباحثين والمهتمين بالآثار والتاريخ إليها.
ومن ابرز المعالم الأثرية الباقية لمدينة سيروس، هو المسرح الروماني الرائع الذي يعتبر اجمل مدرج روماني، ويعود بناؤه إلى القرنين الثاني والثالث الميلاديين، إضافة إلى شارعها الرئيسي والحمامات والمدافن التي بنيت عل غاية من الرقي والإبداع. وفيها قبر لقائد روماني على شكل برج مسدس الشكل لايزال يحتفظ بكامل هيكله، يقع على الطرف الجنوبي الغربي للمدينة، في الغرفة الصغيرة تحت البرج مقام (قبر رمزي) مؤرخ لعام 703 للهجرة، و قد بني بجانب المدفن مسجد مؤرخ في عام /1276/ للهجرة يؤمه المصلون المسلمون من القرى المجاورة في إقامة صلاة الجمعة والعيدين.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]