عمرو بن العاص
ابن وائل الإمام أبو عبد الله ، ويقال : أبو محمد السهمي . داهية قريش ورجل العالم ومن يضرب به المثل في الفطنة ، والدهاء ، والحزم .
هاجر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسلما في أوائل سنة ثمان ، مرافقا لخالد بن الوليد ، وحاجب الكعبة عثمان بن طلحة ، ففرح النبي -صلى الله عليه وسلم- بقدومهم وإسلامهم ، وأمر عمرا على بعض الجيش ، وجهزه للغزو .
له أحاديث ليست كثيرة ; تبلغ بالمكرر نحو الأربعين ، اتفق البخاري ومسلم على ثلاثة أحاديث منها ، وانفرد البخاري بحديث ، ومسلم بحديثين . وروى أيضا عن عائشة .
حدث عنه : ابنه عبد الله ، ومولاه أبو قيس ، وقبيصة بن ذؤيب ، وأبو عثمان النهدي ، وعلي بن رباح ، وقيس بن أبي حازم ، وعروة بن الزبير ، وجعفر بن المطلب بن أبي وداعة ، وعبد الله بن منين ، والحسن البصري مرسلا ، وعبد الرحمن بن شماسة المهري ، وعمارة بن خزيمة بن ثابت ، ومحمد بن كعب القرظي ، وأبو مرة مولى عقيل ، وأبو عبد الله الأشعري ، وآخرون .
قال الزبير بن بكار : هو أخو عروة بن أثاثة لأمه . وكان عروة ممن هاجر إلى الحبشة .
وقال أبو بكر بن البرقي : كان عمرو قصيرا يخضب بالسواد . أسلم قبل الفتح سنة ثمان ، وقيل : قدم هو وخالد ، وابن طلحة ، في أول صفر منها .
قال البخاري : ولاه النبي -صلى الله عليه وسلم- على جيش ذات السلاسل . نزل المدينة ثم سكن مصر ، وبها مات .
روى محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنا العاص مؤمنان ، عمرو وهشام .
وروى عبد الجبار بن الورد ; عن ابن أبي مليكة ، قال طلحة : ألا أحدثكم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشيء ؟ إني سمعته يقول : عمرو بن العاص من صالحي قريش ; نعم أهل البيت أبو عبد الله ، وأم عبد الله ، وعبد الله .
الثوري : عن إبراهيم بن مهاجر ، عن ابراهيم النخعي قال : عقد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لواء لعمرو على أبي بكر وعمر وسراة أصحابه . قال الثوري : أراه قال : في غزوة ذات السلاسل .
مجالد ، عن الشعبي ، عن قبيصة بن جابر : قد صحبت عمرو بن العاص ، فما رأيت رجلا أبين أو أنصع رأيا ، ولا أكرم جليسا منه ، ولا أشبه سريرة بعلانية منه .
قال محمد بن سلام الجمحي : كان عمر إذا رأى الرجل يتلجلج في كلامه ، قال : خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد !
روى موسى بن علي ، عن أبيه ; سمع عمرا يقول : لا أمل ثوبي ما وسعني ، ولا أمل زوجتي ما أحسنت عشرتي ، ولا أمل دابتي ما حملتني ، إن الملال من سيئ الأخلاق .
وروى أبو أمية بن يعلى ، عن علي بن زيد بن جدعان ; قال رجل لعمرو بن العاص : صف لي الأمصار ، قال : أهل الشام ; أطوع الناس لمخلوق ، وأعصاه للخالق ، وأهل مصر ، أكيسهم صغارا وأحمقهم كبارا ، وأهل الحجاز ; أسرع الناس إلى الفتنة ، وأعجزهم عنها ، وأهل العراق أطلب الناس للعلم، وأبعدهم منه . روى مجالد، عن الشعبي قال : دهاة العرب أربعة : معاوية ، وعمرو ، والمغيرة ، وزياد . فأما معاوية فللأناة والحلم ; وأما عمرو فللمعضلات ; والمغيرة للمبادهة ; وأما زياد فللصغير والكبير .
وقال أبو عمر بن عبد البر كان عمرو من فرسان قريش وأبطالهم في الجاهلية ، مذكورا بذلك فيهم . وكان شاعرا حسن الشعر ، حفظ عنه منه الكثير في مشاهد شتى وهو القائل : إذا المـرء لـم يتـرك طعـاما يحبـه
ولـم ينه قلبا غاويا حيث يمما قضــى وطـرا منـه وغـادر سـبة
إذا ذكــرت أمثالها تملأ الفما
وكان أسن من عمر بن الخطاب ، فكان يقول : إني لأذكر الليلة التي ولد فيها عمر -رضي الله عنه.
وقد سقنا من أخبار عمرو في المغازي وفي مسيره إلى النجاشي ، وفي سيرة عمر بن الخطاب ، وفي الحوادث ، وأنه افتتح إقليم مصر وولي إمرته زمن عمر ، وصدرا من دولة عثمان . ثم أعطاه معاوية الإقليم ، وأطلق له مغله ست سنين لكونه قام بنصرته ، فلم يل مصر من جهة معاوية إلا سنتين ونيفا . ولقد خلف من الذهب قناطير مقنطرة .
وقد سقت من أخباره في "تاريخ الإسلام" جملة ، وطول الحافظ ابن عساكر ترجمته .
وكان من رجال قريش رأيا ، ودهاء ، وحزما ، وكفاءة ، وبصرا بالحروب ، ومن أشراف ملوك العرب ، ومن أعيان المهاجرين ، والله يغفر له ويعفو عنه ، ولولا حبه للدنيا ودخوله في أمور ، لصلح للخلافة ، فإن له سابقة ليست لمعاوية . وقد تأمر على مثل أبي بكر وعمر ، لبصره بالأمور ودهائه .
ابن إسحاق : حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن راشد مولى حبيب ، عن حبيب بن أوس ، قال : حدثني عمرو بن العاص قال : لما انصرفنا من الخندق ، جمعت رجالا من قريش ، فقلت : والله إن أمر محمد يعلو علوا منكرا ، والله ما يقوم له شيء ، وقد رأيت رأيا ، قالوا : وما هو ؟ قلت : أن نلحق بالنجاشي على حاميتنا ، فإن ظفر قومنا ، فنحن من قد عرفوا ، نرجع إليهم ، وإن يظهر محمد ، فنكون تحت يدي النجاشي أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد . قالوا : أصبت . قلت : فابتاعوا له هدايا ، وكان من أعجب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم ، فجمعنا له أدما كثيرا ، وقدمنا عليه ، فوافقنا عنده عمرو بن أمية الضمري ، قد بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمر جعفر وأصحابه ، فلما رأيته ، قلت : لعلي أقتله . وأدخلت الهدايا ، فقال : مرحبا وأهلا بصديقي ، وعجب بالهدية . فقلت : أيها الملك ! إني رأيت رسول محمد عندك ، وهو رجل قد وترنا ، وقتل أشرافنا ، فأعطنيه أضرب عنقه ; فغضب ، وضرب أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره ، فلو انشقت لي الأرض دخلت فيها.
وقلت : لو ظننت أنك تكره هذا لم أسألكه . فقال : سألتني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الذي كان يأتي موسى الأكبر تقتله ؟ ! فقلت : وإن ذاك لكذلك ؟ قال : نعم . والله إني لك ناصح فاتبعه ، فوالله ليظهرن كما ظهر موسى وجنوده . قلت : أيها الملك ، فبايعني أنت له على الإسلام ، فقال : نعم . فبسط يده ، فبايعته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الإسلام ، وخرجت على أصحابي وقد حال رأي ، فقالوا : ما وراءك ؟ فقلت : خير ، فلما أمسيت ، جلست على راحلتي ، وانطلقت ، وتركتهم ، فوالله إني لأهوي إذ لقيت خالد بن الوليد ، فقلت : إلى أين يا أبا سليمان ؟ قال : أذهب والله أسلم ، إنه والله قد استقام الميسم ، ان الرجل لنبي ما أشك فيه ، فقلت : وأنا والله . فقدمنا المدينة ، فقلت : يا رسول الله ، أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي ، ولم أذكر ما تأخر فقال لي : يا عمرو بايع فإن الإسلام يجب ما كان قبله .
ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سويد بن قيس عن قيس بن سمي أن عمرو بن العاص قال : يا رسول الله ! أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي ؟ قال : إن الإسلام والهجرة يجبان ما كان قبلهما. قال : فوالله إني لأشد الناس حياء من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما ملأت عيني منه ولا راجعته .
ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمر ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، عن أبي عمير الطائي ، عن الزهري قال : لما رأى عمرو بن العاص أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- يظهر ، خرج إلى النجاشي وأهدى له ، فوافق عنده عمرو بن أمية في تزويج أم حبيبة ، فلقي عمرو عمرا ، فضربه وخنقه . ثم دخل على النجاشي ، فأخبره ; فغضب وقال : والله لو قتلته ما أبقيت منكم أحدا ، أتقتل رسول رسول الله ؟ فقلت : أتشهد أنه رسول الله ؟ قال : نعم . فقلت : وأنا أشهد ; ابسط يدك أبايعك . ثم خرجت إلى عمرو بن أمية ، فعانقته ، وعانقني ، وانطلقت سريعا إلى المدينة ، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي .
النضر بن شميل : أخبرنا ابن عون ، عن عمير بن إسحاق : استأذن جعفر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : ائذن لي أن آتي أرضا أعبد الله فيها لا أخاف أحدا فأذن له ; فأتى النجاشي . قال عمير : فحدثني عمرو بن العاص قال : لما رأيت مكانه ، حسدته ، فقلت للنجاشي : إن بأرضك رجلا ابن عمه بأرضنا ، وإنه يزعم أنه ليس للناس إلا إله واحد ، وإنك -والله- إن لم تقتله وأصحابه ، لا أقطع هذه النطفة إليك أبدا. قال: ادعه. قلت : إنه لا يجيء معي ، فأرسل إليه معي رسولا ، فجاء ، فلما انتهينا إلى الباب ، ناديت : ائذن لعمرو بن العاص ، ونادى هو : ائذن لحزب الله ، فسمع صوته ، فأذن له ولأصحابه ، . ثم أذن لي ، فدخلت ، فإذا هو جالس ، فلما رأيته جئت حتى قعدت بين يديه ، فجعلته خلفي ، قال : وأقعدت بين كل رجلين من أصحابه رجلا من أصحابي ، فقال النجاشي : نخروا فقلت : إن ابن عم هذا بأرضنا يزعم أن ليس إلا إله واحد . قال : فتشهد ، فإني أول ما سمعت التشهد ليومئذ .
وقال : صدق ، هو ابن عمي وأنا على دينه . قال : فصاح صياحا ، وقال : أوه ، حتى قلت : ما لابنِ الحبشية؟ فقال : ناموس مثل ناموس موسى . ما يقول في عيسى ؟ قال : يقول : هو روح الله وكلمته ، فتناول شيئا من الأرض ، فقال : ما أخطا من أمره مثل هذه . وقال : لولا ملكي لاتبعتكم . وقال لعمرو : ما كنت أبالي أن لا تأتيني أنت ولا أحد من أصحابك أبدا . وقال لجعفر : اذهب فأنت آمن بأرضي ، من ضربك ، قتلته . قال : فلقيت جعفرا خاليا ، فدنوت منه ، فقلت : نعم إني أشهد أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله وعبده . فقال : هداك الله . فأتيت أصحابي ، فكأنما شهدوه معي ، فأخذوني ، فألقوا علي قطيفة ، وجعلوا يغموني وجعلت أخرج رأسي من هنا ومن هنا ، حتى أفلت وما علي قشرة فلقيت حبشية ، فأخذت قناعها فجعلته على عورتي ، فقالت كذا وكذا ; وأتيت جعفرا ، فقال : ما لك ؟ قلت : ذهب بكل شيء لي ، فانطلق معي إلى باب الملك ، فقال : ائذن لحزب الله . فقال آذنه : إنه مع أهله . قال : استأذن لي ، فأذن له . فقال : إن عمرا قد بايعني على ديني ، فقال : كلا . قال : بلى . فقال لإنسان : اذهب فإن كان فعل فلا يقولن لك شيئا إلا كتبته . قال فجاء ، فجعل يكتب ما أقول حتى ما تركنا شيئا حتى القدح ، ولو أشاء أن آخذ من أموالهم إلى مالي لفعلت .
وعن عمرو قال : حضرت بدرا مع المشركين ، ثم حضرت أحدا ، فنجوت ، ثم قلت : كم أوضع ؟ فلحقت بالوهط ولم أحضر صلح الحديبية .
سليمان بن أيوب الطلحي : حدثنا أبي ، عن إسحاق بن يحيى ، عن عمه موسى بن طلحة ، عن أبيه : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : إن عمرو بن العاص لرشيد الأمر أحمد : حدثنا المقرئ ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثني مشرح ، سمعت عقبة ، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص .
عمرو بن حكام : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عمه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- : ابنا العاص مؤمنان . أحمد : حدثنا ابن مهدي ، عن موسى بن علي ، عن أبيه ، عن عمرو بن العاص قال : كان فزع بالمدينة ، فأتيت سالما مولى أبي حذيفة ، وهو محتب بحمائل سيفه ، فأخذت سيفا ، فاحتبيت بحمائله ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أيها الناس ، ألا كان مفزعكم إلى الله ورسوله ، ألا فعلتم كما فعل هذان المؤمنان؟ .
الليث : حدثنا يزيد ، عن ابن يخامر السكسكي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم صل على عمرو بن العاص ، فإنه يحبك ويحب رسولك منقطع.
أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، أخبرنا الليث عن يزيد ، عن سويد بن قيس ، عن زهير بن قيس البلوي ، عن علقمة بن رمثة : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث عمرو بن العاص إلى البحرين ، فخرج رسول الله في سرية ، وخرجنا معه ، فنعس ، وقال : يرحم الله عمرا. فتذاكرنا كل من اسمه عمرو . قال : فنعس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: رحم الله عمرا . ثم نعس الثالثة ، فاستيقظ ، فقال : رحم الله عمرا. قلنا : يا رسول الله ، من عمرو هذا ؟ قال : عمرو بن العاص. قلنا : وما شأنه ؟ قال : كنت إذا ندبت الناس إلى الصدقة ، جاء فأجزل منها ، فأقول : يا عمرو ! أنى لك هذا ؟ فقال : من عند الله ، قال : وصدق عمرو ; إن له عند الله خيرا كثيرا .
الوليد بن مسلم : عن يحيى بن عبد الرحمن ، عن حبان بن أبي جبلة ، عن عمرو بن العاص قال : ما عدل بي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبخالد منذ أسلمنا أحدا من أصحابه في حربه .
موسى بن علي ، عن أبيه ; سمع عمرا ، يقول : بعث إلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : خذ عليك ثيابك وسلاحك ، ثم ائتني . فأتيته وهو يتوضأ ، فصعد في البصر ، وصوبه ، فقال : إني أريد أن أبعثك على جيش ، فيسلمك الله ويغنمك ، وأرغب لك رغبة صالحة من المال . قلت : يا رسول الله ! ما أسلمت من أجل المال ، ولكني أسلمت رغبة في الإسلام ، ولأن أكون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يا عمرو نعما بالمال الصالح للرجل الصالح .
إسماعيل بن أبي خالد : عن قيس ، قال : بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمرا في غزوة ذات السلاسل ، فأصابهم برد ، فقال لهم عمرو : لا يوقدن أحد نارا . فلما قدم شكوه ، قال : يا نبي الله ! كان فيهم قلة ، فخشيت أن يرى العدو قلتهم ، ونهيتهم أن يتبعوا العدو مخافة أن يكون لهم كمين . فأعجب ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
وكيع : عن منذر بن ثعلبة ، عن ابن بريدة ; قال عمر لأبي بكر : لم يدع عمرو بن العاص الناس أن يوقدوا نارا ، ألا ترى إلى ما صنع بالناس ، يمنعهم منافعهم ؟ فقال أبو بكر : دعه ، فإنما ولاه رسول الله علينا لعلمه بالحرب .
وكذا رواه يونس بن بكير عن منذر .
وصح عن أبي عثمان النهدي ، عن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استعمله على جيش ذات السلاسل ، وفيهم أبو بكر وعمر .
يزيد بن أبي حبيب : عن عمران بن أبي أنس ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص ، أن عمرا كان على سرية ، فأصابهم برد شديد لم يروا مثله ، فخرج لصلاة الصبح ، فقال : احتلمت البارحة ، ولكني والله ما رأيت بردا مثل هذا ، فغسل مغابنه ، وتوضأ للصلاة ، ثم صلى بهم . فلما قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه : كيف وجدتم عمرا وصحابته ؟ فأثنوا عليه خيرا ، وقالوا : يا رسول الله ، صلى بنا وهو جنب ، فأرسل إلى عمرو ، فسأله ، فأخبره بذلك وبالذي لقي من البرد ، وقال : إن الله قال : وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ولو اغتسلت مت . فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
جرير بن حازم ، حدثنا الحسن : قال رجل لعمرو بن العاص : أرأيت رجلا مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يحبه أليس رجلا صالحا ؟ قال : بلى . قال : قد مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يحبك ، وقد استعملك . قال : بلى . فوالله ما أدري أحبا كان لي منه أو استعانة بي ، ولكن سأحدثك برجلين مات وهو يحبهما ابن مسعود وعمار ، فقال : ذاك قتيلكم بصفين . قال : قد والله فعلنا .
معتمر : حدثنا عوف ، عن شيخ من بكر بن وائل : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخرج شقة خميصة سوداء فعقدها بفي رمح ، ثم هز الراية ، فقال : من يأخذها بحقها ؟ فهابها المسلمون من أجل الشرط ، فقام رجل ، فقال : يا رسول الله ، وما حقها ؟ قال : لا تقاتل بها مسلما ، ولا تفر بها عن كافر . قال : فأخذها ، فنصبها علينا يوم صفين ، فما رأيت راية كانت أكسر أو أقصم لظهور الرجال منها ، وهو عمرو بن العاص . سمعه منه أمية بن بسطام .
ولما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عمرو على عمان ، فأتاه كتاب أبي بكر بوفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
الليث : عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن سعيد بن نشيط ، أن قرة بن هبيرة قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلم . . . الحديث وفيه : فبعث عمرا على البحرين ، فتوفي وهو ثم . قال عمرو : فأقبلت حتى مررت على مسيلمة ، فأعطاني الأمان ، ثم قال : إن محمدا أرسل في جسيم الأمور ، وأرسلت في المحقرات . قلت : أعرض علي ما تقول . فقال : يا ضفدع نقي فإنك نعم ما تنقين ، لا زادا تنقرين ، ولا ماء تكدرين ، ثم قال : يا وبر يا وبر ; ويدان وصدر ، وبيان خلقه حفر . ثم أتي بأناس يختصمون في نخلات قطعها بعضهم لبعض . فتسجى قطيفة ، ثم كشف رأسه ، ثم قال : والليل الأدهم ، والذئب الأسحم ، ما جاء ابن أبي مسلم من مجرم . ثم تسجى الثانية ، فقال : والليل الدامس ، والذئب الهامس ، ما حرمته رطبا إلا كحرمته يابس ، قوموا فلا أرى عليكم فيما صنعتم بأسا . قال عمرو : أما والله إنك كاذب ، وإنك لتعلم إنك لمن الكاذبين ، فتوعدني .
روى ضمرة ، عن الليث بن سعد ، قال : نظر عمر إلى عمرو بن العاص ، فقال : ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا .
وشهد عمرو يوم اليرموك ، وأبلى يومئذ بلاء حسنا . وقيل : بعثه أبو عبيدة ، فصالح أهل حلب وأنطاكية ، وافتتح سائر قنسرين عنوة .
وقال خليفة : ولى عمر عمرا فلسطين والأردن ، ثم كتب إليه عمر ، فسار إلى مصر ، وافتتحها ، وبعث عمر الزبير مددا له .
وقال ابن لهيعة : فتح عمرو بن العاص الإسكندرية سنة إحدى وعشرين ، ثم انتقضوا في سنة خمس وعشرين .
وقال الفسوي : كان فتح ليون سنة عشرين ، وأميرها عمرو .
وقال خليفة : افتتح عمرو طرابلس الغرب سنة أربع وعشرين . وقيل : سنة ثلاث .
خالد بن عبد الله : عن محمد بن عمرو ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال عمرو بن العاص : خرج جيش من المسلمين أنا أميرهم حتى نزلنا الإسكندرية ، فقال عظيم منهم : أخرجوا إلي رجلا أكلمه ويكلمني . فقلت : لا يخرج إليه غيري ، فخرجت معي ترجماني ، ومعه ترجمان ، حتى وضع لنا منبران . فقال : ما أنتم ؟ قلت : نحن العرب ، ومن أهل الشوك والقرظ ، ونحن أهل بيت الله ، كنا أضيق الناس أرضا وشره عيشا ، نأكل الميتة والدم ، ويغير بعضنا على بعض ، كنا بشر عيش عاش به الناس ، حتى خرج فينا رجل ليس بأعظمنا يومئذ شرفا ولا أكثرنا مالا ، قال : أنا رسول الله إليكم ، يأمرنا بما لا نعرف ، وينهانا عما كنا عليه ، فشنفنا له ، وكذبناه ، ورددنا عليه ، حتى خرج إليه قوم من غيرنا ، فقالوا : نحن نصدقك ، ونقاتل من قاتلك ، فخرج إليهم ، وخرجنا إليه ، وقاتلناه ، فظهر علينا ، وقاتل من يليه من العرب ، فظهر عليهم ، فلو تعلم ما ورائي من العرب ما أنتم فيه من العيش لم يبق أحد إلا جاءكم ، فضحك ، ثم قال : إن رسولكم قد صدق وقد جاءتنا رسل بمثل ذلك ، وكنا عليه حتى ظهرت فينا ملوك ، فعملوا فينا بأهوائهم ، وتركوا أمر الأنبياء ، فإن أنتم أخذتم بأمر نبيكم ، لم يقاتلكم أحد إلا غلبتموه ، وإذا فعلتم مثل الذي فعلنا ، فتركتم أمر نبيكم ، لم تكونوا أكثر عددا منا ولا أشد منا قوة .
قال الزهري : استخلف عثمان ، فنزع عن مصر عمرا ، وأمر عليها عبد الله بن أبي سرح .
جويرية بن أسماء : حدثني عبد الوهاب بن يحيى بن عبد الله بن الزبير ، حدثنا أشياخنا : أن الفتنة لما وقعت ، ما زال عمرو بن العاص معتصما بمكة حتى كانت وقعة الجمل ، فلما كانت ، بعث إلي ولديه عبد الله ومحمد ، فقال : قد رأيت رأيا ، ولستما باللذين ترداني عنه ، ولكن أشيرا علي ، إني رأيت العرب صاروا غارين يضطربان ، فأنا طارح نفسي بين جزاري مكة ، ولست أرضى بهذه المنزلة ، فإلى أي الفريقين أعمد ؟ قال عبد الله : إن كنت لابد فاعلا فإلى علي ، قال : ثكلتك أمك ، إني إن أتيته ، قال لي : إنما أنت رجل من المسلمين ، وإن أتيت معاوية ، خلطني بنفسه ، وشركني في أمره ، فأتى معاوية .
وقيل : إنه قال لعبد الله : إنك أشرت علي بالقعود ، وهو خير لي في آخرتي . وأما أنت يا محمد ، فأشرت علي بما هو أنبه لذكري ، ارتحلا ، فأتى معاوية ، فوجده يقص ويذكر أهل الشام في دم الشهيد . فقال له : يا معاوية ، قد أحرقت كبدي بقصصك ، أترى إن خالفنا عليا لفضل منا عليه ، لا والله ! إن هي إلا الدنيا نتكالب عليها ، أما والله لتقطعن لي من دنياك أو لأنابذنك ، فأعطاه مصر . وقد كان أهلها بعثوا بطاعتهم إلى علي .
الطبراني : حدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا سعيد بن عفير ، حدثنا سعيد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن يعلى بن شداد بن أوس ، عن أبيه : أنه دخل على معاوية ، وعمرو بن العاص معه ، فجلس شداد بينهما ، وقال : هل تدريان ما يجلسني بينكما ؟ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : إذا رأيتموهما جميعا ففرقوا بينهما ، فوالله ما اجتمعا إلا على غدرة .
وقيل : كتب علي إلى عمرو ، فأقرأه معاوية وقال : قد ترى ما كتب إلي علي ، فإما أن ترضيني ، وإما أن ألحق به . قال : ما تريد ؟ قال : مصر ، فجعلها له
الواقدي : حدثني مفضل بن فضالة ، عن يزيد بن أبي حبيب . وحدثني عبد الله بن جعفر ، عن عبد الواحد بن أبي عون قالا : لما صار الأمر في يد معاوية ، استكثر مصر طعمة لعمرو ما عاش ، ورأى عمرو أن الأمر كله قد صلح به وبتدبيره ، وظن أن معاوية سيزيده الشام ، فلم يفعل ، فتنكر له عمرو . فاختلفا وتغالظا ، فأصلح بينهما معاوية بن حديج ، وكتب بينهما كتابا بأن : لعمرو ولاية مصر سبع سنين ، وأشهد عليهما شهودا ، وسار عمرو إلى مصر سنة تسع وثلاثين ، فمكث نحو ثلاث سنين ، ومات .
المدائني : عن جويرية بن أسماء ; أن عمرو بن العاص قال لابن عباس : يا بني هاشم ، لقد تقلدتم بقتل عثمان فرم الإماء العوارك ، أطعتم فساق العراق في عيبه ، وأجزرتموه مراق أهل مصر ، وآويتم قتلته . فقال ابن عباس : إنما تكلم لمعاوية ، إنما تكلم عن رأيك ، وإن أحق الناس أن لا يتكلم في أمر عثمان لأنتما ، أما أنت يا معاوية ، فزينت له ما كان يصنع ، حتى إذا حصر طلب نصرك ، فأبطأت عنه ، وأحببت قتله ، وتربصت به ، وأما أنت يا عمرو ، فأضرمت عليه المدينة ، وهربت إلى فلسطين تسأل عن أنبائه ، فلما أتاك قتله ، أضافتك عداوة علي أن لحقت بمعاوية ، فبعت دينك بمصر . فقال معاوية : حسبك ، عرضني لك عمرو ، وعرض نفسه .
قال محمد بن سلام الجمحي : كان عمر إذا رأى من يتلجلج في كلامه ، قال : هذا خالقه خالق عمرو بن العاص .
مجالد : عن الشعبي ، عن قبيصة بن جابر : صحبت عمر فما رأيت أقرأ لكتاب الله منه ، ولا أفقه ولا أحسن مداراة منه . وصحبت طلحة فما رأيت أعطى لجزيل من غير مسألة منه . وصحبت معاوية فما رأيت أحلم منه . وصحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلا أبين -أو قال- أنصع طرفا منه ، ولا أكرم جليسا منه . وصحبت المغيرة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها كلها .
موسى بن علي : حدثنا أبي ، حدثني أبو قيس مولى عمرو بن العاص ; أن عمرا كان يسرد الصوم ، وقلما كان يصيب من العشاء أول الليل . وسمعه يقول : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : إن فصلا بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر .
ابن عيينة : حدثنا عمرو ، أخبرني مولى لعمرو بن العاص ; أن عمرا ، أدخل في تعريش الوهط -بستان بالطائف- ألف ألف عود ، كل عود بدرهم .
وقال ابن عيينة : قال عمرو بن العاص : ليس العاقل من يعرف الخير من الشر ، ولكن هو الذي يعرف خير الشرين .
أبو هلال : عن قتادة ، قال : لما احتضر عمرو بن العاص ، قال : كيلوا مالي ، فكالوه ، فوجدوه اثنين وخمسين مدا . فقال : من يأخذه بما فيه ؟ يا ليتة كان بعرا . قال : والمد ست عشرة أوقية ، الأوقية مكوكان .
أشعث : عن الحسن ، قال : لما احتضر عمرو بن العاص ، نظر إلى صناديق ، فقال : من يأخذها بما فيها ؟ يا ليته كان بعرا ، ثم أمر الحرس ، فأحاطوا بقصره . فقال بنوه : ما هذا ؟ فقال : ما ترون هذا يغني عني شيئا .
ابن سعد : أخبرنا ابن الكلبي ، عن عوانة بن الحكم ، قال : قال عمرو بن العاص : عجبا لمن نزل به الموت وعقله معه ، كيف لا يصفه ؟ فلما نزل به الموت ، ذكره ابنه بقوله ، وقال : صفة . قال : يا بني ! الموت أجل من أن يوصف ، ولكني سأصف لك ; أجدني كأن جبال رضوى على عنقي ، وكأن في جوفي الشوك وأجدني كأن نفسي يخرج من إبرة .
يونس : عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن عمرو ; أن أباه قال حين احتضر : اللهم إنك أمرت بأمور ، ونهيت عن أمور ، تركنا كثيرا مما أمرت ، ورتعنا في كثير مما نهيت اللهم لا إله إلاأنت . ثم أخذ بإبهامه ، فلم يزل يهلل حتى فاض -رضي الله عنه .
أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا الأسود بن شيبان ، حدثنا أبو نوفل بن أبي عقرب قال : جزع عمرو بن العاص عند الموت جزعا شديدا ، فقال ابنه عبد الله : ما هذا الجزع ، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدنيك ويستعملك ! قال : أي بني ! قد كان ذلك ، وسأخبرك ، إي والله ما أدري أحبا كان أم تألفا ، ولكن أشهد على رجلين أنه فارق الدنيا وهو يحبهما ; ابن سمية ، وابن أم عبد . فلما جد به ، وضع يده موضع الأغلال من ذقنه ، وقال : اللهم أمرتنا فتركنا ، ونهيتنا فركبنا ، ولا يسعنا إلا مغفرتك . فكانت تلك هجيراه حتى مات .
وعن ثابت البناني ، قال : كان عمرو على مصر ، فثقل ، فقال لصاحب شرطته : أدخل وجوه أصحابك ، فلما دخلوا ، نظر إليهم وقال : ها قد بلغت هذه الحال ، ردوها عني ، فقالوا : مثلك أيها الأمير يقول هذا ؟ هذا أمر الله الذي لا مرد له . قال : قد عرفت ، ولكن أحببت أن تتعظوا ، لا إله إلا الله ، فلم يزل يقولها حتى مات .
روح : حدثنا عوف عن الحسن قال : بلغني أن عمرو بن العاص دعا حرسه عند الموت ، فقال : امنعوني من الموت . قالوا : ما كنا نحسبك تكلم بهذا . قال : قد قلتها ، وإني لأعلم ذلك ; ولأن أكون لم أتخذ منكم رجلا قط يمنعني من الموت أحب إلي من كذا وكذا ، فيا ويح ابن أبي طالب إذ يقول : حرس امرءا أجله . ثم قال : اللهم لا بريء فأعتذر ، ولا عزيز فأنتصر ، وإن لا تدركني منك رحمة ، أكن من الهالكين .
إسرائيل : عن عبد الله بن المختار ، عن معاوية بن قرة ، حدثني أبو حرب بن أبي الأسود ، عن عبد الله بن عمرو ، أن أباه أوصاه : إذا مت ، فاغسلني غسلة بالماء ، ثم جففني في ثوب ، ثم اغسلني الثانية بماء قراح ، ثم جففني ، ثم اغسلني الثالثة بماء فيه كافور ، ثم جففني وألبسني الثياب ، وزر علي ، فإني مخاصم . ثم إذا أنت حملتني على السرير ، فامش بي مشيا بين المشيتين ، وكن خلف الجنازة ، فإن مقدمها للملائكة ، وخلفها لبني آدم ، فإذا أنت وضعتني في القبر ، فسن علي التراب سنا . ثم قال : اللهم إنك أمرتنا فأضعنا ، ونهيتنا فركبنا ، فلا بريء فأعتذر ، ولا عزيز فأنتصر ، ولكن لا إله إلا أنت ، وما زال يقولها حتى مات .
قالوا: توفي عمرو ليلة عيد الفطر ، فقال الليث ، والهيثم بن عدي ، والواقدي ، وغيرهم : سنة ثلاث وأربعين .
وقال محمد بن عبد الله بن نمير وغيره : سنة اثنتين .
وقال يحيى بن بكير : سنة ثلاث وله نحو من مائة سنة .
وقال العجلي : وسنه تسع وتسعون .
وأما الواقدي ، فروى عن عبد الله بن أبي يحيى ، عن عمرو بن شعيب ، أن عمرا مات وهو ابن سبعين سنة ; سنة ثلاث وأربعين .
ويروى عن الهيثم : أنه توفي سنة إحدى وخمسين وهذا خطأ .
وعن طلحة القناد ، قال : توفي سنة ثمان وخمسين وهذا لا شيء .
قلت : كان أكبر من عمر بنحو خمس سنين . كان يقول : أذكر الليلة التي ولد فيها عمر ، وقد عاش بعد عمر عشرين عاما ، فينتج هذا أن مجموع عمره بضع وثمانون سنة ، ما بلغ التسعين -رضي الله عنه.
وخلف أموالا كثيرة ، وعبيدا ، وعقارا ، يقال : خلف من الذهب سبعين رقبة جمل مملوءة ذهبا .
ابن وائل الإمام أبو عبد الله ، ويقال : أبو محمد السهمي . داهية قريش ورجل العالم ومن يضرب به المثل في الفطنة ، والدهاء ، والحزم .
هاجر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسلما في أوائل سنة ثمان ، مرافقا لخالد بن الوليد ، وحاجب الكعبة عثمان بن طلحة ، ففرح النبي -صلى الله عليه وسلم- بقدومهم وإسلامهم ، وأمر عمرا على بعض الجيش ، وجهزه للغزو .
له أحاديث ليست كثيرة ; تبلغ بالمكرر نحو الأربعين ، اتفق البخاري ومسلم على ثلاثة أحاديث منها ، وانفرد البخاري بحديث ، ومسلم بحديثين . وروى أيضا عن عائشة .
حدث عنه : ابنه عبد الله ، ومولاه أبو قيس ، وقبيصة بن ذؤيب ، وأبو عثمان النهدي ، وعلي بن رباح ، وقيس بن أبي حازم ، وعروة بن الزبير ، وجعفر بن المطلب بن أبي وداعة ، وعبد الله بن منين ، والحسن البصري مرسلا ، وعبد الرحمن بن شماسة المهري ، وعمارة بن خزيمة بن ثابت ، ومحمد بن كعب القرظي ، وأبو مرة مولى عقيل ، وأبو عبد الله الأشعري ، وآخرون .
قال الزبير بن بكار : هو أخو عروة بن أثاثة لأمه . وكان عروة ممن هاجر إلى الحبشة .
وقال أبو بكر بن البرقي : كان عمرو قصيرا يخضب بالسواد . أسلم قبل الفتح سنة ثمان ، وقيل : قدم هو وخالد ، وابن طلحة ، في أول صفر منها .
قال البخاري : ولاه النبي -صلى الله عليه وسلم- على جيش ذات السلاسل . نزل المدينة ثم سكن مصر ، وبها مات .
روى محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنا العاص مؤمنان ، عمرو وهشام .
وروى عبد الجبار بن الورد ; عن ابن أبي مليكة ، قال طلحة : ألا أحدثكم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشيء ؟ إني سمعته يقول : عمرو بن العاص من صالحي قريش ; نعم أهل البيت أبو عبد الله ، وأم عبد الله ، وعبد الله .
الثوري : عن إبراهيم بن مهاجر ، عن ابراهيم النخعي قال : عقد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لواء لعمرو على أبي بكر وعمر وسراة أصحابه . قال الثوري : أراه قال : في غزوة ذات السلاسل .
مجالد ، عن الشعبي ، عن قبيصة بن جابر : قد صحبت عمرو بن العاص ، فما رأيت رجلا أبين أو أنصع رأيا ، ولا أكرم جليسا منه ، ولا أشبه سريرة بعلانية منه .
قال محمد بن سلام الجمحي : كان عمر إذا رأى الرجل يتلجلج في كلامه ، قال : خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد !
روى موسى بن علي ، عن أبيه ; سمع عمرا يقول : لا أمل ثوبي ما وسعني ، ولا أمل زوجتي ما أحسنت عشرتي ، ولا أمل دابتي ما حملتني ، إن الملال من سيئ الأخلاق .
وروى أبو أمية بن يعلى ، عن علي بن زيد بن جدعان ; قال رجل لعمرو بن العاص : صف لي الأمصار ، قال : أهل الشام ; أطوع الناس لمخلوق ، وأعصاه للخالق ، وأهل مصر ، أكيسهم صغارا وأحمقهم كبارا ، وأهل الحجاز ; أسرع الناس إلى الفتنة ، وأعجزهم عنها ، وأهل العراق أطلب الناس للعلم، وأبعدهم منه . روى مجالد، عن الشعبي قال : دهاة العرب أربعة : معاوية ، وعمرو ، والمغيرة ، وزياد . فأما معاوية فللأناة والحلم ; وأما عمرو فللمعضلات ; والمغيرة للمبادهة ; وأما زياد فللصغير والكبير .
وقال أبو عمر بن عبد البر كان عمرو من فرسان قريش وأبطالهم في الجاهلية ، مذكورا بذلك فيهم . وكان شاعرا حسن الشعر ، حفظ عنه منه الكثير في مشاهد شتى وهو القائل : إذا المـرء لـم يتـرك طعـاما يحبـه
ولـم ينه قلبا غاويا حيث يمما قضــى وطـرا منـه وغـادر سـبة
إذا ذكــرت أمثالها تملأ الفما
وكان أسن من عمر بن الخطاب ، فكان يقول : إني لأذكر الليلة التي ولد فيها عمر -رضي الله عنه.
وقد سقنا من أخبار عمرو في المغازي وفي مسيره إلى النجاشي ، وفي سيرة عمر بن الخطاب ، وفي الحوادث ، وأنه افتتح إقليم مصر وولي إمرته زمن عمر ، وصدرا من دولة عثمان . ثم أعطاه معاوية الإقليم ، وأطلق له مغله ست سنين لكونه قام بنصرته ، فلم يل مصر من جهة معاوية إلا سنتين ونيفا . ولقد خلف من الذهب قناطير مقنطرة .
وقد سقت من أخباره في "تاريخ الإسلام" جملة ، وطول الحافظ ابن عساكر ترجمته .
وكان من رجال قريش رأيا ، ودهاء ، وحزما ، وكفاءة ، وبصرا بالحروب ، ومن أشراف ملوك العرب ، ومن أعيان المهاجرين ، والله يغفر له ويعفو عنه ، ولولا حبه للدنيا ودخوله في أمور ، لصلح للخلافة ، فإن له سابقة ليست لمعاوية . وقد تأمر على مثل أبي بكر وعمر ، لبصره بالأمور ودهائه .
ابن إسحاق : حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن راشد مولى حبيب ، عن حبيب بن أوس ، قال : حدثني عمرو بن العاص قال : لما انصرفنا من الخندق ، جمعت رجالا من قريش ، فقلت : والله إن أمر محمد يعلو علوا منكرا ، والله ما يقوم له شيء ، وقد رأيت رأيا ، قالوا : وما هو ؟ قلت : أن نلحق بالنجاشي على حاميتنا ، فإن ظفر قومنا ، فنحن من قد عرفوا ، نرجع إليهم ، وإن يظهر محمد ، فنكون تحت يدي النجاشي أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد . قالوا : أصبت . قلت : فابتاعوا له هدايا ، وكان من أعجب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم ، فجمعنا له أدما كثيرا ، وقدمنا عليه ، فوافقنا عنده عمرو بن أمية الضمري ، قد بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمر جعفر وأصحابه ، فلما رأيته ، قلت : لعلي أقتله . وأدخلت الهدايا ، فقال : مرحبا وأهلا بصديقي ، وعجب بالهدية . فقلت : أيها الملك ! إني رأيت رسول محمد عندك ، وهو رجل قد وترنا ، وقتل أشرافنا ، فأعطنيه أضرب عنقه ; فغضب ، وضرب أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره ، فلو انشقت لي الأرض دخلت فيها.
وقلت : لو ظننت أنك تكره هذا لم أسألكه . فقال : سألتني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الذي كان يأتي موسى الأكبر تقتله ؟ ! فقلت : وإن ذاك لكذلك ؟ قال : نعم . والله إني لك ناصح فاتبعه ، فوالله ليظهرن كما ظهر موسى وجنوده . قلت : أيها الملك ، فبايعني أنت له على الإسلام ، فقال : نعم . فبسط يده ، فبايعته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الإسلام ، وخرجت على أصحابي وقد حال رأي ، فقالوا : ما وراءك ؟ فقلت : خير ، فلما أمسيت ، جلست على راحلتي ، وانطلقت ، وتركتهم ، فوالله إني لأهوي إذ لقيت خالد بن الوليد ، فقلت : إلى أين يا أبا سليمان ؟ قال : أذهب والله أسلم ، إنه والله قد استقام الميسم ، ان الرجل لنبي ما أشك فيه ، فقلت : وأنا والله . فقدمنا المدينة ، فقلت : يا رسول الله ، أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي ، ولم أذكر ما تأخر فقال لي : يا عمرو بايع فإن الإسلام يجب ما كان قبله .
ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سويد بن قيس عن قيس بن سمي أن عمرو بن العاص قال : يا رسول الله ! أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي ؟ قال : إن الإسلام والهجرة يجبان ما كان قبلهما. قال : فوالله إني لأشد الناس حياء من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما ملأت عيني منه ولا راجعته .
ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمر ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، عن أبي عمير الطائي ، عن الزهري قال : لما رأى عمرو بن العاص أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- يظهر ، خرج إلى النجاشي وأهدى له ، فوافق عنده عمرو بن أمية في تزويج أم حبيبة ، فلقي عمرو عمرا ، فضربه وخنقه . ثم دخل على النجاشي ، فأخبره ; فغضب وقال : والله لو قتلته ما أبقيت منكم أحدا ، أتقتل رسول رسول الله ؟ فقلت : أتشهد أنه رسول الله ؟ قال : نعم . فقلت : وأنا أشهد ; ابسط يدك أبايعك . ثم خرجت إلى عمرو بن أمية ، فعانقته ، وعانقني ، وانطلقت سريعا إلى المدينة ، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي .
النضر بن شميل : أخبرنا ابن عون ، عن عمير بن إسحاق : استأذن جعفر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : ائذن لي أن آتي أرضا أعبد الله فيها لا أخاف أحدا فأذن له ; فأتى النجاشي . قال عمير : فحدثني عمرو بن العاص قال : لما رأيت مكانه ، حسدته ، فقلت للنجاشي : إن بأرضك رجلا ابن عمه بأرضنا ، وإنه يزعم أنه ليس للناس إلا إله واحد ، وإنك -والله- إن لم تقتله وأصحابه ، لا أقطع هذه النطفة إليك أبدا. قال: ادعه. قلت : إنه لا يجيء معي ، فأرسل إليه معي رسولا ، فجاء ، فلما انتهينا إلى الباب ، ناديت : ائذن لعمرو بن العاص ، ونادى هو : ائذن لحزب الله ، فسمع صوته ، فأذن له ولأصحابه ، . ثم أذن لي ، فدخلت ، فإذا هو جالس ، فلما رأيته جئت حتى قعدت بين يديه ، فجعلته خلفي ، قال : وأقعدت بين كل رجلين من أصحابه رجلا من أصحابي ، فقال النجاشي : نخروا فقلت : إن ابن عم هذا بأرضنا يزعم أن ليس إلا إله واحد . قال : فتشهد ، فإني أول ما سمعت التشهد ليومئذ .
وقال : صدق ، هو ابن عمي وأنا على دينه . قال : فصاح صياحا ، وقال : أوه ، حتى قلت : ما لابنِ الحبشية؟ فقال : ناموس مثل ناموس موسى . ما يقول في عيسى ؟ قال : يقول : هو روح الله وكلمته ، فتناول شيئا من الأرض ، فقال : ما أخطا من أمره مثل هذه . وقال : لولا ملكي لاتبعتكم . وقال لعمرو : ما كنت أبالي أن لا تأتيني أنت ولا أحد من أصحابك أبدا . وقال لجعفر : اذهب فأنت آمن بأرضي ، من ضربك ، قتلته . قال : فلقيت جعفرا خاليا ، فدنوت منه ، فقلت : نعم إني أشهد أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله وعبده . فقال : هداك الله . فأتيت أصحابي ، فكأنما شهدوه معي ، فأخذوني ، فألقوا علي قطيفة ، وجعلوا يغموني وجعلت أخرج رأسي من هنا ومن هنا ، حتى أفلت وما علي قشرة فلقيت حبشية ، فأخذت قناعها فجعلته على عورتي ، فقالت كذا وكذا ; وأتيت جعفرا ، فقال : ما لك ؟ قلت : ذهب بكل شيء لي ، فانطلق معي إلى باب الملك ، فقال : ائذن لحزب الله . فقال آذنه : إنه مع أهله . قال : استأذن لي ، فأذن له . فقال : إن عمرا قد بايعني على ديني ، فقال : كلا . قال : بلى . فقال لإنسان : اذهب فإن كان فعل فلا يقولن لك شيئا إلا كتبته . قال فجاء ، فجعل يكتب ما أقول حتى ما تركنا شيئا حتى القدح ، ولو أشاء أن آخذ من أموالهم إلى مالي لفعلت .
وعن عمرو قال : حضرت بدرا مع المشركين ، ثم حضرت أحدا ، فنجوت ، ثم قلت : كم أوضع ؟ فلحقت بالوهط ولم أحضر صلح الحديبية .
سليمان بن أيوب الطلحي : حدثنا أبي ، عن إسحاق بن يحيى ، عن عمه موسى بن طلحة ، عن أبيه : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : إن عمرو بن العاص لرشيد الأمر أحمد : حدثنا المقرئ ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثني مشرح ، سمعت عقبة ، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص .
عمرو بن حكام : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عمه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- : ابنا العاص مؤمنان . أحمد : حدثنا ابن مهدي ، عن موسى بن علي ، عن أبيه ، عن عمرو بن العاص قال : كان فزع بالمدينة ، فأتيت سالما مولى أبي حذيفة ، وهو محتب بحمائل سيفه ، فأخذت سيفا ، فاحتبيت بحمائله ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أيها الناس ، ألا كان مفزعكم إلى الله ورسوله ، ألا فعلتم كما فعل هذان المؤمنان؟ .
الليث : حدثنا يزيد ، عن ابن يخامر السكسكي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم صل على عمرو بن العاص ، فإنه يحبك ويحب رسولك منقطع.
أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، أخبرنا الليث عن يزيد ، عن سويد بن قيس ، عن زهير بن قيس البلوي ، عن علقمة بن رمثة : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث عمرو بن العاص إلى البحرين ، فخرج رسول الله في سرية ، وخرجنا معه ، فنعس ، وقال : يرحم الله عمرا. فتذاكرنا كل من اسمه عمرو . قال : فنعس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: رحم الله عمرا . ثم نعس الثالثة ، فاستيقظ ، فقال : رحم الله عمرا. قلنا : يا رسول الله ، من عمرو هذا ؟ قال : عمرو بن العاص. قلنا : وما شأنه ؟ قال : كنت إذا ندبت الناس إلى الصدقة ، جاء فأجزل منها ، فأقول : يا عمرو ! أنى لك هذا ؟ فقال : من عند الله ، قال : وصدق عمرو ; إن له عند الله خيرا كثيرا .
الوليد بن مسلم : عن يحيى بن عبد الرحمن ، عن حبان بن أبي جبلة ، عن عمرو بن العاص قال : ما عدل بي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبخالد منذ أسلمنا أحدا من أصحابه في حربه .
موسى بن علي ، عن أبيه ; سمع عمرا ، يقول : بعث إلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : خذ عليك ثيابك وسلاحك ، ثم ائتني . فأتيته وهو يتوضأ ، فصعد في البصر ، وصوبه ، فقال : إني أريد أن أبعثك على جيش ، فيسلمك الله ويغنمك ، وأرغب لك رغبة صالحة من المال . قلت : يا رسول الله ! ما أسلمت من أجل المال ، ولكني أسلمت رغبة في الإسلام ، ولأن أكون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يا عمرو نعما بالمال الصالح للرجل الصالح .
إسماعيل بن أبي خالد : عن قيس ، قال : بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمرا في غزوة ذات السلاسل ، فأصابهم برد ، فقال لهم عمرو : لا يوقدن أحد نارا . فلما قدم شكوه ، قال : يا نبي الله ! كان فيهم قلة ، فخشيت أن يرى العدو قلتهم ، ونهيتهم أن يتبعوا العدو مخافة أن يكون لهم كمين . فأعجب ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
وكيع : عن منذر بن ثعلبة ، عن ابن بريدة ; قال عمر لأبي بكر : لم يدع عمرو بن العاص الناس أن يوقدوا نارا ، ألا ترى إلى ما صنع بالناس ، يمنعهم منافعهم ؟ فقال أبو بكر : دعه ، فإنما ولاه رسول الله علينا لعلمه بالحرب .
وكذا رواه يونس بن بكير عن منذر .
وصح عن أبي عثمان النهدي ، عن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استعمله على جيش ذات السلاسل ، وفيهم أبو بكر وعمر .
يزيد بن أبي حبيب : عن عمران بن أبي أنس ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص ، أن عمرا كان على سرية ، فأصابهم برد شديد لم يروا مثله ، فخرج لصلاة الصبح ، فقال : احتلمت البارحة ، ولكني والله ما رأيت بردا مثل هذا ، فغسل مغابنه ، وتوضأ للصلاة ، ثم صلى بهم . فلما قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه : كيف وجدتم عمرا وصحابته ؟ فأثنوا عليه خيرا ، وقالوا : يا رسول الله ، صلى بنا وهو جنب ، فأرسل إلى عمرو ، فسأله ، فأخبره بذلك وبالذي لقي من البرد ، وقال : إن الله قال : وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ولو اغتسلت مت . فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
جرير بن حازم ، حدثنا الحسن : قال رجل لعمرو بن العاص : أرأيت رجلا مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يحبه أليس رجلا صالحا ؟ قال : بلى . قال : قد مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يحبك ، وقد استعملك . قال : بلى . فوالله ما أدري أحبا كان لي منه أو استعانة بي ، ولكن سأحدثك برجلين مات وهو يحبهما ابن مسعود وعمار ، فقال : ذاك قتيلكم بصفين . قال : قد والله فعلنا .
معتمر : حدثنا عوف ، عن شيخ من بكر بن وائل : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخرج شقة خميصة سوداء فعقدها بفي رمح ، ثم هز الراية ، فقال : من يأخذها بحقها ؟ فهابها المسلمون من أجل الشرط ، فقام رجل ، فقال : يا رسول الله ، وما حقها ؟ قال : لا تقاتل بها مسلما ، ولا تفر بها عن كافر . قال : فأخذها ، فنصبها علينا يوم صفين ، فما رأيت راية كانت أكسر أو أقصم لظهور الرجال منها ، وهو عمرو بن العاص . سمعه منه أمية بن بسطام .
ولما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عمرو على عمان ، فأتاه كتاب أبي بكر بوفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
الليث : عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن سعيد بن نشيط ، أن قرة بن هبيرة قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلم . . . الحديث وفيه : فبعث عمرا على البحرين ، فتوفي وهو ثم . قال عمرو : فأقبلت حتى مررت على مسيلمة ، فأعطاني الأمان ، ثم قال : إن محمدا أرسل في جسيم الأمور ، وأرسلت في المحقرات . قلت : أعرض علي ما تقول . فقال : يا ضفدع نقي فإنك نعم ما تنقين ، لا زادا تنقرين ، ولا ماء تكدرين ، ثم قال : يا وبر يا وبر ; ويدان وصدر ، وبيان خلقه حفر . ثم أتي بأناس يختصمون في نخلات قطعها بعضهم لبعض . فتسجى قطيفة ، ثم كشف رأسه ، ثم قال : والليل الأدهم ، والذئب الأسحم ، ما جاء ابن أبي مسلم من مجرم . ثم تسجى الثانية ، فقال : والليل الدامس ، والذئب الهامس ، ما حرمته رطبا إلا كحرمته يابس ، قوموا فلا أرى عليكم فيما صنعتم بأسا . قال عمرو : أما والله إنك كاذب ، وإنك لتعلم إنك لمن الكاذبين ، فتوعدني .
روى ضمرة ، عن الليث بن سعد ، قال : نظر عمر إلى عمرو بن العاص ، فقال : ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا .
وشهد عمرو يوم اليرموك ، وأبلى يومئذ بلاء حسنا . وقيل : بعثه أبو عبيدة ، فصالح أهل حلب وأنطاكية ، وافتتح سائر قنسرين عنوة .
وقال خليفة : ولى عمر عمرا فلسطين والأردن ، ثم كتب إليه عمر ، فسار إلى مصر ، وافتتحها ، وبعث عمر الزبير مددا له .
وقال ابن لهيعة : فتح عمرو بن العاص الإسكندرية سنة إحدى وعشرين ، ثم انتقضوا في سنة خمس وعشرين .
وقال الفسوي : كان فتح ليون سنة عشرين ، وأميرها عمرو .
وقال خليفة : افتتح عمرو طرابلس الغرب سنة أربع وعشرين . وقيل : سنة ثلاث .
خالد بن عبد الله : عن محمد بن عمرو ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال عمرو بن العاص : خرج جيش من المسلمين أنا أميرهم حتى نزلنا الإسكندرية ، فقال عظيم منهم : أخرجوا إلي رجلا أكلمه ويكلمني . فقلت : لا يخرج إليه غيري ، فخرجت معي ترجماني ، ومعه ترجمان ، حتى وضع لنا منبران . فقال : ما أنتم ؟ قلت : نحن العرب ، ومن أهل الشوك والقرظ ، ونحن أهل بيت الله ، كنا أضيق الناس أرضا وشره عيشا ، نأكل الميتة والدم ، ويغير بعضنا على بعض ، كنا بشر عيش عاش به الناس ، حتى خرج فينا رجل ليس بأعظمنا يومئذ شرفا ولا أكثرنا مالا ، قال : أنا رسول الله إليكم ، يأمرنا بما لا نعرف ، وينهانا عما كنا عليه ، فشنفنا له ، وكذبناه ، ورددنا عليه ، حتى خرج إليه قوم من غيرنا ، فقالوا : نحن نصدقك ، ونقاتل من قاتلك ، فخرج إليهم ، وخرجنا إليه ، وقاتلناه ، فظهر علينا ، وقاتل من يليه من العرب ، فظهر عليهم ، فلو تعلم ما ورائي من العرب ما أنتم فيه من العيش لم يبق أحد إلا جاءكم ، فضحك ، ثم قال : إن رسولكم قد صدق وقد جاءتنا رسل بمثل ذلك ، وكنا عليه حتى ظهرت فينا ملوك ، فعملوا فينا بأهوائهم ، وتركوا أمر الأنبياء ، فإن أنتم أخذتم بأمر نبيكم ، لم يقاتلكم أحد إلا غلبتموه ، وإذا فعلتم مثل الذي فعلنا ، فتركتم أمر نبيكم ، لم تكونوا أكثر عددا منا ولا أشد منا قوة .
قال الزهري : استخلف عثمان ، فنزع عن مصر عمرا ، وأمر عليها عبد الله بن أبي سرح .
جويرية بن أسماء : حدثني عبد الوهاب بن يحيى بن عبد الله بن الزبير ، حدثنا أشياخنا : أن الفتنة لما وقعت ، ما زال عمرو بن العاص معتصما بمكة حتى كانت وقعة الجمل ، فلما كانت ، بعث إلي ولديه عبد الله ومحمد ، فقال : قد رأيت رأيا ، ولستما باللذين ترداني عنه ، ولكن أشيرا علي ، إني رأيت العرب صاروا غارين يضطربان ، فأنا طارح نفسي بين جزاري مكة ، ولست أرضى بهذه المنزلة ، فإلى أي الفريقين أعمد ؟ قال عبد الله : إن كنت لابد فاعلا فإلى علي ، قال : ثكلتك أمك ، إني إن أتيته ، قال لي : إنما أنت رجل من المسلمين ، وإن أتيت معاوية ، خلطني بنفسه ، وشركني في أمره ، فأتى معاوية .
وقيل : إنه قال لعبد الله : إنك أشرت علي بالقعود ، وهو خير لي في آخرتي . وأما أنت يا محمد ، فأشرت علي بما هو أنبه لذكري ، ارتحلا ، فأتى معاوية ، فوجده يقص ويذكر أهل الشام في دم الشهيد . فقال له : يا معاوية ، قد أحرقت كبدي بقصصك ، أترى إن خالفنا عليا لفضل منا عليه ، لا والله ! إن هي إلا الدنيا نتكالب عليها ، أما والله لتقطعن لي من دنياك أو لأنابذنك ، فأعطاه مصر . وقد كان أهلها بعثوا بطاعتهم إلى علي .
الطبراني : حدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا سعيد بن عفير ، حدثنا سعيد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن يعلى بن شداد بن أوس ، عن أبيه : أنه دخل على معاوية ، وعمرو بن العاص معه ، فجلس شداد بينهما ، وقال : هل تدريان ما يجلسني بينكما ؟ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : إذا رأيتموهما جميعا ففرقوا بينهما ، فوالله ما اجتمعا إلا على غدرة .
وقيل : كتب علي إلى عمرو ، فأقرأه معاوية وقال : قد ترى ما كتب إلي علي ، فإما أن ترضيني ، وإما أن ألحق به . قال : ما تريد ؟ قال : مصر ، فجعلها له
الواقدي : حدثني مفضل بن فضالة ، عن يزيد بن أبي حبيب . وحدثني عبد الله بن جعفر ، عن عبد الواحد بن أبي عون قالا : لما صار الأمر في يد معاوية ، استكثر مصر طعمة لعمرو ما عاش ، ورأى عمرو أن الأمر كله قد صلح به وبتدبيره ، وظن أن معاوية سيزيده الشام ، فلم يفعل ، فتنكر له عمرو . فاختلفا وتغالظا ، فأصلح بينهما معاوية بن حديج ، وكتب بينهما كتابا بأن : لعمرو ولاية مصر سبع سنين ، وأشهد عليهما شهودا ، وسار عمرو إلى مصر سنة تسع وثلاثين ، فمكث نحو ثلاث سنين ، ومات .
المدائني : عن جويرية بن أسماء ; أن عمرو بن العاص قال لابن عباس : يا بني هاشم ، لقد تقلدتم بقتل عثمان فرم الإماء العوارك ، أطعتم فساق العراق في عيبه ، وأجزرتموه مراق أهل مصر ، وآويتم قتلته . فقال ابن عباس : إنما تكلم لمعاوية ، إنما تكلم عن رأيك ، وإن أحق الناس أن لا يتكلم في أمر عثمان لأنتما ، أما أنت يا معاوية ، فزينت له ما كان يصنع ، حتى إذا حصر طلب نصرك ، فأبطأت عنه ، وأحببت قتله ، وتربصت به ، وأما أنت يا عمرو ، فأضرمت عليه المدينة ، وهربت إلى فلسطين تسأل عن أنبائه ، فلما أتاك قتله ، أضافتك عداوة علي أن لحقت بمعاوية ، فبعت دينك بمصر . فقال معاوية : حسبك ، عرضني لك عمرو ، وعرض نفسه .
قال محمد بن سلام الجمحي : كان عمر إذا رأى من يتلجلج في كلامه ، قال : هذا خالقه خالق عمرو بن العاص .
مجالد : عن الشعبي ، عن قبيصة بن جابر : صحبت عمر فما رأيت أقرأ لكتاب الله منه ، ولا أفقه ولا أحسن مداراة منه . وصحبت طلحة فما رأيت أعطى لجزيل من غير مسألة منه . وصحبت معاوية فما رأيت أحلم منه . وصحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلا أبين -أو قال- أنصع طرفا منه ، ولا أكرم جليسا منه . وصحبت المغيرة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها كلها .
موسى بن علي : حدثنا أبي ، حدثني أبو قيس مولى عمرو بن العاص ; أن عمرا كان يسرد الصوم ، وقلما كان يصيب من العشاء أول الليل . وسمعه يقول : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : إن فصلا بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر .
ابن عيينة : حدثنا عمرو ، أخبرني مولى لعمرو بن العاص ; أن عمرا ، أدخل في تعريش الوهط -بستان بالطائف- ألف ألف عود ، كل عود بدرهم .
وقال ابن عيينة : قال عمرو بن العاص : ليس العاقل من يعرف الخير من الشر ، ولكن هو الذي يعرف خير الشرين .
أبو هلال : عن قتادة ، قال : لما احتضر عمرو بن العاص ، قال : كيلوا مالي ، فكالوه ، فوجدوه اثنين وخمسين مدا . فقال : من يأخذه بما فيه ؟ يا ليتة كان بعرا . قال : والمد ست عشرة أوقية ، الأوقية مكوكان .
أشعث : عن الحسن ، قال : لما احتضر عمرو بن العاص ، نظر إلى صناديق ، فقال : من يأخذها بما فيها ؟ يا ليته كان بعرا ، ثم أمر الحرس ، فأحاطوا بقصره . فقال بنوه : ما هذا ؟ فقال : ما ترون هذا يغني عني شيئا .
ابن سعد : أخبرنا ابن الكلبي ، عن عوانة بن الحكم ، قال : قال عمرو بن العاص : عجبا لمن نزل به الموت وعقله معه ، كيف لا يصفه ؟ فلما نزل به الموت ، ذكره ابنه بقوله ، وقال : صفة . قال : يا بني ! الموت أجل من أن يوصف ، ولكني سأصف لك ; أجدني كأن جبال رضوى على عنقي ، وكأن في جوفي الشوك وأجدني كأن نفسي يخرج من إبرة .
يونس : عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن عمرو ; أن أباه قال حين احتضر : اللهم إنك أمرت بأمور ، ونهيت عن أمور ، تركنا كثيرا مما أمرت ، ورتعنا في كثير مما نهيت اللهم لا إله إلاأنت . ثم أخذ بإبهامه ، فلم يزل يهلل حتى فاض -رضي الله عنه .
أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا الأسود بن شيبان ، حدثنا أبو نوفل بن أبي عقرب قال : جزع عمرو بن العاص عند الموت جزعا شديدا ، فقال ابنه عبد الله : ما هذا الجزع ، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدنيك ويستعملك ! قال : أي بني ! قد كان ذلك ، وسأخبرك ، إي والله ما أدري أحبا كان أم تألفا ، ولكن أشهد على رجلين أنه فارق الدنيا وهو يحبهما ; ابن سمية ، وابن أم عبد . فلما جد به ، وضع يده موضع الأغلال من ذقنه ، وقال : اللهم أمرتنا فتركنا ، ونهيتنا فركبنا ، ولا يسعنا إلا مغفرتك . فكانت تلك هجيراه حتى مات .
وعن ثابت البناني ، قال : كان عمرو على مصر ، فثقل ، فقال لصاحب شرطته : أدخل وجوه أصحابك ، فلما دخلوا ، نظر إليهم وقال : ها قد بلغت هذه الحال ، ردوها عني ، فقالوا : مثلك أيها الأمير يقول هذا ؟ هذا أمر الله الذي لا مرد له . قال : قد عرفت ، ولكن أحببت أن تتعظوا ، لا إله إلا الله ، فلم يزل يقولها حتى مات .
روح : حدثنا عوف عن الحسن قال : بلغني أن عمرو بن العاص دعا حرسه عند الموت ، فقال : امنعوني من الموت . قالوا : ما كنا نحسبك تكلم بهذا . قال : قد قلتها ، وإني لأعلم ذلك ; ولأن أكون لم أتخذ منكم رجلا قط يمنعني من الموت أحب إلي من كذا وكذا ، فيا ويح ابن أبي طالب إذ يقول : حرس امرءا أجله . ثم قال : اللهم لا بريء فأعتذر ، ولا عزيز فأنتصر ، وإن لا تدركني منك رحمة ، أكن من الهالكين .
إسرائيل : عن عبد الله بن المختار ، عن معاوية بن قرة ، حدثني أبو حرب بن أبي الأسود ، عن عبد الله بن عمرو ، أن أباه أوصاه : إذا مت ، فاغسلني غسلة بالماء ، ثم جففني في ثوب ، ثم اغسلني الثانية بماء قراح ، ثم جففني ، ثم اغسلني الثالثة بماء فيه كافور ، ثم جففني وألبسني الثياب ، وزر علي ، فإني مخاصم . ثم إذا أنت حملتني على السرير ، فامش بي مشيا بين المشيتين ، وكن خلف الجنازة ، فإن مقدمها للملائكة ، وخلفها لبني آدم ، فإذا أنت وضعتني في القبر ، فسن علي التراب سنا . ثم قال : اللهم إنك أمرتنا فأضعنا ، ونهيتنا فركبنا ، فلا بريء فأعتذر ، ولا عزيز فأنتصر ، ولكن لا إله إلا أنت ، وما زال يقولها حتى مات .
قالوا: توفي عمرو ليلة عيد الفطر ، فقال الليث ، والهيثم بن عدي ، والواقدي ، وغيرهم : سنة ثلاث وأربعين .
وقال محمد بن عبد الله بن نمير وغيره : سنة اثنتين .
وقال يحيى بن بكير : سنة ثلاث وله نحو من مائة سنة .
وقال العجلي : وسنه تسع وتسعون .
وأما الواقدي ، فروى عن عبد الله بن أبي يحيى ، عن عمرو بن شعيب ، أن عمرا مات وهو ابن سبعين سنة ; سنة ثلاث وأربعين .
ويروى عن الهيثم : أنه توفي سنة إحدى وخمسين وهذا خطأ .
وعن طلحة القناد ، قال : توفي سنة ثمان وخمسين وهذا لا شيء .
قلت : كان أكبر من عمر بنحو خمس سنين . كان يقول : أذكر الليلة التي ولد فيها عمر ، وقد عاش بعد عمر عشرين عاما ، فينتج هذا أن مجموع عمره بضع وثمانون سنة ، ما بلغ التسعين -رضي الله عنه.
وخلف أموالا كثيرة ، وعبيدا ، وعقارا ، يقال : خلف من الذهب سبعين رقبة جمل مملوءة ذهبا .