الموقع الجغرافي
مدينة عفرين احدى مدن كوردستان سوريا تقع منطقة جبل الأكراد - عفرين، تشكل أقصى الزاوية الشمالية الغربية من الحدود السورية التركية. يحدها من الغرب سهل العمق - لواء اسكندرون و النهر الأسود الذي يرسم في تلك المنطقة خط الحدود بين سورية و تركية، من الشمال خط سكة القطار المار من ميدان أكبس حتى كلس، من الشرق سهل أعزاز و من الجنوب منطقة جبل سمعان. منطقة عفرين منطقة جبلية معدل الارتفاع 700 - 1269 م، أعلى قمة فيها الجبل الكبير (كريه مازن Girê Mazin) الذي يعد جزءامن سلسة جبال طوروس في سورية . يبلغ عرضها من الشرق إلى الغرب 55 كم و طولها من الشمال إلى الجنوب 75 كم، و هكذا تساوي مساحتهاحوالي 3850 كم2 أي ما يعادل 2% من مساحة سورية .
التسمية
عفرين تكون إحدى محافظات كوردستان سوريا يرجع البعض تسمية عفرين إلى عهد الميتانيين و الهوريين أي إلى 3000 عام. و روجيه ليسـكو في مقدمة بحثه: كرداغ و الحركة المريدية يقول: " ان منطقة كرداغ مأهولة كليا بالأكراد, و من هنا يأتي اسمها(( كرداغ )) حيث الكلمة مؤلفة من مقطعين هما (( كرد= ترمز إلى القومية الكردية حيث 99.5% من سكان هم أكراد و داغ= تعني بالتركية جبل وللسهولة دمجت الكلمتين و أصبحت كرد + داغ = كرداغ = جبل الأكراد )) يصعب تحديد وصول الأكراد إلى الجبل، و مع ذلك يمكن ارجاعه إلى عهد تاريخي قديم, فشرف نامة و هو كتاب تاريخي قديم من القرن السادس عشر, يذكر شخصا اسمه مانـد Mand الذي حصل في بداية القرن السادس عشر على كوصيرة أنطاكية كاقطاعية..." و الأمير مانـد كان يحكم كلس و منها منطقة عفرين لأن منطقة عفرين كانت تتبع اداريا ولاية كلس حتى عشرينات القرن الماضي, حيث انفصلت عن كلس و أصبحت منطقة بحد ذاتها تتبع محافظة حلب بعد أن تم رسم و تثبيت الحدود بين سورية و تركية بموجب اتفاقية الحدود بين تركية و فرنسا التي كانت حينها تستعمر سورية. اداريا, تتبع منطقة جبل الأكراد, محافظة حلــب, و مركزها مدينة عفــرين التي تبعد عن حلب 63 كم ويسكنها حوالي 50 ألف نسمة. و المنطقة تعرف اليوم رسميا باسم: منطقــة عفــرين التي تتألف بالاضافة إلى مدينة عفرين من سبع نواح ( شران, شيخ الحديد, جنديرس, راجو, بلبل,المركز و معبطلي ) و 360 قرية.يبلغ مجموع عدد سكان منطقة عفرين (417.254) نسمة* حتى تاريخ 31.12.2001. يمثل مديـر المنطفـة "و هو ضابط شرطة يعين من قبل وزير الداخلية" أعلى سلطة ادارية في المنطقة يعاونه مدراء النواحي وهم أيضا ضباط شرطة و قي أسفل الهرم الاداري مخاتير القرى.
المناخ والاقتصاد
لقرب منطقة جبل الأكراد من البحر يعتبر مناخها متوسطيا, حيث انه معتدل صيفا و بارد شتاءا و الأمطار غزيرة نسبيا و تهطل الثلوج ؛ لهذا تعتبر منطقة خصبة و نموذجية للزراعات المتوسطية. فالمناخ المتوسطي، و وجود الوديان و السهول و الجبال و خصوبة التربة و وفرة المياه في منطقة عفرين** جعلها مناسبة لكل الزراعات المتوسطية. حيث تزرع الحبوب: قمح, عدس, شعير... و الخضار بأنواعها و القطن و الشوندر السكري و الحمضيات و التفاحيات و العنب و الفواكه الأخرى. أما الزراعة الرئيسية التي تشتهر بها منطقة عفرين و تعتبر رمزا لها فهي الزيتــون الذي يزرع في كل أنحاء و قرى المنطقة دون استثناء, و يفوق عدد أشجارها الثلاثة عشر مليون شجرة.
كما تتميز المنطقة بوجود غطاء حراجي طبيعي و صناعي) غرس من قبل الدولة ( كثيف و كبير نسبيا،اذ يعد الأكبر في محافظة حلب . و الأشجار الحراجية في معظمها صنوبرية إلى جانب السرو. و هذا الغطاء الحراجي يستفاد منه في استخراج الأخشاب و انتاج البذور من أشجار الصنوبرالمثمرة. كما يمكن الاستفادة من هذه الحراج في تنشيط السياحة. أما تربية الحيوان و لاسيما الماشية: فانها تراجعت كثيرا و لا تلعب دروا يذكر في حياة المنطقة الاقتصادية, و ذلك لفقدان المراعي و استقرار السكان في قراهم منذ زمن طويل, فلا وجود لقطعان الماشية. و لكن توجد بعض الأسر التي تربي عددا محدودا من الماعز أو الغنم التي انتاجها بالكاد يفي بحاجة الأسرة ذاتها. أما الصنـاعة نجد في عفرين بعض الصناعات اهمها صناعة السجاد اليدوي التقليدية, والصناعات المرتبطة بالزيتون التي تعد عفرين من المناطق المشهورة في سوريا بالزيتون وتقوم صناعة استخراج زيت الزيتون التي تشتهر فيها عفرين و صناعة الصابون و البيرين و هذه تعتمد على زراعة الزيتون و تتأثر به.وتنتشر المنشأت والمعامل والمصالح والمحلات التجارية الهامة في المدينة .
اجتماعيًا
في القرن التاسع عشر توطدت السلطة المركزية في الدولة العثمانية في سوريا و ترسخت على حساب الحكم الذاتي المحلي. مما أدى إلى زوال الزعامات التقليدية المحلية و ظهور طبقة ارستقراطية جديدة تشكلت من ملاّكي الأرض الكبار - الاقطاعيين. و بالتالي فقدت الزعامات القديمة سلطتها و نفوذها مفسحة المجال للزعامات الجديدة. و هكذا اختفت العشائر و العلااقات العشائرية و تحولت البنية العشائرية لبنية اقطاعية. فبعد أن كان الزعيم يستمد سلطته و نفوذه سابقا من العلاقات الاجتماعية )العشيرة, الأسرة( أصبح يستمدها من قوته الاقتصادية, و من اتساع رقعة الأرض التي يملكها. وبعد أن كان الولاء للعشيرة و شيخها, أصبح للأرض و مالكها الاقطاعي, فلم يعد الفلاح مرتبطا بعشيرة أو زعيم معين, و انما بالأرض التي يعمل فيها و بالاقطاعي - الآغـا المالك. و هكذا تطورت العلاقة و البنية الاجتماعية في جبل الأكراد, و تحولت من العشائرية إلى الاقطاعية. و استمر الوضع على هذا النحو حتى بداية ستينات القرن العشرين, حيث بدأ بعدها الزعماء الاقطاعيون يفقدون سلطتهم و نفوذهم تدريجيا بعد تفكك و تفتت الاقطاعات وانتهى عصر الاقطاع
بعض ملامح المعتقدات الدينية في جبل الكرد (عفرين)
في فترة ما قبل الميلاد
يؤكد الباحثون أن الحياة استمرت في حوض نهر عفرين على مدى عشرات الآلاف من السنين، كما شهدت البدايات الأولى لاستقرار الإنسان في أكواخ ثابتة. حيث توجد بجانب تل عين دارا قرية زراعية تعود إلى العصر الحجري الحديث، أي 8000–5000 ق.م، كما أن هناك عشرات التلال والمواقع الأثرية الأخرى تعود إلى فترات قريبة أو بعيدة من ذلك التاريخ، باقية دون تنقيب، وهي لاشك، تخفي في جوفها أسراراً لمعتقدات وعبادات قديمة سابقة لما هو معروف حتى الآن في المنطقة.
إن الهيكل العظمي للطفل الذي أكتشف عن هيكله العظمي في كهف دوده ريه Duderiyê في جبل ليلون (منطقة عفرين)، يدل على أن إنسان نياندرتال كان يقوم بدفن موتاه، أي أنه كان صاحب معتقدات وأفكار وطقوس بدائية، تصلح أن تنسج عليها عقائد دينية متفرعة، فقد وجد رأس رمح من الصوان على صدر ذلك الطفل، وقد يكون ذلك أحد الطقوس الدينية البدائية في ذلك العصر.
كما يعتبر معبد عين دارا أحد أقدم المعابد المكتشفة لفترة ما قبل الميلاد في جبل الأكراد، وقد حافظ على بنائه سليم إلى حد كبير، ولا يعرف بالضبط الإله الذي شيد المعبد لأجله، إلا أن الآثاريين يفيدون بأن هذا المعبد هو من الفترة الحثية الحديثة، والألف الأول قبل الميلاد ، وفي المعبد مصلى، وعلى بابه آثار أقدام بشرية بمقاييس غير بشرية، يدل ترتيب توزعها على طقس معين في العبادة عند الدخول إلى المعبد. ويحرس المعبد وأروقته أسود بازلتية ضخمة مع أشكال للإنسان الثور وتماثيل أخرى، تشير، كما يعتقد بعض الباحثين ، أنه كان لإلهة الجبال (عشتار)، وإله الطقس (هدد) الذي يمثله الثور، مكانة عالية لدى المتعبدين في هذا المعبد. كما عثر في السوية الخامسة من التل المذكور، التي تعود إلى العهد الأخميني (الفارسي)، على تميمة من الحجر البلوري، مثل عليها إله الخير الزردشتي (أهورامزدا ) الممتد مع قرص الشمس المجنح.
وفي قرية خراب شمس على جبل ليلون (شيروان)، يوجد نحت لرأس ثور وقرص للشمس على نجفات بعض الدور الأثرية القديمة، وعلى واجهة معبد (لم يبق منه سوى نجفة ضخمة) رسم نافر لقرص الشمس والقمر، أحاط بهما من كل جانب رأس ثور وإكليل من الزهر. ويقول الباحثون عن ذلك، بأنه ربما كان مدخلا تابعاً لمعبد وثني من القرن الثالث للميلاد. وعبادة مظاهر الطبيعة كالقمر والشمس هي من العبادات الآرية القديمة في كردستان، حيث كان الزردشتيون يعتبرون الشمس والقمر في جبهة أهورامزدا ومكافحين لإله الشر (أهريمان). وكما هو معروف فإن للشمس مكانتها المرموقة في الديانة الزردشتية قديما، والإيزدية حالياً، والشمس هي عيون الإله ( آهورا مزدا). كما اعتبرها الهوريون قبلهم إلهاً، وسموها (ميثرا) منبع النور وإله الحقيقة.
وتقول المصادر التاريخية إن الإله (نابو) الرافدي كان يعبد في جبل ليلون (سمعان) ، في القرون السابقة للميلاد وما بعدها، وكان له هياكل منتشرة عليه، وأضخمه في موقع قرية (كفر نبو) الحالية، ولا يزال اسم العلم (نبو) دارجاً بين الأكراد في جبل ليلون. و(نابو) من الآلهة القديمة لدى شعوب الرافدين، ثم اكتملت هيئته ووظائفه لدى الآشوريين، وأنيطت به الحكمة، وأصبح ينادى (ينبوع الحكمة) واستمرت عبادته في مناطق ليلون من كردداغ إلى نهاية القرن الرابع الميلادي.
أما كزينفون فيذكر في كتابه [رحلة العشرة آلاف]، أن القاطنين على ضفاف نهر كالوس (عفرين) كانوا يقدسون أسماك النهر.
وقد أفاد بعض النباشين عن الآثار، أنهم عثروا بجوار قرية (ساتيان) على مدفن أثري قديم ضم رفاة موتى، وفي وسط المدفن تمثال ديك أجوف بحجم أكبر من الطبيعي أحمر اللون، وهذا ولاريب من طقوس العبادات الوثنية لفترة ما قبل انتشار المسيحية في المنطقة.
كما يدرج لدى الأكراد في الجبل، دون غيرهم من شعوب المنطقة، اسم (شيخو) بكثرة، وشيخو هو اسم إله كاشي (نسبة إلى الشعب الكاشي من أسلاف الأكراد)، وهو من كبار الإلهة المحبوبين، وسلطان الآلهة، وإله الأرض. ولهذا دلالة على وجود بقايا من معتقدات الكاشيين لدى أكراد جبل الكرد.
ومن الجدير ذكره هنا أيضا، أن هناك رسمان متقابلان لطائر الطاووس موجودان على مذبح كنيسة في قرية كيمار يعود تاريخ بنائها إلى عام 537م، وهما يحيطان بدائرة تحتوي على دائرة. إن طائر الطاووس في المعتقدات الإيزدية، يرمز إلى رئيس الملائكة (طاووس ملك)،. أما الدائرة التي تحيط بصليب متساوي الأضلاع، وهي شكل موجود بكثرة على الآثار التي تعود إلى الفترة المسيحية، فيقول عنها الإيزدييون: أنها ترمز في ديانتهم إلى الأرض وجهاتها الأربع، وهو صليب آري، فكما هو معروف إن الصليب الميتاني- الهوري متساوي الأذرع، على خلاف الصليب المسيحي الذي يستطيل ذراعه السفلي . حيث يعتقد أن عبادة الإله (ميثرا) الميتاني - الهوري، ظلت قائمة في الشرق الأدنى وفي أوربا حتى القرن الثاني للميلاد، وقد انتقلت عبادة ميثرا من الشرق إلى الغرب على يد الرومان. وكان يرمز إليه بطائر الطاووس.
أما مزار شيخ بركات في قمة جبل شيخ بركات، الذي يعتبره الإيزديون والدروز مقاماً لأحد شيوخهم، فقد كان في فترة ما قبل الميلاد حتى القرن الأول للميلاد، معبداً للإله الإغريقي (زيوس) إله الصاعقة، مثلما كانت مدينة سيروس (نبي هوري الحالية) مركزاً هاماً لعبادة الإلهين (أثينا) و(زيوس).
إضافة إلى كل ذلك، هناك مزارات قديمة في كردداغ، ذكرتها المصادر التاريخية، وهي ذات دلالات قبل مسيحية، فمزار (بارسه خاتون) Parse Xatûn الإيزدي حاليا فوق قمة جبل Parsê (بارسي) المطل على أعزاز من جهة الشمال الغربي، تقول عنه المصادر إنه كان موضع مقام النبي داود ومعبده.
أما عن زيارة حنان المعروفة فيقول عنها المؤرخ ابن الشحنة: إن فيها قبر أخي النبي داود. أما المزار المسمى حاليا (نبي هوري) بجوار المدينة الأثرية القديمة (سيروس)، فيقال أن فيه قبر (أوريا بن حنان) أحد قادة النبي داود، حيث دفن هناك بعد مقتله. ومما يلفت الانتباه أن النجمة السداسية التي ترمز إلى الديانة اليهودية والنبي داود، توجد على بعض الدور القديمة التي يعود بناؤها إلى أوائل القرن التاسع عشر للميلاد، وقد وجدت ذلك على بعض الدور في قرى معراته Maratê وجوبانلي Çobana وغازي تبه Gazê، وترنده Turind.. وهناك قبر في مقبرة زيارة (قره جرنه) Qere curn. منقوش على واجهاتها الأربعة نجموم سداسية. ولكن هناك غموض يكتنف وجود هذه الرموز الدينية اليهودية في بعض قرى كردداغ.
إضافة إلى ما سبق، فإن أكراد كردداغ لا يزالون يُقسِمون بمكونات الطبيعة، كالماء والنار والشمس والقمر، ويكوون أطفالهم بجمرات النار لحمايتهم من الأمراض، ويضيئون الأماكن المقدسة بالمصابيح والشموع (النار) كطقس أساسي يومي أو أسبوعي .
إن مجمل ما ذكرناه، يحمل في طياته دلالات دينية لعهدين:
ما قبل الزردشتية: حيث كان تقديس الطبيعة وعبادة قواها، ومن بينها الصليب المتساوي الأذرع الميتاني – الهوري رمز الإله (ميثرا)، وهو لايزال يرسم على أجساد الأطفال المرضى، وتوضع في رقاب الأطفال والحيوانات الأليفة، كما يرسم على الأدوات المنزلية. وهناك اعتقاد سائد بأن للخرزة الزرقاء التي تستعمل في الوقاية من العين والأذى صلة باللباس الأزرق الذي كان يرتديه رجال الدين المجوس الآريين قبل ظهور الديانة الزردشتية. وجدير بالذكر أيضا، أن اسم أحد آلهة الميديين (أسلاف الأكراد) كان (نازاتيا) و (نازي) Nazê، نازو، نازليه، ناز، هو اسم علم مؤنث لايتداوله غير الأكراد، ولهذا له دلالة ما قبل زردشتية أيضا.
ثم عهد الزردشتية: حيث كانت للنار وللشمس مكانة مرموقة في معتقداتها كما ذكرنا سابقا.
على ضوء هذه المعتقدات والمؤشرات الطقوسية والعادات الاجتماعية التي أتينا على ذكرها، يمكننا القول إنه لا تزال في كردداغ بعض المعتقدات من عصر العبادات الوثنية الآرية، وطقوس للديانات المسيحية واليهودية والزردشتية، التي كان لها تأثير كبير على سكان جبل الأكراد. وما يدعم قولنا هذا أن الدول والشعوب التي كانت تدين بالعقائد الآرية القديمة، وهم الهوريون والحثيون، أو التي اعتنقت الزردشتية كالميديين والبارسيين، ثم تلك التي اعتنقت اليهودية، أو التي عبدت الإله نابو من الرافديين، أو الإله زيوس كاليونان، فإنها جميعها وصلت إلى كردداغ، إما عن طريق الدول الحاكمة، أو عن طريق السكان المستوطنين. وتركت كل واحدة منها (ديانات وشعوبا) أثارا عقائدية وطقوسية عميقة في المنطقة وسكانها لا تزال بقاياها موجودة حتى يومنا هذا. .
مدينة عفرين احدى مدن كوردستان سوريا تقع منطقة جبل الأكراد - عفرين، تشكل أقصى الزاوية الشمالية الغربية من الحدود السورية التركية. يحدها من الغرب سهل العمق - لواء اسكندرون و النهر الأسود الذي يرسم في تلك المنطقة خط الحدود بين سورية و تركية، من الشمال خط سكة القطار المار من ميدان أكبس حتى كلس، من الشرق سهل أعزاز و من الجنوب منطقة جبل سمعان. منطقة عفرين منطقة جبلية معدل الارتفاع 700 - 1269 م، أعلى قمة فيها الجبل الكبير (كريه مازن Girê Mazin) الذي يعد جزءامن سلسة جبال طوروس في سورية . يبلغ عرضها من الشرق إلى الغرب 55 كم و طولها من الشمال إلى الجنوب 75 كم، و هكذا تساوي مساحتهاحوالي 3850 كم2 أي ما يعادل 2% من مساحة سورية .
التسمية
عفرين تكون إحدى محافظات كوردستان سوريا يرجع البعض تسمية عفرين إلى عهد الميتانيين و الهوريين أي إلى 3000 عام. و روجيه ليسـكو في مقدمة بحثه: كرداغ و الحركة المريدية يقول: " ان منطقة كرداغ مأهولة كليا بالأكراد, و من هنا يأتي اسمها(( كرداغ )) حيث الكلمة مؤلفة من مقطعين هما (( كرد= ترمز إلى القومية الكردية حيث 99.5% من سكان هم أكراد و داغ= تعني بالتركية جبل وللسهولة دمجت الكلمتين و أصبحت كرد + داغ = كرداغ = جبل الأكراد )) يصعب تحديد وصول الأكراد إلى الجبل، و مع ذلك يمكن ارجاعه إلى عهد تاريخي قديم, فشرف نامة و هو كتاب تاريخي قديم من القرن السادس عشر, يذكر شخصا اسمه مانـد Mand الذي حصل في بداية القرن السادس عشر على كوصيرة أنطاكية كاقطاعية..." و الأمير مانـد كان يحكم كلس و منها منطقة عفرين لأن منطقة عفرين كانت تتبع اداريا ولاية كلس حتى عشرينات القرن الماضي, حيث انفصلت عن كلس و أصبحت منطقة بحد ذاتها تتبع محافظة حلب بعد أن تم رسم و تثبيت الحدود بين سورية و تركية بموجب اتفاقية الحدود بين تركية و فرنسا التي كانت حينها تستعمر سورية. اداريا, تتبع منطقة جبل الأكراد, محافظة حلــب, و مركزها مدينة عفــرين التي تبعد عن حلب 63 كم ويسكنها حوالي 50 ألف نسمة. و المنطقة تعرف اليوم رسميا باسم: منطقــة عفــرين التي تتألف بالاضافة إلى مدينة عفرين من سبع نواح ( شران, شيخ الحديد, جنديرس, راجو, بلبل,المركز و معبطلي ) و 360 قرية.يبلغ مجموع عدد سكان منطقة عفرين (417.254) نسمة* حتى تاريخ 31.12.2001. يمثل مديـر المنطفـة "و هو ضابط شرطة يعين من قبل وزير الداخلية" أعلى سلطة ادارية في المنطقة يعاونه مدراء النواحي وهم أيضا ضباط شرطة و قي أسفل الهرم الاداري مخاتير القرى.
المناخ والاقتصاد
لقرب منطقة جبل الأكراد من البحر يعتبر مناخها متوسطيا, حيث انه معتدل صيفا و بارد شتاءا و الأمطار غزيرة نسبيا و تهطل الثلوج ؛ لهذا تعتبر منطقة خصبة و نموذجية للزراعات المتوسطية. فالمناخ المتوسطي، و وجود الوديان و السهول و الجبال و خصوبة التربة و وفرة المياه في منطقة عفرين** جعلها مناسبة لكل الزراعات المتوسطية. حيث تزرع الحبوب: قمح, عدس, شعير... و الخضار بأنواعها و القطن و الشوندر السكري و الحمضيات و التفاحيات و العنب و الفواكه الأخرى. أما الزراعة الرئيسية التي تشتهر بها منطقة عفرين و تعتبر رمزا لها فهي الزيتــون الذي يزرع في كل أنحاء و قرى المنطقة دون استثناء, و يفوق عدد أشجارها الثلاثة عشر مليون شجرة.
كما تتميز المنطقة بوجود غطاء حراجي طبيعي و صناعي) غرس من قبل الدولة ( كثيف و كبير نسبيا،اذ يعد الأكبر في محافظة حلب . و الأشجار الحراجية في معظمها صنوبرية إلى جانب السرو. و هذا الغطاء الحراجي يستفاد منه في استخراج الأخشاب و انتاج البذور من أشجار الصنوبرالمثمرة. كما يمكن الاستفادة من هذه الحراج في تنشيط السياحة. أما تربية الحيوان و لاسيما الماشية: فانها تراجعت كثيرا و لا تلعب دروا يذكر في حياة المنطقة الاقتصادية, و ذلك لفقدان المراعي و استقرار السكان في قراهم منذ زمن طويل, فلا وجود لقطعان الماشية. و لكن توجد بعض الأسر التي تربي عددا محدودا من الماعز أو الغنم التي انتاجها بالكاد يفي بحاجة الأسرة ذاتها. أما الصنـاعة نجد في عفرين بعض الصناعات اهمها صناعة السجاد اليدوي التقليدية, والصناعات المرتبطة بالزيتون التي تعد عفرين من المناطق المشهورة في سوريا بالزيتون وتقوم صناعة استخراج زيت الزيتون التي تشتهر فيها عفرين و صناعة الصابون و البيرين و هذه تعتمد على زراعة الزيتون و تتأثر به.وتنتشر المنشأت والمعامل والمصالح والمحلات التجارية الهامة في المدينة .
اجتماعيًا
في القرن التاسع عشر توطدت السلطة المركزية في الدولة العثمانية في سوريا و ترسخت على حساب الحكم الذاتي المحلي. مما أدى إلى زوال الزعامات التقليدية المحلية و ظهور طبقة ارستقراطية جديدة تشكلت من ملاّكي الأرض الكبار - الاقطاعيين. و بالتالي فقدت الزعامات القديمة سلطتها و نفوذها مفسحة المجال للزعامات الجديدة. و هكذا اختفت العشائر و العلااقات العشائرية و تحولت البنية العشائرية لبنية اقطاعية. فبعد أن كان الزعيم يستمد سلطته و نفوذه سابقا من العلاقات الاجتماعية )العشيرة, الأسرة( أصبح يستمدها من قوته الاقتصادية, و من اتساع رقعة الأرض التي يملكها. وبعد أن كان الولاء للعشيرة و شيخها, أصبح للأرض و مالكها الاقطاعي, فلم يعد الفلاح مرتبطا بعشيرة أو زعيم معين, و انما بالأرض التي يعمل فيها و بالاقطاعي - الآغـا المالك. و هكذا تطورت العلاقة و البنية الاجتماعية في جبل الأكراد, و تحولت من العشائرية إلى الاقطاعية. و استمر الوضع على هذا النحو حتى بداية ستينات القرن العشرين, حيث بدأ بعدها الزعماء الاقطاعيون يفقدون سلطتهم و نفوذهم تدريجيا بعد تفكك و تفتت الاقطاعات وانتهى عصر الاقطاع
بعض ملامح المعتقدات الدينية في جبل الكرد (عفرين)
في فترة ما قبل الميلاد
يؤكد الباحثون أن الحياة استمرت في حوض نهر عفرين على مدى عشرات الآلاف من السنين، كما شهدت البدايات الأولى لاستقرار الإنسان في أكواخ ثابتة. حيث توجد بجانب تل عين دارا قرية زراعية تعود إلى العصر الحجري الحديث، أي 8000–5000 ق.م، كما أن هناك عشرات التلال والمواقع الأثرية الأخرى تعود إلى فترات قريبة أو بعيدة من ذلك التاريخ، باقية دون تنقيب، وهي لاشك، تخفي في جوفها أسراراً لمعتقدات وعبادات قديمة سابقة لما هو معروف حتى الآن في المنطقة.
إن الهيكل العظمي للطفل الذي أكتشف عن هيكله العظمي في كهف دوده ريه Duderiyê في جبل ليلون (منطقة عفرين)، يدل على أن إنسان نياندرتال كان يقوم بدفن موتاه، أي أنه كان صاحب معتقدات وأفكار وطقوس بدائية، تصلح أن تنسج عليها عقائد دينية متفرعة، فقد وجد رأس رمح من الصوان على صدر ذلك الطفل، وقد يكون ذلك أحد الطقوس الدينية البدائية في ذلك العصر.
كما يعتبر معبد عين دارا أحد أقدم المعابد المكتشفة لفترة ما قبل الميلاد في جبل الأكراد، وقد حافظ على بنائه سليم إلى حد كبير، ولا يعرف بالضبط الإله الذي شيد المعبد لأجله، إلا أن الآثاريين يفيدون بأن هذا المعبد هو من الفترة الحثية الحديثة، والألف الأول قبل الميلاد ، وفي المعبد مصلى، وعلى بابه آثار أقدام بشرية بمقاييس غير بشرية، يدل ترتيب توزعها على طقس معين في العبادة عند الدخول إلى المعبد. ويحرس المعبد وأروقته أسود بازلتية ضخمة مع أشكال للإنسان الثور وتماثيل أخرى، تشير، كما يعتقد بعض الباحثين ، أنه كان لإلهة الجبال (عشتار)، وإله الطقس (هدد) الذي يمثله الثور، مكانة عالية لدى المتعبدين في هذا المعبد. كما عثر في السوية الخامسة من التل المذكور، التي تعود إلى العهد الأخميني (الفارسي)، على تميمة من الحجر البلوري، مثل عليها إله الخير الزردشتي (أهورامزدا ) الممتد مع قرص الشمس المجنح.
وفي قرية خراب شمس على جبل ليلون (شيروان)، يوجد نحت لرأس ثور وقرص للشمس على نجفات بعض الدور الأثرية القديمة، وعلى واجهة معبد (لم يبق منه سوى نجفة ضخمة) رسم نافر لقرص الشمس والقمر، أحاط بهما من كل جانب رأس ثور وإكليل من الزهر. ويقول الباحثون عن ذلك، بأنه ربما كان مدخلا تابعاً لمعبد وثني من القرن الثالث للميلاد. وعبادة مظاهر الطبيعة كالقمر والشمس هي من العبادات الآرية القديمة في كردستان، حيث كان الزردشتيون يعتبرون الشمس والقمر في جبهة أهورامزدا ومكافحين لإله الشر (أهريمان). وكما هو معروف فإن للشمس مكانتها المرموقة في الديانة الزردشتية قديما، والإيزدية حالياً، والشمس هي عيون الإله ( آهورا مزدا). كما اعتبرها الهوريون قبلهم إلهاً، وسموها (ميثرا) منبع النور وإله الحقيقة.
وتقول المصادر التاريخية إن الإله (نابو) الرافدي كان يعبد في جبل ليلون (سمعان) ، في القرون السابقة للميلاد وما بعدها، وكان له هياكل منتشرة عليه، وأضخمه في موقع قرية (كفر نبو) الحالية، ولا يزال اسم العلم (نبو) دارجاً بين الأكراد في جبل ليلون. و(نابو) من الآلهة القديمة لدى شعوب الرافدين، ثم اكتملت هيئته ووظائفه لدى الآشوريين، وأنيطت به الحكمة، وأصبح ينادى (ينبوع الحكمة) واستمرت عبادته في مناطق ليلون من كردداغ إلى نهاية القرن الرابع الميلادي.
أما كزينفون فيذكر في كتابه [رحلة العشرة آلاف]، أن القاطنين على ضفاف نهر كالوس (عفرين) كانوا يقدسون أسماك النهر.
وقد أفاد بعض النباشين عن الآثار، أنهم عثروا بجوار قرية (ساتيان) على مدفن أثري قديم ضم رفاة موتى، وفي وسط المدفن تمثال ديك أجوف بحجم أكبر من الطبيعي أحمر اللون، وهذا ولاريب من طقوس العبادات الوثنية لفترة ما قبل انتشار المسيحية في المنطقة.
كما يدرج لدى الأكراد في الجبل، دون غيرهم من شعوب المنطقة، اسم (شيخو) بكثرة، وشيخو هو اسم إله كاشي (نسبة إلى الشعب الكاشي من أسلاف الأكراد)، وهو من كبار الإلهة المحبوبين، وسلطان الآلهة، وإله الأرض. ولهذا دلالة على وجود بقايا من معتقدات الكاشيين لدى أكراد جبل الكرد.
ومن الجدير ذكره هنا أيضا، أن هناك رسمان متقابلان لطائر الطاووس موجودان على مذبح كنيسة في قرية كيمار يعود تاريخ بنائها إلى عام 537م، وهما يحيطان بدائرة تحتوي على دائرة. إن طائر الطاووس في المعتقدات الإيزدية، يرمز إلى رئيس الملائكة (طاووس ملك)،. أما الدائرة التي تحيط بصليب متساوي الأضلاع، وهي شكل موجود بكثرة على الآثار التي تعود إلى الفترة المسيحية، فيقول عنها الإيزدييون: أنها ترمز في ديانتهم إلى الأرض وجهاتها الأربع، وهو صليب آري، فكما هو معروف إن الصليب الميتاني- الهوري متساوي الأذرع، على خلاف الصليب المسيحي الذي يستطيل ذراعه السفلي . حيث يعتقد أن عبادة الإله (ميثرا) الميتاني - الهوري، ظلت قائمة في الشرق الأدنى وفي أوربا حتى القرن الثاني للميلاد، وقد انتقلت عبادة ميثرا من الشرق إلى الغرب على يد الرومان. وكان يرمز إليه بطائر الطاووس.
أما مزار شيخ بركات في قمة جبل شيخ بركات، الذي يعتبره الإيزديون والدروز مقاماً لأحد شيوخهم، فقد كان في فترة ما قبل الميلاد حتى القرن الأول للميلاد، معبداً للإله الإغريقي (زيوس) إله الصاعقة، مثلما كانت مدينة سيروس (نبي هوري الحالية) مركزاً هاماً لعبادة الإلهين (أثينا) و(زيوس).
إضافة إلى كل ذلك، هناك مزارات قديمة في كردداغ، ذكرتها المصادر التاريخية، وهي ذات دلالات قبل مسيحية، فمزار (بارسه خاتون) Parse Xatûn الإيزدي حاليا فوق قمة جبل Parsê (بارسي) المطل على أعزاز من جهة الشمال الغربي، تقول عنه المصادر إنه كان موضع مقام النبي داود ومعبده.
أما عن زيارة حنان المعروفة فيقول عنها المؤرخ ابن الشحنة: إن فيها قبر أخي النبي داود. أما المزار المسمى حاليا (نبي هوري) بجوار المدينة الأثرية القديمة (سيروس)، فيقال أن فيه قبر (أوريا بن حنان) أحد قادة النبي داود، حيث دفن هناك بعد مقتله. ومما يلفت الانتباه أن النجمة السداسية التي ترمز إلى الديانة اليهودية والنبي داود، توجد على بعض الدور القديمة التي يعود بناؤها إلى أوائل القرن التاسع عشر للميلاد، وقد وجدت ذلك على بعض الدور في قرى معراته Maratê وجوبانلي Çobana وغازي تبه Gazê، وترنده Turind.. وهناك قبر في مقبرة زيارة (قره جرنه) Qere curn. منقوش على واجهاتها الأربعة نجموم سداسية. ولكن هناك غموض يكتنف وجود هذه الرموز الدينية اليهودية في بعض قرى كردداغ.
إضافة إلى ما سبق، فإن أكراد كردداغ لا يزالون يُقسِمون بمكونات الطبيعة، كالماء والنار والشمس والقمر، ويكوون أطفالهم بجمرات النار لحمايتهم من الأمراض، ويضيئون الأماكن المقدسة بالمصابيح والشموع (النار) كطقس أساسي يومي أو أسبوعي .
إن مجمل ما ذكرناه، يحمل في طياته دلالات دينية لعهدين:
ما قبل الزردشتية: حيث كان تقديس الطبيعة وعبادة قواها، ومن بينها الصليب المتساوي الأذرع الميتاني – الهوري رمز الإله (ميثرا)، وهو لايزال يرسم على أجساد الأطفال المرضى، وتوضع في رقاب الأطفال والحيوانات الأليفة، كما يرسم على الأدوات المنزلية. وهناك اعتقاد سائد بأن للخرزة الزرقاء التي تستعمل في الوقاية من العين والأذى صلة باللباس الأزرق الذي كان يرتديه رجال الدين المجوس الآريين قبل ظهور الديانة الزردشتية. وجدير بالذكر أيضا، أن اسم أحد آلهة الميديين (أسلاف الأكراد) كان (نازاتيا) و (نازي) Nazê، نازو، نازليه، ناز، هو اسم علم مؤنث لايتداوله غير الأكراد، ولهذا له دلالة ما قبل زردشتية أيضا.
ثم عهد الزردشتية: حيث كانت للنار وللشمس مكانة مرموقة في معتقداتها كما ذكرنا سابقا.
على ضوء هذه المعتقدات والمؤشرات الطقوسية والعادات الاجتماعية التي أتينا على ذكرها، يمكننا القول إنه لا تزال في كردداغ بعض المعتقدات من عصر العبادات الوثنية الآرية، وطقوس للديانات المسيحية واليهودية والزردشتية، التي كان لها تأثير كبير على سكان جبل الأكراد. وما يدعم قولنا هذا أن الدول والشعوب التي كانت تدين بالعقائد الآرية القديمة، وهم الهوريون والحثيون، أو التي اعتنقت الزردشتية كالميديين والبارسيين، ثم تلك التي اعتنقت اليهودية، أو التي عبدت الإله نابو من الرافديين، أو الإله زيوس كاليونان، فإنها جميعها وصلت إلى كردداغ، إما عن طريق الدول الحاكمة، أو عن طريق السكان المستوطنين. وتركت كل واحدة منها (ديانات وشعوبا) أثارا عقائدية وطقوسية عميقة في المنطقة وسكانها لا تزال بقاياها موجودة حتى يومنا هذا. .