أولاً : المعنى اللغوي
الصبر في اللغة : الحبس و في الاصطلاح هو : حبس النفس على ما يقتضيه العقل و الشرع أو ما يقتضيان حبسها عنه أو هو حبس النفس على ما تكره ابتغاء مرضاة الله كما قال تعالى : " وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ " – الكهف 28
ثانياً: الحث عليه
حث الله تعالى عباده على الصبر و رغب فيه كقوله تعالى بعد أن أباح للمؤمنين أن يعاقبوا من أساء إليهم بمثل ما جرى لهم:" وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ" – النحل آية 126 أي أن الصبر على الانتقام خير منه ثم أعقب ذلك بقوله تعالى " وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ" النحل-127
ثالثاً: الترغيب فيه
و قد رغب الله تعالى المؤمنين في هذا الخلق الكريم بطرق كثيرة منها :
التنويه بالصبر و اقترانه بأخلاق عظيمة
نوه الله تعالى في القرآن العظيم بالصبر و الصابرين لما في ذلك من تحفيز لهم للتحلي بهذا الخلق العظيم و قد قرن تعالى بين الصبر و الكثير من الأخلاق الإيمانية العظيمة للتدليل على أن منزلته كمنزلتها كقوله تعالى " وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ" السجدة آية 24 حيث قرن تعالى بين اليقين و الصبر
و في آية أخرى قرنه بالشكر " إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ " إبراهيم -5
و بالتوكل في قوله تعالى " الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" النحل – 42
و بالصلاة في قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" البقرة – 153
و بعمل الصالحات في قوله تعالى" إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ" هود-11والرحمة في قوله تعالى " ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ " البلد-17
إقرار الصبر كصفة عظيمة لأنبياء الله عليهم السلام
أما تنويه الله تعالى بالصابرين فهو عظيم لأنه تعالى اقره لكثير من أنبيائه و رسله على سبيل الإشادة بهم كقوله تعالى " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ" الأنبياء-الآيات من 83 إلى 86 و قوله في أيوب عليه السلام : " إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ" سورة ص آية 44 و قوله تعالى في أيوب عليه السلام على لسانه: " فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ" سورة يوسف آية 18 و قوله في يوسف عليه السلام " قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" سورة يوسف آيه 90
الثناء على الصابرين
أثنى الله تعالى على الصابرين أعظم الثناء في القرآن الكريم كقوله تعالى " وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ " سورة الحج آيتا 34 و 35 و حيث أثنى عليهم في معرض تعداده لأهل البر الذين منهم "الصابرين في البأساء و الضراء و حيت البأس" و الذين شهد الله لهم بأنهم أهل الصدق و التقوى في قوله تعالى " إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا" الأحزاب آية 35 كما أثنى تعالى عليهم بأنهم من أهل العزائم في قوله تعالى " وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ" سورة آل عمران آية 186
الترغيب بالصبر
و قد وعد الله تعالى الصابرين بعظيم الجزاء ترغيباً لهم للتحلي بهذا الخلق العظيم فقد قال تعالى " إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ" سورة الزمر آية 10
و قوله تعالى " وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ" سورة النحل آية 96
و قوله تعالى " وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" سورة البقرة آيات 155 إلى 157
و قوله تعالى " إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ" سورة آل عمران آيه 120
صبر النبي صلى الله عليه و سلم
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أكثر رسل الله تعالى جهاداً و صبراً على الابتلاء و الإيذاء و قد لاقى من المشركين و اليهود و المنافقين عداءاً شديداً فما زاده ذلك إلا إصراراً و ثباتاً و من امثلة صبره صلى الله عليه و سلم :
صبره صلى الله عليه و سلم على رميه بالسحر و الكذب و الكهانة و الجنون و هو الذي كانوا يدعونه قبل بعثته بالصادق الأمين ثم بدؤوا في إيذاؤه جسديا فاخذ بتلابيبه حتى سقط على ركبتيه ووضع على ظهره سلى جزور (روث الجمل) و هو ساجد و رمي بالحجارة حتى دميت قدمه الشريفة و دبروا المكيدة تلو الأخرى لقتله صلى الله عليه و سلم فعن انس رضي الله تعالى عنه قال : لقد ضربوا رسول الله صلى الله عليه و سلم مرة حتى غشي عليه فقام أبو بكر رضي الله عنه فجعل ينادي : "ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله فقالوا : من هذا؟ فقالوا : أبو بكر المجنون فتركوه و أقبلوا على أبي بكر"
يوم الطائف وهو من أشد الأيام قسوة على النبي صلى الله عليه و سلم حين رفض سادة ثقيف و أشرافهم و هم أخوة ثلاثة و هم : ياليل بن عمرو بن عمير و أخواه مسعود و حبيب حيث قال له أحدهم : هو يمرط (يمزق) ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك و قال الآخر: أما وجد الله أحداً برسله غيرك و قال الثالث : و الله لا أكلمك أبدا لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لانت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام و لئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك فقام الرسول صلى الله عليه و سلم و قد يئس من خير ثقيف ثم طلب منهم النبي صلى الله عليه و سلم أن لا يبلغوا قريشاً حتى لا يجرئهم ذلك عليه فلم يفعلوا و أغروا به سفهاءهم و عبيدهم يسبونه و يضربونه بالحجارة
بعد الهجرة إلى المدينة واجه النبي صلى الله عليه و سلم عداء جديد متمثل في المنافقين و لطالما كان المسلمون يكتشفون رائحة النفاق من أحدهم فيستأذنوا النبي صلى الله عليه و سلم في قتله فيقول صلى الله عليه و سلم: "...لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه"
صبر النبي صلى الله عليه و سلم على اليهود صبراً شديداً إذ انهم أهل خديعة و مكر و حقد دفين فهم لم يكتفوا بكتم صفاته التي هي موجودة و مفصلة عندهم في التوراة و هم يعرفونه كما يعرفون أبنائهم و لو انهم أظهروها و لم يكذبوا على الله لما تردد أحد في دخول الإسلام لأن الكل كان يعترف بهم كأهل كتاب إلا أنهم كتموا الحق و أنكروه و أغروا به المشركين حسداً و حقداً و رغم ذلك صبر النبي صلى الله عليه و سلم عليهم رغم نقضهم العهود و نصرتهم للمشركين إلا أن الله تعالى نصره عليهم فأجلى من جلى منهم من بني قينقاع و بني فريظة ثم فتحت خيبر فأبقى صلى الله عليه و سلم أهلها إلى حين
أما صبره صلى الله عليه و سلم على المشركين فقد تغير من العهد المدني عن العصر المكي ففي العهد المكي صبر النبي على الإيذاء و تحمله و في العهد المدني كان الصبر في ميادين القتال فخاض المعارك المتتالية دون أن ينفذ صبره أو يضعف عزمه و قد نال في ذلك أذى كثيراً حيث كسرت رباعيته و شج وجهه الشريف في غزوة أحد و هو صابر محتسب وقال صلى الله عليه و سلم "كيف يفلح قوم شجوا نبيهم و كسروا رباعيته و هو يدعوهم إلى الله" فانزل الله تعالى عليه " لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ" سورة آل عمران آية 128
صبر صلى الله عليه و سلم على ما لاقى من شدة الحياة فعن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : "لقد أُخفت في الله و ما يخاف أحد و قد أوذيت في الله و ما يؤذى أحد و لقد أتت علي ثلاثون ما بين يوم و ليلة و ما لي طعام يأكله ذو كبد إلا شئ يواريه إبط بلال" فقد صبر صلى الله عليه و سلم على مقاطعة قريش الاقتصادية له صلى الله عليه و سلم و لبني عمومته ثلاث سنوات و صبر على تعذيب المسلمين من سادة قريش و موت أصحابه و أبنائه و لعل هذا هو سر تكرار أوامر الله تعالى له صلى الله عليه و سلم بالصبر كقوله تعالى " فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ" سورة الأحقاف آية 35 و قوله تعالى " وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا" سورة الطور آية 48
من أقوال النبي صلى الله عليه و سلم في الأمانة
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل" – أخرجة الترمذي
و قال صلى الله عليه و سلم " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء"
ومن أدلة الصبر في الحرب من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم حديث عَبْد ُاللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَضِي اللَّه عَنْهمَا ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا قَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ ، ف َإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ ، ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ ، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
وعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ ، وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ ، بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ ، فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا ـ تشققت من المشي ـ وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ ، وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي ، وَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ ، لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الْخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا " [ متفق عليه ] .
ومن أدلة الصبر على المرض عن عطاء بن أبي رباح يقول : قال لي ابن عباس : أتحب أن أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت : نعم ، قال : تلك المرأة السوداء – مقاييس الدنيا ومقاييس الجنة مختلفة- أتت النبي صلي الله عليه وسلم فقالت له يا رسول الله إني أصرع -أي تصاب بالصرع- وإني أتكشف فأدعو الله لي أن يعافيني ، فقال لها النبي : إن شئت دعوت لك وإن شئت صبرت ولك الجنة فقالت : أصبر يا رسول الله ولكني يا رسول الله أتكشف فأدعو الله ألا أتكشف ، فدعا لها النبي فكانت تصرع ولا تتكشف. وهي من أهل الجنة .
يقول النبي صلي الله عليه وسلم " إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه (وهما العينان ، وسموا كذلك لأنهم أحب أعضاء جسده إليه) فصبر ، لم يكن له عندي جزاء إلا الجنة "
يقول النبي صلي الله عليه وسلم: إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة نادي منادي ليقم أهل الفضل ، فيقومون وهم قليل ، فيسيرون سراعا إلى الجنة ،فتستوقفهم الملائكة وتقول : من أنتم ؟ فيقولن نحن أهل الفضل ، فيقولون لهم وما فضلكم ، فيقولون كنا إذا ظلمنا صبرنا ، وإذا أسيئ إلينا غفرنا ، وإذا جهل علينا حلمنا فتقول لهم الملائكة : أدخلوا الجنة فنعم أجر العاملين.
ومن أدلة الصبر على الظلم قال رجل من المسلمين: اللهم ليس عندي صدقة أتصدق بها فأيما رجل أصاب من عرضي شيئاً فهو عليه صدقة فأوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم إني قد غفرت له وقال صلى الله عليه وسلم " أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم " قالوا: وما أبو ضمضم قال " رجل ممن كان قبلكم كان إذا أصبح يقول: اللهم إني تصدقت اليوم بعرضي على من ظلمني.
ومن صور الصبر على الطاعة ، الصوم في اليوم شديد الحر ، لما في ذلك من عظيم الأجر ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا " [ أخرجه مسلم ] .
وهكذا نرى أن الصبر من الصفات العظيمة التي اتصف بها أولوا العزم من الرسل و يتقدمهم النبي صلى الله عليه و سلم فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من الصابرين الذين يوفيهم الله تعالى أجرهم بغير حساب
المراجع
من كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم في القرآن و السنة
المؤلف : الدكتور أحمد بن عبد العزيز بن قاسم الحداد
جزاه الله و علماء المسلمين جميعا خيرا و رزقه صحبة نبيه صلى الله عليه و سلم في الجنة
الصبر في اللغة : الحبس و في الاصطلاح هو : حبس النفس على ما يقتضيه العقل و الشرع أو ما يقتضيان حبسها عنه أو هو حبس النفس على ما تكره ابتغاء مرضاة الله كما قال تعالى : " وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ " – الكهف 28
ثانياً: الحث عليه
حث الله تعالى عباده على الصبر و رغب فيه كقوله تعالى بعد أن أباح للمؤمنين أن يعاقبوا من أساء إليهم بمثل ما جرى لهم:" وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ" – النحل آية 126 أي أن الصبر على الانتقام خير منه ثم أعقب ذلك بقوله تعالى " وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ" النحل-127
ثالثاً: الترغيب فيه
و قد رغب الله تعالى المؤمنين في هذا الخلق الكريم بطرق كثيرة منها :
التنويه بالصبر و اقترانه بأخلاق عظيمة
نوه الله تعالى في القرآن العظيم بالصبر و الصابرين لما في ذلك من تحفيز لهم للتحلي بهذا الخلق العظيم و قد قرن تعالى بين الصبر و الكثير من الأخلاق الإيمانية العظيمة للتدليل على أن منزلته كمنزلتها كقوله تعالى " وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ" السجدة آية 24 حيث قرن تعالى بين اليقين و الصبر
و في آية أخرى قرنه بالشكر " إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ " إبراهيم -5
و بالتوكل في قوله تعالى " الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" النحل – 42
و بالصلاة في قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" البقرة – 153
و بعمل الصالحات في قوله تعالى" إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ" هود-11والرحمة في قوله تعالى " ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ " البلد-17
إقرار الصبر كصفة عظيمة لأنبياء الله عليهم السلام
أما تنويه الله تعالى بالصابرين فهو عظيم لأنه تعالى اقره لكثير من أنبيائه و رسله على سبيل الإشادة بهم كقوله تعالى " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ" الأنبياء-الآيات من 83 إلى 86 و قوله في أيوب عليه السلام : " إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ" سورة ص آية 44 و قوله تعالى في أيوب عليه السلام على لسانه: " فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ" سورة يوسف آية 18 و قوله في يوسف عليه السلام " قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" سورة يوسف آيه 90
الثناء على الصابرين
أثنى الله تعالى على الصابرين أعظم الثناء في القرآن الكريم كقوله تعالى " وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ " سورة الحج آيتا 34 و 35 و حيث أثنى عليهم في معرض تعداده لأهل البر الذين منهم "الصابرين في البأساء و الضراء و حيت البأس" و الذين شهد الله لهم بأنهم أهل الصدق و التقوى في قوله تعالى " إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا" الأحزاب آية 35 كما أثنى تعالى عليهم بأنهم من أهل العزائم في قوله تعالى " وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ" سورة آل عمران آية 186
الترغيب بالصبر
و قد وعد الله تعالى الصابرين بعظيم الجزاء ترغيباً لهم للتحلي بهذا الخلق العظيم فقد قال تعالى " إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ" سورة الزمر آية 10
و قوله تعالى " وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ" سورة النحل آية 96
و قوله تعالى " وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" سورة البقرة آيات 155 إلى 157
و قوله تعالى " إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ" سورة آل عمران آيه 120
صبر النبي صلى الله عليه و سلم
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أكثر رسل الله تعالى جهاداً و صبراً على الابتلاء و الإيذاء و قد لاقى من المشركين و اليهود و المنافقين عداءاً شديداً فما زاده ذلك إلا إصراراً و ثباتاً و من امثلة صبره صلى الله عليه و سلم :
صبره صلى الله عليه و سلم على رميه بالسحر و الكذب و الكهانة و الجنون و هو الذي كانوا يدعونه قبل بعثته بالصادق الأمين ثم بدؤوا في إيذاؤه جسديا فاخذ بتلابيبه حتى سقط على ركبتيه ووضع على ظهره سلى جزور (روث الجمل) و هو ساجد و رمي بالحجارة حتى دميت قدمه الشريفة و دبروا المكيدة تلو الأخرى لقتله صلى الله عليه و سلم فعن انس رضي الله تعالى عنه قال : لقد ضربوا رسول الله صلى الله عليه و سلم مرة حتى غشي عليه فقام أبو بكر رضي الله عنه فجعل ينادي : "ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله فقالوا : من هذا؟ فقالوا : أبو بكر المجنون فتركوه و أقبلوا على أبي بكر"
يوم الطائف وهو من أشد الأيام قسوة على النبي صلى الله عليه و سلم حين رفض سادة ثقيف و أشرافهم و هم أخوة ثلاثة و هم : ياليل بن عمرو بن عمير و أخواه مسعود و حبيب حيث قال له أحدهم : هو يمرط (يمزق) ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك و قال الآخر: أما وجد الله أحداً برسله غيرك و قال الثالث : و الله لا أكلمك أبدا لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لانت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام و لئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك فقام الرسول صلى الله عليه و سلم و قد يئس من خير ثقيف ثم طلب منهم النبي صلى الله عليه و سلم أن لا يبلغوا قريشاً حتى لا يجرئهم ذلك عليه فلم يفعلوا و أغروا به سفهاءهم و عبيدهم يسبونه و يضربونه بالحجارة
بعد الهجرة إلى المدينة واجه النبي صلى الله عليه و سلم عداء جديد متمثل في المنافقين و لطالما كان المسلمون يكتشفون رائحة النفاق من أحدهم فيستأذنوا النبي صلى الله عليه و سلم في قتله فيقول صلى الله عليه و سلم: "...لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه"
صبر النبي صلى الله عليه و سلم على اليهود صبراً شديداً إذ انهم أهل خديعة و مكر و حقد دفين فهم لم يكتفوا بكتم صفاته التي هي موجودة و مفصلة عندهم في التوراة و هم يعرفونه كما يعرفون أبنائهم و لو انهم أظهروها و لم يكذبوا على الله لما تردد أحد في دخول الإسلام لأن الكل كان يعترف بهم كأهل كتاب إلا أنهم كتموا الحق و أنكروه و أغروا به المشركين حسداً و حقداً و رغم ذلك صبر النبي صلى الله عليه و سلم عليهم رغم نقضهم العهود و نصرتهم للمشركين إلا أن الله تعالى نصره عليهم فأجلى من جلى منهم من بني قينقاع و بني فريظة ثم فتحت خيبر فأبقى صلى الله عليه و سلم أهلها إلى حين
أما صبره صلى الله عليه و سلم على المشركين فقد تغير من العهد المدني عن العصر المكي ففي العهد المكي صبر النبي على الإيذاء و تحمله و في العهد المدني كان الصبر في ميادين القتال فخاض المعارك المتتالية دون أن ينفذ صبره أو يضعف عزمه و قد نال في ذلك أذى كثيراً حيث كسرت رباعيته و شج وجهه الشريف في غزوة أحد و هو صابر محتسب وقال صلى الله عليه و سلم "كيف يفلح قوم شجوا نبيهم و كسروا رباعيته و هو يدعوهم إلى الله" فانزل الله تعالى عليه " لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ" سورة آل عمران آية 128
صبر صلى الله عليه و سلم على ما لاقى من شدة الحياة فعن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : "لقد أُخفت في الله و ما يخاف أحد و قد أوذيت في الله و ما يؤذى أحد و لقد أتت علي ثلاثون ما بين يوم و ليلة و ما لي طعام يأكله ذو كبد إلا شئ يواريه إبط بلال" فقد صبر صلى الله عليه و سلم على مقاطعة قريش الاقتصادية له صلى الله عليه و سلم و لبني عمومته ثلاث سنوات و صبر على تعذيب المسلمين من سادة قريش و موت أصحابه و أبنائه و لعل هذا هو سر تكرار أوامر الله تعالى له صلى الله عليه و سلم بالصبر كقوله تعالى " فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ" سورة الأحقاف آية 35 و قوله تعالى " وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا" سورة الطور آية 48
من أقوال النبي صلى الله عليه و سلم في الأمانة
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل" – أخرجة الترمذي
و قال صلى الله عليه و سلم " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء"
ومن أدلة الصبر في الحرب من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم حديث عَبْد ُاللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَضِي اللَّه عَنْهمَا ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا قَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ ، ف َإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ ، ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ ، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
وعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ ، وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ ، بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ ، فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا ـ تشققت من المشي ـ وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ ، وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي ، وَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ ، لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الْخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا " [ متفق عليه ] .
ومن أدلة الصبر على المرض عن عطاء بن أبي رباح يقول : قال لي ابن عباس : أتحب أن أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت : نعم ، قال : تلك المرأة السوداء – مقاييس الدنيا ومقاييس الجنة مختلفة- أتت النبي صلي الله عليه وسلم فقالت له يا رسول الله إني أصرع -أي تصاب بالصرع- وإني أتكشف فأدعو الله لي أن يعافيني ، فقال لها النبي : إن شئت دعوت لك وإن شئت صبرت ولك الجنة فقالت : أصبر يا رسول الله ولكني يا رسول الله أتكشف فأدعو الله ألا أتكشف ، فدعا لها النبي فكانت تصرع ولا تتكشف. وهي من أهل الجنة .
يقول النبي صلي الله عليه وسلم " إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه (وهما العينان ، وسموا كذلك لأنهم أحب أعضاء جسده إليه) فصبر ، لم يكن له عندي جزاء إلا الجنة "
يقول النبي صلي الله عليه وسلم: إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة نادي منادي ليقم أهل الفضل ، فيقومون وهم قليل ، فيسيرون سراعا إلى الجنة ،فتستوقفهم الملائكة وتقول : من أنتم ؟ فيقولن نحن أهل الفضل ، فيقولون لهم وما فضلكم ، فيقولون كنا إذا ظلمنا صبرنا ، وإذا أسيئ إلينا غفرنا ، وإذا جهل علينا حلمنا فتقول لهم الملائكة : أدخلوا الجنة فنعم أجر العاملين.
ومن أدلة الصبر على الظلم قال رجل من المسلمين: اللهم ليس عندي صدقة أتصدق بها فأيما رجل أصاب من عرضي شيئاً فهو عليه صدقة فأوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم إني قد غفرت له وقال صلى الله عليه وسلم " أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم " قالوا: وما أبو ضمضم قال " رجل ممن كان قبلكم كان إذا أصبح يقول: اللهم إني تصدقت اليوم بعرضي على من ظلمني.
ومن صور الصبر على الطاعة ، الصوم في اليوم شديد الحر ، لما في ذلك من عظيم الأجر ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا " [ أخرجه مسلم ] .
وهكذا نرى أن الصبر من الصفات العظيمة التي اتصف بها أولوا العزم من الرسل و يتقدمهم النبي صلى الله عليه و سلم فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من الصابرين الذين يوفيهم الله تعالى أجرهم بغير حساب
المراجع
من كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم في القرآن و السنة
المؤلف : الدكتور أحمد بن عبد العزيز بن قاسم الحداد
جزاه الله و علماء المسلمين جميعا خيرا و رزقه صحبة نبيه صلى الله عليه و سلم في الجنة