جرح وضرب واغتصاب وتهديد بالقتل
63% من المغربيات يتعرضن للعنف
والجمعيات النسائية متهمة بالتحريض على تفكيك الأسر
لطيفة العروسني / طنجة - المغرب
مساء كل خميس تأتي مجموعة من النساء الى جمعية «امنة» لحماية النساء ضحايا العنف، للاستماع الى ارشادات قانونية تقدمها لهن مجانا محاميات اعضاء في الجمعية، هذه الارشادات القانونية قد تكون ربما بداية الطريق الى حل لمشاكل يعانين منها يوميا وعلى رأسها التعرض للعنف بشتى اشكاله من طرف الازواج على الخصوص، نساء محطمات ومكسورات تعلو وجوههن مسحة من الحزن والمعاناة، اغلبهن من فئات اجتماعية فقيرة ومعوزة. واذا كانت المنظمات النسائية المغربية لا تتوفر على احصائيات عن عدد النساء ضحايا العنف في المغرب بشكل عام ، بسبب ضعف وسائل العمل التي تتوفر عليها ، فهي تؤكد ان الظاهرة في تزايد مستمر، اعتبارا لعدد الحالات التي تستقبلها هذه الجمعيات. وطبقا لآخر دراسة اعدتها مديرية الاحصاء المغربية، فان 63% من النساء يتعرضن للعنف الزوجي و61.% للعنف الاسري و3.4% للعنف الناتج عن علاقات الجوار والعمل و3،3 يتعرضن للعنف من طرف غرباء. واوضحت الدراسة ايضا ان 7 رجال من اصل 10 يتورطون في حالات عنف مع زوجاتهم، واشارت الى ان الفئة العمرية ما بين 16و30 عاما تتعرض للعنف الجنسي بنسبة 54%.
من خلال اثارة هذا الموضوع من جديد، سنحاول تجنب نبرة التعاطف الشديد والانحياز الاعمى الذي يميز خطاب بعض الجمعيات «النسوانية» لنطرح بالمقابل الاسئلة التالية: هل جميع النساء هن فعلا ضحايا؟ ولماذا لا يتم الاستماع الى الطرف الاخر اي الازواج؟ وهل صحيح ان المنظمات النسائية تحرض النساء على التمرد على الازواج وتتسبب بالتالي في تفكيك الاسر؟
«الشرق الاوسط» حملت هذه الاسئلة الى مدينة طنجة شمال المغرب حيث يوجد مقر جمعية «امنة» لحماية النساء ضحايا العنف، التي تأسست عام 1998 وهي احدى الجمعيات النشيطة في مجال الدفاع عن حقوق النساء، وان كانت تشكو من قلة الاهتمام الاعلامي الذي تحتكره جمعيات اخرى بالمدن الكبرى خصوصا الدار البيضاء والرباط.
تؤكد المحامية نجاة الشنتوف، رئيسة الجمعية، لـ«الشرق الاوسط» انه «من خلال المعايشة اليومية للحالات والشكايات التي تتلقاها الجمعية فان ظاهرة العنف ضد النساء تفشت بشكل كبير في المجتمع المغربي في السنوات الاخيرة» وعزت ذلك الى عدة عوامل من بينها: البطالة وتعاطي المخدرات وعدم الاستقرار النفسي لبعض الازواج. وقالت ان المشاكل الاجتماعية المادية تعد احد اهم العوامل التي تتسبب في تعرض المرأة الى العنف، وتبرز من خلال رغبة الزوج في الاستحواذ على راتب الزوجة، مما ينتج عنه خلافات عميقة تنتهي بلجوء الزوج الى تعنيف زوجته عن طريق الضرب والجرح والتهديد بالقتل في احيان اخرى. ولا تقتصر مظاهر العنف التي تتعرض لها النساء على الضرب والجرح، كما قالت الشنتوف، بل يدخل في اطارها العنف الجنسي او الاغتصاب الذي ياتي في المرتبة الثانية بعد الايذاء الجسدي حيث لوحظ في السنوات الاخيرة ان موضوع الاغتصاب لم يعد مسكوتا عنه، بل ان عددا كبيرا من الامهات يأتين الى الجمعية للتبليغ عن حالات اغتصاب تتعرض لها بناتهن من طرف المحارم او من طرف اشخاص غرباء او كانت تربطهن بهم علاقة عاطفية.
ونفت الشنتوف مطلقا الاتهام الموجه الى الجمعيات النسائية بكونها تحرض الزوجات على التمرد وتساهم في تفكيك الاسرة، كما نفت اي تدخل للمنظمات الاجنبية الممولة لبعض الجمعيات النسائية المغربية في فرض فكر معين يساعد على التمرد على القيم المحافظة، وقالت:«من خلال تجربتي ومن خلال التنسيق الموجود بيننا وبين مختلف المراكز الموجودة في المغرب واوروبا واميركا وعلى المستوى المهني، لا اعرف جمعيات تحرض على التفكك العائلي، هذه اتهامات يروجها فكر رجولي يرفض التخلص من امتيازاته»، واضافت: «اننا نستفيد كثيرا من تعاملنا مع جمعيات حقوقية دولية متخصصة في المواثيق الدولية لانها تمنح لنا فرصة للتكوين، وجمعيات اخرى يقتصر تدخلها على مجال التنظيم فقط، اي ارشاد بعض الجمعيات الصغيرة الى كيفية تهييء المشاريع او طريقة التسيير المالي للجمعية»، واضافت :«غير صحيح اننا لا نستمع الى رأي الازواج او الطرف الاخر في القضية بل في كثير من الحالات استدعينا الزوج للحضور الى مقر الجمعية لبحث امكانية الصلح، وقد وُفقنا في حالات، وفي حالات اخرى لم نوفق. وقالت:« اننا لا نتسرع بتقديم الشكاية ضد الزوج الا بعد ان نتوفر على اثباتات وشواهد طبية تؤكد تعرض المراة الى نوع من انواع العنف. وبعد تقديم الاستشارة القانونية نترك للمراة الحرية ان ارادت رفع دعوى قضائية ضد زوجها ام لا، واذا اقدمت المعنية بالامر على رفع الدعوى فالجمعية تقوم بدور المؤازرة القانونية داخل المحكمة».
من جهتها قالت فاطمة واياو، وهي تعمل منسقة بين الجمعية وبين المجموعة القانونية الدولية لحقوق الناس، لـ«الشرق الاوسط» ان غياب الرجل عن الجمعية يعود الى عدم وجود قناعة لدى اغلب الرجال للاستجابة لدعوة الجمعية لهم بالحضور، بينما المرأة مستعدة دائما للصلح لانها الطرف الاضعف. وقالت ان الجمعية تستقبل يوميا من ست الى ثماني حالات لنساء يتعرضن الى العنف منذ سنوات طويلة وقررن اللجوء الي الجمعية وكسر جدار الصمت، وهذا دليل على ان الجمعيات النسائية نجحت الى حد كبير، برأيها، في كسب ثقة النساء من خلال اللقاءات المباشرة بين أعضائها وبين النساء من الفئات الاجتماعية الفقيرة في الاحياء الهامشية، واكدت ان اغلب الحالات تتعلق بالعنف الزوجي بسبب الضغوط المادية اوالخيانة الزوجية ثم حالات الاعتداء الجنسي .
ومن نماذج هذه الحالات سيدة في الاربعينات من عمرها تعمل في سلك التعليم ، جاءت الى الجمعية وهي في حالة يرثى لها مكسوة بالدماء ،لا تكاد تميز ملامح وجهها من كثرة الضرب الذي تعرضت له من طرف زوجها من منتصف الليل الى الخامسة صباحا، حيث اعتقل الزوج بعد ذلك والقضية مازالت امام المحكمة، وحالة اخرى لأم لجأت الى الجمعية بعد ان اكتشفت ان بناتها الثلاث يتعرضن للاغتصاب من طرف الاب(طليقها) حيث اعتقل هذا الاخير ايضا. حالة اخرى التقتها«الشرق الاوسط» وهي سيدة متزوجة من رجل امن تتعرض للعنف يوميا من طرف زوجها منذ 26 عاما عمر هذا الزواج الذي اثمر اربع ابناء: ثلاث اولاد وبنت. وتقول هذه السيدة ان زوجها لا يتعاطى المخدرات وليس لديه اي مشاكل مادية، لكنها لا تفهم لماذا يعاملها بتلك القسوة هي وابناؤها «حيث يتحول الى وحش بمجرد عودته الى البيت، انه زوج متسلط لا يخاف الله»، كما قالت، كسر انفها ووجه لها ضربة الى الرأس مازالت تعاني من آثارها الى اليوم. وفي السياق ذاته، قالت المحامية هند العدلوني، التي تقدم بدورها الاستشارات القانونية للنساء التي وضعن ملفاتهن امام الجمعية، وتستمع اليهن باهتمام:«اننا لا يمكن ان نجبر الرجال على الحضور الى الجمعية لاننا نتعامل مع فئات اجتماعية فقيرة وغير واعية، وليس امامنا حل اخر سوى الاكتفاء بالاستماع الى المشتكيات وتوجيههن الى الحلول عن طريق القانون» ومن ابرز العراقيل التي تعترض المشتكيات كما قالت، اثبات العنف الجسدي او النفسي، اي السب والشتم الذي يتعرضن له،عن طريق الشهود، بحيث لا احد من الجيران او الاقارب يقبل بتقديم شهادته الا في حالات نادرة، الامر الذي يزيد من تأزم المشكل ومضاعفة تداعياته على نفسية المرأة».
* العنف وسيلة لابتزاز الأزواج
* في سياق البحث عن اجابة حول سؤال: هل جميع النساء اللواتي يتعرضن للعنف هن فعلا ضحايا و«بريئات»؟ قالت الاخصائية النفسية فاطمة اللعبيش لـ«الشرق الاوسط» :« لا يمكننا ان نتجاهل بشكل مطلق تعرض عدد كبير من النساء الى العنف بشتى اشكاله، سواء من طرف الازواج او الاباء او الاخوان او الاقارب، وهي ظاهرة موجودة مند القدم الا ان التغيير الحاصل حاليا هو ان هذا العنف اصبح مكشوفا امام الجميع ومعروفا لوسائل الاعلام، اما من قبل فكانت النساء يعانين في صمت». واضافت اللعبيش انه من خلال عملها الجمعوي، حيث تعمل معالجة نفسية في احدى الجمعيات النسائية في مدينة طنجة، وهي جمعية «دار المرأة فضاء المواطنة»، تستقبل مرتين في الاسبوع حالات نساء يتعرض للعنف، حيث تبين لها ان المراة في كثير من الاحيان تستغل العنف الممارس عليها من طرف الزوج للحصول على الطلاق او للوصول الى اغراض شخصية مثل السماح لها بالسفر او الحصول على المال، واكدت ان الرجل يتعرض بدوره الى العنف النفسي عن طريق الاستفزاز والعنف الجسدي احيانا من طرف المراة، الا انه لا يشتكي لان تقاليد المجتمع لا تسمح له بذلك، بينما المرأة يحق لها ان تشتكي ليل نهار ،وتجد الجميع يسمعها ويتعاطف معها بينما الرجل يتهم بالسادية والخيانة. واشارت الى نقطة اخرى وهي ان بعض النساء وبعد رفع «الطابوهات» عن موضوع التحرش الجنسي بدأن يستغلن هذا الموضوع ايضا لابتزاز الازواج ، واعطت مثالا على ذلك بأم كانت تجبر ابنتها على الاعتراف امام المحكمة بأن زوج الام يتحرش بها جنسيا قصد حصولها على الطلاق ، وقد اكتشفت اللعبيش هذا الامر بعد عدة جلسات مع الفتاة التي اعترفت في النهاية ان الام هي التي كانت ترغمها على الادعاء بانها تتعرض للتحرش الجنسي من طرف زوج الام. ولا تجد اللعبيش تبريرا لصبر النساء على العنف لسنوات طويلة سوى ان هذا العنف يتحول لديهن الى تعود سلوكي يستمتعن به وتغذيه مجموعة من الاعراف الثقافية السائدة في المجتمع المغربي والعربي عموما، والتي تهيئ المرأة مند الطفولة الى الخضوع التام للرجل وصبرها على كل ما يصدر عنه اتجاهها، واعطت مثالا على ذلك بامراة كانت تتعرض للضرب من طرف الزوج لمدة 15 عاما ولم تتقدم باي شكاية الا بعد ان تحول الضرب الى تهديد جدي بالقتل، واثناء الاستماع اليها قالت انها كانت تعتقد ان تعرضها الى الضرب هو تعبير عن الحب وان زوجها يغير عليها! من جهة اخرى اكدت اللعبيش انها لا تتفق مع بعض الجمعيات النسائية التي تتعامل مع المرأة بشكل منفرد، وقالت ان جمعية «دارالمرأة» تبنت تجربة رائدة هي الاولى من نوعها في المغرب وهي الاستماع الى ثلاثة اطراف: الزوجة والزوج والابناء ، للبحث عن حل المشكلة في اطارها الشمولي، وهو اسلوب عمل اعطى نتائج جيدة، لان لا احد يقول الحقيقة كاملة والكل يحاول ان يحسن صورته امام الاخرين، لذا من الضروري الاستماع الى جميع الاطراف.
*****
و في المغرب أيضا
مراكز لنجدة النساء
عن : الشرق الأوسط
مراكز النجدة .. هو الاسم الذي أطلقه الاتحاد النسائي المغربي على مراكز مساعدة النساء اللاتي يتعرضن للضرب أو السب أو الطرد أو أي شكل من أشكال العنف سواء داخل محيط الأسرة أو داخل العمل أو في المجتمع بشكل عام.
وتوضح لطيفة إجبابدي رئيسة الاتحاد النسائي المغربي ـ أثناء مشاركتها بمؤتمر رابطة المرأة العربية الذي عقد مؤخراً بالقاهرة ـ أن الاتحاد بدأ عمله عام 1983 لمساعدة النساء ومحو أميتهم وتدريبهن على بعض المهن، إلى جانب التوعية بحقوق الزوجات والأطفال، حتى وجدنا أن هناك الكثير من النساء يتعرضن لأشكال متعددة من العنف مثل الضرب أو الاهانة أو التحرش أو الطرد من المنزل أو الاستغلال في العمل وما إلى ذلك، وهؤلاء يحتجن إلى نوعين من المساعدة، مساعدة قانونية، ومساعدة نفسية اجتماعية، فبدأنا في انشاء مراكز خاصة لمساعدتهن أسميناها مراكز النجدة، في كل فروع الاتحاد بالمدن المغربية، تقدم المساعدة القانونية المجانية للسيدات اللاتي لهن قضايا منظورة بالمحكمة حتى وصلنا إلى ما يزيد عن 13 ألف دعوى قضايا ساعدنا فيها سيدات للحصول على حقوقهن، هذا بالاضافة الى الطبيبات النفسانيات اللاتي يقدمن المساعدة النفسية للنساء اللاتي يتعرضن للضرب أو الاهانة أو الاغتصاب أو غيرها، ويلجأن إلينا وهن في حالة نفسية سيئة، ويحتجن إلى من يساعدهن لاستعادة توازنهن النفسي ليستطعن مواصلة حياتهن ومواجهة ما يتعرضن إليه من عنف بشكل أفضل.
وعن الحالات التي تحتاج لمكان يأويها بشكل مؤقت كاللاتي يتعرضن للطرد من بيت الزوجية مع أطفالهن، تؤكد رئيسة الاتحاد النسائي: أن الحالات التي كانت تحتاج لمكان للاقامة المؤقتة لم نكن نجد لهن مكاناً ليقمن فيه بدلاً من الشارع بعد أن يرفضهن الأهل، اما لأن هذه الزوجة قد تزوجت دون رضا أهلها فلا يقبلونها بعد أن يطردها الزوج، أو أنهم يطلبون منها أن تلقي بأطفالها إلى زوجها وتعود بمفردها فقط، فتأبى إلا أن تبقى مع أطفالها وان كان ذلك في الشارع فبدأنا في التفكير بانشاء دار خاصة لايواء هذه الحالات الخاصة لفترة مؤقتة حددناها بثلاثة أشهر قابلة للتجديد لفترة واحدة أخرى، فخلال هذه الشهور تكون السيدة قد استعادت توازنها النفسي، وأيضاً نمكنها من الحصول على فرصة عمل من خلال تدريبها على احدى المهن، فزودنا الدار ببرنامج تدريبي خاص على بعض الأعمال اليدوية، بحيث تستطيع الوقوف على قدميها بعد ذلك، وأيضاً لأن أغلبهن غير متعلمات يحصلن على برنامج لمحو الأمية أيضاً ليستطعن القراءة والكتابة ويندمجن في المجتمع بشكل أفضل، ويتمكن من استئجار بيت يقمن فيه مع أطفالهن، وفي حالة العودة إلى بيت الزوجية من خلال محاولات الصلح التي نقوم بها من خلال احصائيات اجتماعيات بالدار يكن قد استطعن أن يكسبن مورداً للرزق يساعد أسرهن على أن تعيش حياة أفضل فالكثير من المشكلات قد تعود بالأساس إلى الفقر والحاجة، وأيضاً عندما تكسب المرأة مورداً للرزق يشعرها هذا بالاستقرار النفسي، ويشعر زوجها بمكانتها فلا تتعرض لنفس العنف الذي كانت تتعرض له قبل أن تعرف القراءة والكتابة وتكتسب مهنة ومورداً للرزق.
أما الموظفات المتعلمات فلا يلجأن عادة لدار الايواء ويكتفين باللجوء إلى مراكز النجدة فقط لأن لديهن مورد رزق يمكنهن من حل مشكلاتهن بطريقة أخرى، وعادة ما يكون العنف الذي تتعرض له المتعلمة غير الذي تتعرض له الفقيرة التي لا تعمل، ولكل حالة احتياجاتها من المساندة النفسية والاجتماعية.
63% من المغربيات يتعرضن للعنف
والجمعيات النسائية متهمة بالتحريض على تفكيك الأسر
لطيفة العروسني / طنجة - المغرب
مساء كل خميس تأتي مجموعة من النساء الى جمعية «امنة» لحماية النساء ضحايا العنف، للاستماع الى ارشادات قانونية تقدمها لهن مجانا محاميات اعضاء في الجمعية، هذه الارشادات القانونية قد تكون ربما بداية الطريق الى حل لمشاكل يعانين منها يوميا وعلى رأسها التعرض للعنف بشتى اشكاله من طرف الازواج على الخصوص، نساء محطمات ومكسورات تعلو وجوههن مسحة من الحزن والمعاناة، اغلبهن من فئات اجتماعية فقيرة ومعوزة. واذا كانت المنظمات النسائية المغربية لا تتوفر على احصائيات عن عدد النساء ضحايا العنف في المغرب بشكل عام ، بسبب ضعف وسائل العمل التي تتوفر عليها ، فهي تؤكد ان الظاهرة في تزايد مستمر، اعتبارا لعدد الحالات التي تستقبلها هذه الجمعيات. وطبقا لآخر دراسة اعدتها مديرية الاحصاء المغربية، فان 63% من النساء يتعرضن للعنف الزوجي و61.% للعنف الاسري و3.4% للعنف الناتج عن علاقات الجوار والعمل و3،3 يتعرضن للعنف من طرف غرباء. واوضحت الدراسة ايضا ان 7 رجال من اصل 10 يتورطون في حالات عنف مع زوجاتهم، واشارت الى ان الفئة العمرية ما بين 16و30 عاما تتعرض للعنف الجنسي بنسبة 54%.
من خلال اثارة هذا الموضوع من جديد، سنحاول تجنب نبرة التعاطف الشديد والانحياز الاعمى الذي يميز خطاب بعض الجمعيات «النسوانية» لنطرح بالمقابل الاسئلة التالية: هل جميع النساء هن فعلا ضحايا؟ ولماذا لا يتم الاستماع الى الطرف الاخر اي الازواج؟ وهل صحيح ان المنظمات النسائية تحرض النساء على التمرد على الازواج وتتسبب بالتالي في تفكيك الاسر؟
«الشرق الاوسط» حملت هذه الاسئلة الى مدينة طنجة شمال المغرب حيث يوجد مقر جمعية «امنة» لحماية النساء ضحايا العنف، التي تأسست عام 1998 وهي احدى الجمعيات النشيطة في مجال الدفاع عن حقوق النساء، وان كانت تشكو من قلة الاهتمام الاعلامي الذي تحتكره جمعيات اخرى بالمدن الكبرى خصوصا الدار البيضاء والرباط.
تؤكد المحامية نجاة الشنتوف، رئيسة الجمعية، لـ«الشرق الاوسط» انه «من خلال المعايشة اليومية للحالات والشكايات التي تتلقاها الجمعية فان ظاهرة العنف ضد النساء تفشت بشكل كبير في المجتمع المغربي في السنوات الاخيرة» وعزت ذلك الى عدة عوامل من بينها: البطالة وتعاطي المخدرات وعدم الاستقرار النفسي لبعض الازواج. وقالت ان المشاكل الاجتماعية المادية تعد احد اهم العوامل التي تتسبب في تعرض المرأة الى العنف، وتبرز من خلال رغبة الزوج في الاستحواذ على راتب الزوجة، مما ينتج عنه خلافات عميقة تنتهي بلجوء الزوج الى تعنيف زوجته عن طريق الضرب والجرح والتهديد بالقتل في احيان اخرى. ولا تقتصر مظاهر العنف التي تتعرض لها النساء على الضرب والجرح، كما قالت الشنتوف، بل يدخل في اطارها العنف الجنسي او الاغتصاب الذي ياتي في المرتبة الثانية بعد الايذاء الجسدي حيث لوحظ في السنوات الاخيرة ان موضوع الاغتصاب لم يعد مسكوتا عنه، بل ان عددا كبيرا من الامهات يأتين الى الجمعية للتبليغ عن حالات اغتصاب تتعرض لها بناتهن من طرف المحارم او من طرف اشخاص غرباء او كانت تربطهن بهم علاقة عاطفية.
ونفت الشنتوف مطلقا الاتهام الموجه الى الجمعيات النسائية بكونها تحرض الزوجات على التمرد وتساهم في تفكيك الاسرة، كما نفت اي تدخل للمنظمات الاجنبية الممولة لبعض الجمعيات النسائية المغربية في فرض فكر معين يساعد على التمرد على القيم المحافظة، وقالت:«من خلال تجربتي ومن خلال التنسيق الموجود بيننا وبين مختلف المراكز الموجودة في المغرب واوروبا واميركا وعلى المستوى المهني، لا اعرف جمعيات تحرض على التفكك العائلي، هذه اتهامات يروجها فكر رجولي يرفض التخلص من امتيازاته»، واضافت: «اننا نستفيد كثيرا من تعاملنا مع جمعيات حقوقية دولية متخصصة في المواثيق الدولية لانها تمنح لنا فرصة للتكوين، وجمعيات اخرى يقتصر تدخلها على مجال التنظيم فقط، اي ارشاد بعض الجمعيات الصغيرة الى كيفية تهييء المشاريع او طريقة التسيير المالي للجمعية»، واضافت :«غير صحيح اننا لا نستمع الى رأي الازواج او الطرف الاخر في القضية بل في كثير من الحالات استدعينا الزوج للحضور الى مقر الجمعية لبحث امكانية الصلح، وقد وُفقنا في حالات، وفي حالات اخرى لم نوفق. وقالت:« اننا لا نتسرع بتقديم الشكاية ضد الزوج الا بعد ان نتوفر على اثباتات وشواهد طبية تؤكد تعرض المراة الى نوع من انواع العنف. وبعد تقديم الاستشارة القانونية نترك للمراة الحرية ان ارادت رفع دعوى قضائية ضد زوجها ام لا، واذا اقدمت المعنية بالامر على رفع الدعوى فالجمعية تقوم بدور المؤازرة القانونية داخل المحكمة».
من جهتها قالت فاطمة واياو، وهي تعمل منسقة بين الجمعية وبين المجموعة القانونية الدولية لحقوق الناس، لـ«الشرق الاوسط» ان غياب الرجل عن الجمعية يعود الى عدم وجود قناعة لدى اغلب الرجال للاستجابة لدعوة الجمعية لهم بالحضور، بينما المرأة مستعدة دائما للصلح لانها الطرف الاضعف. وقالت ان الجمعية تستقبل يوميا من ست الى ثماني حالات لنساء يتعرضن الى العنف منذ سنوات طويلة وقررن اللجوء الي الجمعية وكسر جدار الصمت، وهذا دليل على ان الجمعيات النسائية نجحت الى حد كبير، برأيها، في كسب ثقة النساء من خلال اللقاءات المباشرة بين أعضائها وبين النساء من الفئات الاجتماعية الفقيرة في الاحياء الهامشية، واكدت ان اغلب الحالات تتعلق بالعنف الزوجي بسبب الضغوط المادية اوالخيانة الزوجية ثم حالات الاعتداء الجنسي .
ومن نماذج هذه الحالات سيدة في الاربعينات من عمرها تعمل في سلك التعليم ، جاءت الى الجمعية وهي في حالة يرثى لها مكسوة بالدماء ،لا تكاد تميز ملامح وجهها من كثرة الضرب الذي تعرضت له من طرف زوجها من منتصف الليل الى الخامسة صباحا، حيث اعتقل الزوج بعد ذلك والقضية مازالت امام المحكمة، وحالة اخرى لأم لجأت الى الجمعية بعد ان اكتشفت ان بناتها الثلاث يتعرضن للاغتصاب من طرف الاب(طليقها) حيث اعتقل هذا الاخير ايضا. حالة اخرى التقتها«الشرق الاوسط» وهي سيدة متزوجة من رجل امن تتعرض للعنف يوميا من طرف زوجها منذ 26 عاما عمر هذا الزواج الذي اثمر اربع ابناء: ثلاث اولاد وبنت. وتقول هذه السيدة ان زوجها لا يتعاطى المخدرات وليس لديه اي مشاكل مادية، لكنها لا تفهم لماذا يعاملها بتلك القسوة هي وابناؤها «حيث يتحول الى وحش بمجرد عودته الى البيت، انه زوج متسلط لا يخاف الله»، كما قالت، كسر انفها ووجه لها ضربة الى الرأس مازالت تعاني من آثارها الى اليوم. وفي السياق ذاته، قالت المحامية هند العدلوني، التي تقدم بدورها الاستشارات القانونية للنساء التي وضعن ملفاتهن امام الجمعية، وتستمع اليهن باهتمام:«اننا لا يمكن ان نجبر الرجال على الحضور الى الجمعية لاننا نتعامل مع فئات اجتماعية فقيرة وغير واعية، وليس امامنا حل اخر سوى الاكتفاء بالاستماع الى المشتكيات وتوجيههن الى الحلول عن طريق القانون» ومن ابرز العراقيل التي تعترض المشتكيات كما قالت، اثبات العنف الجسدي او النفسي، اي السب والشتم الذي يتعرضن له،عن طريق الشهود، بحيث لا احد من الجيران او الاقارب يقبل بتقديم شهادته الا في حالات نادرة، الامر الذي يزيد من تأزم المشكل ومضاعفة تداعياته على نفسية المرأة».
* العنف وسيلة لابتزاز الأزواج
* في سياق البحث عن اجابة حول سؤال: هل جميع النساء اللواتي يتعرضن للعنف هن فعلا ضحايا و«بريئات»؟ قالت الاخصائية النفسية فاطمة اللعبيش لـ«الشرق الاوسط» :« لا يمكننا ان نتجاهل بشكل مطلق تعرض عدد كبير من النساء الى العنف بشتى اشكاله، سواء من طرف الازواج او الاباء او الاخوان او الاقارب، وهي ظاهرة موجودة مند القدم الا ان التغيير الحاصل حاليا هو ان هذا العنف اصبح مكشوفا امام الجميع ومعروفا لوسائل الاعلام، اما من قبل فكانت النساء يعانين في صمت». واضافت اللعبيش انه من خلال عملها الجمعوي، حيث تعمل معالجة نفسية في احدى الجمعيات النسائية في مدينة طنجة، وهي جمعية «دار المرأة فضاء المواطنة»، تستقبل مرتين في الاسبوع حالات نساء يتعرض للعنف، حيث تبين لها ان المراة في كثير من الاحيان تستغل العنف الممارس عليها من طرف الزوج للحصول على الطلاق او للوصول الى اغراض شخصية مثل السماح لها بالسفر او الحصول على المال، واكدت ان الرجل يتعرض بدوره الى العنف النفسي عن طريق الاستفزاز والعنف الجسدي احيانا من طرف المراة، الا انه لا يشتكي لان تقاليد المجتمع لا تسمح له بذلك، بينما المرأة يحق لها ان تشتكي ليل نهار ،وتجد الجميع يسمعها ويتعاطف معها بينما الرجل يتهم بالسادية والخيانة. واشارت الى نقطة اخرى وهي ان بعض النساء وبعد رفع «الطابوهات» عن موضوع التحرش الجنسي بدأن يستغلن هذا الموضوع ايضا لابتزاز الازواج ، واعطت مثالا على ذلك بأم كانت تجبر ابنتها على الاعتراف امام المحكمة بأن زوج الام يتحرش بها جنسيا قصد حصولها على الطلاق ، وقد اكتشفت اللعبيش هذا الامر بعد عدة جلسات مع الفتاة التي اعترفت في النهاية ان الام هي التي كانت ترغمها على الادعاء بانها تتعرض للتحرش الجنسي من طرف زوج الام. ولا تجد اللعبيش تبريرا لصبر النساء على العنف لسنوات طويلة سوى ان هذا العنف يتحول لديهن الى تعود سلوكي يستمتعن به وتغذيه مجموعة من الاعراف الثقافية السائدة في المجتمع المغربي والعربي عموما، والتي تهيئ المرأة مند الطفولة الى الخضوع التام للرجل وصبرها على كل ما يصدر عنه اتجاهها، واعطت مثالا على ذلك بامراة كانت تتعرض للضرب من طرف الزوج لمدة 15 عاما ولم تتقدم باي شكاية الا بعد ان تحول الضرب الى تهديد جدي بالقتل، واثناء الاستماع اليها قالت انها كانت تعتقد ان تعرضها الى الضرب هو تعبير عن الحب وان زوجها يغير عليها! من جهة اخرى اكدت اللعبيش انها لا تتفق مع بعض الجمعيات النسائية التي تتعامل مع المرأة بشكل منفرد، وقالت ان جمعية «دارالمرأة» تبنت تجربة رائدة هي الاولى من نوعها في المغرب وهي الاستماع الى ثلاثة اطراف: الزوجة والزوج والابناء ، للبحث عن حل المشكلة في اطارها الشمولي، وهو اسلوب عمل اعطى نتائج جيدة، لان لا احد يقول الحقيقة كاملة والكل يحاول ان يحسن صورته امام الاخرين، لذا من الضروري الاستماع الى جميع الاطراف.
*****
و في المغرب أيضا
مراكز لنجدة النساء
عن : الشرق الأوسط
مراكز النجدة .. هو الاسم الذي أطلقه الاتحاد النسائي المغربي على مراكز مساعدة النساء اللاتي يتعرضن للضرب أو السب أو الطرد أو أي شكل من أشكال العنف سواء داخل محيط الأسرة أو داخل العمل أو في المجتمع بشكل عام.
وتوضح لطيفة إجبابدي رئيسة الاتحاد النسائي المغربي ـ أثناء مشاركتها بمؤتمر رابطة المرأة العربية الذي عقد مؤخراً بالقاهرة ـ أن الاتحاد بدأ عمله عام 1983 لمساعدة النساء ومحو أميتهم وتدريبهن على بعض المهن، إلى جانب التوعية بحقوق الزوجات والأطفال، حتى وجدنا أن هناك الكثير من النساء يتعرضن لأشكال متعددة من العنف مثل الضرب أو الاهانة أو التحرش أو الطرد من المنزل أو الاستغلال في العمل وما إلى ذلك، وهؤلاء يحتجن إلى نوعين من المساعدة، مساعدة قانونية، ومساعدة نفسية اجتماعية، فبدأنا في انشاء مراكز خاصة لمساعدتهن أسميناها مراكز النجدة، في كل فروع الاتحاد بالمدن المغربية، تقدم المساعدة القانونية المجانية للسيدات اللاتي لهن قضايا منظورة بالمحكمة حتى وصلنا إلى ما يزيد عن 13 ألف دعوى قضايا ساعدنا فيها سيدات للحصول على حقوقهن، هذا بالاضافة الى الطبيبات النفسانيات اللاتي يقدمن المساعدة النفسية للنساء اللاتي يتعرضن للضرب أو الاهانة أو الاغتصاب أو غيرها، ويلجأن إلينا وهن في حالة نفسية سيئة، ويحتجن إلى من يساعدهن لاستعادة توازنهن النفسي ليستطعن مواصلة حياتهن ومواجهة ما يتعرضن إليه من عنف بشكل أفضل.
وعن الحالات التي تحتاج لمكان يأويها بشكل مؤقت كاللاتي يتعرضن للطرد من بيت الزوجية مع أطفالهن، تؤكد رئيسة الاتحاد النسائي: أن الحالات التي كانت تحتاج لمكان للاقامة المؤقتة لم نكن نجد لهن مكاناً ليقمن فيه بدلاً من الشارع بعد أن يرفضهن الأهل، اما لأن هذه الزوجة قد تزوجت دون رضا أهلها فلا يقبلونها بعد أن يطردها الزوج، أو أنهم يطلبون منها أن تلقي بأطفالها إلى زوجها وتعود بمفردها فقط، فتأبى إلا أن تبقى مع أطفالها وان كان ذلك في الشارع فبدأنا في التفكير بانشاء دار خاصة لايواء هذه الحالات الخاصة لفترة مؤقتة حددناها بثلاثة أشهر قابلة للتجديد لفترة واحدة أخرى، فخلال هذه الشهور تكون السيدة قد استعادت توازنها النفسي، وأيضاً نمكنها من الحصول على فرصة عمل من خلال تدريبها على احدى المهن، فزودنا الدار ببرنامج تدريبي خاص على بعض الأعمال اليدوية، بحيث تستطيع الوقوف على قدميها بعد ذلك، وأيضاً لأن أغلبهن غير متعلمات يحصلن على برنامج لمحو الأمية أيضاً ليستطعن القراءة والكتابة ويندمجن في المجتمع بشكل أفضل، ويتمكن من استئجار بيت يقمن فيه مع أطفالهن، وفي حالة العودة إلى بيت الزوجية من خلال محاولات الصلح التي نقوم بها من خلال احصائيات اجتماعيات بالدار يكن قد استطعن أن يكسبن مورداً للرزق يساعد أسرهن على أن تعيش حياة أفضل فالكثير من المشكلات قد تعود بالأساس إلى الفقر والحاجة، وأيضاً عندما تكسب المرأة مورداً للرزق يشعرها هذا بالاستقرار النفسي، ويشعر زوجها بمكانتها فلا تتعرض لنفس العنف الذي كانت تتعرض له قبل أن تعرف القراءة والكتابة وتكتسب مهنة ومورداً للرزق.
أما الموظفات المتعلمات فلا يلجأن عادة لدار الايواء ويكتفين باللجوء إلى مراكز النجدة فقط لأن لديهن مورد رزق يمكنهن من حل مشكلاتهن بطريقة أخرى، وعادة ما يكون العنف الذي تتعرض له المتعلمة غير الذي تتعرض له الفقيرة التي لا تعمل، ولكل حالة احتياجاتها من المساندة النفسية والاجتماعية.