أسطورة الحجاب
و حكم المنطق فيها
في ظل الواقع المعاصر للمسلمين
د. محمد صالح حسن
أستاذ سابق بجامعة الخرطوم
أستاذ حالي بجامعة كاليفورنيا – سكرمنتو
في الآونة الأخيرة ثار اللغط و كثر حول ما يسمى بحجاب المرأة المسلمة ، و في الشهور الأخيرة ثارت ثائرة كثير من الجماعات الإسلامية ، المعتدلة منها و المتطرفة حول توصيات الرئيس الفرنسي جاك شيراك بشأن الرموز الدينية في مدارس الدولة و التي أقرها البرلمان الفرنسي بأغلبية ساحقة ، ثم انبرت للاعتراض عليها جماعات إسلامية نزعم تمثيلها للمسلمين في أوربا و أمريكا ، و علت أصواتهم بالاحتجاج معتبرين أن إجراءات الفرنسيين تهجم على حقوق المسلمين و أن منع ما يسمى بالحجاب في المدارس و المؤسسات الحكومية إنما محاولة للنيل من الإسلام و منع أداء ( فريضة شرعية ) على نساء المسلمين ؛أما أسباب شمولية الإحتجاج برأيي فهي :
أولا : أن ما حدث في فرنسا يأتي في نفس الوقت الذي يتعرض فيه المسلمون و العرب إلى هجمة شرسة تقودها الولايات المتحدة الأمريكيةو حيث تدعم أيضا الجرائم الإسرائيلية في فلسطين و تؤيدها ماديا و معنويا .
ثانيا : ما يسمعه المسلمون من غلاة اليمين المسيحي و خاصة المعتلين منهم لأرفع المناصب ، من تهجم على الإسلام و وصفه بالدين الإرهابي ، و الإساءة إلى المسلمين أينما أتيح لهم ذلك ؛ ثم الإدعاء بأنهم إنما يهدفون إلى الإصلاح السياسي و نشر الدمقراطية ، بينما يشعر المسلمون أن كل هذا ليس سوى كذب و نفاق .
ثالثا : إن العاطفة الدينية لدى المسلمين تجعلهم أقرب إلى قبول دعاوى البعض بأن ( حجاب المسلمة ) فرض عين و أنه مستند إلى بعض النصوص القرآنية و الأحاديث النبوية .
هذا و سأتناول بالبحث ثلاث مسائل محاولا من خلالها الوصول إلى فهم واضح لموضوع ما يسمى بالحجاب و حقيقة الشرع منه :
المسألة الأولى : النصوص القرآنية
الآيات القرآنية التي يستند إليها الداعون إلى الحجاب قليلة ، و قد وردت كلمة ( حجاب ) في الآية التالية : " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي......................فإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب – سورة الأحزاب - 53 "
الآية واضحة و استخدام كلمة الحجاب هي في مفهومها لدى العرب أيام نزول القرآن الكريم و لا علاقة لها بمفهومها في لغة عرب اليوم ، فمعناها في الآية : الحاجز أو الستار الذي يحجب النظر ، تماما كما تعني الحاجب الذي يمنعك من مقابلة مسؤول إلا بإذن منه ؛ كما أن الآية تخص نساء النبي و ليس سواهن !
و هناك آية ثانية يستند إليها دعاة ( الحجاب ) : " و قل للمؤمنات ................و ليضربن بخمرهن على جيوبهن – سورة النور 24إلى 31 . " و يؤكد الدكتور محمد سعيد عشماوي ، أن نساء عصر النبي كن يسدلن بالأخمرة خلف ظهورهن فينكشف النحر و الصدر للزينة ، و قد نزلت الآية لتعديل و تغيير هذه العادة السيئة . و نلاحظ أن الآية الكريمة لم تتحدث حتى عن تغطية الرأس ! و خلاصة معنى الآية كلها هو دعوة المؤمنات إلى الإحتشام .
المسألة الثانية، الأحاديث الشريفة:
هناك حديثان قدسيان في هذها المقام يستند إليهما دعاة الحجاب ، الأول مروي على لسان عائشة زوجة الرسول " لا يحل لأمرة تؤمن بالله و اليوم الآخر إذا حركت ( إي إذا بلغت ) أن تظهر إلا وجهها و يديها إلى ههنا ( و قبضت على نصف الذراع ) "
و الحديث الثاني عن أبي داود عن عائشة : " أن اسماء بنت أبي بكر دخلت على الرسول فقال لها : -يا اسماء ، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى فيها إلا هذا ، و أشار إلى وجهه و كفيه "
هذان الحديثان لم يردا في الصحيحين فليسا كالأحاديث التي صح عليها الإقطاع و الإجماع .
و يجمع الفقهاء أنه يمكن الاسترشاد بمثلها بقدر ما فيها من حكمة و صلاح ، و لكن لا يمكن اعتبارها أحكاما شرعية .
المسألة الثالثة ، التبصر في الشرع مع النظر إلى الواقع المعاصر :
مصطلح ( الحجاب ) هو زيّ ، عبارة عن خمار يغطي الرأس و الصدر ، و ثيابا تغطي الأذرع حتى الكفين و تمتد حتى قرب القدمين ، و يقولون أن الزي هو ( الحجاب ) الإسلامي ؛ و الحقيقة أن أن هذا الزي لم يكن مألوفا في البلاد العربية و الإسلامية بشكل عام حتى سبعينيات القرن الماضي ( أي بعد هزيمة 67 ) ، و إنما كان الزي يماثل زي النساء التركيات أيام الخلافة العثمانية .
و في معظم البلاد العربية لم يكن هذا الحجاب قبل تفشي ظاهرة الأصوليين من إخوان مسلمين و غيرهم مع تنامي الحركات الإسلامية السياسية .
دعاة ( الحجاب) يقولون أن الآيات الثلاث الواردة في صدر هذا المقال إضافة إلى الحديثين الشريفين تدعم فريضة ( الحجاب )
و من يفكر مليا في الأمر يلاحظ أن هؤلاء الدعاة يريدون تفسيرها بما يريدونه ، فمع أن الآية الأولى تشير إلى نساء النبي فإنهم يعممون المسألة لتشمل المؤمنات كافة فما ينطبق على نساء النبي ينطبق على الأخريات .
لقد تمكن دعاة ( الحجاب ) من استغلال جهل الكثيرين من المسلمين و استثمار عاطفتهم الدينية لغرض سياسي تنتهجه جماعات الإسلام السياسي .
دعاة ( الحجاب) يقولون أن الآيات الثلاث الواردة في صدر هذا المقال إضافة إلى الحديثين الشريفين تدعم فريضة ( الحجاب ) و لكن من يفكر مليا في الأمر يلاحظ أن هؤلاء الدعاة يريدون تفسيرها بما يريدونه ، فمع أن الآية الأولى تشير إلى نساء النبي فإنهم يعممون المسألة لتشمل المؤمنات كافة فما ينطبق على نساء النبي ينطبق على الأخريات !.
لقد تمكن دعاة ( الحجاب ) من استغلال جهل الكثيرين من المسلمين و استثمار عاطفتهم الدينية لغرض سياسي تنتهجه جماعات الإسلام السياسي .
بقي ان أقول في ختام مقالي ، أن على المسلمين ، خصوصا الذين يعيشون في الغرب مثلي ؛ أن يتبعوا التالي :
1 – الإنخراط قدر الإمكان في النشاط السياسي الشرعي و العمل على إسقاط الإدارات المعادية كإدارة بوش ، مع الإستخدام الذكي لوسائل الإعلام .
2 – أن على الآباء و الأمهات أن يتقرّبوا من أولادهم و يغرسوا فيهم العفة و الحشمة و مكارم الأخلاق و السلوك الحسن ، و أن يتحاشوا استخدام الفظاظة و القمع و الإكراه ، و أن يكونوا قدوة لأبنائهم .
3 – إن الأطفال أذكى مما يظن البالغين البلهاء ، و يستطيعون إدراك التناقض بين السلوك و القول .
إن التربية القويمة هي أقوى درع و ضمان للفضيلة ، ليس فقط للنساء و لكن للرجال أيضا ، و أن التركيز على هذه الأمور التربوية أفضل من التركيز على مسألة الحجاب .
و حكم المنطق فيها
في ظل الواقع المعاصر للمسلمين
د. محمد صالح حسن
أستاذ سابق بجامعة الخرطوم
أستاذ حالي بجامعة كاليفورنيا – سكرمنتو
في الآونة الأخيرة ثار اللغط و كثر حول ما يسمى بحجاب المرأة المسلمة ، و في الشهور الأخيرة ثارت ثائرة كثير من الجماعات الإسلامية ، المعتدلة منها و المتطرفة حول توصيات الرئيس الفرنسي جاك شيراك بشأن الرموز الدينية في مدارس الدولة و التي أقرها البرلمان الفرنسي بأغلبية ساحقة ، ثم انبرت للاعتراض عليها جماعات إسلامية نزعم تمثيلها للمسلمين في أوربا و أمريكا ، و علت أصواتهم بالاحتجاج معتبرين أن إجراءات الفرنسيين تهجم على حقوق المسلمين و أن منع ما يسمى بالحجاب في المدارس و المؤسسات الحكومية إنما محاولة للنيل من الإسلام و منع أداء ( فريضة شرعية ) على نساء المسلمين ؛أما أسباب شمولية الإحتجاج برأيي فهي :
أولا : أن ما حدث في فرنسا يأتي في نفس الوقت الذي يتعرض فيه المسلمون و العرب إلى هجمة شرسة تقودها الولايات المتحدة الأمريكيةو حيث تدعم أيضا الجرائم الإسرائيلية في فلسطين و تؤيدها ماديا و معنويا .
ثانيا : ما يسمعه المسلمون من غلاة اليمين المسيحي و خاصة المعتلين منهم لأرفع المناصب ، من تهجم على الإسلام و وصفه بالدين الإرهابي ، و الإساءة إلى المسلمين أينما أتيح لهم ذلك ؛ ثم الإدعاء بأنهم إنما يهدفون إلى الإصلاح السياسي و نشر الدمقراطية ، بينما يشعر المسلمون أن كل هذا ليس سوى كذب و نفاق .
ثالثا : إن العاطفة الدينية لدى المسلمين تجعلهم أقرب إلى قبول دعاوى البعض بأن ( حجاب المسلمة ) فرض عين و أنه مستند إلى بعض النصوص القرآنية و الأحاديث النبوية .
هذا و سأتناول بالبحث ثلاث مسائل محاولا من خلالها الوصول إلى فهم واضح لموضوع ما يسمى بالحجاب و حقيقة الشرع منه :
المسألة الأولى : النصوص القرآنية
الآيات القرآنية التي يستند إليها الداعون إلى الحجاب قليلة ، و قد وردت كلمة ( حجاب ) في الآية التالية : " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي......................فإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب – سورة الأحزاب - 53 "
الآية واضحة و استخدام كلمة الحجاب هي في مفهومها لدى العرب أيام نزول القرآن الكريم و لا علاقة لها بمفهومها في لغة عرب اليوم ، فمعناها في الآية : الحاجز أو الستار الذي يحجب النظر ، تماما كما تعني الحاجب الذي يمنعك من مقابلة مسؤول إلا بإذن منه ؛ كما أن الآية تخص نساء النبي و ليس سواهن !
و هناك آية ثانية يستند إليها دعاة ( الحجاب ) : " و قل للمؤمنات ................و ليضربن بخمرهن على جيوبهن – سورة النور 24إلى 31 . " و يؤكد الدكتور محمد سعيد عشماوي ، أن نساء عصر النبي كن يسدلن بالأخمرة خلف ظهورهن فينكشف النحر و الصدر للزينة ، و قد نزلت الآية لتعديل و تغيير هذه العادة السيئة . و نلاحظ أن الآية الكريمة لم تتحدث حتى عن تغطية الرأس ! و خلاصة معنى الآية كلها هو دعوة المؤمنات إلى الإحتشام .
المسألة الثانية، الأحاديث الشريفة:
هناك حديثان قدسيان في هذها المقام يستند إليهما دعاة الحجاب ، الأول مروي على لسان عائشة زوجة الرسول " لا يحل لأمرة تؤمن بالله و اليوم الآخر إذا حركت ( إي إذا بلغت ) أن تظهر إلا وجهها و يديها إلى ههنا ( و قبضت على نصف الذراع ) "
و الحديث الثاني عن أبي داود عن عائشة : " أن اسماء بنت أبي بكر دخلت على الرسول فقال لها : -يا اسماء ، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى فيها إلا هذا ، و أشار إلى وجهه و كفيه "
هذان الحديثان لم يردا في الصحيحين فليسا كالأحاديث التي صح عليها الإقطاع و الإجماع .
و يجمع الفقهاء أنه يمكن الاسترشاد بمثلها بقدر ما فيها من حكمة و صلاح ، و لكن لا يمكن اعتبارها أحكاما شرعية .
المسألة الثالثة ، التبصر في الشرع مع النظر إلى الواقع المعاصر :
مصطلح ( الحجاب ) هو زيّ ، عبارة عن خمار يغطي الرأس و الصدر ، و ثيابا تغطي الأذرع حتى الكفين و تمتد حتى قرب القدمين ، و يقولون أن الزي هو ( الحجاب ) الإسلامي ؛ و الحقيقة أن أن هذا الزي لم يكن مألوفا في البلاد العربية و الإسلامية بشكل عام حتى سبعينيات القرن الماضي ( أي بعد هزيمة 67 ) ، و إنما كان الزي يماثل زي النساء التركيات أيام الخلافة العثمانية .
و في معظم البلاد العربية لم يكن هذا الحجاب قبل تفشي ظاهرة الأصوليين من إخوان مسلمين و غيرهم مع تنامي الحركات الإسلامية السياسية .
دعاة ( الحجاب) يقولون أن الآيات الثلاث الواردة في صدر هذا المقال إضافة إلى الحديثين الشريفين تدعم فريضة ( الحجاب )
و من يفكر مليا في الأمر يلاحظ أن هؤلاء الدعاة يريدون تفسيرها بما يريدونه ، فمع أن الآية الأولى تشير إلى نساء النبي فإنهم يعممون المسألة لتشمل المؤمنات كافة فما ينطبق على نساء النبي ينطبق على الأخريات .
لقد تمكن دعاة ( الحجاب ) من استغلال جهل الكثيرين من المسلمين و استثمار عاطفتهم الدينية لغرض سياسي تنتهجه جماعات الإسلام السياسي .
دعاة ( الحجاب) يقولون أن الآيات الثلاث الواردة في صدر هذا المقال إضافة إلى الحديثين الشريفين تدعم فريضة ( الحجاب ) و لكن من يفكر مليا في الأمر يلاحظ أن هؤلاء الدعاة يريدون تفسيرها بما يريدونه ، فمع أن الآية الأولى تشير إلى نساء النبي فإنهم يعممون المسألة لتشمل المؤمنات كافة فما ينطبق على نساء النبي ينطبق على الأخريات !.
لقد تمكن دعاة ( الحجاب ) من استغلال جهل الكثيرين من المسلمين و استثمار عاطفتهم الدينية لغرض سياسي تنتهجه جماعات الإسلام السياسي .
بقي ان أقول في ختام مقالي ، أن على المسلمين ، خصوصا الذين يعيشون في الغرب مثلي ؛ أن يتبعوا التالي :
1 – الإنخراط قدر الإمكان في النشاط السياسي الشرعي و العمل على إسقاط الإدارات المعادية كإدارة بوش ، مع الإستخدام الذكي لوسائل الإعلام .
2 – أن على الآباء و الأمهات أن يتقرّبوا من أولادهم و يغرسوا فيهم العفة و الحشمة و مكارم الأخلاق و السلوك الحسن ، و أن يتحاشوا استخدام الفظاظة و القمع و الإكراه ، و أن يكونوا قدوة لأبنائهم .
3 – إن الأطفال أذكى مما يظن البالغين البلهاء ، و يستطيعون إدراك التناقض بين السلوك و القول .
إن التربية القويمة هي أقوى درع و ضمان للفضيلة ، ليس فقط للنساء و لكن للرجال أيضا ، و أن التركيز على هذه الأمور التربوية أفضل من التركيز على مسألة الحجاب .