عبيد القرن الواحد و العشرين
ترجمة : نزار الزين
هذه القصة تدور حول العبيد ، ليس حول أفراد يعيشون كالعبيد ، أو عمال يقومون بأعمال شاقة مقابل أجور زهيدة ، أو بشر عاشوا قبل 200 سنة ، إنها حول ( 27) مليون نسمة من مختلف أنحاء العالم ، يباعون و يشترون ، يتعرضون للإختطاف و الأسر و يستغلون للتكسب ؛ إنها حول عبيد القرن الواحد و العشرين !
في غرفة مظلمة تفتقر إلى التهوية و إلى أبسط الشروط الصحية ، تقع في شمال الهند ، يعيش إثنا عشرة طفلا منحنين فوق موقد غاز حيث يصنعون أساور مقلدة تباع بما يعادل (40 سنتا ) للدزينة ؛ هؤلاء الأطفال بين العاشرة و الثالثة عشر من العمر ، يعملون عشر ساعات يوميا باعهم أهلهم لأصحاب الورش مقابل (35) دولار للطفل الواحد . و بخلاف المخدرات ، فإن جسد المرأة يمكن أن يباع مرارا و تكرارا
ملاك بيوت الدّعارة الإسرائيليّة في تل أبيب . يمكن أن يشتروا الفتيات الصغيرات من مولدافيا أو أوكرانيا بمبلغ (400 دولار ) لكلّ واحدة منهن . مع عشر عاهرات يقمن بخدمة العملاء في ماخور، يمكن لهن تأمين أرباح سنوية لصاحبه تقدر بمليون دولار سنويا على الأقل .
يجد التّجّار الذين يتظاهرون بأنهم وكلاء توظيف ، يجدون الضّحايا في البلدات و القرى الأوربّيّة الشّرقيّة الفقيرة ، فيغروهن بوعود براقة تتيسر لهن في الخارج و لكن عندما تصل النّساء إلى إسرائيل,أو ألمانيا,أو سويسرا .أو اليابان,أ و الولايات المتّحدة الأمريكيّة يتم تسليمهن إلى المشترين الذين في العادة يستخدمون الضرب و التقييد و مختلف أشكال الإرهاب ليرغموهن على الطاعة . و في جنوب الهند ترتهن الديون عائلات بأكملها لأجيال . و يحصل ملاك أفران ( الطوب أو الآجر ) على العمّال بالوسيلة الدنيئة التالية : يقومون بإقراض العائلات الفقيرة مبالغ من المال لإنفاقها على ضرورات الحياة ، و عندما يعجز هؤلاء عن السداد يطالبون أفراد تلك العائلات للعمل في أفرنهم بدون أية ضمانات صحية أو أي نوع من التعويضات ، و تستمر العائلة تعمل لسداد ديونها سنوات .لأن الفوائد الباهظة و التلاعب بالحسابات تبقي الديون على ما هي عليه و يستمر السداد من عرق جبين أفراد العائلة و ربما أولادهم من بعدهم . تقريبًا فإن ثلثي عمّال العالم أسرى ، و( 15إلى 20 ) مليون شخص يمكن إعتبارهم عبيد القروض و خاصة في كل من الهند,و باكستان,و بنغلاديش و نيبال .
كان( ميلوراد ميلاكوفيك Milorad Milakovic ), مسؤولا في مصلحة السكك الحديدية ، ثم تحول إلى تاجر عيبد سيّئ السّمعة في ( البوسنة Bosnia ), و كان يعيش في قصر ( شيروود Sherwood ),حيث يلوح للمسافر بجانب الطّريق الرّئيسيّ المؤدي إلى بلدة (بريجيدور Prijedor ) ؛ و قد أصبح القصر حصنا ، مدخله محروس من قبل حراس مفتولي العضلات , بينما تتجول حول أقفاص الأسرى نمور سيبيرية .
وصلت هناك وحيدًا صباح يوم ربيعي غائم، وحيدا ؛ إذ لم يجرؤ أي دليل محلي أو أي مترجم على مرافقتي ، و قد استقبلني المضيف البالغ من العمر ( 54 ) سنة و دعاني لتناول طعام الغداء معه على مائدة نصبت بجوار بركة السباحة المغطاة بسقف زجاجي .
سيد قلعة ( شيروود Sherwood ) لم يبد عليه- على الإطلاق - أي خجل من مهنته ، و قد تحدث حول إحدى ناشطات حقوق الإنسان التي رفعت عنه تقريرا ، على أنه واحد من تجار النساء اللواتي يزود بهن ماخوره في
( بريجيدور Prijedor ) ثم تساءل : هل بيع و شراء النساء جريمة ؟ إنهم يبيعون و يشترون لاعبي كرة القدم ، أليس كذلك ؟ ، ثم هدد بأنه سيقتل تلك المتطفلة . ثم مالبث أن بدأ يغنى بصوت ناعم ربما ليؤكد أنه لا يرتكب إثما و بدأت بيننا المناقشة حول سيل الفتيات المتدفق ، الهاربات من جحيم أوربا الشرقية التي كانت تابعة للإتحاد السوفييتي .
قال( ميلاكوفيك Milakovic ) أيضا ، أنه كان يتحرق شوقا كي يطور مهنة الدعارة في البوسنه إلى عمل
مشروع يمكن التحكم به لأنه طالما ظل محاطا بالسرية فسيستمر استدراج الفتيات و خطفهن من مناطق الحدود
( فكتوريا ) و هي فتاة في الثامنة عشر ، قام أفراد عصابة صربية بإستخراج جواز سفر لها ، ثم قادوها على الأقدام ، ربطوها و هددوها بالقتل إن قاومت ، ثم أرسلوها تحت الحراسة إلى البوسنه حيث كانت تلك الجمهورية الفتية تحاول إعادة بناء ما دمرته الحرب تحت إشراف دولي .
إنها الآن جارية عند أحد أصحاب المواخير فقد ، بيعت و إشتريت عشر مرات بثمن يعادل ( 1500 دولار ) و عندما حملت و بلغ عمر الجنين أربعة أشهر تمكنت من الفرار ، و قد وجدتها متخفية في مدينة موستار إحدى مدن البوسنه تحميها مجموعة من نساء البوسنه .
و أخذت من ثم تعدد لي أسماء المواخير أو البارات التي تنقلت بينها في بلدان مختلفة حيث كان عليها أن ترقص
نصف عارية ، متظاهرة بالسعادة، مع ممارسة الجنس مع أي زبون يريدها مقابل بضعة علب من اللفائف ( السغاير ) !
جميع تلك المواخير كانت في غاية القذارة أما أسوؤها فكانت في بلدة ( بانغا لوكا Luka Banja )
حيث كان جميع الزبائن من رجال الشرطة !.
كانت فيكتوريا من عبيد القروض . تذهب أجورها عن خدماتها في مجال الدعارة مباشرة إلى جيوب مالكها ، لتغطية ديونها ؛ و أما ديونها فهي المبلغ الذي دفع لمالكها السابق ثمنا لها ( ! ) - . و هكذا سقطت في مصيدة لا يمكن الخروج منها ، و على الرغم من أن العبودية محاربة في بعض البلدان إلا أن عبودية القروض شائعة حتى اليوم في كل مكان .
برأي ( ميلوراد ميلاكوفيك Milorad Milakovic ) كنموذج لهذا النظام ، أن تكاليف إستقدام فتاة إلى هنا باهظة ، فهناك تذكرة الطائرة ثم الفنادق بطول الطريق و الطعام ، و لا بد للفتاة أن تعمل لسداد هذه المبالغ .
في شهر نوفمبر عام ألفين ، اقتحمت قوة شرطة تابعة للأمم المتحدة أحد مواخير ( ميلاكوفيك ) حيث ضبطت 34 فتاة
روت كل منهن قصتها التي ماثلت أغلبها قصة فكتوريا : قالت إحداهن :" كان علينا أن نرقص و أن نشرب الكثير من الكحول و أن نستقبل أي راغب في غرفنا " و قالت أخرى : " إنهم يطعموننا وجبة واحدة في اليوم و لا يسمح لنا بالنوم أكثر من ست ساعات ، و إذا حاولنا الإحتجاج ضربنا الحراس "
في أعقاب قيام حلف الناتو بإنهاء الحرب العرقية اليوغوسلافية أنفق ميلاكوفيك لكثير من المال لشّراء الفتيات ، مع حاجته لشراء المزيد لتعويض النقص الحاصل نتيجة علاقته المريحة مع قوات حفظ السلام لأن جنودها من أفضل زبائنه .
لكنّ لم يكن له أصدقاء مؤثّرون لحمايته, عندما هاجمت الشّرطة المحلّيّة أخيرًا قلعة شيروود في مايو من هذه السّنة حيث قبضت على ميلاكوفيك بتهمتي ترويجه الدعارة و امتلاكه العبيد .
إننا نفكّر في العبوديّة كأمر عفى عليه الزمن , و نتصور عبيد القرن التاسع عشر السود مقيدين بالسلاسل و منبطحين على الأرض . يقول ( مايك دولتريج Mike DotLridge ) الرئيس السابق لمنظمة مساندة العمال العالمبة ( CIW ) المؤسسة عام 1839 : " أن عبودية تلك الأيام كانت تهدف إلى الانتعاش الإقتصادي باستخدام عضلات العبيد " , و أن مواصلة الحملة ضد العبودية ألغتها بالفعل في .الإمبراطوريّة البريطانية . و أضاف خبير العبودية ( كيفن باليز Kevin Bales ) أن متوسط ثمن العبد العادي كان عام (1850), , يعادل حوالي (40.000$ ) من قيمة عملة يومنا هذا .
زرت( دولتريدج ) في مقرّ المنظّمة في مبنى صغير في ستوكويل / لندن..الذي قال لي : " لقد عادت العبودية بأسلوب جديد ، كانوا يخطفون من بيوتهم و ينقلونهم إلى حيث يباعون , لكن هذه الأيام يغرون الفقراء بالقروض كي يحسنوا أوضاعهم المعاشية ثم يدفعونهم للعمل ( أي عمل ) من أجل سداد قروضهم ، و هناك الكثير من هؤلاء العبيد الجدد في العالم كله ، دفعهم الفقر و اليأس إلى الرضوخ . "
المكاتب مزدانة بصور عن العبوديّة الحديثة – عمال مرغمون على العمل ّ في غرب أفريقيا, أطفال باكستانيين في الخامسة و السادسة من أعمارهم أرسلوا إلى دول الخليجّ للخدمة كفرسان في مباريات سباق الجمال ، أطفال يضطرونهم لممارسة الدعارة في تايلند ؛ التقارير حولهم أو حولهن تنتفخ بها الأدراج ، عصابات العبودية في البرازيل تقطع بهم أو بهن مسافات شاسعة من غابات الأمازون الماطرة ليعملوا في صناعة الصّلب , عمّال المزارع في الهند قيّدهم ملاك الأرض بالقروض التي ربما ورثوها عن آبائهم و ربما سيورثونها لأبنائهم . شّراء و بيع الناس تجارة مربحة لأنّ العولمة سهلت حركة البضائع و الأموال و لكنها لم تسهل حركة الناس ، مما جعل تهريبهم عبر حدود الدول رائجا ، و مما شجع أيضا على إستغلال هؤلاء و استعبادهم بشكل أو بآخر .
إن أكثر هؤلاء الذين لا يمكنهم أن يهاجروا قانونيًّا أوأن يدفعوا أتعاب تهريبهم عبر الحدود مقدما ؛ ينتهون إلى الوقوع تحت سيطرة مافيا الإتجار بالبشر . تهريب الأجانب عبر الحدود أي جلب المهاجرين غير الشّرعيّين ينتهون كأسرى أو يباعون من قبل النخاسين الجدد ، كلهم يعملون بنفس الأسلوب .
يقول موظف سابق في إدارة الهجرة و التطبيع الأمريكية : " الإختلاف الوحيد هو ما الذي سيحصل لهؤلاء الناس في الطرف الآخر " . إن أجور نقل هؤلاء قد ارتفعت مع إزدياد المراقبة على الحدود ، و ليس من المرجح تمكن هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين من سداد ديونهم لمهربيهم الذين سيرغمونهم على العمل كعبيد .
إنّه لأمر خطر على الدّخلاء أن يكونوا قريبين جدا من مافيا تجارة البشر ليتعرفوا على كيفية عملها ( و هو الأمر الذي خطر لي في قلعة شيروود ) ؛ لكنّ في أثينا وجدتَُ الرّجل الذي قام بدّراسة تجارة العبيد ، و الذي نذر تخصصه و حياته لتأليف رواية حول ذلك .
في عام 1990 قام الأستاذ ( جريجوريس لازوس Grigoris Lazos ) و هو أستاذ علم الإجتماع في جامعة ( بانتييون Panteion ),بإجراء بحث واضح عن الدّعارة في اليونان ., و قد أصرّ على الذّهاب مباشرة إلى المصدر,أي إلى العاهرات أنفسهن . و من خلالهن أجرى إتصالاته مع الأشخاص الذين قد أسروهن . و استمر أكثر من عقد من الزمن - و في مواجهة استنكار شديد من زملائه – إلى أن تمكن من أن يتعرف عن كثب على عمليّات الاتّجار بالفتيات ، و استطاع أن يرسم صورةً حقيقية للعلاقة بين الدعارة و الاستعباد في بلده :ً
" يجب أن يلاحظ المرء الفارق بين عصابة رقيق صغيرة و بين العصابات التي تستخدم شبكات الحاسوب الألكترونية و حسابات البنوك ؛ أي مالك لحانة أو مجموعة حانات في اليونان يمكنه أن يرسل أحدا من طرفه إلى جنوب بلغاريا لشراء الفتيات بكلفة (1000 $ ) للفتاة الواحدة ، و الأفضل أن يبدأ البحث يوم الإثنين حيث تتوفر أسعار أرخص ، لأن تجار النخاسة الكبار يفضلون إجازة نهاية الأسبوع ، يوم الإثنين تكون الحركة أقل حيث يمكنك الحصول على ما تبقى منهن "
و أضاف الأستاذ (جريجوريس لازوس Grigoris Lazos ) : " من ناحية أخرى و من خلال < الشبكة الدولية Internet > فإن تاجر الرقيق يمكنه المساومة و الإتفاق على الأسعار مع تجار مثله من مختلف أنحاء العالم ، فبكل بساطة يمكنه أن يطلب فتيات – مثلا – من موسكو و رومانيا و بلغاريا و اليونان ، و هم يعقدون الصفقات دون أن يعلم أحدهم عن الآخر ، بكل بساطة يقول الشاري أريد عددا من النساء من الصنف الأول أو الصنف الثاني أو الصنف الثالث ، حسب حاجته ."
و من خلال حاسوبه قدم الأستاذ (لازوس Lazos ) بيانات مخيفة حول تجارة البشر و أكد أنه . بين عامي ( 1990 و 2000 ) بلغ إجماليّ مكسب اليونان من تجارة الفتيات اللواتي أجبرن على أن يكنّ عاهرات ، ( 55بليون دولار ) في حين أن الأرباح من فتيات عملن في هذا المجال بكامل إرادتهن بلغت (1.5 بليون دولار ) .
مجال عمليّات تّجّار النخاسة اليونانيّين و فعالياتهم فريدة من نوعها – كما أكدت دراسة الأستاذ ( لازوس Lazos ) . ففي ترييستا, المدخل إلى البلقان من شمالي إيطاليا , تعقب المحقّقون من لجنة تعمل ضدّ المافيا المحلّيّة ، تعقّبوا أنشطة ( يوسف لونكاريك Josiph Loncaric ), و هو سائق تاكسي من زغرب, كرواتيا ، إعتقل أخيرًا في عام ( 2000 ) ، هذا الرجل امتلك الخطوط الجوّيّة في ألبانيا و مقدونيا و كان مشتركًا في تحريك الآلاف من النّاس للعمل ليس فقط في المتاجرة بالنساء لكنّ في أيّة مهمّة حقيرة تتطلّب العمالة الرّخيصة في العالم الغني التابع للاتّحاد الأوربّيّ .
زوجته الصّينيّة التي كانت أيضًا شريكة في تجارته, ارتبطت بعلاقة تجارية مع عصابة صينية إجرامية حيث اشتركوا جميعا مع ( لونكاريك ) بتهريب صينيين و أكراد و عراقيين و إيرانيين ، و غيرهم من بلدان مختلفة ، الذين ابتلوا بالفقر فرهنوا أنفسهم لهؤلاء على أمل مستقبل أفضل . و قد وجد كثيرون من هؤلاء الضحايا أنفسهم مجبرين على العمل ( 18 ) ساعة يوميا في المطاعم أو في ورش صناعة الجلود .
عصابات مافيا الإتجار بالبشر و المهربون أدخلوا في العقد الأخير من القرن العشرين إلى أوربا الغربية ( الغنية ) ( 35.000 ) إنسان عبر ترييستا ، و قادوهم في الممرات الجبلية و الغابات متسللين من الحدود السلوفانية . و لكن هذه عينة فقط لما يجري بين عالمين متفاوتين أحدهما فقير و الآخر غني . و على بعد آلاف الأميال وجد الباحث سيلا من المهاجرين يتدفقون كل يوم عبر ( إلنورت El Norte ) في الولايات المتحدة ، حيث سيتحولون إلى عبيد .
بيوت هؤلاء المهاجرين هدمت في الحروب الأهلية بين ( 1980 و 1990 ) إلا أنها لم تبلغ الأضرار التي ألحقها بهم غضب الطبيعة . ألأعصار ( ميتش Mitch ) الذي ضرب هندوراس و نيكاراغوا عام (1998 ) أدى إلى رفع عدد الأطفال المشردين في الشوارع (20 %) . أما السلفادور فقد ضربها زلزال قوته (7.6) عام (2001 ) . و كذلك فإن قطاع عريض من أمريكا الوسطى امتنع عنها المطر خلال السنوات الثلاث الأخيرة ، كما أن أسعار القهوة قد تدهورت محطمة زراعة و تجارة البن مما أدى لتعطل (600,000 ) عامل عن العمل ؛ و في غواتيمالا أكثر من نصف مليون عامل واجهوا الجوع .
يقول علماء اقتصاديّون كثيرون أن اتّفاقيّة التّجارة الحرّة لشّمال أمريكا قد ساهمت في الفيضان البشري المتحرك شمالاً, و يؤكّدون أن الحبوب الرّخيصة المستوردة في المكسيك قادت الملايين من فلاحي مزارع الذرة المكسيكيّين الذين أصبحوا بدون عمل ، قادتهم بفاعليّة إلى الخارج . و يعتقد الباحثون أن كلّ طنّ من الحبوب المستوردة من المكسيك, يقابله مكسيكيان يهاجران إلى الولايات المتّحدة .
في بلدة ( تيكون أومان Tecun Uman ) المنبسطة على ضفاف نهر ( سوشيتا ) يتجمع المهاجرون من أمريكا الوسطى إستعدادا لإختراق المكسيك عبر الجسر الرئيسي فوق النهر المذكور متجهين شمالا ، هؤلاء الذين لديهم أوراق ثبوتية تؤهلهم لدخول المكسيك ثم يدفعون سنتات قليلةً ليُنْقَلُوا على قوارب مصنوعة من إطارات الجرارات الداخليّة .
لا أحد يسأل من أين قدموا ، أكثرهم يأتون إلى بلدة ( تيكونهومان Tecun Uman ) مفلسين تماما حيث يتم استدراجهم من قبل أصحاب الفنادق أو أصحاب البارات أو المهربين الذين يطلق عليهم ( كويوتس coyotes ) و هم يعيشون و يتصرفون بدون أي حس إنساني . و يؤكد أحد العاملين السابقين في هذا المجال أن كل شيء و كل إنسان في هذه البلدة إنما هو للبيع .
بعض من المحظوظين من المهاجرين يجدون ملاذا آمنا مؤقّتًا في ( كازا دل ميغرانت Casa del Migrante ),و هو عبارة عن مجمع تابع للكنيسة مسوّر، يبعد فقط ياردات قليلة عن ضفّة النّهر الموحلة . يقول القسيس ( باريللي Barilli ) و هو قس يسوعي : " يوميًّا, في الصّباح و المساء, كنت ألقي خطابا أحذر فيه المهاجرين من مخاطر الرحلة نحو الشمال و أحثهم على الرجوع من حيث أتوا رغم ظروف فقرهم الشديد . "
كان ( باريللي ) يحذر المهاجرين من رؤساء عمل مكسيكيين ممكن أن يأخذوا منهم أوراقهم الثبوتية ثم يدفعونهم إلى العبودية في المزارع البعيدة ، أو يقودون النساء منهم إلى المواخير في بلدة ( تاباتشولا Tapa-chula ) عبر النهر ، حيث ترغم الفتيات على العمل كعاهرات ، أكثرهم لم يكن يصغي . أجابت ( أدريانا Adriana ) ذات الأربعة عشر ربيعا و هي عاهرة في تاباتشولا ، عندما سئلت ما إذا كانت تفكر بالعودة إلى هندوراس ، أجابت : " أبدا ، فهناك سأموت جوعا "
هناك عدة مافيات تتجر بالبشر كبارهم و أطفالهم ، إنهم يقتلون من يعاندهم ، فخارج مجمع ( أمان Uman ) مباشرة وجد أحدهم مقتولا و قد إخترقته عشرات الرصاصات ؛ هنا لا أحد يستطيع التحرك ليلا .
و يضيف ( باريللي ) : يقدم صاحب البار للفتيات القادمات من الجنوب عملا على أنه في مطعم أو فندق ، و بعد أن تعمل الفتاة لفترة ، تقبض عليها الشرطة بحجة افتقارها للأوراق الثبوتية ، يتقدم صاحب البار من ثم إلى المخفر و يدفع عنها كفالة يعتبرها دينا عليها ، ثم يطلب منها أن تكون عاهرة لتتمكن من سداد دينها الذي لن ينتهي ، و هكذا تصبح الفتاة جارية لديه .
و قد تابع باريللي أيضا حالة في بار يدعى ( لا تافرنا La Taverna ) على الطريق السريع خارج البلدة ، مالكة البار سيدة ، تستعبد ست فتيات ، بعضهن حاملات ، و قد باعت أجنتهن مقدما ، هذا و قبض عليها مؤخرا و أودعت السجن .
مزيد من الإجراءات الأمنية في أعقاب أحداث ( SEP.11 )أدّت إلى جعل الطريق من الجنوب أكثر صعوبة أي أن عبور الحدود بين المكسيك و الولايات المتحدة أصبح شبه مستحيل . و مع المراقبة الشديدة إرتفعت الأسعار لدى عصابات تهريب البشر فقد تراوح السعر بين ( 1000$ و 2000$) للشخص الواحد ؛ و يصبح الناجون من حراس الحدود الذين تمكنوا من التسلل بعد رحلة شاقة يصبحون ممتنين بعمق لمهربيهم و بالتالي في غاية الهشاشة أمام النخاسين .
في بلدة ( إيموكالي Immokalee ) بولاية فلوريدا ، جلست في غرفة مليئة برجال و نساء و على وجوههم سمات المنحدرين من شعب(المايا Maya ) يشبهون أؤلئك الذين رأيناهم في ( تيكون أمان Tecun Uman ) أغلبيتهم كانوا عمالا زراعيين و هم يكدحون حاليا في مزارع ولاية فلوريدا الشاسعة فيقطفون الفواكه و يجمعون الخضار التي يستهلكها الأمريكيون ، و هم مجتمعون الآن ليناقشوا وسائل تحسين أحوالهم و معالجة تدني أجورهم مع لجنة منظمة عمال الزراعة . عندما انتهى النقاش باللغة الإسبانية سريعا ،إلتقط رجل عجوز جيتارًا و بدأ يعزف و يغني عن عامل إسمه خوان مونزو (Juan Munoz ) الذي ترك كامبيتشي في, المكسيك, وراء مغامرة طلبًا للرّزق في الولايات المتّحدة لكنهّ انتهى في بلدة بجوار بحيرة (ليك بلاسيد, فلوريدا Lake Placid, Florida ), حيث يعمل كعبد لرّئيس قاس إحتال عليه فسرق كلّ مخراته .
هذه الأغاني الحزينة حول حياة عمال الزراعة الذين ماتوا بشكل غامض ليست جزءا من ميراث شعوب الجنوب و هي كذلك ليست حول الماضي ؛ خوان مونزو شخص حقيقي في الثانية و الثلاثين ، ترك بلدته ( كامبتش Campeche ) لأنه لم يستطع الحصول على دخل يسد رمق أفراد عائلته .فعبر الحدود إلى ( مارانا Marana ) في ولاية أريزونا ، و هناك وعده أحدهم باصطحابه إلى فلوريدا كعامل لقطف البرتقال بمقابل تكلفة قدرها ( $ 1000 ) ، و لما كان ( مونوز ) لا يملك هذا المبلغ فقد سجل عليه كدين و لكن ما أن وصل هناك حتى تبين له أنه أصبح تحت سيطرة العبودية الإقتصادية المحدثة
الطريق السريع رقم (27 ) يمر عبر مقاطعة ( سيتروس citrus ) في قلب فلوريدا حيث ينتج (80% ) من عصير البرتقال في الولايات المتحدة . قاطفو البرتقال في الحقول الممتدة على طول الطريق كلهم من المهاجرين ؛ كثيرون منهم لا يحملون أوراقا ثبوتية و جميعهم فقراء . دخل واحدهم لا يتجاوز ($7,500 ) في السنة بعد عمل شاق و غير صحي ، و القانون يترك هؤلاء الناس بشكل عام دون أية مساعدة مرتبطين بعمل ذي أجور ضعيفة أشبه ما يكون بالسخرة.
ن ظروف السّخرة في الحقول تقريبًا حتميّة,إذ لدى الشّركات التي تشتري المحاصيل سلطة لإبقاء الأسعار التي يشترون بها الثمار منخفضة , مما يؤدي إلى إنخفاض أجور جامعي الثمار . و تؤدّي هذه الظّروف إلى محاولة العمال البحث عن عمل آخر إلا أن رؤساءهم يمنعونهم من ذلك بسبب ما عليهم من قروض ، و هكذا وجد مونزو نفسه مع (700 ) عامل آخرين أسرى في مخيم وضعوهم فيه تحت حراسة مشددة تملكه عائلة راموس بالقرب من بلدة تسمى بحيرة بلاسيد ( Lake Placid ) ، كلهم تقريبا وقعوا تحت إغراءات المهربين الذين يرغمونهم على الذهاب إلى فلوريدا حيث يبيعونهم هناك لأصحاب بساتين البرتقال .
الأسرى يعيشون في ثمانية مخيمات حول بلدة بحيرة بلاسيد ( Lake Placid ) كل أربعة منهم لهم غرفة واحدة بأسرّة بدون فرشات و تجدهم جميعا مذعورين من رؤسائهم فهم يعلمون أن محاولة للفرار تكلفهم غاليا ، حيث تضرب ركبهم بالمطارق ثم يلقى بهم خارج سيارات تسير بسرعة (60 ) ميل في الساعة .
يقوم المزارعون بدفع أجور هؤلاء العمال كل يوم جمعة ، و لكنهم يقادون جميعا إلى متاجر ( راموس Ramoses ) حيث يرغمون على إعادة شيكاتهم لأنهم مدينون مقابل طعامهم و أجور سكناهم ؛ و ديونهم أعلى دوما من أجورهم بفارق كبير ، أحد هذه المتاجر و يدعى ( ناتالي Natalie's Boutiqu ) لا يبعد سوى مسافة قصيرة عن مقر الشرطة .
في سنة (2001 ) قام فريق من منظمة مساندة العمال العالمبة (CIW ) بتحرير أربعة من العمال الأسرى بمن فيهم ( مونوز ) ، ثم ما لبثت الشرطة الفدرالية أن أغارت على المنطقة بعد أن أعطت أصحاب العمل التحذير الكافي الذين دفعوا العمال إلى الإختباء في بساتين البرتقال ، و قد قبض على راموس و أخيه و إبن عمه بتهمة إستعباد العمال و حيازة أسلحة و في عام (2002 ) حكم على ثلاثتهم بأحكام مجموعها (34 سنة و 9 أشهر) .
عمليات عبودية القرن (21 ) تم تجاهلها من قبل زبائن شركة ( عائلة راموس ) و كذلك فإن الفدراليين أبطؤوا بردود أفعالهم تجاه هذه الظاهرة قبل أن تنبههم منظمة مساندة العمال العالمبة (CIW) ، إلا أن العبيد ظلوا بعيدين عن النظر . إن المخيم الرئيسي حيث كان راموس يعتقل ضحاياه ، كان على حافة البلدة بجوار فندق رامادا ،و في الجهة الأخرى بني مجمع هادئ في مواجهة البحيرة لكبار السن . العبيد في ( بلاسيد ) كانوا دوما مختبئين ، و تقول ( لورا جرمينو Laura Germino )من منظمة مساندة العمال العالمبة (CIW: بينما يلعب المتقاعدون في حقل الغولف فإن مخيم العبيد كان وراءهم ،إنهما عالمان يتكلمان لغنين مختلفتين .
في الحقيقة كانت حالة راموس الحالة الخامسة للعبوديّة الزّراعيّة التي إكتشفت في فلوريدا خلال السّنوات السّتّ الماضية . كلها توضحت بفضل منظمة مساندة العمال العالمبة (CIW تلك المساندة التي ترقّي إلى مقاطعة الوجبات السريعة (جرس تاكو Taco Bell )العملاقة مثلا ، نيابة عن جامعي البندورة (الطّماطم) . حيث تتفاخر الشّركة المذكورة بمجهوداتها لحماية و رعاية الحيوان ؛ و يقول المسؤولون التّجاريّون في الشركة أيضًا أنهم ملتزمون بالخضوع لقوانين العمل, لكنّ المسؤول أشار أيضا إلى أنه منذئذ أصبح من الصعب السيطرة على العمال الذين يهددون باستمرار باللجوء إلى القانون .
لعبوديّة و المستعبدون في الولايات المتّحدة يمتدّان بعيدًا هذه الأيام باتجاه البلدان الزراعية و في كل مكان تقريبًا حيث العمالة الرّخيصة شحيحةً . في عام (1995 ) أكثر من (70 ) عاملة تم إنقاذهن بعد أن عملن لعدة سنوات خلف الأسلاك الشائكة في ضاحية من ضواحي ( لوس أنجلس Los Angeles) تدعى ( إلمنت El Monte ) ، كن يعملن بصناعة الملابس لحساب باعة المفرق ّ الرّئيسيّين ؛ بينما فشل فدراليو الولاية في الحصول على تصريح لإنقاذهن مرارا . و في حزيران/يونيو من عام (2001 ) قام الفدراليون في بلدة ( ياكيما Yak-ima ) في ولاية واشنطن بتوقيف ملاك و تجار شركة صناعة ( البوظة ice-cream ) لإستخدامهم عبيدا مكسيكيين يقومون ببيع هذه السلعة في شوارع المدينة ، إستعبدوهم مقابل ديون ربطوهم بها ، و يقول ( كيفن بيلس Kevin Bales ) من منظمة مساندة العمال العالمبة (CIW أن هناك ( من 100,000 إلى 150,000 ) مستعبد في الولايات المتحدة اليوم . أما إدارة الولاية فإنها تقدر عدد الذين يهربون إلى الولايات المتحدة سنويا بحوالي (20,000 ) شخص و النساء منهم يتحولن إلى مومسات أو عاملات زراعيات ، و القليل منهن يعملن في بيوت العجزة و الأخريات يعانين من الخدمة في بيوت الأغنياء .
إن تمرير ( الكونغرس Congress ) لقانون حماية ضحايا التهريب و العنف ، الذي يحميهم من الإستعباد إذا شكوا ضد مستعبديهم يمكن أن يساعد في تخفيف بعض أحزانهم . و إن نمو المنظمات مثل منظمة مساندة العمال العالمبة (CIW أو إئتلاف مكافحة العبودية و الإتجار بالبشر Coalition to Abolish Slavery and Trafficking ) The ) و هو عبارة عن مجموعة من المهتمين في جنوب كاليفورنيا أنجدوا و دعموا (200 ) من هؤلاء ، و هذا يعني أن الضحايا لم يعودوا لوحدهم ، و يعني كذلك أن الوعي العام حول المسألة يتنامى .
و لكن يبقى أسرى العبودية في بقية العالم بدون نجدة ، فهم مهددون ، خائفون في تنقلاتهم ، منعزلين تماما عن أي مصدر إستشارة أو تأييد ، لأنهم منفصلين عن العالم الخارجي . و تقول ( لورا جرمينو Laura Germino ) يظل أصعب عمل في العالم كله هو الخلاص من هذا النوع من التجارة و ظروفها المريعة . و أشار ( مور ) إلى شركات الأعمال الزراعية التي كانت تشغل العمال بواسطة ( عائلة راموس Ramoses ) و كأنها مستوى آخر من مستويات نظام إستعباد قاطفي الثمار ، نوع من التواطؤ يسمح لهذه الأنشطة أن تحدث .
إحدى هؤلاء المستعبدات سابقا تدعى ( جوليا غابرييل Julia Gabriel ) و هي الآن تعتني بحديقة أحدهم في فلوريدا ، أحد أعضاء منظمة مساندة العمال العالمبة (CIW ) يذكرها جيدا ، يذكر وصولها إلى الولايات المتحدة من غواتيمالا عندما كانت في التاسعة عشر من عمرها حيث عملت في قطف الخيار تحت حراسة مسلحين في جنوب كاليفورنيا ، و حيث كانت تعمل ( من 12 إلى 14 ) ساعة يوميا ، و قد شاهدت بعينيها أحد العمال الأسرى يضرب بعقب مسدس فيغمى عليه .قالت لي : " لقد ظننت أن هذا الأمر طبيعي في الولايات المتحدة " و لكن أحد أصدقائها أخبرها أن ذلك إنتهاك للقانون الأمريكي مما شجعها على الفرار .
لقد ولدت جارية
سمي سلمى ، و قد ولدت كعبده في موريتانيا عام (1956 ) والديّ كانا عبدين و كذلك كان والديهما من نفس العائلة ، ما أن أصبحت في عمر مناسب حتى أرغموني على العمل طول اليوم و كل يوم ، و حتى لو كنت مريضة كان علي أن أعمل .
عندما كنت طفلة جعلوني أخدم زوجة صاحب العمل الأولى و أولادها الخمسة عشر . فيما بعد عندما أصبح لي أولاد لم أكن أستطيع العناية بهم إذا أصابهم مكروه أو تعرضوا لأي خطر ، لأن واجبي فقط العناية بزوجة الرئيس و أولاده قبل كل شيء .
كنت أتعرض للضرب أغلب الأحيان بعصا أو بحزام جلدي ؛ ذات يوم ضربوا أمي و لم أستطع تحمل الموقف فحاولت إيقافهم ، إلا أن رب الأسرة غضب مني غضبا شديدا ، فربط يديّ و كواني بقطعة حديد ساخنة ، ثم صفعني و كان بيده خاتم مما خلف علامة دائمة في وجهي .
لم يسمحوا لي أبدا بالذهاب إلى المدرسة ، أرسلوني فقط إلى كتاب لتعلم بعض مبادئ الدين و الأدعية ، و لكنني على أي حال من الأحوال كنت محظوظة ، لأن الإبن الأكبر لسيّدي ، ذهب إلى المدرسة و تعلم أفكارا مختلفة عن والده ، هذا الشاب أشفق عليّ و علمني سرا اللغة الفرنسية و أن أقرأ و أكتب قليلا . كل واحد من حولنا كان يظن أنه يغتصبني إلا أنه كان يعلمني .
ثمت عبيد آخرون كانوا يخافون من الحرية ، و كانوا من شدة خوفهم لا يعرفون أين يذهبون أو ماذا يفعلون و لكنني كنت أعتقد أن علي أن أتحرر و هذا الإعتقاد ساعدني على الهرب .جربت الهروب قبل عشر سنوات ، و لم أكن أعرف كم أبعد عن دولة السنغال ، و هكذا مشيت يومين متتاليين في إتجاه خاطئ ، وجدوني وأعادوني و بالطبع عاقبوني ، قيدوا معصمي و قدمي ثم ربطوني إلى جزع نخلة و تركوني هناك لمدة أسبوع ؛ و قد جرح رب العائلة رسغي فنزفت لمدة طويلة ، و لا زالت آثار الجراح في جسدي حتى اليوم . أخيرا أخبرني رجل أن السنغال هي على الطرف الآخر من النهر فقررت أن أجرب ثانية ، و حانت الفرصة عندما رضي صاحب زورق صغير أن يحملني إلى هناك ، و هناك أكملت طريقي نحو بيت مأمون لأحد العبيد الموريتاريين السابقين ، و أخذت أخدم في البيوت إلا أنني لم أكن أشعر إطلاقا بالأمان ، كنت دائما خائفة بأن سيدي السابق سيرسل من يعثر عليّ و يعيدني إلى بيته .عندما وصلت إلى الولايات المتحدة عملت عند مصففة شعر ، و عندما قبضت أجرتي للمرة الأولى بكيت فرحا ، لم أر إنسانا قبل ذلك ينقدني أجري ، كان الأمر بالنسبة لي مفاجئا تماما .
الأمر الوحيد الذي كان يعذبني هو أنني تركت أولادي خلفي ، و لكن بعد ثلاث سنوات دفعت الكثير من مدخراتي لأشخاص تمكنوا من تهريبهم إلى السنغال ، حيث عملت على إ دخالهم في المدارس ، كنت أدفع لتعليمهم ، و أذهب كل صباح لشراء بطاقة هاتفية تمكنني من محادثتهم ، أخبروني أنهم يتمنون الموت في الشارع قبل أن تضطرهم الظروف للعودة إلى موريتانيا ، إبنتي الكبرى هي الآن معي هنا في أمريكا ، و أتمنى أن أتمكن من إحضار بقية أولادي . في موريتانيا لم يكن لي الحق أبدا أن أتحدث مع أولادي ، هنا الأمر مختلف تماما . و في موريتانيا لم أكن أتجرأ للذهاب إلى مؤسسة حكومية لأنهم لن يصغوا إلي ، و لا يهم بالنسبة لهم ما ينص عليه القانون لأن أحدا لم يعرّفهم ما هو القانون ، ربما لأنهم يعتقدون أن لا عبودية في بلدهم ، و لكنني سأصيح يوما في وجه رئيس البلاد بأعلى صوتي أن العبودية و الإستعباد مستشريان في موريتانيا ، لأنني الآن حرة تماما كما هو حر .
عندما قدمت إلى أمريكا أول مرة كنت أخشى أن يعيدوني إلى موريتانيا ، إلا أني قابلت محامّ ثم طبيب و قد أنجداني كليهما و كذلك فعل ( كيفن بيلس Kevin Bales ) من منظمة حرروا العبيد . و كان القاضي شريفا عندما وصلت إليه القضية و لكنه طلب مني ما يبرهن على كلامي ثم ما لبث أن أصغى إلي ّ جيدا .
إنني أرغب أن أكون مواطنة في الولايات المتحدة الأمريكية يوما ما ، و أرغب لأولادي أن يكونوا مثلي . هنا أملك حريتي في التعبير بينما في موريتانيا لا يحق لأحد أن يعبر بحرية . أما في السنغال فقد كنت خائفة من التفوه بكلمة ، لأنها مجاورة لموريتانيا و لا يفصلهما إلا النهر ، لذا كان عليّ أن أكون حذرة ؛ كان علي أن أكون بعيدة ، بعيدة جدا ، الآن هنا في أمريكا أستطيع الكلام جهرا !
إقطعوا هذه السلسلة
تقدر مساهمة الإنتاج الحيواني برعاية المستعبدين في الإقتصاد العالمي ( 13 ) بليون دولار .
* المستعبدون في البرازيل يصنعون الفحم الخشبي الذي يزود صناعة الفولاذ
* و في مينامار ( بورما) ، فإن المستعبدين يحصدون قصب السكر و المنتجات الزراعية الأخرى .
* في الصين ، الأطفال المستعبدون يصنعون الأسهم النارية ( و هي صناعة في غاية الخطورة ) ، و في سييرا ليون في أفريقيا يعمل الأطفال في مناجم الألماس .
* و في مصر حيث ينتجون القطن ؛ يرغم مليون طفل على العمل في الحقول و المصانع المرتبطة بهذه السلعة ، هذا ما أكده تقرير حكومي مصري ؛ لأن أجورهم منخفضة .
* في أمريكا الوسطى و الجنوبية فإن (12,000 ) طفل مستعبد يعملون في قطاع الكاكاو و هناك تقارير مماثلة من مختلف أرجاء العالم في مجال زراعة القهوة و الشاي و زراعة التبغ و صناعة السغاير .
باحثة إجتماعية أمريكية تنقذ (10.000 ) طفلة مومس
الباحثة الإجتماعية ( لويس لي Lois Lee ) أمضت أربعا و عشرين عاما في العمل مع أطفال بين (II و 17 ) من العمر إستعبدوا عن طريق قوادين ؛ فتاة صغيرة أمضت طفولتها في ماخور في جنوب كاليفورنيا ،ثم أرغمت عندما كبرت قليلا على العمل كمومس في ولايات أراغون ، واشنطن ، آدياهو ، ثم نيفادا ؛ قبل أن تتمكن من الخلاص . إن الاستغلال الجنسيّ للأطفال الأمريكيّين يتجاوز كل الحدود الإقتصادية و الإجتماعية . و يجب أن يعلم الجميع أن هذه الأمور لا تحدث في العالمين الثالث و الرابع فقط .
إنه من الصعب أن نصدق أن العبودية لا زالت قائمة ؛ و أنه لمن الأصعب أن نتقبل وجود مئات الملايين يواجهون الحياة بأقل قدر من الحرية ، و أكبر قدر من الفقر و الإمكانيات شبه المعدومة ، إنهم في الغالب يجدون أنفسهم يضحون بكرامتهم و بأولادهم بل حتى بأجسادهم ؛ من أجل السوق العالمية ذات الشهية الكبيرة للإستغلال اللاإنساني .
يقول الباحث الاجتماعي موزي غارسيا :" شاهدت طفلا الصندوق الكرتوين البالي و المستعمل كمهد ، و بكوخ من الصفيح المموّج لبيت عائلته " و أضافت : " إن هذا الطفل و هو من مدينة غواتيمالا ، و في مواجهة حياة بائسة كهذه ، يمكن أن يُسرق أو يُباع ، بواسطة محامين يعملون كسماسرة . أو يمكن أن ينمو مثل (44 % ) من الغواتيماليين الذين يعانون من الأنيميا المزمنة ، إنه أحد الثمانين بالمائة الذين يعيشون في بيوت بدون مراحيض ، أو بدون وسائل لإزالة القمامة ، أو أحد الأربعين في المائة الذين سيواجهون سن الرشد دون أن يكونوا قادرين على القراءة أو الكتابة . "
ثلاثة بلايين إنسان في العالم ، أي نصف سكان الكرة الأرضية ؛ عليهم أن يعيشوا بدخل لا يتجاوز دولارين في اليوم .و على هذا النحو تقود الحاجة الشّديدة هؤلاء البائسين لبيع كلّ أو جزء مما يملكون بما في ذلك أجسادهم . و هكذا تصبح النّساء و البنات في الدّول النّامية مجرد سلع في تجارة الجنس الدّوليّة المربحة . .أما النّساء الصّغيرات الأخريات, بسبب عادات و تقاليد ّ مجتمعاتهم فإنهن يُكرهن على الزواج المبكر بدون إرادتهن مع أن القوانين تحرم ذلك ، و لكن الريفيين يتجاهلون تلإن الفقر الذي تواجهه أغلب عائلات غواتيمالا ، هو مثل ليس إلا ، ذلك أن ثلاثة ك القوانين . في قرية بيمهو, في دولة بنين الغرب إفريقيّة , يقول ( هكتور جلنفين Hector Gnonlonfin ) مؤسس منظمة ( أطفال الغد Tomorrow Children ) أنه وجد تلميذة في العاشرة من عمرها متزوجة . و قبض أهلها ثمنها من عريس يكبرها بكثير ، و تؤكد منظمة مكافحة الزواج دون سن الخامسة عشر أن زواجا مبكرا كهذا قد يهدد حياة العروس ، إذا حملت مبكرا . و لكن أحيانا تتأتى التضحية الفيزيائية نتيجة تصرفات فردية ، هناك مثلا قرية في جنوب الهند أطلق عليها إسم قرية الكلى ، أغلب سكانها باعوا إحدى كليتيهم مقابل (50.000 ) روبية هندية أي ما يعادل ( 1000$ ) تستخدم لسداد ديون العائلة . إلا أن أزواجهن ينظرن إليهن بعد ذلك على أنهن بضاعة معابة .
و ختاما ، يقول النائب العام ( جون آشكروفت John Ashcroft ) : " إن هؤلاء الذين يهاجرون هاربين من عبودية الفقر لا يجوز أن يخضعوا لعبودية تجار الرقيق ". لكنّ بعض المؤرّخين يقولون أن تجارة الرّقيق الخاصّة بدول الأطلسيّ السّيّئة السّمعة التي شحنت الملايين من الأفارقة إلى العالم الجديد أُلْغِيَتْ فقط عندما إنتفاء حاجة البلد الإقتصادية لهم . أما الآن فإن النخاسين في كل مكان إكتشفوا حاجة إقتصاد الدول الغنية إلى العبيد و إلى الأرباح من وراء الإتجار بهم ، فنحن في القرن الواحد و العشرين نرى عودة العبودية من جديد !
ترجمة : نزار الزين
هذه القصة تدور حول العبيد ، ليس حول أفراد يعيشون كالعبيد ، أو عمال يقومون بأعمال شاقة مقابل أجور زهيدة ، أو بشر عاشوا قبل 200 سنة ، إنها حول ( 27) مليون نسمة من مختلف أنحاء العالم ، يباعون و يشترون ، يتعرضون للإختطاف و الأسر و يستغلون للتكسب ؛ إنها حول عبيد القرن الواحد و العشرين !
في غرفة مظلمة تفتقر إلى التهوية و إلى أبسط الشروط الصحية ، تقع في شمال الهند ، يعيش إثنا عشرة طفلا منحنين فوق موقد غاز حيث يصنعون أساور مقلدة تباع بما يعادل (40 سنتا ) للدزينة ؛ هؤلاء الأطفال بين العاشرة و الثالثة عشر من العمر ، يعملون عشر ساعات يوميا باعهم أهلهم لأصحاب الورش مقابل (35) دولار للطفل الواحد . و بخلاف المخدرات ، فإن جسد المرأة يمكن أن يباع مرارا و تكرارا
ملاك بيوت الدّعارة الإسرائيليّة في تل أبيب . يمكن أن يشتروا الفتيات الصغيرات من مولدافيا أو أوكرانيا بمبلغ (400 دولار ) لكلّ واحدة منهن . مع عشر عاهرات يقمن بخدمة العملاء في ماخور، يمكن لهن تأمين أرباح سنوية لصاحبه تقدر بمليون دولار سنويا على الأقل .
يجد التّجّار الذين يتظاهرون بأنهم وكلاء توظيف ، يجدون الضّحايا في البلدات و القرى الأوربّيّة الشّرقيّة الفقيرة ، فيغروهن بوعود براقة تتيسر لهن في الخارج و لكن عندما تصل النّساء إلى إسرائيل,أو ألمانيا,أو سويسرا .أو اليابان,أ و الولايات المتّحدة الأمريكيّة يتم تسليمهن إلى المشترين الذين في العادة يستخدمون الضرب و التقييد و مختلف أشكال الإرهاب ليرغموهن على الطاعة . و في جنوب الهند ترتهن الديون عائلات بأكملها لأجيال . و يحصل ملاك أفران ( الطوب أو الآجر ) على العمّال بالوسيلة الدنيئة التالية : يقومون بإقراض العائلات الفقيرة مبالغ من المال لإنفاقها على ضرورات الحياة ، و عندما يعجز هؤلاء عن السداد يطالبون أفراد تلك العائلات للعمل في أفرنهم بدون أية ضمانات صحية أو أي نوع من التعويضات ، و تستمر العائلة تعمل لسداد ديونها سنوات .لأن الفوائد الباهظة و التلاعب بالحسابات تبقي الديون على ما هي عليه و يستمر السداد من عرق جبين أفراد العائلة و ربما أولادهم من بعدهم . تقريبًا فإن ثلثي عمّال العالم أسرى ، و( 15إلى 20 ) مليون شخص يمكن إعتبارهم عبيد القروض و خاصة في كل من الهند,و باكستان,و بنغلاديش و نيبال .
كان( ميلوراد ميلاكوفيك Milorad Milakovic ), مسؤولا في مصلحة السكك الحديدية ، ثم تحول إلى تاجر عيبد سيّئ السّمعة في ( البوسنة Bosnia ), و كان يعيش في قصر ( شيروود Sherwood ),حيث يلوح للمسافر بجانب الطّريق الرّئيسيّ المؤدي إلى بلدة (بريجيدور Prijedor ) ؛ و قد أصبح القصر حصنا ، مدخله محروس من قبل حراس مفتولي العضلات , بينما تتجول حول أقفاص الأسرى نمور سيبيرية .
وصلت هناك وحيدًا صباح يوم ربيعي غائم، وحيدا ؛ إذ لم يجرؤ أي دليل محلي أو أي مترجم على مرافقتي ، و قد استقبلني المضيف البالغ من العمر ( 54 ) سنة و دعاني لتناول طعام الغداء معه على مائدة نصبت بجوار بركة السباحة المغطاة بسقف زجاجي .
سيد قلعة ( شيروود Sherwood ) لم يبد عليه- على الإطلاق - أي خجل من مهنته ، و قد تحدث حول إحدى ناشطات حقوق الإنسان التي رفعت عنه تقريرا ، على أنه واحد من تجار النساء اللواتي يزود بهن ماخوره في
( بريجيدور Prijedor ) ثم تساءل : هل بيع و شراء النساء جريمة ؟ إنهم يبيعون و يشترون لاعبي كرة القدم ، أليس كذلك ؟ ، ثم هدد بأنه سيقتل تلك المتطفلة . ثم مالبث أن بدأ يغنى بصوت ناعم ربما ليؤكد أنه لا يرتكب إثما و بدأت بيننا المناقشة حول سيل الفتيات المتدفق ، الهاربات من جحيم أوربا الشرقية التي كانت تابعة للإتحاد السوفييتي .
قال( ميلاكوفيك Milakovic ) أيضا ، أنه كان يتحرق شوقا كي يطور مهنة الدعارة في البوسنه إلى عمل
مشروع يمكن التحكم به لأنه طالما ظل محاطا بالسرية فسيستمر استدراج الفتيات و خطفهن من مناطق الحدود
( فكتوريا ) و هي فتاة في الثامنة عشر ، قام أفراد عصابة صربية بإستخراج جواز سفر لها ، ثم قادوها على الأقدام ، ربطوها و هددوها بالقتل إن قاومت ، ثم أرسلوها تحت الحراسة إلى البوسنه حيث كانت تلك الجمهورية الفتية تحاول إعادة بناء ما دمرته الحرب تحت إشراف دولي .
إنها الآن جارية عند أحد أصحاب المواخير فقد ، بيعت و إشتريت عشر مرات بثمن يعادل ( 1500 دولار ) و عندما حملت و بلغ عمر الجنين أربعة أشهر تمكنت من الفرار ، و قد وجدتها متخفية في مدينة موستار إحدى مدن البوسنه تحميها مجموعة من نساء البوسنه .
و أخذت من ثم تعدد لي أسماء المواخير أو البارات التي تنقلت بينها في بلدان مختلفة حيث كان عليها أن ترقص
نصف عارية ، متظاهرة بالسعادة، مع ممارسة الجنس مع أي زبون يريدها مقابل بضعة علب من اللفائف ( السغاير ) !
جميع تلك المواخير كانت في غاية القذارة أما أسوؤها فكانت في بلدة ( بانغا لوكا Luka Banja )
حيث كان جميع الزبائن من رجال الشرطة !.
كانت فيكتوريا من عبيد القروض . تذهب أجورها عن خدماتها في مجال الدعارة مباشرة إلى جيوب مالكها ، لتغطية ديونها ؛ و أما ديونها فهي المبلغ الذي دفع لمالكها السابق ثمنا لها ( ! ) - . و هكذا سقطت في مصيدة لا يمكن الخروج منها ، و على الرغم من أن العبودية محاربة في بعض البلدان إلا أن عبودية القروض شائعة حتى اليوم في كل مكان .
برأي ( ميلوراد ميلاكوفيك Milorad Milakovic ) كنموذج لهذا النظام ، أن تكاليف إستقدام فتاة إلى هنا باهظة ، فهناك تذكرة الطائرة ثم الفنادق بطول الطريق و الطعام ، و لا بد للفتاة أن تعمل لسداد هذه المبالغ .
في شهر نوفمبر عام ألفين ، اقتحمت قوة شرطة تابعة للأمم المتحدة أحد مواخير ( ميلاكوفيك ) حيث ضبطت 34 فتاة
روت كل منهن قصتها التي ماثلت أغلبها قصة فكتوريا : قالت إحداهن :" كان علينا أن نرقص و أن نشرب الكثير من الكحول و أن نستقبل أي راغب في غرفنا " و قالت أخرى : " إنهم يطعموننا وجبة واحدة في اليوم و لا يسمح لنا بالنوم أكثر من ست ساعات ، و إذا حاولنا الإحتجاج ضربنا الحراس "
في أعقاب قيام حلف الناتو بإنهاء الحرب العرقية اليوغوسلافية أنفق ميلاكوفيك لكثير من المال لشّراء الفتيات ، مع حاجته لشراء المزيد لتعويض النقص الحاصل نتيجة علاقته المريحة مع قوات حفظ السلام لأن جنودها من أفضل زبائنه .
لكنّ لم يكن له أصدقاء مؤثّرون لحمايته, عندما هاجمت الشّرطة المحلّيّة أخيرًا قلعة شيروود في مايو من هذه السّنة حيث قبضت على ميلاكوفيك بتهمتي ترويجه الدعارة و امتلاكه العبيد .
إننا نفكّر في العبوديّة كأمر عفى عليه الزمن , و نتصور عبيد القرن التاسع عشر السود مقيدين بالسلاسل و منبطحين على الأرض . يقول ( مايك دولتريج Mike DotLridge ) الرئيس السابق لمنظمة مساندة العمال العالمبة ( CIW ) المؤسسة عام 1839 : " أن عبودية تلك الأيام كانت تهدف إلى الانتعاش الإقتصادي باستخدام عضلات العبيد " , و أن مواصلة الحملة ضد العبودية ألغتها بالفعل في .الإمبراطوريّة البريطانية . و أضاف خبير العبودية ( كيفن باليز Kevin Bales ) أن متوسط ثمن العبد العادي كان عام (1850), , يعادل حوالي (40.000$ ) من قيمة عملة يومنا هذا .
زرت( دولتريدج ) في مقرّ المنظّمة في مبنى صغير في ستوكويل / لندن..الذي قال لي : " لقد عادت العبودية بأسلوب جديد ، كانوا يخطفون من بيوتهم و ينقلونهم إلى حيث يباعون , لكن هذه الأيام يغرون الفقراء بالقروض كي يحسنوا أوضاعهم المعاشية ثم يدفعونهم للعمل ( أي عمل ) من أجل سداد قروضهم ، و هناك الكثير من هؤلاء العبيد الجدد في العالم كله ، دفعهم الفقر و اليأس إلى الرضوخ . "
المكاتب مزدانة بصور عن العبوديّة الحديثة – عمال مرغمون على العمل ّ في غرب أفريقيا, أطفال باكستانيين في الخامسة و السادسة من أعمارهم أرسلوا إلى دول الخليجّ للخدمة كفرسان في مباريات سباق الجمال ، أطفال يضطرونهم لممارسة الدعارة في تايلند ؛ التقارير حولهم أو حولهن تنتفخ بها الأدراج ، عصابات العبودية في البرازيل تقطع بهم أو بهن مسافات شاسعة من غابات الأمازون الماطرة ليعملوا في صناعة الصّلب , عمّال المزارع في الهند قيّدهم ملاك الأرض بالقروض التي ربما ورثوها عن آبائهم و ربما سيورثونها لأبنائهم . شّراء و بيع الناس تجارة مربحة لأنّ العولمة سهلت حركة البضائع و الأموال و لكنها لم تسهل حركة الناس ، مما جعل تهريبهم عبر حدود الدول رائجا ، و مما شجع أيضا على إستغلال هؤلاء و استعبادهم بشكل أو بآخر .
إن أكثر هؤلاء الذين لا يمكنهم أن يهاجروا قانونيًّا أوأن يدفعوا أتعاب تهريبهم عبر الحدود مقدما ؛ ينتهون إلى الوقوع تحت سيطرة مافيا الإتجار بالبشر . تهريب الأجانب عبر الحدود أي جلب المهاجرين غير الشّرعيّين ينتهون كأسرى أو يباعون من قبل النخاسين الجدد ، كلهم يعملون بنفس الأسلوب .
يقول موظف سابق في إدارة الهجرة و التطبيع الأمريكية : " الإختلاف الوحيد هو ما الذي سيحصل لهؤلاء الناس في الطرف الآخر " . إن أجور نقل هؤلاء قد ارتفعت مع إزدياد المراقبة على الحدود ، و ليس من المرجح تمكن هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين من سداد ديونهم لمهربيهم الذين سيرغمونهم على العمل كعبيد .
إنّه لأمر خطر على الدّخلاء أن يكونوا قريبين جدا من مافيا تجارة البشر ليتعرفوا على كيفية عملها ( و هو الأمر الذي خطر لي في قلعة شيروود ) ؛ لكنّ في أثينا وجدتَُ الرّجل الذي قام بدّراسة تجارة العبيد ، و الذي نذر تخصصه و حياته لتأليف رواية حول ذلك .
في عام 1990 قام الأستاذ ( جريجوريس لازوس Grigoris Lazos ) و هو أستاذ علم الإجتماع في جامعة ( بانتييون Panteion ),بإجراء بحث واضح عن الدّعارة في اليونان ., و قد أصرّ على الذّهاب مباشرة إلى المصدر,أي إلى العاهرات أنفسهن . و من خلالهن أجرى إتصالاته مع الأشخاص الذين قد أسروهن . و استمر أكثر من عقد من الزمن - و في مواجهة استنكار شديد من زملائه – إلى أن تمكن من أن يتعرف عن كثب على عمليّات الاتّجار بالفتيات ، و استطاع أن يرسم صورةً حقيقية للعلاقة بين الدعارة و الاستعباد في بلده :ً
" يجب أن يلاحظ المرء الفارق بين عصابة رقيق صغيرة و بين العصابات التي تستخدم شبكات الحاسوب الألكترونية و حسابات البنوك ؛ أي مالك لحانة أو مجموعة حانات في اليونان يمكنه أن يرسل أحدا من طرفه إلى جنوب بلغاريا لشراء الفتيات بكلفة (1000 $ ) للفتاة الواحدة ، و الأفضل أن يبدأ البحث يوم الإثنين حيث تتوفر أسعار أرخص ، لأن تجار النخاسة الكبار يفضلون إجازة نهاية الأسبوع ، يوم الإثنين تكون الحركة أقل حيث يمكنك الحصول على ما تبقى منهن "
و أضاف الأستاذ (جريجوريس لازوس Grigoris Lazos ) : " من ناحية أخرى و من خلال < الشبكة الدولية Internet > فإن تاجر الرقيق يمكنه المساومة و الإتفاق على الأسعار مع تجار مثله من مختلف أنحاء العالم ، فبكل بساطة يمكنه أن يطلب فتيات – مثلا – من موسكو و رومانيا و بلغاريا و اليونان ، و هم يعقدون الصفقات دون أن يعلم أحدهم عن الآخر ، بكل بساطة يقول الشاري أريد عددا من النساء من الصنف الأول أو الصنف الثاني أو الصنف الثالث ، حسب حاجته ."
و من خلال حاسوبه قدم الأستاذ (لازوس Lazos ) بيانات مخيفة حول تجارة البشر و أكد أنه . بين عامي ( 1990 و 2000 ) بلغ إجماليّ مكسب اليونان من تجارة الفتيات اللواتي أجبرن على أن يكنّ عاهرات ، ( 55بليون دولار ) في حين أن الأرباح من فتيات عملن في هذا المجال بكامل إرادتهن بلغت (1.5 بليون دولار ) .
مجال عمليّات تّجّار النخاسة اليونانيّين و فعالياتهم فريدة من نوعها – كما أكدت دراسة الأستاذ ( لازوس Lazos ) . ففي ترييستا, المدخل إلى البلقان من شمالي إيطاليا , تعقب المحقّقون من لجنة تعمل ضدّ المافيا المحلّيّة ، تعقّبوا أنشطة ( يوسف لونكاريك Josiph Loncaric ), و هو سائق تاكسي من زغرب, كرواتيا ، إعتقل أخيرًا في عام ( 2000 ) ، هذا الرجل امتلك الخطوط الجوّيّة في ألبانيا و مقدونيا و كان مشتركًا في تحريك الآلاف من النّاس للعمل ليس فقط في المتاجرة بالنساء لكنّ في أيّة مهمّة حقيرة تتطلّب العمالة الرّخيصة في العالم الغني التابع للاتّحاد الأوربّيّ .
زوجته الصّينيّة التي كانت أيضًا شريكة في تجارته, ارتبطت بعلاقة تجارية مع عصابة صينية إجرامية حيث اشتركوا جميعا مع ( لونكاريك ) بتهريب صينيين و أكراد و عراقيين و إيرانيين ، و غيرهم من بلدان مختلفة ، الذين ابتلوا بالفقر فرهنوا أنفسهم لهؤلاء على أمل مستقبل أفضل . و قد وجد كثيرون من هؤلاء الضحايا أنفسهم مجبرين على العمل ( 18 ) ساعة يوميا في المطاعم أو في ورش صناعة الجلود .
عصابات مافيا الإتجار بالبشر و المهربون أدخلوا في العقد الأخير من القرن العشرين إلى أوربا الغربية ( الغنية ) ( 35.000 ) إنسان عبر ترييستا ، و قادوهم في الممرات الجبلية و الغابات متسللين من الحدود السلوفانية . و لكن هذه عينة فقط لما يجري بين عالمين متفاوتين أحدهما فقير و الآخر غني . و على بعد آلاف الأميال وجد الباحث سيلا من المهاجرين يتدفقون كل يوم عبر ( إلنورت El Norte ) في الولايات المتحدة ، حيث سيتحولون إلى عبيد .
بيوت هؤلاء المهاجرين هدمت في الحروب الأهلية بين ( 1980 و 1990 ) إلا أنها لم تبلغ الأضرار التي ألحقها بهم غضب الطبيعة . ألأعصار ( ميتش Mitch ) الذي ضرب هندوراس و نيكاراغوا عام (1998 ) أدى إلى رفع عدد الأطفال المشردين في الشوارع (20 %) . أما السلفادور فقد ضربها زلزال قوته (7.6) عام (2001 ) . و كذلك فإن قطاع عريض من أمريكا الوسطى امتنع عنها المطر خلال السنوات الثلاث الأخيرة ، كما أن أسعار القهوة قد تدهورت محطمة زراعة و تجارة البن مما أدى لتعطل (600,000 ) عامل عن العمل ؛ و في غواتيمالا أكثر من نصف مليون عامل واجهوا الجوع .
يقول علماء اقتصاديّون كثيرون أن اتّفاقيّة التّجارة الحرّة لشّمال أمريكا قد ساهمت في الفيضان البشري المتحرك شمالاً, و يؤكّدون أن الحبوب الرّخيصة المستوردة في المكسيك قادت الملايين من فلاحي مزارع الذرة المكسيكيّين الذين أصبحوا بدون عمل ، قادتهم بفاعليّة إلى الخارج . و يعتقد الباحثون أن كلّ طنّ من الحبوب المستوردة من المكسيك, يقابله مكسيكيان يهاجران إلى الولايات المتّحدة .
في بلدة ( تيكون أومان Tecun Uman ) المنبسطة على ضفاف نهر ( سوشيتا ) يتجمع المهاجرون من أمريكا الوسطى إستعدادا لإختراق المكسيك عبر الجسر الرئيسي فوق النهر المذكور متجهين شمالا ، هؤلاء الذين لديهم أوراق ثبوتية تؤهلهم لدخول المكسيك ثم يدفعون سنتات قليلةً ليُنْقَلُوا على قوارب مصنوعة من إطارات الجرارات الداخليّة .
لا أحد يسأل من أين قدموا ، أكثرهم يأتون إلى بلدة ( تيكونهومان Tecun Uman ) مفلسين تماما حيث يتم استدراجهم من قبل أصحاب الفنادق أو أصحاب البارات أو المهربين الذين يطلق عليهم ( كويوتس coyotes ) و هم يعيشون و يتصرفون بدون أي حس إنساني . و يؤكد أحد العاملين السابقين في هذا المجال أن كل شيء و كل إنسان في هذه البلدة إنما هو للبيع .
بعض من المحظوظين من المهاجرين يجدون ملاذا آمنا مؤقّتًا في ( كازا دل ميغرانت Casa del Migrante ),و هو عبارة عن مجمع تابع للكنيسة مسوّر، يبعد فقط ياردات قليلة عن ضفّة النّهر الموحلة . يقول القسيس ( باريللي Barilli ) و هو قس يسوعي : " يوميًّا, في الصّباح و المساء, كنت ألقي خطابا أحذر فيه المهاجرين من مخاطر الرحلة نحو الشمال و أحثهم على الرجوع من حيث أتوا رغم ظروف فقرهم الشديد . "
كان ( باريللي ) يحذر المهاجرين من رؤساء عمل مكسيكيين ممكن أن يأخذوا منهم أوراقهم الثبوتية ثم يدفعونهم إلى العبودية في المزارع البعيدة ، أو يقودون النساء منهم إلى المواخير في بلدة ( تاباتشولا Tapa-chula ) عبر النهر ، حيث ترغم الفتيات على العمل كعاهرات ، أكثرهم لم يكن يصغي . أجابت ( أدريانا Adriana ) ذات الأربعة عشر ربيعا و هي عاهرة في تاباتشولا ، عندما سئلت ما إذا كانت تفكر بالعودة إلى هندوراس ، أجابت : " أبدا ، فهناك سأموت جوعا "
هناك عدة مافيات تتجر بالبشر كبارهم و أطفالهم ، إنهم يقتلون من يعاندهم ، فخارج مجمع ( أمان Uman ) مباشرة وجد أحدهم مقتولا و قد إخترقته عشرات الرصاصات ؛ هنا لا أحد يستطيع التحرك ليلا .
و يضيف ( باريللي ) : يقدم صاحب البار للفتيات القادمات من الجنوب عملا على أنه في مطعم أو فندق ، و بعد أن تعمل الفتاة لفترة ، تقبض عليها الشرطة بحجة افتقارها للأوراق الثبوتية ، يتقدم صاحب البار من ثم إلى المخفر و يدفع عنها كفالة يعتبرها دينا عليها ، ثم يطلب منها أن تكون عاهرة لتتمكن من سداد دينها الذي لن ينتهي ، و هكذا تصبح الفتاة جارية لديه .
و قد تابع باريللي أيضا حالة في بار يدعى ( لا تافرنا La Taverna ) على الطريق السريع خارج البلدة ، مالكة البار سيدة ، تستعبد ست فتيات ، بعضهن حاملات ، و قد باعت أجنتهن مقدما ، هذا و قبض عليها مؤخرا و أودعت السجن .
مزيد من الإجراءات الأمنية في أعقاب أحداث ( SEP.11 )أدّت إلى جعل الطريق من الجنوب أكثر صعوبة أي أن عبور الحدود بين المكسيك و الولايات المتحدة أصبح شبه مستحيل . و مع المراقبة الشديدة إرتفعت الأسعار لدى عصابات تهريب البشر فقد تراوح السعر بين ( 1000$ و 2000$) للشخص الواحد ؛ و يصبح الناجون من حراس الحدود الذين تمكنوا من التسلل بعد رحلة شاقة يصبحون ممتنين بعمق لمهربيهم و بالتالي في غاية الهشاشة أمام النخاسين .
في بلدة ( إيموكالي Immokalee ) بولاية فلوريدا ، جلست في غرفة مليئة برجال و نساء و على وجوههم سمات المنحدرين من شعب(المايا Maya ) يشبهون أؤلئك الذين رأيناهم في ( تيكون أمان Tecun Uman ) أغلبيتهم كانوا عمالا زراعيين و هم يكدحون حاليا في مزارع ولاية فلوريدا الشاسعة فيقطفون الفواكه و يجمعون الخضار التي يستهلكها الأمريكيون ، و هم مجتمعون الآن ليناقشوا وسائل تحسين أحوالهم و معالجة تدني أجورهم مع لجنة منظمة عمال الزراعة . عندما انتهى النقاش باللغة الإسبانية سريعا ،إلتقط رجل عجوز جيتارًا و بدأ يعزف و يغني عن عامل إسمه خوان مونزو (Juan Munoz ) الذي ترك كامبيتشي في, المكسيك, وراء مغامرة طلبًا للرّزق في الولايات المتّحدة لكنهّ انتهى في بلدة بجوار بحيرة (ليك بلاسيد, فلوريدا Lake Placid, Florida ), حيث يعمل كعبد لرّئيس قاس إحتال عليه فسرق كلّ مخراته .
هذه الأغاني الحزينة حول حياة عمال الزراعة الذين ماتوا بشكل غامض ليست جزءا من ميراث شعوب الجنوب و هي كذلك ليست حول الماضي ؛ خوان مونزو شخص حقيقي في الثانية و الثلاثين ، ترك بلدته ( كامبتش Campeche ) لأنه لم يستطع الحصول على دخل يسد رمق أفراد عائلته .فعبر الحدود إلى ( مارانا Marana ) في ولاية أريزونا ، و هناك وعده أحدهم باصطحابه إلى فلوريدا كعامل لقطف البرتقال بمقابل تكلفة قدرها ( $ 1000 ) ، و لما كان ( مونوز ) لا يملك هذا المبلغ فقد سجل عليه كدين و لكن ما أن وصل هناك حتى تبين له أنه أصبح تحت سيطرة العبودية الإقتصادية المحدثة
الطريق السريع رقم (27 ) يمر عبر مقاطعة ( سيتروس citrus ) في قلب فلوريدا حيث ينتج (80% ) من عصير البرتقال في الولايات المتحدة . قاطفو البرتقال في الحقول الممتدة على طول الطريق كلهم من المهاجرين ؛ كثيرون منهم لا يحملون أوراقا ثبوتية و جميعهم فقراء . دخل واحدهم لا يتجاوز ($7,500 ) في السنة بعد عمل شاق و غير صحي ، و القانون يترك هؤلاء الناس بشكل عام دون أية مساعدة مرتبطين بعمل ذي أجور ضعيفة أشبه ما يكون بالسخرة.
ن ظروف السّخرة في الحقول تقريبًا حتميّة,إذ لدى الشّركات التي تشتري المحاصيل سلطة لإبقاء الأسعار التي يشترون بها الثمار منخفضة , مما يؤدي إلى إنخفاض أجور جامعي الثمار . و تؤدّي هذه الظّروف إلى محاولة العمال البحث عن عمل آخر إلا أن رؤساءهم يمنعونهم من ذلك بسبب ما عليهم من قروض ، و هكذا وجد مونزو نفسه مع (700 ) عامل آخرين أسرى في مخيم وضعوهم فيه تحت حراسة مشددة تملكه عائلة راموس بالقرب من بلدة تسمى بحيرة بلاسيد ( Lake Placid ) ، كلهم تقريبا وقعوا تحت إغراءات المهربين الذين يرغمونهم على الذهاب إلى فلوريدا حيث يبيعونهم هناك لأصحاب بساتين البرتقال .
الأسرى يعيشون في ثمانية مخيمات حول بلدة بحيرة بلاسيد ( Lake Placid ) كل أربعة منهم لهم غرفة واحدة بأسرّة بدون فرشات و تجدهم جميعا مذعورين من رؤسائهم فهم يعلمون أن محاولة للفرار تكلفهم غاليا ، حيث تضرب ركبهم بالمطارق ثم يلقى بهم خارج سيارات تسير بسرعة (60 ) ميل في الساعة .
يقوم المزارعون بدفع أجور هؤلاء العمال كل يوم جمعة ، و لكنهم يقادون جميعا إلى متاجر ( راموس Ramoses ) حيث يرغمون على إعادة شيكاتهم لأنهم مدينون مقابل طعامهم و أجور سكناهم ؛ و ديونهم أعلى دوما من أجورهم بفارق كبير ، أحد هذه المتاجر و يدعى ( ناتالي Natalie's Boutiqu ) لا يبعد سوى مسافة قصيرة عن مقر الشرطة .
في سنة (2001 ) قام فريق من منظمة مساندة العمال العالمبة (CIW ) بتحرير أربعة من العمال الأسرى بمن فيهم ( مونوز ) ، ثم ما لبثت الشرطة الفدرالية أن أغارت على المنطقة بعد أن أعطت أصحاب العمل التحذير الكافي الذين دفعوا العمال إلى الإختباء في بساتين البرتقال ، و قد قبض على راموس و أخيه و إبن عمه بتهمة إستعباد العمال و حيازة أسلحة و في عام (2002 ) حكم على ثلاثتهم بأحكام مجموعها (34 سنة و 9 أشهر) .
عمليات عبودية القرن (21 ) تم تجاهلها من قبل زبائن شركة ( عائلة راموس ) و كذلك فإن الفدراليين أبطؤوا بردود أفعالهم تجاه هذه الظاهرة قبل أن تنبههم منظمة مساندة العمال العالمبة (CIW) ، إلا أن العبيد ظلوا بعيدين عن النظر . إن المخيم الرئيسي حيث كان راموس يعتقل ضحاياه ، كان على حافة البلدة بجوار فندق رامادا ،و في الجهة الأخرى بني مجمع هادئ في مواجهة البحيرة لكبار السن . العبيد في ( بلاسيد ) كانوا دوما مختبئين ، و تقول ( لورا جرمينو Laura Germino )من منظمة مساندة العمال العالمبة (CIW: بينما يلعب المتقاعدون في حقل الغولف فإن مخيم العبيد كان وراءهم ،إنهما عالمان يتكلمان لغنين مختلفتين .
في الحقيقة كانت حالة راموس الحالة الخامسة للعبوديّة الزّراعيّة التي إكتشفت في فلوريدا خلال السّنوات السّتّ الماضية . كلها توضحت بفضل منظمة مساندة العمال العالمبة (CIW تلك المساندة التي ترقّي إلى مقاطعة الوجبات السريعة (جرس تاكو Taco Bell )العملاقة مثلا ، نيابة عن جامعي البندورة (الطّماطم) . حيث تتفاخر الشّركة المذكورة بمجهوداتها لحماية و رعاية الحيوان ؛ و يقول المسؤولون التّجاريّون في الشركة أيضًا أنهم ملتزمون بالخضوع لقوانين العمل, لكنّ المسؤول أشار أيضا إلى أنه منذئذ أصبح من الصعب السيطرة على العمال الذين يهددون باستمرار باللجوء إلى القانون .
لعبوديّة و المستعبدون في الولايات المتّحدة يمتدّان بعيدًا هذه الأيام باتجاه البلدان الزراعية و في كل مكان تقريبًا حيث العمالة الرّخيصة شحيحةً . في عام (1995 ) أكثر من (70 ) عاملة تم إنقاذهن بعد أن عملن لعدة سنوات خلف الأسلاك الشائكة في ضاحية من ضواحي ( لوس أنجلس Los Angeles) تدعى ( إلمنت El Monte ) ، كن يعملن بصناعة الملابس لحساب باعة المفرق ّ الرّئيسيّين ؛ بينما فشل فدراليو الولاية في الحصول على تصريح لإنقاذهن مرارا . و في حزيران/يونيو من عام (2001 ) قام الفدراليون في بلدة ( ياكيما Yak-ima ) في ولاية واشنطن بتوقيف ملاك و تجار شركة صناعة ( البوظة ice-cream ) لإستخدامهم عبيدا مكسيكيين يقومون ببيع هذه السلعة في شوارع المدينة ، إستعبدوهم مقابل ديون ربطوهم بها ، و يقول ( كيفن بيلس Kevin Bales ) من منظمة مساندة العمال العالمبة (CIW أن هناك ( من 100,000 إلى 150,000 ) مستعبد في الولايات المتحدة اليوم . أما إدارة الولاية فإنها تقدر عدد الذين يهربون إلى الولايات المتحدة سنويا بحوالي (20,000 ) شخص و النساء منهم يتحولن إلى مومسات أو عاملات زراعيات ، و القليل منهن يعملن في بيوت العجزة و الأخريات يعانين من الخدمة في بيوت الأغنياء .
إن تمرير ( الكونغرس Congress ) لقانون حماية ضحايا التهريب و العنف ، الذي يحميهم من الإستعباد إذا شكوا ضد مستعبديهم يمكن أن يساعد في تخفيف بعض أحزانهم . و إن نمو المنظمات مثل منظمة مساندة العمال العالمبة (CIW أو إئتلاف مكافحة العبودية و الإتجار بالبشر Coalition to Abolish Slavery and Trafficking ) The ) و هو عبارة عن مجموعة من المهتمين في جنوب كاليفورنيا أنجدوا و دعموا (200 ) من هؤلاء ، و هذا يعني أن الضحايا لم يعودوا لوحدهم ، و يعني كذلك أن الوعي العام حول المسألة يتنامى .
و لكن يبقى أسرى العبودية في بقية العالم بدون نجدة ، فهم مهددون ، خائفون في تنقلاتهم ، منعزلين تماما عن أي مصدر إستشارة أو تأييد ، لأنهم منفصلين عن العالم الخارجي . و تقول ( لورا جرمينو Laura Germino ) يظل أصعب عمل في العالم كله هو الخلاص من هذا النوع من التجارة و ظروفها المريعة . و أشار ( مور ) إلى شركات الأعمال الزراعية التي كانت تشغل العمال بواسطة ( عائلة راموس Ramoses ) و كأنها مستوى آخر من مستويات نظام إستعباد قاطفي الثمار ، نوع من التواطؤ يسمح لهذه الأنشطة أن تحدث .
إحدى هؤلاء المستعبدات سابقا تدعى ( جوليا غابرييل Julia Gabriel ) و هي الآن تعتني بحديقة أحدهم في فلوريدا ، أحد أعضاء منظمة مساندة العمال العالمبة (CIW ) يذكرها جيدا ، يذكر وصولها إلى الولايات المتحدة من غواتيمالا عندما كانت في التاسعة عشر من عمرها حيث عملت في قطف الخيار تحت حراسة مسلحين في جنوب كاليفورنيا ، و حيث كانت تعمل ( من 12 إلى 14 ) ساعة يوميا ، و قد شاهدت بعينيها أحد العمال الأسرى يضرب بعقب مسدس فيغمى عليه .قالت لي : " لقد ظننت أن هذا الأمر طبيعي في الولايات المتحدة " و لكن أحد أصدقائها أخبرها أن ذلك إنتهاك للقانون الأمريكي مما شجعها على الفرار .
لقد ولدت جارية
سمي سلمى ، و قد ولدت كعبده في موريتانيا عام (1956 ) والديّ كانا عبدين و كذلك كان والديهما من نفس العائلة ، ما أن أصبحت في عمر مناسب حتى أرغموني على العمل طول اليوم و كل يوم ، و حتى لو كنت مريضة كان علي أن أعمل .
عندما كنت طفلة جعلوني أخدم زوجة صاحب العمل الأولى و أولادها الخمسة عشر . فيما بعد عندما أصبح لي أولاد لم أكن أستطيع العناية بهم إذا أصابهم مكروه أو تعرضوا لأي خطر ، لأن واجبي فقط العناية بزوجة الرئيس و أولاده قبل كل شيء .
كنت أتعرض للضرب أغلب الأحيان بعصا أو بحزام جلدي ؛ ذات يوم ضربوا أمي و لم أستطع تحمل الموقف فحاولت إيقافهم ، إلا أن رب الأسرة غضب مني غضبا شديدا ، فربط يديّ و كواني بقطعة حديد ساخنة ، ثم صفعني و كان بيده خاتم مما خلف علامة دائمة في وجهي .
لم يسمحوا لي أبدا بالذهاب إلى المدرسة ، أرسلوني فقط إلى كتاب لتعلم بعض مبادئ الدين و الأدعية ، و لكنني على أي حال من الأحوال كنت محظوظة ، لأن الإبن الأكبر لسيّدي ، ذهب إلى المدرسة و تعلم أفكارا مختلفة عن والده ، هذا الشاب أشفق عليّ و علمني سرا اللغة الفرنسية و أن أقرأ و أكتب قليلا . كل واحد من حولنا كان يظن أنه يغتصبني إلا أنه كان يعلمني .
ثمت عبيد آخرون كانوا يخافون من الحرية ، و كانوا من شدة خوفهم لا يعرفون أين يذهبون أو ماذا يفعلون و لكنني كنت أعتقد أن علي أن أتحرر و هذا الإعتقاد ساعدني على الهرب .جربت الهروب قبل عشر سنوات ، و لم أكن أعرف كم أبعد عن دولة السنغال ، و هكذا مشيت يومين متتاليين في إتجاه خاطئ ، وجدوني وأعادوني و بالطبع عاقبوني ، قيدوا معصمي و قدمي ثم ربطوني إلى جزع نخلة و تركوني هناك لمدة أسبوع ؛ و قد جرح رب العائلة رسغي فنزفت لمدة طويلة ، و لا زالت آثار الجراح في جسدي حتى اليوم . أخيرا أخبرني رجل أن السنغال هي على الطرف الآخر من النهر فقررت أن أجرب ثانية ، و حانت الفرصة عندما رضي صاحب زورق صغير أن يحملني إلى هناك ، و هناك أكملت طريقي نحو بيت مأمون لأحد العبيد الموريتاريين السابقين ، و أخذت أخدم في البيوت إلا أنني لم أكن أشعر إطلاقا بالأمان ، كنت دائما خائفة بأن سيدي السابق سيرسل من يعثر عليّ و يعيدني إلى بيته .عندما وصلت إلى الولايات المتحدة عملت عند مصففة شعر ، و عندما قبضت أجرتي للمرة الأولى بكيت فرحا ، لم أر إنسانا قبل ذلك ينقدني أجري ، كان الأمر بالنسبة لي مفاجئا تماما .
الأمر الوحيد الذي كان يعذبني هو أنني تركت أولادي خلفي ، و لكن بعد ثلاث سنوات دفعت الكثير من مدخراتي لأشخاص تمكنوا من تهريبهم إلى السنغال ، حيث عملت على إ دخالهم في المدارس ، كنت أدفع لتعليمهم ، و أذهب كل صباح لشراء بطاقة هاتفية تمكنني من محادثتهم ، أخبروني أنهم يتمنون الموت في الشارع قبل أن تضطرهم الظروف للعودة إلى موريتانيا ، إبنتي الكبرى هي الآن معي هنا في أمريكا ، و أتمنى أن أتمكن من إحضار بقية أولادي . في موريتانيا لم يكن لي الحق أبدا أن أتحدث مع أولادي ، هنا الأمر مختلف تماما . و في موريتانيا لم أكن أتجرأ للذهاب إلى مؤسسة حكومية لأنهم لن يصغوا إلي ، و لا يهم بالنسبة لهم ما ينص عليه القانون لأن أحدا لم يعرّفهم ما هو القانون ، ربما لأنهم يعتقدون أن لا عبودية في بلدهم ، و لكنني سأصيح يوما في وجه رئيس البلاد بأعلى صوتي أن العبودية و الإستعباد مستشريان في موريتانيا ، لأنني الآن حرة تماما كما هو حر .
عندما قدمت إلى أمريكا أول مرة كنت أخشى أن يعيدوني إلى موريتانيا ، إلا أني قابلت محامّ ثم طبيب و قد أنجداني كليهما و كذلك فعل ( كيفن بيلس Kevin Bales ) من منظمة حرروا العبيد . و كان القاضي شريفا عندما وصلت إليه القضية و لكنه طلب مني ما يبرهن على كلامي ثم ما لبث أن أصغى إلي ّ جيدا .
إنني أرغب أن أكون مواطنة في الولايات المتحدة الأمريكية يوما ما ، و أرغب لأولادي أن يكونوا مثلي . هنا أملك حريتي في التعبير بينما في موريتانيا لا يحق لأحد أن يعبر بحرية . أما في السنغال فقد كنت خائفة من التفوه بكلمة ، لأنها مجاورة لموريتانيا و لا يفصلهما إلا النهر ، لذا كان عليّ أن أكون حذرة ؛ كان علي أن أكون بعيدة ، بعيدة جدا ، الآن هنا في أمريكا أستطيع الكلام جهرا !
إقطعوا هذه السلسلة
تقدر مساهمة الإنتاج الحيواني برعاية المستعبدين في الإقتصاد العالمي ( 13 ) بليون دولار .
* المستعبدون في البرازيل يصنعون الفحم الخشبي الذي يزود صناعة الفولاذ
* و في مينامار ( بورما) ، فإن المستعبدين يحصدون قصب السكر و المنتجات الزراعية الأخرى .
* في الصين ، الأطفال المستعبدون يصنعون الأسهم النارية ( و هي صناعة في غاية الخطورة ) ، و في سييرا ليون في أفريقيا يعمل الأطفال في مناجم الألماس .
* و في مصر حيث ينتجون القطن ؛ يرغم مليون طفل على العمل في الحقول و المصانع المرتبطة بهذه السلعة ، هذا ما أكده تقرير حكومي مصري ؛ لأن أجورهم منخفضة .
* في أمريكا الوسطى و الجنوبية فإن (12,000 ) طفل مستعبد يعملون في قطاع الكاكاو و هناك تقارير مماثلة من مختلف أرجاء العالم في مجال زراعة القهوة و الشاي و زراعة التبغ و صناعة السغاير .
باحثة إجتماعية أمريكية تنقذ (10.000 ) طفلة مومس
الباحثة الإجتماعية ( لويس لي Lois Lee ) أمضت أربعا و عشرين عاما في العمل مع أطفال بين (II و 17 ) من العمر إستعبدوا عن طريق قوادين ؛ فتاة صغيرة أمضت طفولتها في ماخور في جنوب كاليفورنيا ،ثم أرغمت عندما كبرت قليلا على العمل كمومس في ولايات أراغون ، واشنطن ، آدياهو ، ثم نيفادا ؛ قبل أن تتمكن من الخلاص . إن الاستغلال الجنسيّ للأطفال الأمريكيّين يتجاوز كل الحدود الإقتصادية و الإجتماعية . و يجب أن يعلم الجميع أن هذه الأمور لا تحدث في العالمين الثالث و الرابع فقط .
إنه من الصعب أن نصدق أن العبودية لا زالت قائمة ؛ و أنه لمن الأصعب أن نتقبل وجود مئات الملايين يواجهون الحياة بأقل قدر من الحرية ، و أكبر قدر من الفقر و الإمكانيات شبه المعدومة ، إنهم في الغالب يجدون أنفسهم يضحون بكرامتهم و بأولادهم بل حتى بأجسادهم ؛ من أجل السوق العالمية ذات الشهية الكبيرة للإستغلال اللاإنساني .
يقول الباحث الاجتماعي موزي غارسيا :" شاهدت طفلا الصندوق الكرتوين البالي و المستعمل كمهد ، و بكوخ من الصفيح المموّج لبيت عائلته " و أضافت : " إن هذا الطفل و هو من مدينة غواتيمالا ، و في مواجهة حياة بائسة كهذه ، يمكن أن يُسرق أو يُباع ، بواسطة محامين يعملون كسماسرة . أو يمكن أن ينمو مثل (44 % ) من الغواتيماليين الذين يعانون من الأنيميا المزمنة ، إنه أحد الثمانين بالمائة الذين يعيشون في بيوت بدون مراحيض ، أو بدون وسائل لإزالة القمامة ، أو أحد الأربعين في المائة الذين سيواجهون سن الرشد دون أن يكونوا قادرين على القراءة أو الكتابة . "
ثلاثة بلايين إنسان في العالم ، أي نصف سكان الكرة الأرضية ؛ عليهم أن يعيشوا بدخل لا يتجاوز دولارين في اليوم .و على هذا النحو تقود الحاجة الشّديدة هؤلاء البائسين لبيع كلّ أو جزء مما يملكون بما في ذلك أجسادهم . و هكذا تصبح النّساء و البنات في الدّول النّامية مجرد سلع في تجارة الجنس الدّوليّة المربحة . .أما النّساء الصّغيرات الأخريات, بسبب عادات و تقاليد ّ مجتمعاتهم فإنهن يُكرهن على الزواج المبكر بدون إرادتهن مع أن القوانين تحرم ذلك ، و لكن الريفيين يتجاهلون تلإن الفقر الذي تواجهه أغلب عائلات غواتيمالا ، هو مثل ليس إلا ، ذلك أن ثلاثة ك القوانين . في قرية بيمهو, في دولة بنين الغرب إفريقيّة , يقول ( هكتور جلنفين Hector Gnonlonfin ) مؤسس منظمة ( أطفال الغد Tomorrow Children ) أنه وجد تلميذة في العاشرة من عمرها متزوجة . و قبض أهلها ثمنها من عريس يكبرها بكثير ، و تؤكد منظمة مكافحة الزواج دون سن الخامسة عشر أن زواجا مبكرا كهذا قد يهدد حياة العروس ، إذا حملت مبكرا . و لكن أحيانا تتأتى التضحية الفيزيائية نتيجة تصرفات فردية ، هناك مثلا قرية في جنوب الهند أطلق عليها إسم قرية الكلى ، أغلب سكانها باعوا إحدى كليتيهم مقابل (50.000 ) روبية هندية أي ما يعادل ( 1000$ ) تستخدم لسداد ديون العائلة . إلا أن أزواجهن ينظرن إليهن بعد ذلك على أنهن بضاعة معابة .
و ختاما ، يقول النائب العام ( جون آشكروفت John Ashcroft ) : " إن هؤلاء الذين يهاجرون هاربين من عبودية الفقر لا يجوز أن يخضعوا لعبودية تجار الرقيق ". لكنّ بعض المؤرّخين يقولون أن تجارة الرّقيق الخاصّة بدول الأطلسيّ السّيّئة السّمعة التي شحنت الملايين من الأفارقة إلى العالم الجديد أُلْغِيَتْ فقط عندما إنتفاء حاجة البلد الإقتصادية لهم . أما الآن فإن النخاسين في كل مكان إكتشفوا حاجة إقتصاد الدول الغنية إلى العبيد و إلى الأرباح من وراء الإتجار بهم ، فنحن في القرن الواحد و العشرين نرى عودة العبودية من جديد !