ارنستو "تشي" جيفارا (14 يونيو 1928 - 9 أكتوبر 1967) المعروف باسم تشي جيفارا (Che Guevara)، أو التشي (El Che)، أو ببساطة تشي (Che)،(بالإسبانية: Ernesto 'Che' Rafael Guevara de la Serna) استمع (؟\معلومات) (يُنطق غڤارا). ثوري كوبي ماركسي أرجينتيني المولد كما أنه طبيب، كاتب وزعيم حرب العصابات، قائد عسكري، رئيس دولة عالمي وشخصية رئيسية في الثورة الكوبية. أصبحت صورته المنمقة منذ وفاته رمزاً في كل مكان وشاره عالمية ضمن الثقافة الشعبية.
سافر غيفارا عندما كان طالبا في كلية الطب في جامعة بوينس آيرس الذي تخرج منها عام 1953. سافر لجميع أنحاء أمريكا اللاتينية مع صديقه ألبيرتو غرانادو على متن دراجة نارية وهو في السنة الأخيرة من الكلية, وكونت تلك الرحلة شخصيته وإحساسه بوحدة أميركا الجنوبية وبالظلم الكبير الواقع من الإمبرياليين على المزارع اللاتيني البسيط، وتغير داخلياً بعد مشاهدة الفقر المتوطن هناك.
أدت تجاربه وملاحظاته خلال هذه الرحله إلى استنتاج بأن المنطقة متأصل بها التفاوتات الاقتصادية التي كانت نتيجة من الرأسمالية الاحتكارية والاستعمار الجديد والإمبريالية، كان غيفارا يرى أن العلاج الوحيد هو الثورة العالمية. هذا الاعتقاد كان الدافع وراء تورطه في الإصلاحات الاجتماعية في غواتيمالا في ظل حكم الرئيس جاكوبو أربينز غوزمان، الذي قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في نهاية المطاف بالمساعدة على الإطاحة به مما ساعد على نشر ايدولوجيه غيفارا الراديكالية. بينما كان غيفارا يعيش في مدينة المكسيك التقى هناك براؤول المنفي مع أصدقائه الذين كانوا يجهزون للثورة وينتظرون خروج فيدل كاسترو من سجنه في كوبا, ما إن خرج فيديل كاسترو من سجنه حتى قرر غيفارا الانضمام للثورة الكوبية، ورأى فيدل كاسترو أنهم في أمس الحاجة إليه كطبيب, وانضم لهم في حركة 26 يوليو، التي غزت كوبا على متن غرانما بنية الاطاحة بالنظام الدكتاتورى المدعم بالولايات المتحدة التي تدعم الديكتاتور الكوبى فولغينسيو باتيستا. سرعان ما برز غيفارا بين المسلحين وتمت ترقيته إلى الرجل الثاني في القيادة، ولعب دوراً محورياً في نجاح حملة على مدار عامين من الحرب المسلحة التي اطاحت بنظام باتيستا.
في أعقاب الثورة الكوبية قام غيفارا بأداء عدد من الأدوار الرئيسية للحكومة الجديدة, وشمل هذا على إعادة النظر في الطعون وفرق الإعدام على المدانين بجرائم الحرب خلال المحاكم الثورية، وقام بتأسيس قوانين الإصلاح الزراعي عندما كان وزيراً للصناعة وعمل أيضا كرئيس ومدير للبنك الوطني ورئيس تنفيذى للقوات المسلحة الكوبية, كما جاب العالم كدبلوماسي باسم الاشتراكية الكوبية, مثل هذه المواقف سمحت له أن يلعب دوراً رئيسياً في تدريب قوات الميليشيات الذين صدوا غزو خليج الخنازير وجلبت إلى كوبا الصواريخ الباليستية المسلحة نووياً من الاتحاد السوفييتي عام 1962 التي أدت إلى بداية أزمة الصواريخ الكوبية, بالإضافة إلى ذلك كان غيفارا كاتباً عاماً ويقوم بكتابة يومياته وقام بتكوين ما يشبه الكتيب لحياة حرب العصابات وكذلك ألف مذكراته الأكثر مبيعاً في جميع أنحاء أمريكا الجنوبية رحلة شاب على دراجة نارية.
غادر غيفارا كوبا في عام 1965 بسبب التحريض على الثورات الأولى الفاشلة في لكونغو كينشاسا ومن ثم تلتها محاولة أخرى في بوليفيا، حيث تم إلقاء القبض عليه من قبل وكالة الاستخبارات المركزية بمساعدة القوات البوليفية وتم أعدامه, لا تزال شخصية غيفارا التاريخية تنال كل من التبجيل والإحترام، مستقطباً المخيلة الجماعية في هذا الخصوص العديد من السير الذاتية والمذكرات والمقالات والأفلام الوثائقية والأغاني والأفلام. بل وضمنته مجلة التايم من ضمن المائة شخص الأكثر تأثيراً في القرن العشرون، في حين أن الصورة المأخوذه من ألبرتو كوردا له بعنوان بطل حرب العصابات (كما هو موضح في قالب المقال)، قد سميت "بالصورة الأكثر شهرة في العالم."
طفولته
ارنستو في سن المراهقة (يسار) مع والديه وأشقائه، كاليفورنيا. 1944. يجلس بجانبه، من اليسار إلى اليمين : سيليا (الأم)، وسيليا (الشقيقة)، روبرتو، الأرجنتيني خوان مارتن، ارنستو (الأب)، وآنا ماريا.
جيفارا طفلاً في أول درس للمشي حيث يبلغ عاماً واحداً.
ولد لسيليا دي لا سيرنا وإرنستو غيفارا لينش ارنستو تشي غيفارا يوم 14 يونيو 1928 في روساريو في بالأرجنتين، وهو الأكبر بين خمسة أطفال في عائلة من أصول إيرلندية وأسبانية باسكية.[1] يظهر اسمه القانوني (ارنستو تشي غيفارا) نسبة إلى ألقاب والديه في بعض الأحيان مع إضافة دي لا سيرنا أو لينش له.
في إسقاط الصوء على طبيعة تشي "الغير مستقرة" ذكر والده أن "أول شيء يمكن أن نلاحظه هو أن ابني يجرى في عروقة دماء المتمردين الايرلنديين." [2] نمى في وقت مبكر جدا من الحياة أرنستيتو (كما كان يسمى غيفارا حينذاك) شعور التعاطف مع "الفقراء".[3] بحكم نشأته في أسرة ذات الميول اليسارية كان غيفارا يتعامل مع طائفة واسعة من وجهات النظر السياسية، حتى في الوقت الذي كان فيه صبياً كان والده مؤيد قوي للجمهوريين من الحرب الأهلية الإسبانية وغالبا ما استضاف العديد من اللقائات بين قدامى المحاربين في منزل غيفارا.[4]
بالرغم من المعاناة من نوبات الربو الحادة التي كان يعانى منها طوال حياته، إلا أن غيفارا برع كرياضي وتمتع بالسباحة ولعب كرة القدم والجولف والرماية، بل أصبح أيضاً يقود الدرجات ولا يعرف الكلل ولا الملل.[5][6] كان لاعباً متعطشاً في اتحاد الرجبي ويلعب في خط النصف لجامعة بوينس آيرس في الفريق الأول الخامس عشر.[7] أثناء لعبه للركبي اكتسب لقب "فوزر" اختصارا "لفوريبوندو" التي تعني بالعربية (المشتعل) واسم عائلة والدته دي لا سيرنا، لأسلوبه العدواني في اللعب.[8] لقبوه زملائه في المدرسة أيضا "تشانكو والتي تعني بالعربية (الخنزير) لأنه نادراً ما كان يستحم، وكان يرتدى بفخر قميص "الأسبوع".
غيفارا في عام 1951 في عمر 22 عاما.
تعلم غيفارا الشطرنج من والده، وبدأ في المشاركة في البطولات المحلية حين بلغ من العمر 12 عاماً, خلال فترة المراهقة وطوال حياته كان غيفارا متحمساً للشعر، وخصوصاً للشاعر لبابلو نيرودا وجون كيتس وأنطونيو ماتشادو وفيديريكو غارسيا لوركا وغابرييلا ميسترال، سيزار فاييخو، والت ويتمان.[9] وكان يمكنه اقتباس ابيات من الشعر لروديارد كبلنغ وأيضاً لخوسيه هيرنانديزعن ظهر قلب.[9] كان منزل غيفارا يحتوى على أكثر من 3.000 كتاب وهذا ما سمح لغيفارا بأن يكون قارئ متحمس وانتقائي، حيث اهتم بالقراءة عن كارل ماركس ووليم فوكنر وأندريه جيد واميليو سالجارى وجولز فيرن.[10] إضافة إلى ذلك كان غيفارا يتمتع بقراءة أعمال جواهر لال نهرو وفرانز كافكا وألبير كامو وفلاديمير لينين وجان بول سارتر، وكذلك أناتول فرانس، فريدريك إنجلز، ويلز، وروبرت فروست.
عندما كبر أصبح يهتم بالقراءة للكتاب من أمريكا اللاتينية مثل هوراسيو كيروغا، سيرو ألجيريا، خورخي إيكازا، روبن داريو، وميغيل استورياس.[11] قام غيفارا بتدوين أفكار العديد من هؤلاء الكتاب في كتاباته الخاصة بخط يده مع مفاهيمه وتعاريفه، وفلسفات المثقفين البارزين من وجهه نظره, وقام أيضا بتأليف اسكتشات تحليلية لبوذا وأرسطو، بجانب دراسته لبرتراند راسل عن المحبة والوطنية، والمجتمع من جاك لندن وفكرة نيتشه عن الموت, فتنت غيفارا أفكار سيغموند فرويد إذا أنه كان يقتبس عنه في مجموعة متنوعة من المواضيع مثل الأحلام والرغبة الجنسية النرجسية وعقدة أوديب.[12] مواضيعه المفضلة في المدرسة شملت الفلسفة والرياضيات والهندسة والعلوم السياسية وعلم الاجتماع والتاريخ وعلم الآثار [13][14]
وفي 13 فبراير شباط عام 1958 نشرت وكالة المخابرات المركزية "السيرة الذاتية والتقرير الشخصي" السريين الذين أشارا إلى أن غيفارا كان يتمتع بخلفية متنوعة من الاهتمامات الأكاديمية والفكر، ووصفته بأنه "قارئ جيد" وعلقت "ان تشي مثقف برغم من كونه من أصل لاتيني ".[15]
رحلة الدراجة النارية
غيفارا يصلح دراجته النارية التي استخدمها في رحلته بمرافقة ألبيرتو غرانادو.
دخل غيفارا جامعة بوينس آيرس لدراسة الطب في عام 1948 ولكن في عام 1951 أخذ إجازة لمدة سنة من الدراسات للشروع في رحلة يعبر فيها أمريكا الجنوبية على الدراجة النارية مع صديقه ألبيرتو غرانادو، كان الهدف النهائي يتمثل في قضاء بضعة أسابيع من العمل التطوعي في مستعمرة سان بابلو لمرضى الجذام في البيرو على ضفاف نهر الأمازون, في الطريق إلى ماتشو بيتشو التي تقع عالياً في جبال الأنديز، شعر غيفارا بالذهول لشدة فقر المناطق الريفية النائية، حيث يعمل الفلاحين في قطع صغيرة من الأراضي المملوكة من قبل الملاك الأثرياء.[16] في رحلته أبدى غيفارا اعجابه بالصداقة الحميمية بين أولئك الذين يعيشون في مستعمرات الجذام، قائلا "إنه أعلى أشكال التضامن البشري والولاء الذي ينشأ بين الناس في ظل الوحدة واليأس من هذا القبيل."[16] استخدم غيفارا المذكرات التي اتخذها خلال هذه الرحلة لكتابة كتاب بعنوان يوميات دراجة نارية والذي أصبح أفضل كتاب مبيعاً كما وصفته نيويورك تايمز، [17] الذي نال لاحقاً جائزة في 2004 عن فيلم مقتبس منه يحمل نفس اسم الكتاب.
بحلول نهاية الرحلة وصل غيفارا لاستنتاج بأن أمريكا اللاتينية ليست مجموعة من الدول المنفصلة، ولكن اعتبرها كياناً واحداً يتطلب استراتيجية تحرير على نطاق القارة, مفهومه عن الولايات المتحدة لقارة أمريكا من أصل أسبانى بلا حدود والتي تقاسم تراث لاتيني مشترك كان موضوعاً بارزاً تكرر خلال نشاطاته الثورية لاحقاً, لدى عودته إلى الأرجنتين أكمل دراسته وحصل على شهادة الطب في حزيران / يونيو 1953 مما جعله رسمياً "الدكتور ارنستو تشي غيفارا".[18] لاحظ غيفارا في أنه من خلال أسفاره إلى أمريكا اللاتينية انه وصل إلى استنتاج من وجود"اتصال وثيق بين الفقر والجوع ووالمرض" جنباً إلى جنب مع "عدم القدرة على علاج طفل بسبب عدم وجود المال" و"غيبوبة استفزاز الجوع المستمر والعقاب" التي تؤدي بالأب إلى "قبول فقدان الابن على انه حادث غير مهم". كانت هذه التجارب التي يستشهد بها غيفارا تقنعه بأنه من أجل "مساعدة هؤلاء الناس" إلى انه يحتاج إلى ترك مجال الطب، والنظر في الساحة السياسية للبحث عن الكفاح المسلح.[19]
جواتيمالا في حكم أربينز وشركة الفواكه المتحدة
تشي غيفارا بين عامي 1953 و 1956، بما في ذلك زيارته لشمال غواتيمالا، واقامته في المكسيك، ورحلته شرقا بحرا إلى كوبا مع فيديل كاسترو والثوريين الآخرين
غيفارا مع زوجته الأولى هيلدا جاديا في تشيشين إيتزا في رحلة شهر العسل.
انطلق غيفارا مرة أخرى في يوم 7 يوليو 1953 وهذه المرة إلى بوليفيا وبيرو والإكوادور وبنما وكوستاريكا ونيكاراغوا وهندوراس والسلفادور, وفي يوم 10 ديسمبر من عام 1953 قبل أن يغادر إلى غواتيمالا أرسل غيفارا خطاب لعمته بياتريس من سان خوسيه في كوستاريكا, في الرسالة تحدث غيفارا عن العبور خلال أملاك شركة الفواكه المتحدة والذي أقنعه بالواقع "الرهيب" للرأسمالية "الاخطبوط".[20] هذا السخط حمل نبره "الرغبة في الانتقام" الذي اعتمد عليه لإخافة المزيد من أقاربه المحافظين واستمر مع غيفارا حتى عندما أقسم على قبر جوزيف ستالين عندما توفى حيث أقسم أنه لن يرتاح حتى "يتم التغلب على هذه الأخطبوطات".[21] وصل غيفارا إلى غواتيمالا في نفس الشهر حيث كان الرئيس خاكوبو أربينيز يرأس حكومة منتخبة ديمقراطياً وكان يحاول من خلال إصلاح الأراضي وغيرها من المبادرات إلى وضع حد لنظام الإقطاع, لإنجاز هذا قام الرئيس أربينز بسن برنامج لإصلاح الاراضى كبير، حيث أن جميع أجزاء الأراضى الغير مستزرعة ذات الحيازات الكبيرة كان من المقرر أن يتم مصادرتها وإعادة توزيعها على الفلاحين المعدمين, أكبر مالك للأراض وواحد من أكثر الملاك تضرراً من هذه الإصلاحات كانت شركة الفواكه المتحدة والتي قامت حكومة أربينز بالفعل بسحب أكثر من 225.000 فدان من ملكيتها.[22] بعد شعوره بالرضا من الطريقه التي اتخذتها هذه الأمة قرر غيفارا أن يستقر في غواتيمالا وذلك "لتهيئة نفسه وإنجاز ما قد يكون ضروريا من أجل أن يصبح ثوريا حقا".[23]
في غواتيمالا سيتي سعى غيفارا للتعرف على هيلدا جاديا أكوستا وهي مواطنة من البيرو تعمل بالاقتصاد والتي كان لديها العديد من المعارف السياسية بوصفها عضواً في التيار اليساري في حزب التحالف الشعبي الثوري (أمريكانا). قامت بتعريف غيفارا على عدد من المسؤولين رفيعي المستوى في حكومة أربينز, بعد ذلك تعرف غيفارا على مجموعة من المنفيين الكوبيين المرتبطين بفيديل كاسترو عن طريق هجوم 26 يوليو 1953 على ثكنة مونكادا في سانتياغو دي كوبا[24] واكتسب غيفارا لقبه الشهير خلال هذه الفترة نظراً إلى الاستخدام المتكرر للاختصار الأرجنتيني (تشي) وهي كلمة عامية عارضة يتم استخدامها على غرار (الرفيق) أو (صديق).[25]
محاولات غيفارا للحصول على التدريب الطبي لم تكلل بالنجاح ووضعه الاقتصادي في كثير من الأحيان كان يمنعه من هذا, وفي 15 مايو 1954 تم إرسال مجموعة من المشاة المحملين بمدافع سكودا والأسلحة الخفيفة من قبل تشيكوسلوفاكيا الشيوعية لحكومة أربينز حيث وصلت إلى "بويرتو باريوس"، [26][27] نتيجة لذلك قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والجيش بغزو البلاد وتثبيت اليميني الديكتاتوري "كارلوس كاستيو أرماس" في الحكم.[23] غيفارا كان تواقاً للقتال نيابة عن أربينز بل وانضم إلى الميليشيات المسلحة التي نظمتها الشبيبة الشيوعية لهذا الغرض، ولكنه شعر بالاحباط نتيجة لتقاعس الجماعة عن العمل وسرعان ما عاد إلى مهام الرعاية الطبية, وفي أعقاب الانقلاب تطوع للقتال مرة أخرى، لكن بعد فترة وجيزة لجأ أربينز إلى السفارة المكسيكية ونصح مؤيديه الأجانب بمغادرة البلاد, نداءات غيفارا المتكررة للمقاومة تمت ملاحظتها من قبل مؤيدي الانقلاب، وتم اعلان الرغبة في اغتياله.[28] بعد إلقاء القبض على هيلدا جاديا، سعى غيفارا للحماية داخل القنصلية الأرجنتينية حيث ظل هناك حتى حصل على تصريح الخروج الآمن, بعد ذلك ببضعة اسابيع انطلق في إلى المكسيك.[29] تزوج غيفارا من هيلدا جاديا في المكسيك في سبتمبر من عام 1955.[30]
عملية التدخل للاطاحة بنظام أربينز عززت وجهة نظر غيفارا تجاه الولايات المتحدة باعتبارها القوة الاستعمارية التي من شأنها أن تعارض وتحاول تدمير أي حكومة تسعى لمعالجة عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية المستوطنة في أمريكا اللاتينية وغيرها من البلدان النامية, كان غيفارا على اقتناع بأن تحقيق الماركسية لا يتم إلا من خلال الكفاح المسلح الذي يدافع عنه الشعب المسلح والطريق الوحيد لتصحيح مثل هذه الظروف وذلك بتعزيزها.[31] هيلدا جاديا كتبت في أن "غواتيمالا هي التي أقنعته أخيراً بضرورة الكفاح المسلح، وعلى أخذ زمام المبادرة ضد الامبريالية. عندما حان وقت الرحيل كان هو حينها واثق من هذا.[32]
[عدل]مدينة مكسيكو والإعداد
وصل غيفارا إلى مدينة مكسيكو في مطلع سبتمبر 1954 وعمل في قسم الحساسية في المستشفى العام, إضافة إلى إلقاء محاضرات حول الطب في الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك وعمل كمصور صحفي لاتيني لوكالة الأنباء.[33] خلال هذا الوقت جدد صداقته مع نيكو لوبيز وغيرهم من المنفيين الكوبيين الذين كان قد التقى بهم في غواتيمالا, في يونيو 1955 قدم له لوبيز راؤول كاسترو الذي عرفه في وقت لاحق بأخيه الأكبر فيدل كاسترو الزعيم الثوري الذي شكل حركة 26 يوليو وأصبح الآن يخطط للإطاحة بالديكتاتور باتيستا, خلال محادثة نقاشية طويلة مع كاسترو في أول اجتماع لهما خلص غيفارا إلى أن قضية هذا الكوبي هي ما كان يبحث عنه وقبل الفجر كان قد قام بالإنضمام كعضو لما يسمى بحركة 26 يوليو.[34] منذ هذه النقطة في حياة غيفارا أصبح يعتبر الولايات المتحدة تسيطر علي التكتلات بتثبيت ودعم الأنظمة القمعية في مختلف أنحاء العالم, في هذا السياق اعتبر باتيستا دمية الولايات المتحدة التي يجب إزالتها.[35]
على الرغم من أنه كان من المقرر أن يكون مسعف المجموعة القتالية ولكنه شارك في التدريبات العسكرية مع أعضاء الحركة. الجزء الرئيسي من التدريب كان حول تعلم تكتيكات الكر والفر في حرب العصابات, غيفارا وغيره خضع لتدريبات شاقة تشمل مسيرات طوال 15 ساعة بالجبال وعبر الأنهار وخلال شجيرات كثيفة، وتعلم واتقن إجراءات الكمين والتراجع السريع, من البداية كان غيفارا الطالب المثالى لألبرتو بايو بين هؤلاء في مجال التدريب، وسجل أعلى مستوى في كافة الاختبارات المعنيه.[36] في نهاية الدورة تم تسميته "أفضل مقاتل" من قبل المدرب والعقيد بايو.[37]
الثورة الكوبية
مقالات تفصيلية :الثورة الكوبية و معركة سانتا كلارا
الغزو والحروب وسانتا كلارا
غيفارا يركب بغلة في مقاطعة لاس فيلياس في كوبا نوفمبر 1958
الخطوة الأولى في خطة كاسترو الثورية كانت الهجوم على كوبا من المكسيك عبر غرانما وهو مركب قديم يرشح, قاموا بتحديد يوم 25 نوفمبر 1956 للهجوم على كوبا, قام جيش باتيستا بالهجوم عليهم بعد الهبوط مباشرة، وقتل العديد من الإثنين والثمانون مقاتل في الهجوم الذي وقع لم ينج منهم سوى 22 رجلاً.[38] كتب غيفارا أنه خلال هذه المواجهة الدامية القى باللوازم الطبية والتقط صندوق من الذخيرة من مخلفات أحد رفاقة الهاربيين وكانت هذه الخطوة الحاسمة حيث ترك نهائيا الطب وأصبح مقاتلاً.
ظلت مجموعة صغيرة من الثوار على قيد الحياة لإعادة القوة القتالية الرثة للمجموعة في عمق جبال سييرا مايسترا حيث تلقت دعماً من شبكة حرب العصابات في المدن ومن فرانك باييس وكذلك حركة 26 يوليو والفلاحين المحليين مع انسحاب المجموعة إلى سيراليون، تساءل العالم عما إذا كان كاسترو حياً أو ميتاً حتى أوائل عام 1957 عندما تمت المقابلة مع "هربرت ماثيوز" وظهرت في مقال بصحيفة نيويورك تايمز, المقالة المقدمة قامت بتصوير دائم، شبه الأسطوري لصورة كاسترو ورجال حرب العصابات, لم يكن غيفارا حاضراً للمقابلة، ولكنه في الأشهر المقبلة بدأ يدرك أهمية وسائل الاعلام في نضالهم, في هذا الوقت كانت اللوازم في انخفاض وكذلك الروح المعنوية، وعانى غيفارا من حساسية بسبب لدغات البعوض التي أسفرت عن خراجات مؤلمة بحجم الجوز على جسده، [39] أعتبر غيفارا هذه المرحلة "الأكثر إيلاما في الحرب".[40]
مع استمرارية الحرب أصبح غيفارا جزئاً لا يتجزأ من الجيش والمتمردين وأقنع كاسترو بقدراته ودبلوماسيته وصبره.[41] اقام غيفارا مصانع لتصنيع القنابل اليدوية، وقام ببناء أفران لصنع الخبز ودرس المجندين الجدد التكتيكات ونظم المدارس لتعليم الفلاحين الأميين القراءة والكتابة.[41] وعلاوة على ذلك أنشاء غيفارا العيادات الصحية وورش عمل لتعليم التكتيكات العسكرية وصحيفة لنشر المعلومات.[42] الرجل الذي بعد ثلاث سنوات أطلقت عليه مجلة تايم لقب: عقل الثورة في هذه المرحلة تمت ترقيته من قبل فيدل كاسترو إلى القائد الثاني في الجيش.[41]
باعتباره المحارب الوحيد في مرتبة قائد إلى جانب فيدل كاسترو كان غيفارا قاسياً للغاية بشأن انضباط المنشقين الذين تم أطلاق النار عليهم من دون تردد, تمت معاقبة الهاربين على أنهم خونة وغيفارا كان معروفاً بارسال فرق إعدام لمطاردة الذين يسعون للهروب بدون اذن,[43] نتيجة لذلك أصبح غيفارا يخشى لوحشيته وقسوته.[44] خلال حملة حرب العصابات كان غيفارا المسؤول كذلك عن تنفيذ أحكام الإعدام على الفور للرجال المتهمين بالتخابر أو الفارين أو الجواسيس في كثير من الأحيان.[45]
العلامة المميزة لغيفار زيه العسكري الأخضر الزيتونى في 2 يونيو 1959.
على الرغم من انه حافظ على النظام القاسى والشديد إلا أن غيفارا كان ينظر لدور القائد كالمعلم وكان يقوم بالترفيه لرجاله أثناء فترات الراحة بين المناوشات وذلك بالقراءة لأمثال روبرت لويس ستيفنسون وسرفانتس والشعر الغنائي الأسباني.[46] وصف الضابط القائد الكوبي فيدل كاسترو غيفارا بأنه ذكي وجرىء وزعيم مثالي الذي كان له سلطة معنوية كبيرة على قواته.[47] لاحظ كاسترو كذلك أن غيفارا يقوم بالكثير من المخاطرات حتى أن لديه ميل نحو التهور.[48]
كان لغيفارا دور أساسي في إنشاء محطة إذاعية سرية المسمى راديو ريبيلدي في فبراير عام 1958 الذي تبث الأخبار للشعب الكوبي مع تصريحات من جانب حركة 26 يوليو ولم يتوفير الاتصال اللاسلكي بين عدد متزايد من المتمردين في أنحاء الجزيرة. كان من الواضح أن مصدر إلهام غيفارا لإنشاء محطة كان من خلال مراقبة فعالية وكالة المخابرات المركزية التي قدمت إذاعة لغواتيمالا لإسقاط حكومة جاكوبو أربينز غوزمان.[49]
في أواخر يوليو عام 1958 لعب غيفارا دوراً حاسماً في معركة لاس مرسيدس باستخدام مجموعة محاربين لوقف استدعاء 1.500 رجال من قبل باتيستا كانتيو ضمن خطة لتطويق وتدمير قوات كاسترو, بعد سنوات قام الميجور لاري بوكمان من قوات المشاة البحرية الأمريكية بالتحليل وتقدير ووصف تكتيكات تشي لهذه المعركة بأنها رائعة.[50] خلال هذا الوقت أيضاً أصبح غيفارا الخبير الرائد في تكتيكات الكر والفر ضد جيش باتيستا حيث كان يقوم بالضرب ثم يتلاشى مرة أخرى في الريف قبل تمكن الجيش من الهجوم المضاد.[51]
مع استمرار الحرب قام غيفارا بقيادة مجموعة جديدة من المقاتلين غرباً للقيام بدفعة نهائية تجاه هافانا, قام غيفارا بالسفر مشياً على الأقدام واستغرق الأمر 7 أسابيع شاقة حيث كان يتحرك ليلاً فقط لتجنب الكمائن وكثيراً كان لا يأكل لعدة أيام.[52] في الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر عام 1958 كان على غيفارا مهمة قسم الجزيرة إلى قسمين عن طريق الاستيلاء على مقاطعة لاس فيلياس, في غضون بضعة أيام نفذ سلسلة من الإنتصارات تكتيكية رائعة سمحت له بالسيطرة على جميع المقاطعات ولكن دون العاصمة سانتا كلارا,[52] توجه غيفارا بكتيبته الانتحارية للهجوم على سانتا كلارا، التي أصبحت النهاية الحاسمة للإنتصار العسكري للثورة.[53][54] في الأسابيع الستة التي سبقت معركة سانتا كلارا كانت هناك أوقات كانوا الرجال محاطين بالكامل والعدد متفوق عليهم وكادوا يغلبون, أنتصر تشي في نهاية المطاف على الرغم من الصعاب الهائلة والتفوق العددي للعدو الذي وصل إلى 10:1 وهذه المعارك تظل في رأي بعض المراقبين حرب قوة ملحوظة ورائعة في الحروب الحديثة.[55]
بعد معركة سانتا كلارا، 1 يناير 1959
بث راديو ريبيلدي التقارير الأولى لنجاح قوات غيفارا في احتلال سانتا كلارا ليلة رأس السنة عام 1958, تناقض هذا مع التقارير التي تخضع للرقابة المشددة الصادرة من وسائل الإعلام بالأخبار الوطنية الذين في مرحلة من المراحل أعلنوا عن وفاة غيفارا أثناء القتال, في الساعة 3 صباحاً في 1 يناير عام 1959 تم التفاوض على سلام منفصل مع غيفارا وصعد باتيستا على طائرة في هافانا وهرب إلى الجمهورية الدومينيكية مع ثروته التي تقدر بأكثر من 300.000.000 عن طريق الكسب غير المشروع والرشاوى.[56] في يوم 2 يناير دخل غيفارا إلى هافانا للسيطرة النهائية على العاصمة.[57] استغرق فيدل كاسترو أكثر من 6 أيام حتى وصل، وذلك لتوقفه لحشد الدعم في عدة مدن كبيرة في طريقه إلى هافانا في 8 يناير عام 1959.
في فبراير أعلنت الحكومة الثورية غيفارا مواطن كوبي المولد تقديراً لدوره في الانتصار.[58] صدر قانون يعطي الجنسية والمواطنية الكاملة لكل من حارب مع الثوار برتبة عقيد، ولم توجد هذه المواصفات سوى في غيفارا الذي عيّن مديرا للمصرف المركزي وأشرف على محاكمات خصوم الثورة وبناء الدولة في فترة لم تعلن فيها الثورة عن وجهها الشيوعي، وما أن أمسكت الثورة بزمام الأمور - وبخاصة الجيش - حتى قامت الحكومة الشيوعية التي كان فيها غيفارا وزيراً للصناعة وممثلاً لكوبا في الخارج ومتحدثاً باسمها في الأمم المتحدة. عندما وصلت هيلدا جاديا إلى كوبا في أواخر شهر يناير قال غيفارا لها أن له علاقة مع امرأة أخرى واتفقا على الطلاق،[59] الذي تم يوم 22 مايو.[60] يوم 2 يونيو عام 1959 تزوج من أليدا مارش وهى عضو كوبي المولد من حركة 26 يوليو والتي كان يعيش معها منذ 1958.[61]
لا كابانا وإصلاح الأراضي
خلال التمرد ضد نظام باتيستا الدكتاتوري، دخلت القيادة العامة لجيش المتمردين بقيادة فيديل كاسترو إلى الأراضي المحررة من قانون العقوبات المعروف باسم لي دي لا سييرا.[62] هذا القانون يتضمن فرض عقوبة الإعدام على الجرائم الخطيرة للغاية سواء التي ارتكبها الدكتاتور أو أنصار الثورة, في عام 1959 نشرت الحكومة الثورية تطبيق القانون على كامل الجمهورية وعلى الذين اعتبرتهم مجرمي حرب وقامت بالقبض عليهم بعد الثورة, وفقاً لوزارة العدل الكوبي هذا التعديل الأخير كان مدعوماً من غالبية السكان، ويتبع نفس الإجراءات في محاكمات نورمبرغ التي عقدها الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية.[63]
(من اليمين إلى اليسار) زعيم المتمردين كاميلو سيينفيغوس والرئيس الكوبي مانويل أوروتيا وغيفارا (يناير 1959)
لتنفيذ جزء من هذه الخطة قام كاسترو بتنصيب غيفارا قائد لسجن القلعة لا كابانا لمدة خمس أشهر (من 2 يناير إلى 12 يونيو 1959).[64] اهتم غيفارا بتطهير جيش باتيستا وتوطيد انتزاع فوز "العدالة الثورية" ضد الذين يعتبرون خونة (مخبرين) أو من مجرمي الحرب,[65] أثناء عمل غيفارا في منصب قائد لسجن لا كابانا قام باستعراض التظلمات من المدانين خلال عملية المحكمة الثورية.[66] في بعض الحالات كانت العقوبة التي أصدرتها المحكمة هي الموت رميا بالرصاص.[67] جادل راؤول غوميس تريتو مستشار الشؤون القانونية في وزارة العدل الكوبية بان عقوبة الاعدام كانت مبررة من أجل منع المواطنين انفسهم من تحقيق العدالة بأيديهم، كما حدث منذ عشرين عاماً في وقت سابق أثناء مكافحة تمرد جيراردو ماشادو.[68] كتب السير الذاتية لاحظت أنه في يناير 1959 كان الجمهور الكوبي "مزاج الإعدام خارج نطاق القانون"، [69] وأشار إلى استفتاء في تلك الفترة يظهر 93 ٪ من التأييد الشعبي لعملية التحكيم,[66] لقى 20.000 من الكوبيين مصرعهم على يد أعوان باتيستا، [70] وكثير من الذين حكم عليهم بالإعدام كانوا متهمين بالتعذيب والاعتداءات البدنية، [66] حكومة السلطة الحديثة نفذت عمليات الإعدام "دون احترام للإجراءات القانونية الواجبة".[71] على الرغم من أن العدد الدقيق مختلف عليه, فمن المقدر أن عدة مئات من الأشخاص أعدموا خلال هذا الوقت.[72]
توجد آراء متضاربة حول مدى سعادة غيفارا إزاء عمليات الإعدام في مدينة لوس انجلوس بسجن لا كابانا، نشر بعض كتاب السيرة المعارضة تقرير بأنه استمتع بطقوس الاعدام رميا بالرصاص، ونظم لها بحماسة واندفاع.[71] ولكن ما اعترف به جميع الاطراف هو ان غيفارا أصبح رجل أكثر صرامة لا يتورع عن تطبيق عقوبة الإعدام أو القيام بإجراءات سريعة أو القيام بالمحاكمات الجماعية, إذا كان السبيل الوحيد "للدفاع عن الثورة هو تنفيذ أحكام الإعدام على أعدائها فإنه لن يتأثر بالحجج الإنسانية أو السياسية".[71] ويعضد هذا الرأى رسالة وجدت في 5 فبراير 1959 بين لويس لوبيز باريديس في بوينس آيرس وغيفارا حيث أقر الأخير بشكل لا لبس فيه "إن إطلاق النار من قبل فرق الإعدام ليست مجرد ضرورة لشعب كوبا ولكنها أيضا فرض".[73]
غيفارا مع بعض المزارعين.
أهتم غيفارا بجانب ضمان "العدالة الثورية" في وقت مبكر بأمر رئيسى آخر وهو إصلاح الأراضي الزراعية, بعد نجاح الثورة على الفور تقريبا في 27 يناير 1959 ألقى تشي غيفارا واحداً من أهم خطاباته، حيث تحدث عن "الأفكار الاجتماعية لجيش المتمردين" وخلال هذا الخطاب أعلن أن الهم الرئيسي للحكومة الكوبية الجديدة هو "العدالة الاجتماعية والذي يأتى من إعادة توزيع الأراضي".[74] وبعد بضعة أشهر في 17 مايو عام 1959 وضع "قانون الإصلاح الزراعي" ودخل حيز التنفيذ مما حدد حجم جميع المزارع إلى 1.000 فدان, أي حيازات أكثر من هذه الحدود تمت مصادرتها من قبل الحكومة وإعادة توزيعها على الفلاحين في شكل 67 فدان أو قدمت للبلديات التي تديرها الدولة.[75] وينص القانون أيضاً على أنه لا يمكن لمزارع قصب السكر أن تكون مملوكة من قبل الأجانب.[76]
يوم 12 يونيو عام 1959 أرسل كاسترو غيفارا في جولة لمدة ثلاثة أشهر لأربعة عشرة بلداً معظمها من حلف باندونغ ودول بأفريقيا وآسيا, إرسال غيفارا بعيداً عن هافانا سمح لكاسترو بأن يبدو بعيداً عن تشي الذي كان متعاطف مع الماركسية والتي أزعجت كل من الولايات المتحدة وبعض أعضاء حركة كاسترو حركة 26 يوليو.[77] قضى غيفارا 12 يوماً في اليابان (من يوليو 15 إلى 27) وشارك في المفاوضات لتوسيع علاقات كوبا التجارية مع هذا البلد، خلال هذه الزيارة قام غيفارا سراً بزيارة مدينة هيروشيما، حيث كان الجيش الأميركي قد فجر قنبلة نووية قبل 14 عاماً، صدم غيفارا مما شاهده خلال زيارته إلى المستشفى حيث كان به الناجين من القنبلة تحت العلاج.[78]
لدى عودته إلى كوبا في سبتمبر 1959 كان لكاسترو الآن سلطة سياسية أكبر, كانت الحكومة قد بدأت في الاستيلاء على الأراضي المدرجة في قانون الإصلاح الزراعي، ولكن كان عليها التحوط وتقديم تعويضات لملاك الأراضي وبدلاً من ذلك قامت بتقديم "سندات" الفائدة المنخفضة مما وضع الولايات المتحدة في حالة تأهب. عند هذه النقطة مربي الماشية المتضررين من الأثرياء في "كاماغوي" قاموا بشن حملة ضد إعادة توزيع الأراضي مع المجندين حديثاً الساخطين وزعيم المتمردين هوبر ماتوس، الذي وقف جنباً إلى جنب مع الجزء المعارض للجناح الشيوعي وحركة 26 يوليو انضم اليهم في استنكار للتعدي الشيوعي,[79] خلال هذا الوقت قدم دكتاتور الدومينيك "رافائيل تروخيلو" المساعدة إلى "فيلق مناهضة الشيوعية لمنطقة البحر الكاريبي" الذي كان يتدرب في جمهورية الدومينيكان, هذه القوة متعددة الجنسيات في معظمها كانت مؤلفة من الأسبان والكوبيين وأيضاً من الكروات والألمان واليونانيين والجناح الأيمن للمرتزقة، الذين كانوا يخططون للاطاحة بنظام كاسترو الجديد.[79]
تزايدت هذه التهديدات يوم 4 مارس 1960 عندما حدث انفجارين قاموا بهز سفينة الشحن الفرنسية "لا كوبر" والتي كانت تحمل ذخائر بلجيكية من ميناء انتويرب، ورست في مرفأ هافانا, الانفجارين أسفرا عن مقتل ما لا يقل عن 76 شخصاً وإصابة عدة مئات وقديم غيفارا شخصياً الإسعافات الأولية لبعض الضحايا, اتهم الزعيم الكوبي فيدل كاسترو على الفور وكالة المخابرات المركزية بالقيام "بالعمل الارهابي" وعقدت جنازة رسمية في اليوم التالي لضحايا الانفجار.[80] حضر حفل التأبين ألبرتو كوردا وأخذت الصورة الشهيرة لتشي غيفارا التي تعرف الآن باسم "زعيم حرب العصابات" (كما هو موضح في قالب المقال).[81]
هذه التهديدات المتصورة دفعت كاسترو للقيام بالمزيد من الثورة مضادة، والاستفادة من غيفارا بشكل جذري لزيادة سرعة إصلاح الأراضي لتنفيذ هذه الخطة أنشئت وكالة حكومية جديدة هي "المعهد الوطني للإصلاح الزراعي" (اينرا) كإدارة جديدة لتنفيذ قانون الإصلاح الزراعي وسرعان ما أصبحت هي أهم هيئة حكومية في البلاد برئاسة غيفارا بوصفه وزيراً للصناعة.[76] تحت قيادة غيفارا نشأت الميليشية الخاصة لاينرا بقوامة 100.000 شخص وتستخدم أولاً لمساعدة الحكومة على السيطرة على الأراضي المصادرة والإشراف على التوزيع، وبعد ذلك لإنشاء المزارع التعاونية, شملت الأراضي المصادرة 480.000 فدان مملوكة لشركات أمريكية.[76] وعلى سبيل الانتقام قام الرئيس الاميركي دوايت ايزنهاور بتخفيض حاد في الواردات من السكر الكوبي (المحصول النقدي الرئيسي لكوبا) مما جعل غيفارا يوم 10 يوليو عام 1960 بالقاء خطاب أمام أكثر من 100.000 عامل امام القصر الرئاسي في مسيرة دعا فيها إلى شجب تصرف الولايات المتحدة ووصفه "بالعدوان الاقتصادي".[82]
الرجل الجديد وخليج الخنازير وأزمة الصواريخ
اجتماع مع الفيلسوف الوجودي الفرنسي جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار مارس 1960. بالإضافة إلى لغته الإسبانية كان غيفارا يجيد اللغة الفرنسية بطلاقة.
حصل غيفارا بعدها على وظيفة إضافية وهي منصب رئيس البنك الوطني والتي وضعت تشي في ذروة قوته إضافة ً إلى كونه وزير الصناعة وجعلته القيصر "الافتراضي" للاقتصاد الكوبي.[82] كان أول أهدافة هو أن يرى تنويع في اقتصاد كوبا فضلاً عن القضاء على الحوافز المادية لصالح الدوافع الأخلاقية, كان ينظر إلى الرأسمالية بوصفها مسابقة "بين الذئاب" حيث "لا يسع المرء إلا بالفوز على حساب الآخرين" وبالتالي المطلوب أن نرى إنشاء "الرجل والمرأة الجديدين".[83] شدد غيفارا باستمرار على أن الاقتصاد الاشتراكي في حد ذاته لا "يستحق كل هذا الجهد والتضحية ومخاطر الحرب والدمار" إذا انتهى بتشجيع "الجشع والطموح الفردي على حساب الروح الجماعية.[84] وهكذا أصبح الهدف الرئيسي لغيفارا هو إصلاح "الوعي الفردي" والقيم على تقديم أفضل العمال والمواطنين.[84] في رأيه كان على "الرجل الجديد" لكوبا أن يكون قادراً على التغلب على الأنانية وحب الذات الذين كان يكرههم بشكل شديد لأنهم سمه من سمات الأفراد في المجتمعات الرأسمالية.[84] قال غيفارا ما يلي في وصف هذا الأسلوب الجديد من التنمية:
هناك فرق عظيم ما بين تنمية المشاريع الحرة وبين التنمية الثورية في إحداهما تتركز الثروة في أيدي محظوظين قليلين أصدقاء الحكومة، وأفضل تجار السيارات والدراجات النارية وفي الآخر تتركز الثروة في تراث الشعب.[85]
من معتقدات غيفارا أن هناك جزء لا يتجزأ من مواصلة تعزيز الشعور "بالوحدة الوطنية بين الفرد والجماعة" وهو العمل التطوعي. لعرض هذا قام غيفارا بالقيادة وتقديم المثل، وهذا عن طريق العمل "إلى ما لا نهاية في وظيفته في الوزارة في مجال البناء وحتى قطع قصب السكر" في أيام عطلته.[86] كان معروفاً بالعمل 36 ساعة متواصله داعياً لاجتماعات بعد منتصف الليل وتناول الطعام بشكل عارض.[84] وكان هذا السلوك يليق بغيفارا في طريقته الجديدة للتحفيز المعنوى حيث أن كل عامل كان المطلوب منه الآن تلبية حصة وإنتاج عدد معين من السلع ومع ذلك تم إلغاء الزيادات في الأجور وذلك بتقديم بديل وهو نظام يسمح للعمال عند تجاوز حصتهم الحصول على شهادة ثناء في حين أن العمال الذين فشلوا في الوفاء بحصصهم يتم تخفيض أجورهم.[84] دافع غيفارا عن فلسفته الشخصية والدافع ورائها قائلا :
هذا لا يعني كم يستطيع أحدهم أن يأكل ولا يعني كم مرة يذهب إلى الشاطئ في السنة أو كم قطعة من الحلي يستطيع أحدهم أن يشتري من خارج البلاد بمصروفه الحالي ما يهم فعلاً هو أن يشعر الفرد أكثر اكتمالاً مع ثراء داخلي أكبر ومسؤولية أكبر.
بغض النظر عن مزايا أو عيوب المبادئ الاقتصادية لغيفارا وبرامجه الذي انتهى قريباً بالفشل.[87] برنامج غيفارا " للحوافز المعنوية" للعمال تسبب بانخفاض سريع في الإنتاجية وارتفاع سريع في التغيب عن العمل.[88] في 17 نيسان 1961 دربت الولايات المتحدة 1.400 من المنفيين الكوبيين لغزو الجزيرة في حادثة غزو خليج الخنازير, لم يلعب غيفارا بنفسه دوراً أساسياً في القتال لأن قبل يوم من الغزو قامت سفينة حربية تنقل قوات مشاة البحرية مزورة بالغزو قبالة الساحل الغربي لبينار دل ريو، وتم توجيه القوات بقيادة غيفارا إلى تلك المنطقة. ومع ذلك يعطي المؤرخون غيفارا الفضل حيث كان مديراً تنفيذياً للقوات المسلحة الكوبيه في ذلك الوقت ومن حقة حصة من هذا النصر.[89] شرح الكاتب تاد شولك الفوز الكوبي الذي يسند بعض الفضل لغيفارا قائلا : إن الثوريين فازوا لأن تشي غيفارا بصفته رئيساً للإدارة القوات المسلحة الثورية والمسؤول عن برنامج تدريب الميليشيات قاموا بإعداد جيد جداً ل200.000 من الرجال والنساء للحرب. كما أصيب غيفارا خلال هذا الانتشار من مرور رصاصة بخده من مسدسه عندما سقط من الحافظة وانطلقت الطلقة بطريق الخطأ.[90]
في أغسطس 1961 على هامش المؤتمر الاقتصادي لمنظمة الدول الأمريكية في بونتا دل استي في أوروغواي، أرسل تشي غيفارا مذكرة "امتنان" للرئيس الاميركي جون كينيدي عن طريق ريتشارد غودوين - وهو سكيرتير شاب في البيت الأبيض - نصها كما يلي : شكراً لما حدث في (خليج الخنازير) قبيل هذا الغزو كان الثوار غير واثقين من انفسهم والآن هم أقوى من أي وقت مضى.[91] قام وزير الخزانة دوغلاس ديلون بعرض رداً من الولايات المتحدة للتحالف من أجل التقدم التصديق عليه من قبل الجلسة وهاجم غيفارا بعدوانية مطالبة الولايات المتحدة بكونها ديمقراطية مشيراً إلى أن مثل هذا النظام لا يتوافق مع ما يحدث من الطغمة المالية والتمييز ضد السود والاعتداء من قبل جماعة كو كلوكس كلان.[92] استمر غيفارا متحدثاً ضد الاضطهاد أنه في رأيه قاد علماء مثل اوبنهايمر لعزلهم من وظائفهم،[92] انهى غيفارا تصريحاته بتلميح ساخراً من أن الولايات المتحدة ليست مهتمة باقامة إصلاحات حقيقية الخبراء الأمريكيين لا يتحدثون أبدا عن الإصلاح الزراعي ويفضلون مواضيع آمنة مثل تحسين امدادات المياه, باختصار يبدو أنها تستعد لثورة المراحيض.[93]
كان غيفارا مهندس عملياً للعلاقات الكوبية السوفيتية،[94] ثم لعب دوراً رئيسياً في جلب الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية إلى كوبا من الاتحاد السوفيتي والتي أدت إلى أزمة الصواريخ الكوبية في أكتوبر 1962 وجعلت العالم على شفى الحرب النووية.[95] خلال مقابلة مع الصحيفة الشيوعية البريطانية العمال اليومية بعد أسابيع قليلة من الأزمة كان غيفارا لا يزال غاضب بسبب الخيانة المتصورة من السوفييت وذكر انه إذا كانت الصواريخ تحت السيطرة الكوبية لكانوا قد أطلقوها على الفور.[96] المراسل البريطاني سام راسل الذي تحدث إلى غيفارا في ذلك الوقت أشار إلى مشاعر مختلطة واصفاً اياه بأنه شخصية دافئة وأنه رجل استخبارات كبير لكن الصواريخ بالنسبة له هي كالمفرقعات,[96] أزمة الصواريخ اقنعت غيفارا بأن اثنين من القوى العظمى في العالم - الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي - تستخدم كوبا بمثابة رهان في استراتيجياتها العالمية. بعد ذلك أصبح يندد بالسوفيات تقريباً مع كل شجب للأمريكيين.[97]
[عدل]نضالاته
كره تشي اتكال الثورة الكوبية على الاتحاد السوفيتي، واستمر في ابتكار وسائل أخرى للحصول على التمويل وتوزيعه. ولأنه الوحيد الذي درس فعلا أعمال كارل ماركس بين قادة حرب العصابات المنتصرين في كوبا، فإنه كان يحتقر التحريفيين ومافيا الحزب الذين صعدوا على أكتاف الآخرين في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، وفي كوبا أيضا.
كشف (آي إف ستون) كيف انهمك تشي جيفارا في نقاش علني، أثناء مؤتمر في مدينة بونتي ديل استي بأوروجواي مبكراً في 1961 (وهو المولود في الأرجنتين حيث درس الطب هناك) مع بعض شباب اليسار الجديد من نيويورك. أثناء تلك المناقشة، مر بهم اثنان من جهاز الحزب الشيوعي الأرجنتيني. لم يستطع جيفارا أن يمنع نفسه من الصياح بصوت عال، "هيي، لماذا أنتم هنا، أمن أجل أن تبدأوا الثورة المضادة؟"
مثّل تشي الكثيرين في الحركة الناشئة إرادتهم على الحركات الثورية للسكان الأصليين.
وبالفعل فإن الثورة في كوبا، على عكس المفاهيم المعاصرة للكثيرين في الولايات المتحدة اليوم، كانت مستقلة، وفي بعض الأحيان معارضة للحزب الشيوعي الكوبي. ولقد أخذ بناء مثل هذه العلاقة -التي لم يكن من السهل صنعها- عدة سنوات فقط بعد الثورة ونجحت في أخذ سلطة الدولة وتأسيسها، دافعة إلى الاندماج بين القوى الثورية والحزب -الاندماج الذي لم يضع نهاية لمشاكل جيفارا والثورة الكوبية نفسها.
إحدى تلك المشاكل هي اعتماد كوبا المتزايد على الاتحاد السوفيتي (في بعض الأوجه يماثل الاعتماد المتزايد لبعض المنظمات الراديكالية على منح المؤسسات في صورة أموال ولوازم لولبية أخرى). قررت الحكومة أثناء احتياجها اليائس للنقد من أجل شراء لوازم شعبها الضرورية -وبعد نقاش مرير- قررت أن تضيع فرصة تنويع الزراعة في كوبا من أجل التوسع في محصولها النقدي الرئيسي، قصب السكر، الذي يتم تبادله أمام البترول السوفيتي، لتستهلك جزء من هذا البترول وتعيد بيع الباقي في السوق العالمي. وبالتدريج فقدت كوبا، بالرغم من تحذيرات تشي (والآخرين)، القدرة على إطعام شعبها نفسه -وهي المشكلة التي بلغت أبعادا مدمرة بانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.
وهي نفس الأزمات التي أحدقت بالاتحاد السوفيتي والدول التي كان معترفا بها كدول اشتراكية عندما سعوا وراء النموذج الصناعي للتنمية وحاولوا أن يدفعوا ثمنه بالإنتاج والتنافس في السوق العالمي. كان رد فعل تشي: لا تنتج من أجل السوق العالمي. ارفض تحليلات التكلفة/المنفعة (cost/benefit) كمعيار لما ينبغي إنتاجه. آمن تشي بأن المجتمع الجديد حقيقة، وعليه أن يجعل طموحه هو ما يحلم به شعبه من أجل المستقبل، وأن يعمل على تنفيذه فورا في كل أوان ومكان. وحتى تبلغ ذلك، على الثورات الشيوعية أن ترفض معيار "الكفاءة" وعليها أن ترعى المحاولات المجتمعية المحلية حتى تخلق مجتمعا أكثر إنسانية بدلاً من ذلك.
[عدل]الدبلوماسية الدولية
سافر تشي غيفارا في كانون الأول 1964 لمدينة نيويورك على رأس الوفد الكوبي لإلقاء كلمة في الأمم المتحدة, وخلال كلمته الحماسية انتقد غيفارا عدم قدرة الأمم المتحدة لمواجهة السياسة "الوحشية ونظام الفصل العنصري" في جنوب أفريقيا وأعلن "ألا يمكن للأمم المتحدة أن تفعل شيئا لوقف هذا الأمر؟" [98] ثم شجب جيفارا سياسة الولايات المتحدة تجاه السكان السود قائلا :
أولئك الذين يقتلون أطفالهم ويميّزون بينهم كل يوم بسبب لون بشرتهم, الذين سمحوا لقتلة السود بالبقاء أحراراً, وقاموا بحمايتهم, وإضافةً إلى ذلك عاقبوا السود لأنهم طالبوا بحقوقهم المشروعة بالعيش كرجال أحرار, من هم أولئك الذين جعلوا من أنفسهم حراساً للحرية؟[98]
واختتم جيفارا خطابه ساخطا من خلال قراءة الفقرة الثانية لإعلان هافانا معلناً أمريكا اللاتينية عائلة من 200 مليون أخ يعانون من نفس البؤس." [98] أعلن جيفارا أن هذه الملحمة من شأنها أن تكون مكتوبة من قبل "جماهير الهنود الجياع والفلاحون المنتزعين من الأرضي والعمال المستغلون والجماهير التقدميين". الصراع لجيفارا كان صراعا على الكتلة والأفكار والتي سوف يحملها "الذين يتم معاملتهم بسوء واستهزاء من قبل الامبريالية" التي كانت تعتبرهم في السابق "قطيع من الضعفاء وخانعيين". مع هذا القطيع أكد جيفارا الآن أن احتكار الرأسمالية اليانكية مخيف وسيتسبب "بحفر قبورهم." [98] أضاف جيفارا أنه سيكون في خلال هذه الساعة من "الدفاع" أن تبدأ جموع "المجهول" في كتابة تاريخها الخاص "بدمها" واستعادة هذه الحقوق التي كان يُسخر منها لمدة 500 سنة. أضاف جيفارا في ملاحظاته إلى الأمم المتحدة إلى الجمعية العامة على افتراض أن هذه "الموجة من الغضب" سوف "تجتاح الأراضي في أمريكا اللاتينية" وجماهير العمال الذين "يدورون عجلة التاريخ" للمرة الأولى سيقومون "بالصحوة المفتقدة منذ فترة طويلة من وحش النوم الذي كانوا قد تعرضوا له.[98]
غيفارا يستلم درعاً تذكارياً من جمال عبد الناصر ويظهر في الصورة علي صبري.
في وقت آخر علم غيفارا أنه تعرض لمحاولتين إغتيال فاشلتين لاغتياله من قبل المنفيين الكوبيين أثناء توقفه في مجمع الأمم المتحدة.[99] المحاولة الأولى من مولي غونزاليس الذي حاول اختراق الحواجز لدى وصوله ومعه سكين صيد طولها سبعة بوصة، والثانية خلال خطابه من قبل غييرمو نوفو الذي كان يحمل جهاز توقيت حيث كانت هناك بازوكا سيتم إطلاقها من قارب في نهر الشرق على مقر الأمم المتحدة. [99][100] بعد ذلك علق غيفارا على كلا الحادثين على أنه: من الأفضل أن أقتل على يد امرأة بسكين من أن أقتل من رجل يحمل بندقية في حين اضاف قائلاً مصاحباً موجة من دخان السيجار من فمه: ان الانفجار كان سيجعل الأمر أكثر نكهة.[99]
بينما كان تشي غيفارا في مدينة نيويورك ظهر على شبكة سي بي اس في برنامج صنداى للأخبار برنامج واجه الأمة [101]، والتقى مع مجموعة من الناس، منهم السناتور الاميركي يوجين مكارثي [102] شركاء لمالكوم إكس, مالكولم إكس الذي ابدى اعجابه بجيفارا معلنا أنه أحد الرجال الأكثر ثورية في هذا البلد الآن بينما كان يقرأ بياناً له أمام حشد في قاعة أودوبون.[103]
غيفارا في قطاع غزة.
غادر غيفارا لباريس في 17 ديسمبر في جولة لمدة ثلاثة أشهر واشتملت على شعب جمهورية الصين الشعبية، والجمهورية العربية المتحدة (مصر)، الجزائر، غانا، غينيا، مالي، داهومي، والكونغو برازافيل وتنزانيا، مع توقف في ايرلندا ووبراغ. بينما كان غيفارا في ايرلندا قام بالاحتفال بتراث بلده الايرلندي في مناسبة عيد القديس باتريك في مدينة ليميريك.[104] كتب إلى والده عن هذه الزيارة قائلا بخفة دم: أنا في ايرلندا الخضراء الخاصة بأسلافك عندما اكتشف التلفزيون [المحطة] جاءوا ليسألونى عن نسبى ل
سافر غيفارا عندما كان طالبا في كلية الطب في جامعة بوينس آيرس الذي تخرج منها عام 1953. سافر لجميع أنحاء أمريكا اللاتينية مع صديقه ألبيرتو غرانادو على متن دراجة نارية وهو في السنة الأخيرة من الكلية, وكونت تلك الرحلة شخصيته وإحساسه بوحدة أميركا الجنوبية وبالظلم الكبير الواقع من الإمبرياليين على المزارع اللاتيني البسيط، وتغير داخلياً بعد مشاهدة الفقر المتوطن هناك.
أدت تجاربه وملاحظاته خلال هذه الرحله إلى استنتاج بأن المنطقة متأصل بها التفاوتات الاقتصادية التي كانت نتيجة من الرأسمالية الاحتكارية والاستعمار الجديد والإمبريالية، كان غيفارا يرى أن العلاج الوحيد هو الثورة العالمية. هذا الاعتقاد كان الدافع وراء تورطه في الإصلاحات الاجتماعية في غواتيمالا في ظل حكم الرئيس جاكوبو أربينز غوزمان، الذي قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في نهاية المطاف بالمساعدة على الإطاحة به مما ساعد على نشر ايدولوجيه غيفارا الراديكالية. بينما كان غيفارا يعيش في مدينة المكسيك التقى هناك براؤول المنفي مع أصدقائه الذين كانوا يجهزون للثورة وينتظرون خروج فيدل كاسترو من سجنه في كوبا, ما إن خرج فيديل كاسترو من سجنه حتى قرر غيفارا الانضمام للثورة الكوبية، ورأى فيدل كاسترو أنهم في أمس الحاجة إليه كطبيب, وانضم لهم في حركة 26 يوليو، التي غزت كوبا على متن غرانما بنية الاطاحة بالنظام الدكتاتورى المدعم بالولايات المتحدة التي تدعم الديكتاتور الكوبى فولغينسيو باتيستا. سرعان ما برز غيفارا بين المسلحين وتمت ترقيته إلى الرجل الثاني في القيادة، ولعب دوراً محورياً في نجاح حملة على مدار عامين من الحرب المسلحة التي اطاحت بنظام باتيستا.
في أعقاب الثورة الكوبية قام غيفارا بأداء عدد من الأدوار الرئيسية للحكومة الجديدة, وشمل هذا على إعادة النظر في الطعون وفرق الإعدام على المدانين بجرائم الحرب خلال المحاكم الثورية، وقام بتأسيس قوانين الإصلاح الزراعي عندما كان وزيراً للصناعة وعمل أيضا كرئيس ومدير للبنك الوطني ورئيس تنفيذى للقوات المسلحة الكوبية, كما جاب العالم كدبلوماسي باسم الاشتراكية الكوبية, مثل هذه المواقف سمحت له أن يلعب دوراً رئيسياً في تدريب قوات الميليشيات الذين صدوا غزو خليج الخنازير وجلبت إلى كوبا الصواريخ الباليستية المسلحة نووياً من الاتحاد السوفييتي عام 1962 التي أدت إلى بداية أزمة الصواريخ الكوبية, بالإضافة إلى ذلك كان غيفارا كاتباً عاماً ويقوم بكتابة يومياته وقام بتكوين ما يشبه الكتيب لحياة حرب العصابات وكذلك ألف مذكراته الأكثر مبيعاً في جميع أنحاء أمريكا الجنوبية رحلة شاب على دراجة نارية.
غادر غيفارا كوبا في عام 1965 بسبب التحريض على الثورات الأولى الفاشلة في لكونغو كينشاسا ومن ثم تلتها محاولة أخرى في بوليفيا، حيث تم إلقاء القبض عليه من قبل وكالة الاستخبارات المركزية بمساعدة القوات البوليفية وتم أعدامه, لا تزال شخصية غيفارا التاريخية تنال كل من التبجيل والإحترام، مستقطباً المخيلة الجماعية في هذا الخصوص العديد من السير الذاتية والمذكرات والمقالات والأفلام الوثائقية والأغاني والأفلام. بل وضمنته مجلة التايم من ضمن المائة شخص الأكثر تأثيراً في القرن العشرون، في حين أن الصورة المأخوذه من ألبرتو كوردا له بعنوان بطل حرب العصابات (كما هو موضح في قالب المقال)، قد سميت "بالصورة الأكثر شهرة في العالم."
طفولته
ارنستو في سن المراهقة (يسار) مع والديه وأشقائه، كاليفورنيا. 1944. يجلس بجانبه، من اليسار إلى اليمين : سيليا (الأم)، وسيليا (الشقيقة)، روبرتو، الأرجنتيني خوان مارتن، ارنستو (الأب)، وآنا ماريا.
جيفارا طفلاً في أول درس للمشي حيث يبلغ عاماً واحداً.
ولد لسيليا دي لا سيرنا وإرنستو غيفارا لينش ارنستو تشي غيفارا يوم 14 يونيو 1928 في روساريو في بالأرجنتين، وهو الأكبر بين خمسة أطفال في عائلة من أصول إيرلندية وأسبانية باسكية.[1] يظهر اسمه القانوني (ارنستو تشي غيفارا) نسبة إلى ألقاب والديه في بعض الأحيان مع إضافة دي لا سيرنا أو لينش له.
في إسقاط الصوء على طبيعة تشي "الغير مستقرة" ذكر والده أن "أول شيء يمكن أن نلاحظه هو أن ابني يجرى في عروقة دماء المتمردين الايرلنديين." [2] نمى في وقت مبكر جدا من الحياة أرنستيتو (كما كان يسمى غيفارا حينذاك) شعور التعاطف مع "الفقراء".[3] بحكم نشأته في أسرة ذات الميول اليسارية كان غيفارا يتعامل مع طائفة واسعة من وجهات النظر السياسية، حتى في الوقت الذي كان فيه صبياً كان والده مؤيد قوي للجمهوريين من الحرب الأهلية الإسبانية وغالبا ما استضاف العديد من اللقائات بين قدامى المحاربين في منزل غيفارا.[4]
بالرغم من المعاناة من نوبات الربو الحادة التي كان يعانى منها طوال حياته، إلا أن غيفارا برع كرياضي وتمتع بالسباحة ولعب كرة القدم والجولف والرماية، بل أصبح أيضاً يقود الدرجات ولا يعرف الكلل ولا الملل.[5][6] كان لاعباً متعطشاً في اتحاد الرجبي ويلعب في خط النصف لجامعة بوينس آيرس في الفريق الأول الخامس عشر.[7] أثناء لعبه للركبي اكتسب لقب "فوزر" اختصارا "لفوريبوندو" التي تعني بالعربية (المشتعل) واسم عائلة والدته دي لا سيرنا، لأسلوبه العدواني في اللعب.[8] لقبوه زملائه في المدرسة أيضا "تشانكو والتي تعني بالعربية (الخنزير) لأنه نادراً ما كان يستحم، وكان يرتدى بفخر قميص "الأسبوع".
غيفارا في عام 1951 في عمر 22 عاما.
تعلم غيفارا الشطرنج من والده، وبدأ في المشاركة في البطولات المحلية حين بلغ من العمر 12 عاماً, خلال فترة المراهقة وطوال حياته كان غيفارا متحمساً للشعر، وخصوصاً للشاعر لبابلو نيرودا وجون كيتس وأنطونيو ماتشادو وفيديريكو غارسيا لوركا وغابرييلا ميسترال، سيزار فاييخو، والت ويتمان.[9] وكان يمكنه اقتباس ابيات من الشعر لروديارد كبلنغ وأيضاً لخوسيه هيرنانديزعن ظهر قلب.[9] كان منزل غيفارا يحتوى على أكثر من 3.000 كتاب وهذا ما سمح لغيفارا بأن يكون قارئ متحمس وانتقائي، حيث اهتم بالقراءة عن كارل ماركس ووليم فوكنر وأندريه جيد واميليو سالجارى وجولز فيرن.[10] إضافة إلى ذلك كان غيفارا يتمتع بقراءة أعمال جواهر لال نهرو وفرانز كافكا وألبير كامو وفلاديمير لينين وجان بول سارتر، وكذلك أناتول فرانس، فريدريك إنجلز، ويلز، وروبرت فروست.
عندما كبر أصبح يهتم بالقراءة للكتاب من أمريكا اللاتينية مثل هوراسيو كيروغا، سيرو ألجيريا، خورخي إيكازا، روبن داريو، وميغيل استورياس.[11] قام غيفارا بتدوين أفكار العديد من هؤلاء الكتاب في كتاباته الخاصة بخط يده مع مفاهيمه وتعاريفه، وفلسفات المثقفين البارزين من وجهه نظره, وقام أيضا بتأليف اسكتشات تحليلية لبوذا وأرسطو، بجانب دراسته لبرتراند راسل عن المحبة والوطنية، والمجتمع من جاك لندن وفكرة نيتشه عن الموت, فتنت غيفارا أفكار سيغموند فرويد إذا أنه كان يقتبس عنه في مجموعة متنوعة من المواضيع مثل الأحلام والرغبة الجنسية النرجسية وعقدة أوديب.[12] مواضيعه المفضلة في المدرسة شملت الفلسفة والرياضيات والهندسة والعلوم السياسية وعلم الاجتماع والتاريخ وعلم الآثار [13][14]
وفي 13 فبراير شباط عام 1958 نشرت وكالة المخابرات المركزية "السيرة الذاتية والتقرير الشخصي" السريين الذين أشارا إلى أن غيفارا كان يتمتع بخلفية متنوعة من الاهتمامات الأكاديمية والفكر، ووصفته بأنه "قارئ جيد" وعلقت "ان تشي مثقف برغم من كونه من أصل لاتيني ".[15]
رحلة الدراجة النارية
غيفارا يصلح دراجته النارية التي استخدمها في رحلته بمرافقة ألبيرتو غرانادو.
دخل غيفارا جامعة بوينس آيرس لدراسة الطب في عام 1948 ولكن في عام 1951 أخذ إجازة لمدة سنة من الدراسات للشروع في رحلة يعبر فيها أمريكا الجنوبية على الدراجة النارية مع صديقه ألبيرتو غرانادو، كان الهدف النهائي يتمثل في قضاء بضعة أسابيع من العمل التطوعي في مستعمرة سان بابلو لمرضى الجذام في البيرو على ضفاف نهر الأمازون, في الطريق إلى ماتشو بيتشو التي تقع عالياً في جبال الأنديز، شعر غيفارا بالذهول لشدة فقر المناطق الريفية النائية، حيث يعمل الفلاحين في قطع صغيرة من الأراضي المملوكة من قبل الملاك الأثرياء.[16] في رحلته أبدى غيفارا اعجابه بالصداقة الحميمية بين أولئك الذين يعيشون في مستعمرات الجذام، قائلا "إنه أعلى أشكال التضامن البشري والولاء الذي ينشأ بين الناس في ظل الوحدة واليأس من هذا القبيل."[16] استخدم غيفارا المذكرات التي اتخذها خلال هذه الرحلة لكتابة كتاب بعنوان يوميات دراجة نارية والذي أصبح أفضل كتاب مبيعاً كما وصفته نيويورك تايمز، [17] الذي نال لاحقاً جائزة في 2004 عن فيلم مقتبس منه يحمل نفس اسم الكتاب.
بحلول نهاية الرحلة وصل غيفارا لاستنتاج بأن أمريكا اللاتينية ليست مجموعة من الدول المنفصلة، ولكن اعتبرها كياناً واحداً يتطلب استراتيجية تحرير على نطاق القارة, مفهومه عن الولايات المتحدة لقارة أمريكا من أصل أسبانى بلا حدود والتي تقاسم تراث لاتيني مشترك كان موضوعاً بارزاً تكرر خلال نشاطاته الثورية لاحقاً, لدى عودته إلى الأرجنتين أكمل دراسته وحصل على شهادة الطب في حزيران / يونيو 1953 مما جعله رسمياً "الدكتور ارنستو تشي غيفارا".[18] لاحظ غيفارا في أنه من خلال أسفاره إلى أمريكا اللاتينية انه وصل إلى استنتاج من وجود"اتصال وثيق بين الفقر والجوع ووالمرض" جنباً إلى جنب مع "عدم القدرة على علاج طفل بسبب عدم وجود المال" و"غيبوبة استفزاز الجوع المستمر والعقاب" التي تؤدي بالأب إلى "قبول فقدان الابن على انه حادث غير مهم". كانت هذه التجارب التي يستشهد بها غيفارا تقنعه بأنه من أجل "مساعدة هؤلاء الناس" إلى انه يحتاج إلى ترك مجال الطب، والنظر في الساحة السياسية للبحث عن الكفاح المسلح.[19]
جواتيمالا في حكم أربينز وشركة الفواكه المتحدة
تشي غيفارا بين عامي 1953 و 1956، بما في ذلك زيارته لشمال غواتيمالا، واقامته في المكسيك، ورحلته شرقا بحرا إلى كوبا مع فيديل كاسترو والثوريين الآخرين
غيفارا مع زوجته الأولى هيلدا جاديا في تشيشين إيتزا في رحلة شهر العسل.
انطلق غيفارا مرة أخرى في يوم 7 يوليو 1953 وهذه المرة إلى بوليفيا وبيرو والإكوادور وبنما وكوستاريكا ونيكاراغوا وهندوراس والسلفادور, وفي يوم 10 ديسمبر من عام 1953 قبل أن يغادر إلى غواتيمالا أرسل غيفارا خطاب لعمته بياتريس من سان خوسيه في كوستاريكا, في الرسالة تحدث غيفارا عن العبور خلال أملاك شركة الفواكه المتحدة والذي أقنعه بالواقع "الرهيب" للرأسمالية "الاخطبوط".[20] هذا السخط حمل نبره "الرغبة في الانتقام" الذي اعتمد عليه لإخافة المزيد من أقاربه المحافظين واستمر مع غيفارا حتى عندما أقسم على قبر جوزيف ستالين عندما توفى حيث أقسم أنه لن يرتاح حتى "يتم التغلب على هذه الأخطبوطات".[21] وصل غيفارا إلى غواتيمالا في نفس الشهر حيث كان الرئيس خاكوبو أربينيز يرأس حكومة منتخبة ديمقراطياً وكان يحاول من خلال إصلاح الأراضي وغيرها من المبادرات إلى وضع حد لنظام الإقطاع, لإنجاز هذا قام الرئيس أربينز بسن برنامج لإصلاح الاراضى كبير، حيث أن جميع أجزاء الأراضى الغير مستزرعة ذات الحيازات الكبيرة كان من المقرر أن يتم مصادرتها وإعادة توزيعها على الفلاحين المعدمين, أكبر مالك للأراض وواحد من أكثر الملاك تضرراً من هذه الإصلاحات كانت شركة الفواكه المتحدة والتي قامت حكومة أربينز بالفعل بسحب أكثر من 225.000 فدان من ملكيتها.[22] بعد شعوره بالرضا من الطريقه التي اتخذتها هذه الأمة قرر غيفارا أن يستقر في غواتيمالا وذلك "لتهيئة نفسه وإنجاز ما قد يكون ضروريا من أجل أن يصبح ثوريا حقا".[23]
في غواتيمالا سيتي سعى غيفارا للتعرف على هيلدا جاديا أكوستا وهي مواطنة من البيرو تعمل بالاقتصاد والتي كان لديها العديد من المعارف السياسية بوصفها عضواً في التيار اليساري في حزب التحالف الشعبي الثوري (أمريكانا). قامت بتعريف غيفارا على عدد من المسؤولين رفيعي المستوى في حكومة أربينز, بعد ذلك تعرف غيفارا على مجموعة من المنفيين الكوبيين المرتبطين بفيديل كاسترو عن طريق هجوم 26 يوليو 1953 على ثكنة مونكادا في سانتياغو دي كوبا[24] واكتسب غيفارا لقبه الشهير خلال هذه الفترة نظراً إلى الاستخدام المتكرر للاختصار الأرجنتيني (تشي) وهي كلمة عامية عارضة يتم استخدامها على غرار (الرفيق) أو (صديق).[25]
محاولات غيفارا للحصول على التدريب الطبي لم تكلل بالنجاح ووضعه الاقتصادي في كثير من الأحيان كان يمنعه من هذا, وفي 15 مايو 1954 تم إرسال مجموعة من المشاة المحملين بمدافع سكودا والأسلحة الخفيفة من قبل تشيكوسلوفاكيا الشيوعية لحكومة أربينز حيث وصلت إلى "بويرتو باريوس"، [26][27] نتيجة لذلك قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والجيش بغزو البلاد وتثبيت اليميني الديكتاتوري "كارلوس كاستيو أرماس" في الحكم.[23] غيفارا كان تواقاً للقتال نيابة عن أربينز بل وانضم إلى الميليشيات المسلحة التي نظمتها الشبيبة الشيوعية لهذا الغرض، ولكنه شعر بالاحباط نتيجة لتقاعس الجماعة عن العمل وسرعان ما عاد إلى مهام الرعاية الطبية, وفي أعقاب الانقلاب تطوع للقتال مرة أخرى، لكن بعد فترة وجيزة لجأ أربينز إلى السفارة المكسيكية ونصح مؤيديه الأجانب بمغادرة البلاد, نداءات غيفارا المتكررة للمقاومة تمت ملاحظتها من قبل مؤيدي الانقلاب، وتم اعلان الرغبة في اغتياله.[28] بعد إلقاء القبض على هيلدا جاديا، سعى غيفارا للحماية داخل القنصلية الأرجنتينية حيث ظل هناك حتى حصل على تصريح الخروج الآمن, بعد ذلك ببضعة اسابيع انطلق في إلى المكسيك.[29] تزوج غيفارا من هيلدا جاديا في المكسيك في سبتمبر من عام 1955.[30]
عملية التدخل للاطاحة بنظام أربينز عززت وجهة نظر غيفارا تجاه الولايات المتحدة باعتبارها القوة الاستعمارية التي من شأنها أن تعارض وتحاول تدمير أي حكومة تسعى لمعالجة عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية المستوطنة في أمريكا اللاتينية وغيرها من البلدان النامية, كان غيفارا على اقتناع بأن تحقيق الماركسية لا يتم إلا من خلال الكفاح المسلح الذي يدافع عنه الشعب المسلح والطريق الوحيد لتصحيح مثل هذه الظروف وذلك بتعزيزها.[31] هيلدا جاديا كتبت في أن "غواتيمالا هي التي أقنعته أخيراً بضرورة الكفاح المسلح، وعلى أخذ زمام المبادرة ضد الامبريالية. عندما حان وقت الرحيل كان هو حينها واثق من هذا.[32]
[عدل]مدينة مكسيكو والإعداد
وصل غيفارا إلى مدينة مكسيكو في مطلع سبتمبر 1954 وعمل في قسم الحساسية في المستشفى العام, إضافة إلى إلقاء محاضرات حول الطب في الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك وعمل كمصور صحفي لاتيني لوكالة الأنباء.[33] خلال هذا الوقت جدد صداقته مع نيكو لوبيز وغيرهم من المنفيين الكوبيين الذين كان قد التقى بهم في غواتيمالا, في يونيو 1955 قدم له لوبيز راؤول كاسترو الذي عرفه في وقت لاحق بأخيه الأكبر فيدل كاسترو الزعيم الثوري الذي شكل حركة 26 يوليو وأصبح الآن يخطط للإطاحة بالديكتاتور باتيستا, خلال محادثة نقاشية طويلة مع كاسترو في أول اجتماع لهما خلص غيفارا إلى أن قضية هذا الكوبي هي ما كان يبحث عنه وقبل الفجر كان قد قام بالإنضمام كعضو لما يسمى بحركة 26 يوليو.[34] منذ هذه النقطة في حياة غيفارا أصبح يعتبر الولايات المتحدة تسيطر علي التكتلات بتثبيت ودعم الأنظمة القمعية في مختلف أنحاء العالم, في هذا السياق اعتبر باتيستا دمية الولايات المتحدة التي يجب إزالتها.[35]
على الرغم من أنه كان من المقرر أن يكون مسعف المجموعة القتالية ولكنه شارك في التدريبات العسكرية مع أعضاء الحركة. الجزء الرئيسي من التدريب كان حول تعلم تكتيكات الكر والفر في حرب العصابات, غيفارا وغيره خضع لتدريبات شاقة تشمل مسيرات طوال 15 ساعة بالجبال وعبر الأنهار وخلال شجيرات كثيفة، وتعلم واتقن إجراءات الكمين والتراجع السريع, من البداية كان غيفارا الطالب المثالى لألبرتو بايو بين هؤلاء في مجال التدريب، وسجل أعلى مستوى في كافة الاختبارات المعنيه.[36] في نهاية الدورة تم تسميته "أفضل مقاتل" من قبل المدرب والعقيد بايو.[37]
الثورة الكوبية
مقالات تفصيلية :الثورة الكوبية و معركة سانتا كلارا
الغزو والحروب وسانتا كلارا
غيفارا يركب بغلة في مقاطعة لاس فيلياس في كوبا نوفمبر 1958
الخطوة الأولى في خطة كاسترو الثورية كانت الهجوم على كوبا من المكسيك عبر غرانما وهو مركب قديم يرشح, قاموا بتحديد يوم 25 نوفمبر 1956 للهجوم على كوبا, قام جيش باتيستا بالهجوم عليهم بعد الهبوط مباشرة، وقتل العديد من الإثنين والثمانون مقاتل في الهجوم الذي وقع لم ينج منهم سوى 22 رجلاً.[38] كتب غيفارا أنه خلال هذه المواجهة الدامية القى باللوازم الطبية والتقط صندوق من الذخيرة من مخلفات أحد رفاقة الهاربيين وكانت هذه الخطوة الحاسمة حيث ترك نهائيا الطب وأصبح مقاتلاً.
ظلت مجموعة صغيرة من الثوار على قيد الحياة لإعادة القوة القتالية الرثة للمجموعة في عمق جبال سييرا مايسترا حيث تلقت دعماً من شبكة حرب العصابات في المدن ومن فرانك باييس وكذلك حركة 26 يوليو والفلاحين المحليين مع انسحاب المجموعة إلى سيراليون، تساءل العالم عما إذا كان كاسترو حياً أو ميتاً حتى أوائل عام 1957 عندما تمت المقابلة مع "هربرت ماثيوز" وظهرت في مقال بصحيفة نيويورك تايمز, المقالة المقدمة قامت بتصوير دائم، شبه الأسطوري لصورة كاسترو ورجال حرب العصابات, لم يكن غيفارا حاضراً للمقابلة، ولكنه في الأشهر المقبلة بدأ يدرك أهمية وسائل الاعلام في نضالهم, في هذا الوقت كانت اللوازم في انخفاض وكذلك الروح المعنوية، وعانى غيفارا من حساسية بسبب لدغات البعوض التي أسفرت عن خراجات مؤلمة بحجم الجوز على جسده، [39] أعتبر غيفارا هذه المرحلة "الأكثر إيلاما في الحرب".[40]
مع استمرارية الحرب أصبح غيفارا جزئاً لا يتجزأ من الجيش والمتمردين وأقنع كاسترو بقدراته ودبلوماسيته وصبره.[41] اقام غيفارا مصانع لتصنيع القنابل اليدوية، وقام ببناء أفران لصنع الخبز ودرس المجندين الجدد التكتيكات ونظم المدارس لتعليم الفلاحين الأميين القراءة والكتابة.[41] وعلاوة على ذلك أنشاء غيفارا العيادات الصحية وورش عمل لتعليم التكتيكات العسكرية وصحيفة لنشر المعلومات.[42] الرجل الذي بعد ثلاث سنوات أطلقت عليه مجلة تايم لقب: عقل الثورة في هذه المرحلة تمت ترقيته من قبل فيدل كاسترو إلى القائد الثاني في الجيش.[41]
باعتباره المحارب الوحيد في مرتبة قائد إلى جانب فيدل كاسترو كان غيفارا قاسياً للغاية بشأن انضباط المنشقين الذين تم أطلاق النار عليهم من دون تردد, تمت معاقبة الهاربين على أنهم خونة وغيفارا كان معروفاً بارسال فرق إعدام لمطاردة الذين يسعون للهروب بدون اذن,[43] نتيجة لذلك أصبح غيفارا يخشى لوحشيته وقسوته.[44] خلال حملة حرب العصابات كان غيفارا المسؤول كذلك عن تنفيذ أحكام الإعدام على الفور للرجال المتهمين بالتخابر أو الفارين أو الجواسيس في كثير من الأحيان.[45]
العلامة المميزة لغيفار زيه العسكري الأخضر الزيتونى في 2 يونيو 1959.
على الرغم من انه حافظ على النظام القاسى والشديد إلا أن غيفارا كان ينظر لدور القائد كالمعلم وكان يقوم بالترفيه لرجاله أثناء فترات الراحة بين المناوشات وذلك بالقراءة لأمثال روبرت لويس ستيفنسون وسرفانتس والشعر الغنائي الأسباني.[46] وصف الضابط القائد الكوبي فيدل كاسترو غيفارا بأنه ذكي وجرىء وزعيم مثالي الذي كان له سلطة معنوية كبيرة على قواته.[47] لاحظ كاسترو كذلك أن غيفارا يقوم بالكثير من المخاطرات حتى أن لديه ميل نحو التهور.[48]
كان لغيفارا دور أساسي في إنشاء محطة إذاعية سرية المسمى راديو ريبيلدي في فبراير عام 1958 الذي تبث الأخبار للشعب الكوبي مع تصريحات من جانب حركة 26 يوليو ولم يتوفير الاتصال اللاسلكي بين عدد متزايد من المتمردين في أنحاء الجزيرة. كان من الواضح أن مصدر إلهام غيفارا لإنشاء محطة كان من خلال مراقبة فعالية وكالة المخابرات المركزية التي قدمت إذاعة لغواتيمالا لإسقاط حكومة جاكوبو أربينز غوزمان.[49]
في أواخر يوليو عام 1958 لعب غيفارا دوراً حاسماً في معركة لاس مرسيدس باستخدام مجموعة محاربين لوقف استدعاء 1.500 رجال من قبل باتيستا كانتيو ضمن خطة لتطويق وتدمير قوات كاسترو, بعد سنوات قام الميجور لاري بوكمان من قوات المشاة البحرية الأمريكية بالتحليل وتقدير ووصف تكتيكات تشي لهذه المعركة بأنها رائعة.[50] خلال هذا الوقت أيضاً أصبح غيفارا الخبير الرائد في تكتيكات الكر والفر ضد جيش باتيستا حيث كان يقوم بالضرب ثم يتلاشى مرة أخرى في الريف قبل تمكن الجيش من الهجوم المضاد.[51]
مع استمرار الحرب قام غيفارا بقيادة مجموعة جديدة من المقاتلين غرباً للقيام بدفعة نهائية تجاه هافانا, قام غيفارا بالسفر مشياً على الأقدام واستغرق الأمر 7 أسابيع شاقة حيث كان يتحرك ليلاً فقط لتجنب الكمائن وكثيراً كان لا يأكل لعدة أيام.[52] في الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر عام 1958 كان على غيفارا مهمة قسم الجزيرة إلى قسمين عن طريق الاستيلاء على مقاطعة لاس فيلياس, في غضون بضعة أيام نفذ سلسلة من الإنتصارات تكتيكية رائعة سمحت له بالسيطرة على جميع المقاطعات ولكن دون العاصمة سانتا كلارا,[52] توجه غيفارا بكتيبته الانتحارية للهجوم على سانتا كلارا، التي أصبحت النهاية الحاسمة للإنتصار العسكري للثورة.[53][54] في الأسابيع الستة التي سبقت معركة سانتا كلارا كانت هناك أوقات كانوا الرجال محاطين بالكامل والعدد متفوق عليهم وكادوا يغلبون, أنتصر تشي في نهاية المطاف على الرغم من الصعاب الهائلة والتفوق العددي للعدو الذي وصل إلى 10:1 وهذه المعارك تظل في رأي بعض المراقبين حرب قوة ملحوظة ورائعة في الحروب الحديثة.[55]
بعد معركة سانتا كلارا، 1 يناير 1959
بث راديو ريبيلدي التقارير الأولى لنجاح قوات غيفارا في احتلال سانتا كلارا ليلة رأس السنة عام 1958, تناقض هذا مع التقارير التي تخضع للرقابة المشددة الصادرة من وسائل الإعلام بالأخبار الوطنية الذين في مرحلة من المراحل أعلنوا عن وفاة غيفارا أثناء القتال, في الساعة 3 صباحاً في 1 يناير عام 1959 تم التفاوض على سلام منفصل مع غيفارا وصعد باتيستا على طائرة في هافانا وهرب إلى الجمهورية الدومينيكية مع ثروته التي تقدر بأكثر من 300.000.000 عن طريق الكسب غير المشروع والرشاوى.[56] في يوم 2 يناير دخل غيفارا إلى هافانا للسيطرة النهائية على العاصمة.[57] استغرق فيدل كاسترو أكثر من 6 أيام حتى وصل، وذلك لتوقفه لحشد الدعم في عدة مدن كبيرة في طريقه إلى هافانا في 8 يناير عام 1959.
في فبراير أعلنت الحكومة الثورية غيفارا مواطن كوبي المولد تقديراً لدوره في الانتصار.[58] صدر قانون يعطي الجنسية والمواطنية الكاملة لكل من حارب مع الثوار برتبة عقيد، ولم توجد هذه المواصفات سوى في غيفارا الذي عيّن مديرا للمصرف المركزي وأشرف على محاكمات خصوم الثورة وبناء الدولة في فترة لم تعلن فيها الثورة عن وجهها الشيوعي، وما أن أمسكت الثورة بزمام الأمور - وبخاصة الجيش - حتى قامت الحكومة الشيوعية التي كان فيها غيفارا وزيراً للصناعة وممثلاً لكوبا في الخارج ومتحدثاً باسمها في الأمم المتحدة. عندما وصلت هيلدا جاديا إلى كوبا في أواخر شهر يناير قال غيفارا لها أن له علاقة مع امرأة أخرى واتفقا على الطلاق،[59] الذي تم يوم 22 مايو.[60] يوم 2 يونيو عام 1959 تزوج من أليدا مارش وهى عضو كوبي المولد من حركة 26 يوليو والتي كان يعيش معها منذ 1958.[61]
لا كابانا وإصلاح الأراضي
خلال التمرد ضد نظام باتيستا الدكتاتوري، دخلت القيادة العامة لجيش المتمردين بقيادة فيديل كاسترو إلى الأراضي المحررة من قانون العقوبات المعروف باسم لي دي لا سييرا.[62] هذا القانون يتضمن فرض عقوبة الإعدام على الجرائم الخطيرة للغاية سواء التي ارتكبها الدكتاتور أو أنصار الثورة, في عام 1959 نشرت الحكومة الثورية تطبيق القانون على كامل الجمهورية وعلى الذين اعتبرتهم مجرمي حرب وقامت بالقبض عليهم بعد الثورة, وفقاً لوزارة العدل الكوبي هذا التعديل الأخير كان مدعوماً من غالبية السكان، ويتبع نفس الإجراءات في محاكمات نورمبرغ التي عقدها الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية.[63]
(من اليمين إلى اليسار) زعيم المتمردين كاميلو سيينفيغوس والرئيس الكوبي مانويل أوروتيا وغيفارا (يناير 1959)
لتنفيذ جزء من هذه الخطة قام كاسترو بتنصيب غيفارا قائد لسجن القلعة لا كابانا لمدة خمس أشهر (من 2 يناير إلى 12 يونيو 1959).[64] اهتم غيفارا بتطهير جيش باتيستا وتوطيد انتزاع فوز "العدالة الثورية" ضد الذين يعتبرون خونة (مخبرين) أو من مجرمي الحرب,[65] أثناء عمل غيفارا في منصب قائد لسجن لا كابانا قام باستعراض التظلمات من المدانين خلال عملية المحكمة الثورية.[66] في بعض الحالات كانت العقوبة التي أصدرتها المحكمة هي الموت رميا بالرصاص.[67] جادل راؤول غوميس تريتو مستشار الشؤون القانونية في وزارة العدل الكوبية بان عقوبة الاعدام كانت مبررة من أجل منع المواطنين انفسهم من تحقيق العدالة بأيديهم، كما حدث منذ عشرين عاماً في وقت سابق أثناء مكافحة تمرد جيراردو ماشادو.[68] كتب السير الذاتية لاحظت أنه في يناير 1959 كان الجمهور الكوبي "مزاج الإعدام خارج نطاق القانون"، [69] وأشار إلى استفتاء في تلك الفترة يظهر 93 ٪ من التأييد الشعبي لعملية التحكيم,[66] لقى 20.000 من الكوبيين مصرعهم على يد أعوان باتيستا، [70] وكثير من الذين حكم عليهم بالإعدام كانوا متهمين بالتعذيب والاعتداءات البدنية، [66] حكومة السلطة الحديثة نفذت عمليات الإعدام "دون احترام للإجراءات القانونية الواجبة".[71] على الرغم من أن العدد الدقيق مختلف عليه, فمن المقدر أن عدة مئات من الأشخاص أعدموا خلال هذا الوقت.[72]
توجد آراء متضاربة حول مدى سعادة غيفارا إزاء عمليات الإعدام في مدينة لوس انجلوس بسجن لا كابانا، نشر بعض كتاب السيرة المعارضة تقرير بأنه استمتع بطقوس الاعدام رميا بالرصاص، ونظم لها بحماسة واندفاع.[71] ولكن ما اعترف به جميع الاطراف هو ان غيفارا أصبح رجل أكثر صرامة لا يتورع عن تطبيق عقوبة الإعدام أو القيام بإجراءات سريعة أو القيام بالمحاكمات الجماعية, إذا كان السبيل الوحيد "للدفاع عن الثورة هو تنفيذ أحكام الإعدام على أعدائها فإنه لن يتأثر بالحجج الإنسانية أو السياسية".[71] ويعضد هذا الرأى رسالة وجدت في 5 فبراير 1959 بين لويس لوبيز باريديس في بوينس آيرس وغيفارا حيث أقر الأخير بشكل لا لبس فيه "إن إطلاق النار من قبل فرق الإعدام ليست مجرد ضرورة لشعب كوبا ولكنها أيضا فرض".[73]
غيفارا مع بعض المزارعين.
أهتم غيفارا بجانب ضمان "العدالة الثورية" في وقت مبكر بأمر رئيسى آخر وهو إصلاح الأراضي الزراعية, بعد نجاح الثورة على الفور تقريبا في 27 يناير 1959 ألقى تشي غيفارا واحداً من أهم خطاباته، حيث تحدث عن "الأفكار الاجتماعية لجيش المتمردين" وخلال هذا الخطاب أعلن أن الهم الرئيسي للحكومة الكوبية الجديدة هو "العدالة الاجتماعية والذي يأتى من إعادة توزيع الأراضي".[74] وبعد بضعة أشهر في 17 مايو عام 1959 وضع "قانون الإصلاح الزراعي" ودخل حيز التنفيذ مما حدد حجم جميع المزارع إلى 1.000 فدان, أي حيازات أكثر من هذه الحدود تمت مصادرتها من قبل الحكومة وإعادة توزيعها على الفلاحين في شكل 67 فدان أو قدمت للبلديات التي تديرها الدولة.[75] وينص القانون أيضاً على أنه لا يمكن لمزارع قصب السكر أن تكون مملوكة من قبل الأجانب.[76]
يوم 12 يونيو عام 1959 أرسل كاسترو غيفارا في جولة لمدة ثلاثة أشهر لأربعة عشرة بلداً معظمها من حلف باندونغ ودول بأفريقيا وآسيا, إرسال غيفارا بعيداً عن هافانا سمح لكاسترو بأن يبدو بعيداً عن تشي الذي كان متعاطف مع الماركسية والتي أزعجت كل من الولايات المتحدة وبعض أعضاء حركة كاسترو حركة 26 يوليو.[77] قضى غيفارا 12 يوماً في اليابان (من يوليو 15 إلى 27) وشارك في المفاوضات لتوسيع علاقات كوبا التجارية مع هذا البلد، خلال هذه الزيارة قام غيفارا سراً بزيارة مدينة هيروشيما، حيث كان الجيش الأميركي قد فجر قنبلة نووية قبل 14 عاماً، صدم غيفارا مما شاهده خلال زيارته إلى المستشفى حيث كان به الناجين من القنبلة تحت العلاج.[78]
لدى عودته إلى كوبا في سبتمبر 1959 كان لكاسترو الآن سلطة سياسية أكبر, كانت الحكومة قد بدأت في الاستيلاء على الأراضي المدرجة في قانون الإصلاح الزراعي، ولكن كان عليها التحوط وتقديم تعويضات لملاك الأراضي وبدلاً من ذلك قامت بتقديم "سندات" الفائدة المنخفضة مما وضع الولايات المتحدة في حالة تأهب. عند هذه النقطة مربي الماشية المتضررين من الأثرياء في "كاماغوي" قاموا بشن حملة ضد إعادة توزيع الأراضي مع المجندين حديثاً الساخطين وزعيم المتمردين هوبر ماتوس، الذي وقف جنباً إلى جنب مع الجزء المعارض للجناح الشيوعي وحركة 26 يوليو انضم اليهم في استنكار للتعدي الشيوعي,[79] خلال هذا الوقت قدم دكتاتور الدومينيك "رافائيل تروخيلو" المساعدة إلى "فيلق مناهضة الشيوعية لمنطقة البحر الكاريبي" الذي كان يتدرب في جمهورية الدومينيكان, هذه القوة متعددة الجنسيات في معظمها كانت مؤلفة من الأسبان والكوبيين وأيضاً من الكروات والألمان واليونانيين والجناح الأيمن للمرتزقة، الذين كانوا يخططون للاطاحة بنظام كاسترو الجديد.[79]
تزايدت هذه التهديدات يوم 4 مارس 1960 عندما حدث انفجارين قاموا بهز سفينة الشحن الفرنسية "لا كوبر" والتي كانت تحمل ذخائر بلجيكية من ميناء انتويرب، ورست في مرفأ هافانا, الانفجارين أسفرا عن مقتل ما لا يقل عن 76 شخصاً وإصابة عدة مئات وقديم غيفارا شخصياً الإسعافات الأولية لبعض الضحايا, اتهم الزعيم الكوبي فيدل كاسترو على الفور وكالة المخابرات المركزية بالقيام "بالعمل الارهابي" وعقدت جنازة رسمية في اليوم التالي لضحايا الانفجار.[80] حضر حفل التأبين ألبرتو كوردا وأخذت الصورة الشهيرة لتشي غيفارا التي تعرف الآن باسم "زعيم حرب العصابات" (كما هو موضح في قالب المقال).[81]
هذه التهديدات المتصورة دفعت كاسترو للقيام بالمزيد من الثورة مضادة، والاستفادة من غيفارا بشكل جذري لزيادة سرعة إصلاح الأراضي لتنفيذ هذه الخطة أنشئت وكالة حكومية جديدة هي "المعهد الوطني للإصلاح الزراعي" (اينرا) كإدارة جديدة لتنفيذ قانون الإصلاح الزراعي وسرعان ما أصبحت هي أهم هيئة حكومية في البلاد برئاسة غيفارا بوصفه وزيراً للصناعة.[76] تحت قيادة غيفارا نشأت الميليشية الخاصة لاينرا بقوامة 100.000 شخص وتستخدم أولاً لمساعدة الحكومة على السيطرة على الأراضي المصادرة والإشراف على التوزيع، وبعد ذلك لإنشاء المزارع التعاونية, شملت الأراضي المصادرة 480.000 فدان مملوكة لشركات أمريكية.[76] وعلى سبيل الانتقام قام الرئيس الاميركي دوايت ايزنهاور بتخفيض حاد في الواردات من السكر الكوبي (المحصول النقدي الرئيسي لكوبا) مما جعل غيفارا يوم 10 يوليو عام 1960 بالقاء خطاب أمام أكثر من 100.000 عامل امام القصر الرئاسي في مسيرة دعا فيها إلى شجب تصرف الولايات المتحدة ووصفه "بالعدوان الاقتصادي".[82]
الرجل الجديد وخليج الخنازير وأزمة الصواريخ
اجتماع مع الفيلسوف الوجودي الفرنسي جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار مارس 1960. بالإضافة إلى لغته الإسبانية كان غيفارا يجيد اللغة الفرنسية بطلاقة.
حصل غيفارا بعدها على وظيفة إضافية وهي منصب رئيس البنك الوطني والتي وضعت تشي في ذروة قوته إضافة ً إلى كونه وزير الصناعة وجعلته القيصر "الافتراضي" للاقتصاد الكوبي.[82] كان أول أهدافة هو أن يرى تنويع في اقتصاد كوبا فضلاً عن القضاء على الحوافز المادية لصالح الدوافع الأخلاقية, كان ينظر إلى الرأسمالية بوصفها مسابقة "بين الذئاب" حيث "لا يسع المرء إلا بالفوز على حساب الآخرين" وبالتالي المطلوب أن نرى إنشاء "الرجل والمرأة الجديدين".[83] شدد غيفارا باستمرار على أن الاقتصاد الاشتراكي في حد ذاته لا "يستحق كل هذا الجهد والتضحية ومخاطر الحرب والدمار" إذا انتهى بتشجيع "الجشع والطموح الفردي على حساب الروح الجماعية.[84] وهكذا أصبح الهدف الرئيسي لغيفارا هو إصلاح "الوعي الفردي" والقيم على تقديم أفضل العمال والمواطنين.[84] في رأيه كان على "الرجل الجديد" لكوبا أن يكون قادراً على التغلب على الأنانية وحب الذات الذين كان يكرههم بشكل شديد لأنهم سمه من سمات الأفراد في المجتمعات الرأسمالية.[84] قال غيفارا ما يلي في وصف هذا الأسلوب الجديد من التنمية:
هناك فرق عظيم ما بين تنمية المشاريع الحرة وبين التنمية الثورية في إحداهما تتركز الثروة في أيدي محظوظين قليلين أصدقاء الحكومة، وأفضل تجار السيارات والدراجات النارية وفي الآخر تتركز الثروة في تراث الشعب.[85]
من معتقدات غيفارا أن هناك جزء لا يتجزأ من مواصلة تعزيز الشعور "بالوحدة الوطنية بين الفرد والجماعة" وهو العمل التطوعي. لعرض هذا قام غيفارا بالقيادة وتقديم المثل، وهذا عن طريق العمل "إلى ما لا نهاية في وظيفته في الوزارة في مجال البناء وحتى قطع قصب السكر" في أيام عطلته.[86] كان معروفاً بالعمل 36 ساعة متواصله داعياً لاجتماعات بعد منتصف الليل وتناول الطعام بشكل عارض.[84] وكان هذا السلوك يليق بغيفارا في طريقته الجديدة للتحفيز المعنوى حيث أن كل عامل كان المطلوب منه الآن تلبية حصة وإنتاج عدد معين من السلع ومع ذلك تم إلغاء الزيادات في الأجور وذلك بتقديم بديل وهو نظام يسمح للعمال عند تجاوز حصتهم الحصول على شهادة ثناء في حين أن العمال الذين فشلوا في الوفاء بحصصهم يتم تخفيض أجورهم.[84] دافع غيفارا عن فلسفته الشخصية والدافع ورائها قائلا :
هذا لا يعني كم يستطيع أحدهم أن يأكل ولا يعني كم مرة يذهب إلى الشاطئ في السنة أو كم قطعة من الحلي يستطيع أحدهم أن يشتري من خارج البلاد بمصروفه الحالي ما يهم فعلاً هو أن يشعر الفرد أكثر اكتمالاً مع ثراء داخلي أكبر ومسؤولية أكبر.
بغض النظر عن مزايا أو عيوب المبادئ الاقتصادية لغيفارا وبرامجه الذي انتهى قريباً بالفشل.[87] برنامج غيفارا " للحوافز المعنوية" للعمال تسبب بانخفاض سريع في الإنتاجية وارتفاع سريع في التغيب عن العمل.[88] في 17 نيسان 1961 دربت الولايات المتحدة 1.400 من المنفيين الكوبيين لغزو الجزيرة في حادثة غزو خليج الخنازير, لم يلعب غيفارا بنفسه دوراً أساسياً في القتال لأن قبل يوم من الغزو قامت سفينة حربية تنقل قوات مشاة البحرية مزورة بالغزو قبالة الساحل الغربي لبينار دل ريو، وتم توجيه القوات بقيادة غيفارا إلى تلك المنطقة. ومع ذلك يعطي المؤرخون غيفارا الفضل حيث كان مديراً تنفيذياً للقوات المسلحة الكوبيه في ذلك الوقت ومن حقة حصة من هذا النصر.[89] شرح الكاتب تاد شولك الفوز الكوبي الذي يسند بعض الفضل لغيفارا قائلا : إن الثوريين فازوا لأن تشي غيفارا بصفته رئيساً للإدارة القوات المسلحة الثورية والمسؤول عن برنامج تدريب الميليشيات قاموا بإعداد جيد جداً ل200.000 من الرجال والنساء للحرب. كما أصيب غيفارا خلال هذا الانتشار من مرور رصاصة بخده من مسدسه عندما سقط من الحافظة وانطلقت الطلقة بطريق الخطأ.[90]
في أغسطس 1961 على هامش المؤتمر الاقتصادي لمنظمة الدول الأمريكية في بونتا دل استي في أوروغواي، أرسل تشي غيفارا مذكرة "امتنان" للرئيس الاميركي جون كينيدي عن طريق ريتشارد غودوين - وهو سكيرتير شاب في البيت الأبيض - نصها كما يلي : شكراً لما حدث في (خليج الخنازير) قبيل هذا الغزو كان الثوار غير واثقين من انفسهم والآن هم أقوى من أي وقت مضى.[91] قام وزير الخزانة دوغلاس ديلون بعرض رداً من الولايات المتحدة للتحالف من أجل التقدم التصديق عليه من قبل الجلسة وهاجم غيفارا بعدوانية مطالبة الولايات المتحدة بكونها ديمقراطية مشيراً إلى أن مثل هذا النظام لا يتوافق مع ما يحدث من الطغمة المالية والتمييز ضد السود والاعتداء من قبل جماعة كو كلوكس كلان.[92] استمر غيفارا متحدثاً ضد الاضطهاد أنه في رأيه قاد علماء مثل اوبنهايمر لعزلهم من وظائفهم،[92] انهى غيفارا تصريحاته بتلميح ساخراً من أن الولايات المتحدة ليست مهتمة باقامة إصلاحات حقيقية الخبراء الأمريكيين لا يتحدثون أبدا عن الإصلاح الزراعي ويفضلون مواضيع آمنة مثل تحسين امدادات المياه, باختصار يبدو أنها تستعد لثورة المراحيض.[93]
كان غيفارا مهندس عملياً للعلاقات الكوبية السوفيتية،[94] ثم لعب دوراً رئيسياً في جلب الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية إلى كوبا من الاتحاد السوفيتي والتي أدت إلى أزمة الصواريخ الكوبية في أكتوبر 1962 وجعلت العالم على شفى الحرب النووية.[95] خلال مقابلة مع الصحيفة الشيوعية البريطانية العمال اليومية بعد أسابيع قليلة من الأزمة كان غيفارا لا يزال غاضب بسبب الخيانة المتصورة من السوفييت وذكر انه إذا كانت الصواريخ تحت السيطرة الكوبية لكانوا قد أطلقوها على الفور.[96] المراسل البريطاني سام راسل الذي تحدث إلى غيفارا في ذلك الوقت أشار إلى مشاعر مختلطة واصفاً اياه بأنه شخصية دافئة وأنه رجل استخبارات كبير لكن الصواريخ بالنسبة له هي كالمفرقعات,[96] أزمة الصواريخ اقنعت غيفارا بأن اثنين من القوى العظمى في العالم - الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي - تستخدم كوبا بمثابة رهان في استراتيجياتها العالمية. بعد ذلك أصبح يندد بالسوفيات تقريباً مع كل شجب للأمريكيين.[97]
[عدل]نضالاته
كره تشي اتكال الثورة الكوبية على الاتحاد السوفيتي، واستمر في ابتكار وسائل أخرى للحصول على التمويل وتوزيعه. ولأنه الوحيد الذي درس فعلا أعمال كارل ماركس بين قادة حرب العصابات المنتصرين في كوبا، فإنه كان يحتقر التحريفيين ومافيا الحزب الذين صعدوا على أكتاف الآخرين في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، وفي كوبا أيضا.
كشف (آي إف ستون) كيف انهمك تشي جيفارا في نقاش علني، أثناء مؤتمر في مدينة بونتي ديل استي بأوروجواي مبكراً في 1961 (وهو المولود في الأرجنتين حيث درس الطب هناك) مع بعض شباب اليسار الجديد من نيويورك. أثناء تلك المناقشة، مر بهم اثنان من جهاز الحزب الشيوعي الأرجنتيني. لم يستطع جيفارا أن يمنع نفسه من الصياح بصوت عال، "هيي، لماذا أنتم هنا، أمن أجل أن تبدأوا الثورة المضادة؟"
مثّل تشي الكثيرين في الحركة الناشئة إرادتهم على الحركات الثورية للسكان الأصليين.
وبالفعل فإن الثورة في كوبا، على عكس المفاهيم المعاصرة للكثيرين في الولايات المتحدة اليوم، كانت مستقلة، وفي بعض الأحيان معارضة للحزب الشيوعي الكوبي. ولقد أخذ بناء مثل هذه العلاقة -التي لم يكن من السهل صنعها- عدة سنوات فقط بعد الثورة ونجحت في أخذ سلطة الدولة وتأسيسها، دافعة إلى الاندماج بين القوى الثورية والحزب -الاندماج الذي لم يضع نهاية لمشاكل جيفارا والثورة الكوبية نفسها.
إحدى تلك المشاكل هي اعتماد كوبا المتزايد على الاتحاد السوفيتي (في بعض الأوجه يماثل الاعتماد المتزايد لبعض المنظمات الراديكالية على منح المؤسسات في صورة أموال ولوازم لولبية أخرى). قررت الحكومة أثناء احتياجها اليائس للنقد من أجل شراء لوازم شعبها الضرورية -وبعد نقاش مرير- قررت أن تضيع فرصة تنويع الزراعة في كوبا من أجل التوسع في محصولها النقدي الرئيسي، قصب السكر، الذي يتم تبادله أمام البترول السوفيتي، لتستهلك جزء من هذا البترول وتعيد بيع الباقي في السوق العالمي. وبالتدريج فقدت كوبا، بالرغم من تحذيرات تشي (والآخرين)، القدرة على إطعام شعبها نفسه -وهي المشكلة التي بلغت أبعادا مدمرة بانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.
وهي نفس الأزمات التي أحدقت بالاتحاد السوفيتي والدول التي كان معترفا بها كدول اشتراكية عندما سعوا وراء النموذج الصناعي للتنمية وحاولوا أن يدفعوا ثمنه بالإنتاج والتنافس في السوق العالمي. كان رد فعل تشي: لا تنتج من أجل السوق العالمي. ارفض تحليلات التكلفة/المنفعة (cost/benefit) كمعيار لما ينبغي إنتاجه. آمن تشي بأن المجتمع الجديد حقيقة، وعليه أن يجعل طموحه هو ما يحلم به شعبه من أجل المستقبل، وأن يعمل على تنفيذه فورا في كل أوان ومكان. وحتى تبلغ ذلك، على الثورات الشيوعية أن ترفض معيار "الكفاءة" وعليها أن ترعى المحاولات المجتمعية المحلية حتى تخلق مجتمعا أكثر إنسانية بدلاً من ذلك.
[عدل]الدبلوماسية الدولية
سافر تشي غيفارا في كانون الأول 1964 لمدينة نيويورك على رأس الوفد الكوبي لإلقاء كلمة في الأمم المتحدة, وخلال كلمته الحماسية انتقد غيفارا عدم قدرة الأمم المتحدة لمواجهة السياسة "الوحشية ونظام الفصل العنصري" في جنوب أفريقيا وأعلن "ألا يمكن للأمم المتحدة أن تفعل شيئا لوقف هذا الأمر؟" [98] ثم شجب جيفارا سياسة الولايات المتحدة تجاه السكان السود قائلا :
أولئك الذين يقتلون أطفالهم ويميّزون بينهم كل يوم بسبب لون بشرتهم, الذين سمحوا لقتلة السود بالبقاء أحراراً, وقاموا بحمايتهم, وإضافةً إلى ذلك عاقبوا السود لأنهم طالبوا بحقوقهم المشروعة بالعيش كرجال أحرار, من هم أولئك الذين جعلوا من أنفسهم حراساً للحرية؟[98]
واختتم جيفارا خطابه ساخطا من خلال قراءة الفقرة الثانية لإعلان هافانا معلناً أمريكا اللاتينية عائلة من 200 مليون أخ يعانون من نفس البؤس." [98] أعلن جيفارا أن هذه الملحمة من شأنها أن تكون مكتوبة من قبل "جماهير الهنود الجياع والفلاحون المنتزعين من الأرضي والعمال المستغلون والجماهير التقدميين". الصراع لجيفارا كان صراعا على الكتلة والأفكار والتي سوف يحملها "الذين يتم معاملتهم بسوء واستهزاء من قبل الامبريالية" التي كانت تعتبرهم في السابق "قطيع من الضعفاء وخانعيين". مع هذا القطيع أكد جيفارا الآن أن احتكار الرأسمالية اليانكية مخيف وسيتسبب "بحفر قبورهم." [98] أضاف جيفارا أنه سيكون في خلال هذه الساعة من "الدفاع" أن تبدأ جموع "المجهول" في كتابة تاريخها الخاص "بدمها" واستعادة هذه الحقوق التي كان يُسخر منها لمدة 500 سنة. أضاف جيفارا في ملاحظاته إلى الأمم المتحدة إلى الجمعية العامة على افتراض أن هذه "الموجة من الغضب" سوف "تجتاح الأراضي في أمريكا اللاتينية" وجماهير العمال الذين "يدورون عجلة التاريخ" للمرة الأولى سيقومون "بالصحوة المفتقدة منذ فترة طويلة من وحش النوم الذي كانوا قد تعرضوا له.[98]
غيفارا يستلم درعاً تذكارياً من جمال عبد الناصر ويظهر في الصورة علي صبري.
في وقت آخر علم غيفارا أنه تعرض لمحاولتين إغتيال فاشلتين لاغتياله من قبل المنفيين الكوبيين أثناء توقفه في مجمع الأمم المتحدة.[99] المحاولة الأولى من مولي غونزاليس الذي حاول اختراق الحواجز لدى وصوله ومعه سكين صيد طولها سبعة بوصة، والثانية خلال خطابه من قبل غييرمو نوفو الذي كان يحمل جهاز توقيت حيث كانت هناك بازوكا سيتم إطلاقها من قارب في نهر الشرق على مقر الأمم المتحدة. [99][100] بعد ذلك علق غيفارا على كلا الحادثين على أنه: من الأفضل أن أقتل على يد امرأة بسكين من أن أقتل من رجل يحمل بندقية في حين اضاف قائلاً مصاحباً موجة من دخان السيجار من فمه: ان الانفجار كان سيجعل الأمر أكثر نكهة.[99]
بينما كان تشي غيفارا في مدينة نيويورك ظهر على شبكة سي بي اس في برنامج صنداى للأخبار برنامج واجه الأمة [101]، والتقى مع مجموعة من الناس، منهم السناتور الاميركي يوجين مكارثي [102] شركاء لمالكوم إكس, مالكولم إكس الذي ابدى اعجابه بجيفارا معلنا أنه أحد الرجال الأكثر ثورية في هذا البلد الآن بينما كان يقرأ بياناً له أمام حشد في قاعة أودوبون.[103]
غيفارا في قطاع غزة.
غادر غيفارا لباريس في 17 ديسمبر في جولة لمدة ثلاثة أشهر واشتملت على شعب جمهورية الصين الشعبية، والجمهورية العربية المتحدة (مصر)، الجزائر، غانا، غينيا، مالي، داهومي، والكونغو برازافيل وتنزانيا، مع توقف في ايرلندا ووبراغ. بينما كان غيفارا في ايرلندا قام بالاحتفال بتراث بلده الايرلندي في مناسبة عيد القديس باتريك في مدينة ليميريك.[104] كتب إلى والده عن هذه الزيارة قائلا بخفة دم: أنا في ايرلندا الخضراء الخاصة بأسلافك عندما اكتشف التلفزيون [المحطة] جاءوا ليسألونى عن نسبى ل