بسم الله الرحمن الرحيم
الخسوف والكسوف
الخسوف والكسوف eclipse حادثتان كونيتان راقبهما الإنسان منذ وجد على الأرض وحاول تفسيرهما بطرق مختلفة. تستعمل، عادة، كلمتا كسف وخسف لكل من الشمس والقمر دون تمييز. وقد استخدم البتاني في زيجه الصابئ الكسوف لكل من الشمس والقمر، وفضل النحوي العربي الشهير ثعلب استعمال الكسوف للشمس والخسوف للقمر. لم ترد كلمة كسف في القرآن الكريم، ووردت كلمة خسف مع القمر مرة واحدة في قوله تعالى ﴿وخسف القمر﴾ (القيامة 8). تستعمل في كل من الفرنسية والإنكليزية كلمة واحدة لهاتين الحادثتين هي eclipse.
إن أول الوثائق التي وصلت في هذا الأمر هي لوحات فخارية كلدانية، تحوي إحداها مثلاً «لا تُرى الزهرة في الرابع عشر من هذا الشهر، وقد قلت للملك إن القمر يخسف، وقد وقع ذلك وهو نذير شؤم».
خسوف القمر
ليس للأرض والقمر نور ذاتي، بل نور مكتسب من الشمس. ويعكس كل منهما هذا النور ليسقط على الآخر. ينخسف القمر عندما تحجب الأرض أشعة الشمس عنه. ويحدث ذلك حين يكون القمر بدراً، والأرض واقعة بين القمر والشمس، ويكون عندئذٍ الفرق بين الطولين السماويين للشمس والقمر مساوياً 180.ْ
الشكل (1)
مخروطا الظل وشبه الظل
تسقط أشعة الشمس على الأرض فتغلفها بمخروط دوراني يمس كلاً منهما من الخارج. يقع الرأس ب لهذا المخروط بعد الأرض، وتحيط قاعدته بها (الشكل-1). يدعى هذا المخروط مخروط الظل، لأنه لايصل إلى داخله أي شعاع من أشعة الشمس. تغلف الشمس الأرض، أيضاً، داخلياً بمخروط مزدوج (ذي فرعين) يمس كلاً منهما، ويقع رأسه جـ بينهما، ويمتد خلف الأرض دون حدود. يسمى هذا المخروط (الذي رأسه جـ وقاعدته على الأرض، ويمتد إلى ما بعد الأرض) مخروط شبه الظل، لأن الأرض تحجب عن داخله جزءاً من أشعة الشمس، لاكلها.
لو كان مدار القمر واقعاً في مستوي دائرة البروج، حيث يقع كل من مركز الشمس والأرض، لَقَطَع القمر المستقيم الواصل بين هذين المركزين، ولَحَصَل كسوف عند كل اقتران وخسوف عند كل تعاكس.
إمكان حدوث خسوف
إذا رمز لنصف قطر الأرض بالحرف ر (ر=6443كم)، فإن نصف قطر الشمس يساوي 109ر، ونصف قطر القمر 3/11 ر=1737كم. بحساب بسيط ينتج أن ارتفاع مخروط الظل يساوي 217 ر. يساوي بعد القمر عن الأرض 59 ر، ويساوي نصف قطر مقطع مخروط الظل على بعد من الأرض يساوي بعدها عن القمر، 0.728 ر أي4690كم. يكون القمر قابلاً للانغماس في مخروط الظل إذا تحققت شروط معينة. ويحصل عندئذٍ خسوف كامل يدعى خسوفاً كلياً.
إن بعد القمر عن الأرض غير ثابت، لذا فإن نصف القطر الظاهري يه لمقطع الظل يقع بين 33ً 46َ و 23ً 38َ. كذلك نصف القطر الظاهري Dللقمر يقع بين 55ً 16َ و11ً 14َ، لذا يكون الحد الأعلى لـِ يه + Dمساوياً 28ً 63َ، والحد الأدنى لـِ يه + D مساوياً 34ً 52َ. ونجد أن يه + D واقع بين 33ً 46َ و23ً 38َ.
بتدوير هذه الأعداد ينتج أنه إذا كان عند التعاكس (بفرض ع العرض السماوي للقمر):
1 ـ |ع| < 21َ، فسيحدث خسوف كلي أكيد، وإذا كان 32َ > |ع| > 21َ، فسيحدث خسوف كلي أو جزئي.
2 ـ 52َ > |ع| > 32َ، فسيحدث خسوف جزئي، وإذا كان |ع| > 63َ فلا يقع خسوف.
مراحل خسوف القمر
الشكل (2) رؤية خسوف القمر
1- كسوف في شبه الظل
2- كسوف كلي في الظل
3- كسوف جزئي
إذا قُطِعَ مخروطا الظل وشبه الظل بمستوٍ يبعد عن مركز الأرض بُعْدَ مركز القمر عنه، فيظهر (الشكل-2). يتحرك القمر، في هذا المستوي، حول الأرض من الغرب إلى الشرق، ويبدأ الخسوف، إذا كان ممكناً، عندما يمس قرص القمر خارجياً شبه الظل. يتابع القمر انغماسه في شبه الظل. ويبدو في هذه الفترة باهتاً حتى يلامس مقطع الظل خارجياً، ويبدأ عندها خسوف القمر الجزئي، ويزداد الجزء المظلم شيئاً فشيئاً حتى ينغمس القمر كلياً في دائرة الظل. [لا يبدو القمر عند خسوفه الكلي مظلماً تماماً بل يصل إليه بعض النور المنعكس على طبقات جو الأرض العليا، فتكسبه لوناً محمراً قليلاً]. يتابع قرص القمر حركته في دائرة الظل حتى يلامس دائرة الظل خارجياً، وينتهي عندئذٍ الخسوف بالمعنى الصحيح، خسوف جزئي + خسوف كلي + خسوف جزئي.
يرى خسوف القمر في اللحظة ذاتها من جميع بقاع الأرض التي يظهر فيها القمر فوق أفقها في هذه اللحظة وبالصورة ذاتها. لذا يمكن استخدام هذه الحادثة لتعيين أطوال أمكنة الأرض بعضها بالنسبة إلى بعضها الآخر باستخدام اختلاف الزمن الشمسي الحقيقي فيها.
المدة العظمى للخسوف
يقدر الزمن من بدء دخول القمر في شبه الظل إلى بدء دخوله في الظل بساعة واثنتي عشرة دقيقة، ومن بدء دخوله في الظل إلى انغماسه فيه بساعة وأربع وأربعين دقيقة، ومن نهاية الخسوف الكلي إلى الخروج من الظل بساعة واثنتي عشرة دقيقة، ومن الخروج من الظل حتى الخروج من شبه الظل بساعة واثنتي عشرة دقيقة. لذا تكون المدة العظمى لخسوف كامل مساوية ست ساعات وثماني عشرة دقيقة. أما الخسوف الجزئي والكلي في الظل فتقدر مدته بثلاث ساعات وأربع وخمسين دقيقة.
كسوف الشمس
يقع كسوف الشمس عندما يحجب القمر نورها، كله أو بعضه، عن الأرض، وذلك عندما يكون القمر والشمس في حالة اقتران، أي عندما يكون طولاهما السماويان متساويين.
تحدد أشعة الشمس التي تنير القمر مخروط ظل له يمتد نحو الأرض، ومخروط شبه ظل يغطي جزءاً من الأرض. [إذا عرفنا إضافة إلى الأبعاد التي ذكرناها سابقاً، أن بعد الأرض عن الشمس يساوي 23440ر، وبعد القمر عن الأرض يقع بين 55ر و64ر، فإن ارتفاع مخروط ظل القمر يقع بين 57.5 ر و 59.5 ر].
يُمَيّز في الكسوف بين حالات ثلاث:
1 ـ إذا كان القمر في بعده الأصغري، 55ر، عن الأرض، فإن مخروط الظل يقطع الأرض في بقعة دائرية نصف قطرها 130كم تقريباً. يرى الراصد الواقف في هذه البقعة كسوفاً كلياً. تتحرك هذه البقعة لترسم شريطاً يدعى الخط المركزي. [لا يرى كسوف كلي إلا من هذا الشريط]. إذا لم يكن الراصد في هذا الشريط، فقد يرى كسوفاً جزئياً، (الشكل-3)، إذا كان في شبه الظل. ولا يرى أي كسوف إذا كان خارج شبه الظل.
2 ـ إذا كان ارتفاع مخروط الظل مساوياً بعد القمر عن الأرض، فإن ذروة هذا المخروط تقع على الأرض (الشكل-4). يرى الواقف في هذه النقطة كسوفاً كلياً، ويرى الواقف في شبه الظل كسوفاً جزئياً ولا يرى الواقف خارج هاتين المنطقتين أي كسوف.
3 ـ في الحالة الثالثة، حيث ارتفاع مخروط الظل 57ر وبعد القمر عن الأرض 66ر، فإن مخروط الظل لايقطع الأرض بل يقطعها امتداده راسماً عليها بقعة دائرية. يرى الواقف في هذه البقعة كسوفاً حلقياً ويرى الواقف في نقطة شبه الظل كسوفاً جزئياً (الشكل-5).
كسوف كلي
كسوف كلي في نقطة
الشكل (3)
الشكل (4)
الشكل (5)
لاتتعلق طبيعة الكسوف ببعد الأرض عن القمر، بل تتعلق أيضاً بموضع الراصد على الأرض. فقد يرى راصد كسوفاً كلياً ولا يرى آخر أي كسوف في اللحظة ذاتها.
حادثة الكسوف الكلي نادرة في بقعة معينة من الأرض، فلم يظهر كسوف كلي في باريس، مثلاً، بين عامي 1724 و 1912، ولن يرى فيها قبل عام 2026.
مدة الكسوف الكلي قصيرة لاتزيد على ثماني دقائق، وقد تصل مدة كسوف حلقي إلى 13 دقيقة. قد يقع كسوف من دون أن يرى في أي بقعة من اليابسة، وكذلك كان كسوف الثامن من حزيران عام 1937.
الكسوف الكلي حالة رهيبة تتوقف فيه الطيور عن تغريدها، ويهرع الدجاج إلى أكنانه لينام، وتنخفض الحرارة. ويصيب سكان منطقة الكسوف هلع شديد، فيظنون أن تنيناً ضخماً قد ابتلع الشمس، فيعمدون إلى إحداث ضجيج شديد بقرع الطبول والأواني النحاسية، حتى يلفظ هذا الوحش شمسهم. لم يكن يمنعهم كل ذلك من مراقبة الشمس المكسوفة والنظر إليها من خلال زجاجات مسوَّدة تحمي أعينهم من خطر حرارة الأشعة الواردة من جو الشمس.
أهمية كسوف الشمس الكلي
لكسوف الشمس الكلي أهمية كبيرة عند علماء الفلك الفيزيائي. فيتابعونه بعناية كبيرة، ويقطعون مسافات كبيرة نحو الأمكنة التي يرى فيها، تصحبهم أجهزة رصد وقياس ومطاييف متعددة. لقد كانت هذه هي فرصتهم الوحيدة، وقد غابت أشعة الشمس المحرقة، ليراقبوا الجو الشمسي بإكليله واندفاعاته الهائلة. يستخدمون لذلك نظارات فلكية مزودة بمرشحات تخفف تأثير نور الجو الشمسي في أعينهم أو آلات تصوير خاصة تصور جو الشمس ومطاييف يحللون بها الضوء الوارد من طبقات الجو الشمسي المختلفة.
ومع أن القمر يحجب في حالة الكسوف الكلي نور الشمس، فإن الناظر إليها بعين مجردة قد يفقد بصره، إلا أنه من الممكن النظر إلى الشمس المكسوفة من خلال نظارات شمسية سوداء، أو من خلال زجاجة مسوَّدة، أو مرشحات خاصة تخفف شدة النور الوارد من جو الشمس.
التنبؤ بالخسوف والكسوف - تواتر كسوفات الشمس والقمر
لاحظ القدماء، وخاصة الكلدانيين، تواتراً في عودة الخسوفات، ووجدوا دورة لذلك مدتها 18 سنة و 11 يوماً، دعاها الكلدانيون ساروس Saros، فكانوا يستخدمونها للتنبؤ بحوادث الخسوف.
يمكن تفسير ساروس كما يأتي:
من المعروف أن كسوفاً أو خسوفاً لايقع إلا إذا كانت الشمس قريبة من إحدى عقدتي القمر (تقاطع مدار القمر مع مدار الشمس). إذا افتُرض أن الشمس كانت، عند كسوف أو خسوف، قرب العقدة الصاعدة، فإنها ستلاقي هذه العقدة بحركتها المباشرة مرة ثانية بعد 346.6 يوماً، في حين يلاقي القمر هذه العقدة مرة ثانية بعد شهر قمري يقدر طوله بـ 29.531 يوماً.
إذا حوت دورة زمنية عدداً من الأشهر القمرية وعدداً من لقاءات الشمس للعقدة الصاعدة، فإن الكسوفات والخسوفات التي تقع في هذه الدورة تتكرر بشكلها الكامل في الدورة التي تليها.
يلاحظ أن 19×346.6=6515.4،[حيث 346.6 هي المدة التي تفصل بين لقاءين للشمس مع العقدة الصاعدة بالأيام]،وأن 223×29.531=6585.36 يوماً، [حيث 29.531 طول الشهر القمري الوسطي بالأيام]. إن 6585.4 من الأيام يساوي 18سنة يوليانية و11 يوماً، وهي مدة ساروس.
توصل الكلدانيون إلى هذه الدورة المتعلقة بخسوف القمر، ولم يظهر لهم أنها دورة أيضاً للكسوفات، لأنهم لم يكن بإمكانهم رؤية الكسوفات
الخسوف والكسوف
الخسوف والكسوف eclipse حادثتان كونيتان راقبهما الإنسان منذ وجد على الأرض وحاول تفسيرهما بطرق مختلفة. تستعمل، عادة، كلمتا كسف وخسف لكل من الشمس والقمر دون تمييز. وقد استخدم البتاني في زيجه الصابئ الكسوف لكل من الشمس والقمر، وفضل النحوي العربي الشهير ثعلب استعمال الكسوف للشمس والخسوف للقمر. لم ترد كلمة كسف في القرآن الكريم، ووردت كلمة خسف مع القمر مرة واحدة في قوله تعالى ﴿وخسف القمر﴾ (القيامة 8). تستعمل في كل من الفرنسية والإنكليزية كلمة واحدة لهاتين الحادثتين هي eclipse.
إن أول الوثائق التي وصلت في هذا الأمر هي لوحات فخارية كلدانية، تحوي إحداها مثلاً «لا تُرى الزهرة في الرابع عشر من هذا الشهر، وقد قلت للملك إن القمر يخسف، وقد وقع ذلك وهو نذير شؤم».
خسوف القمر
ليس للأرض والقمر نور ذاتي، بل نور مكتسب من الشمس. ويعكس كل منهما هذا النور ليسقط على الآخر. ينخسف القمر عندما تحجب الأرض أشعة الشمس عنه. ويحدث ذلك حين يكون القمر بدراً، والأرض واقعة بين القمر والشمس، ويكون عندئذٍ الفرق بين الطولين السماويين للشمس والقمر مساوياً 180.ْ
الشكل (1)
مخروطا الظل وشبه الظل
تسقط أشعة الشمس على الأرض فتغلفها بمخروط دوراني يمس كلاً منهما من الخارج. يقع الرأس ب لهذا المخروط بعد الأرض، وتحيط قاعدته بها (الشكل-1). يدعى هذا المخروط مخروط الظل، لأنه لايصل إلى داخله أي شعاع من أشعة الشمس. تغلف الشمس الأرض، أيضاً، داخلياً بمخروط مزدوج (ذي فرعين) يمس كلاً منهما، ويقع رأسه جـ بينهما، ويمتد خلف الأرض دون حدود. يسمى هذا المخروط (الذي رأسه جـ وقاعدته على الأرض، ويمتد إلى ما بعد الأرض) مخروط شبه الظل، لأن الأرض تحجب عن داخله جزءاً من أشعة الشمس، لاكلها.
لو كان مدار القمر واقعاً في مستوي دائرة البروج، حيث يقع كل من مركز الشمس والأرض، لَقَطَع القمر المستقيم الواصل بين هذين المركزين، ولَحَصَل كسوف عند كل اقتران وخسوف عند كل تعاكس.
إمكان حدوث خسوف
إذا رمز لنصف قطر الأرض بالحرف ر (ر=6443كم)، فإن نصف قطر الشمس يساوي 109ر، ونصف قطر القمر 3/11 ر=1737كم. بحساب بسيط ينتج أن ارتفاع مخروط الظل يساوي 217 ر. يساوي بعد القمر عن الأرض 59 ر، ويساوي نصف قطر مقطع مخروط الظل على بعد من الأرض يساوي بعدها عن القمر، 0.728 ر أي4690كم. يكون القمر قابلاً للانغماس في مخروط الظل إذا تحققت شروط معينة. ويحصل عندئذٍ خسوف كامل يدعى خسوفاً كلياً.
إن بعد القمر عن الأرض غير ثابت، لذا فإن نصف القطر الظاهري يه لمقطع الظل يقع بين 33ً 46َ و 23ً 38َ. كذلك نصف القطر الظاهري Dللقمر يقع بين 55ً 16َ و11ً 14َ، لذا يكون الحد الأعلى لـِ يه + Dمساوياً 28ً 63َ، والحد الأدنى لـِ يه + D مساوياً 34ً 52َ. ونجد أن يه + D واقع بين 33ً 46َ و23ً 38َ.
بتدوير هذه الأعداد ينتج أنه إذا كان عند التعاكس (بفرض ع العرض السماوي للقمر):
1 ـ |ع| < 21َ، فسيحدث خسوف كلي أكيد، وإذا كان 32َ > |ع| > 21َ، فسيحدث خسوف كلي أو جزئي.
2 ـ 52َ > |ع| > 32َ، فسيحدث خسوف جزئي، وإذا كان |ع| > 63َ فلا يقع خسوف.
مراحل خسوف القمر
الشكل (2) رؤية خسوف القمر
1- كسوف في شبه الظل
2- كسوف كلي في الظل
3- كسوف جزئي
إذا قُطِعَ مخروطا الظل وشبه الظل بمستوٍ يبعد عن مركز الأرض بُعْدَ مركز القمر عنه، فيظهر (الشكل-2). يتحرك القمر، في هذا المستوي، حول الأرض من الغرب إلى الشرق، ويبدأ الخسوف، إذا كان ممكناً، عندما يمس قرص القمر خارجياً شبه الظل. يتابع القمر انغماسه في شبه الظل. ويبدو في هذه الفترة باهتاً حتى يلامس مقطع الظل خارجياً، ويبدأ عندها خسوف القمر الجزئي، ويزداد الجزء المظلم شيئاً فشيئاً حتى ينغمس القمر كلياً في دائرة الظل. [لا يبدو القمر عند خسوفه الكلي مظلماً تماماً بل يصل إليه بعض النور المنعكس على طبقات جو الأرض العليا، فتكسبه لوناً محمراً قليلاً]. يتابع قرص القمر حركته في دائرة الظل حتى يلامس دائرة الظل خارجياً، وينتهي عندئذٍ الخسوف بالمعنى الصحيح، خسوف جزئي + خسوف كلي + خسوف جزئي.
يرى خسوف القمر في اللحظة ذاتها من جميع بقاع الأرض التي يظهر فيها القمر فوق أفقها في هذه اللحظة وبالصورة ذاتها. لذا يمكن استخدام هذه الحادثة لتعيين أطوال أمكنة الأرض بعضها بالنسبة إلى بعضها الآخر باستخدام اختلاف الزمن الشمسي الحقيقي فيها.
المدة العظمى للخسوف
يقدر الزمن من بدء دخول القمر في شبه الظل إلى بدء دخوله في الظل بساعة واثنتي عشرة دقيقة، ومن بدء دخوله في الظل إلى انغماسه فيه بساعة وأربع وأربعين دقيقة، ومن نهاية الخسوف الكلي إلى الخروج من الظل بساعة واثنتي عشرة دقيقة، ومن الخروج من الظل حتى الخروج من شبه الظل بساعة واثنتي عشرة دقيقة. لذا تكون المدة العظمى لخسوف كامل مساوية ست ساعات وثماني عشرة دقيقة. أما الخسوف الجزئي والكلي في الظل فتقدر مدته بثلاث ساعات وأربع وخمسين دقيقة.
كسوف الشمس
يقع كسوف الشمس عندما يحجب القمر نورها، كله أو بعضه، عن الأرض، وذلك عندما يكون القمر والشمس في حالة اقتران، أي عندما يكون طولاهما السماويان متساويين.
تحدد أشعة الشمس التي تنير القمر مخروط ظل له يمتد نحو الأرض، ومخروط شبه ظل يغطي جزءاً من الأرض. [إذا عرفنا إضافة إلى الأبعاد التي ذكرناها سابقاً، أن بعد الأرض عن الشمس يساوي 23440ر، وبعد القمر عن الأرض يقع بين 55ر و64ر، فإن ارتفاع مخروط ظل القمر يقع بين 57.5 ر و 59.5 ر].
يُمَيّز في الكسوف بين حالات ثلاث:
1 ـ إذا كان القمر في بعده الأصغري، 55ر، عن الأرض، فإن مخروط الظل يقطع الأرض في بقعة دائرية نصف قطرها 130كم تقريباً. يرى الراصد الواقف في هذه البقعة كسوفاً كلياً. تتحرك هذه البقعة لترسم شريطاً يدعى الخط المركزي. [لا يرى كسوف كلي إلا من هذا الشريط]. إذا لم يكن الراصد في هذا الشريط، فقد يرى كسوفاً جزئياً، (الشكل-3)، إذا كان في شبه الظل. ولا يرى أي كسوف إذا كان خارج شبه الظل.
2 ـ إذا كان ارتفاع مخروط الظل مساوياً بعد القمر عن الأرض، فإن ذروة هذا المخروط تقع على الأرض (الشكل-4). يرى الواقف في هذه النقطة كسوفاً كلياً، ويرى الواقف في شبه الظل كسوفاً جزئياً ولا يرى الواقف خارج هاتين المنطقتين أي كسوف.
3 ـ في الحالة الثالثة، حيث ارتفاع مخروط الظل 57ر وبعد القمر عن الأرض 66ر، فإن مخروط الظل لايقطع الأرض بل يقطعها امتداده راسماً عليها بقعة دائرية. يرى الواقف في هذه البقعة كسوفاً حلقياً ويرى الواقف في نقطة شبه الظل كسوفاً جزئياً (الشكل-5).
كسوف كلي
كسوف كلي في نقطة
الشكل (3)
الشكل (4)
الشكل (5)
لاتتعلق طبيعة الكسوف ببعد الأرض عن القمر، بل تتعلق أيضاً بموضع الراصد على الأرض. فقد يرى راصد كسوفاً كلياً ولا يرى آخر أي كسوف في اللحظة ذاتها.
حادثة الكسوف الكلي نادرة في بقعة معينة من الأرض، فلم يظهر كسوف كلي في باريس، مثلاً، بين عامي 1724 و 1912، ولن يرى فيها قبل عام 2026.
مدة الكسوف الكلي قصيرة لاتزيد على ثماني دقائق، وقد تصل مدة كسوف حلقي إلى 13 دقيقة. قد يقع كسوف من دون أن يرى في أي بقعة من اليابسة، وكذلك كان كسوف الثامن من حزيران عام 1937.
الكسوف الكلي حالة رهيبة تتوقف فيه الطيور عن تغريدها، ويهرع الدجاج إلى أكنانه لينام، وتنخفض الحرارة. ويصيب سكان منطقة الكسوف هلع شديد، فيظنون أن تنيناً ضخماً قد ابتلع الشمس، فيعمدون إلى إحداث ضجيج شديد بقرع الطبول والأواني النحاسية، حتى يلفظ هذا الوحش شمسهم. لم يكن يمنعهم كل ذلك من مراقبة الشمس المكسوفة والنظر إليها من خلال زجاجات مسوَّدة تحمي أعينهم من خطر حرارة الأشعة الواردة من جو الشمس.
أهمية كسوف الشمس الكلي
لكسوف الشمس الكلي أهمية كبيرة عند علماء الفلك الفيزيائي. فيتابعونه بعناية كبيرة، ويقطعون مسافات كبيرة نحو الأمكنة التي يرى فيها، تصحبهم أجهزة رصد وقياس ومطاييف متعددة. لقد كانت هذه هي فرصتهم الوحيدة، وقد غابت أشعة الشمس المحرقة، ليراقبوا الجو الشمسي بإكليله واندفاعاته الهائلة. يستخدمون لذلك نظارات فلكية مزودة بمرشحات تخفف تأثير نور الجو الشمسي في أعينهم أو آلات تصوير خاصة تصور جو الشمس ومطاييف يحللون بها الضوء الوارد من طبقات الجو الشمسي المختلفة.
ومع أن القمر يحجب في حالة الكسوف الكلي نور الشمس، فإن الناظر إليها بعين مجردة قد يفقد بصره، إلا أنه من الممكن النظر إلى الشمس المكسوفة من خلال نظارات شمسية سوداء، أو من خلال زجاجة مسوَّدة، أو مرشحات خاصة تخفف شدة النور الوارد من جو الشمس.
التنبؤ بالخسوف والكسوف - تواتر كسوفات الشمس والقمر
لاحظ القدماء، وخاصة الكلدانيين، تواتراً في عودة الخسوفات، ووجدوا دورة لذلك مدتها 18 سنة و 11 يوماً، دعاها الكلدانيون ساروس Saros، فكانوا يستخدمونها للتنبؤ بحوادث الخسوف.
يمكن تفسير ساروس كما يأتي:
من المعروف أن كسوفاً أو خسوفاً لايقع إلا إذا كانت الشمس قريبة من إحدى عقدتي القمر (تقاطع مدار القمر مع مدار الشمس). إذا افتُرض أن الشمس كانت، عند كسوف أو خسوف، قرب العقدة الصاعدة، فإنها ستلاقي هذه العقدة بحركتها المباشرة مرة ثانية بعد 346.6 يوماً، في حين يلاقي القمر هذه العقدة مرة ثانية بعد شهر قمري يقدر طوله بـ 29.531 يوماً.
إذا حوت دورة زمنية عدداً من الأشهر القمرية وعدداً من لقاءات الشمس للعقدة الصاعدة، فإن الكسوفات والخسوفات التي تقع في هذه الدورة تتكرر بشكلها الكامل في الدورة التي تليها.
يلاحظ أن 19×346.6=6515.4،[حيث 346.6 هي المدة التي تفصل بين لقاءين للشمس مع العقدة الصاعدة بالأيام]،وأن 223×29.531=6585.36 يوماً، [حيث 29.531 طول الشهر القمري الوسطي بالأيام]. إن 6585.4 من الأيام يساوي 18سنة يوليانية و11 يوماً، وهي مدة ساروس.
توصل الكلدانيون إلى هذه الدورة المتعلقة بخسوف القمر، ولم يظهر لهم أنها دورة أيضاً للكسوفات، لأنهم لم يكن بإمكانهم رؤية الكسوفات