متى تكون الفتاة العربية ضحية ومتى تكون مجرمة؟!
كيف تكون مبدعة ومرآة مصقولة تعكس عمق تاريخها ورسالتها؟!
أين السبيل الصحيح وسط فوضى الأصوات، وضجيج الأفكار المفخخة؟!
والحكاية تبدأ من أول صرخة؛ لأن رد الفعل على مشهد اكتشاف جنسها يتراوح بين الامتعاض وعدم الممانعة، بين "إنجاب البنات نعمة"!! و"كل اللي يجيبه ربنا كويس"، وتصبح هذه هي خطيئتها الأولى!!
خطيئة لم تذنب فيها، إنما هي الذنب نفسه!!
خطيئة يكون مطلوبا منها غالبا أن تعيش العمر تدفع ثمنها!!!
والفتاة العربية هنا ضحية بكل المقاييس، ولكل قاعدة استثناءات.
حرية.. حنان.. دعم
وتنشأ "المذنبة" وسط أجواء تتراوح بين طقوس الاعتقال بدعوى "الحماية"، أو تعازي إعطاء "الحرية" تحت عنوان "المساواة"، ووسط ثنائية مغلوطة كهذه حماية / حرية تضيع الحاء الأهم، والدال الأخطر، لأنه يتبين بعد مدة أنها كانت تحتاج أكثر إلى "حنان" و"دعم".
كانت تحتاج من البداية إلى من يحتضنها جسديا ومعنويا، ويطبع على وجنتها، وفوق رأسها كل يوم قبلة، ويمسح على شعرها، ويقول لها: يا حبيبتي، فمن منا يفعل ذلك مع ابنته؟!!
ولقد رأى الأعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحتضن الحسن والحسين، ويلاعبهما، ويقبلهما فقال للرسول: إن لي عشرة أبناء ما قبلت منهم أحدا، فرد الحبيب المصطفي -بأبي هو وأمي-: "من لا يرحم لا يُرحم" بفتح الياء الأولى وضم الثانية.
وكل طفلة تحتاج إلى دعم معنوي يشيد بنجاحاتها الصغيرة ويتجنب النقد المستمر، واللوم المتكرر، فما بالنا بالتمييز الظالم لأخيها الذكر، أو معايرتها الدائمة بالخطيئة الأولى: إنها خلقت أنثى!!! حسبي الله ونعم الوكيل. هل نقول: رب ضارة نافعة؟!!
هل أقول: إن هذه الأوضاع تضاعف من روح التحدي فتندفع الفتاة كالإعصار تسعى لإثبات ذاتها وجدارتها بالإنسانية فتتفوق دراسيا، وتتميز اجتماعيا، ولا تترك فرصة إلا وأظهرت فيها أن للنساء طاقات ومهارات وقوة تصميم لا تعرف الوهن ولو ارتدت منديلا من قطن، أو قفازا من حرير!!
سؤال الاختيار
وأمام كل فتاة يتجدد سؤال الاختيار كل يوم، بل كل لحظة: هل تكون وفية للتحدي ولمسئولية جدارتها بوجودها المستقل، ومسئوليتها أمام ربها؟! أم تكون مثل الظن الغالب بها: هشة وتافهة وفريسة سهلة لكل صياد ينصب لها فخا بكلمة معسولة أو حنان ملغوم؟!
هل تكون مجرد نتيجة للتهميش والإهمال أو التحرر الأجوف بدعوى المساواة؟!
أم تكون المفاجأة حين تكون "أُمّة"، والأمة من الأم!!!
هل هي مخلوق ناقص لا يكتمل ولا يتحقق إلا في كنف رجل؟ أم أنها تحتاج للرجل -كما يحتاجها- طرفا مشاركا ينسج معادلة الحياة، ويعزف لحن الوجود في الحقل والمدرسة كما في البيت وميدان القتال؟!
هل تتمثل في مسيرتها نحو المستقبل سيرة الغواني المائلات المميلات اللامعات ببريق زائف قد يغري الأبصار، ولكن الداخل مثل البيت الخرب: مظلم وكئيب، وكابوس ضائع؟!!
أم تتمثل نماذج الماجدات من الجدات اللائي حملن السيف والخنجر دفاعا عن رسول الله رمز الدين، وهن يدركن أنه حين يشتد الوطيس، ويتعاظم التهديد فلا عرض لأحد ولا عذر لقاعد، وأنه في لحظة ما يكون حفظ الدين أهم من حفظ النفس لأنه لو ضاع الدين فستضيع الكرامة، وكل النفوس تصبح في خطر.
وحين تنظر الفتاة حولها ماذا ستلتقط؟!
أية جريدة من عند البائع أو أية مجلة؟!
أية ملابس سترتدي؟! وأي نمط سلوك ستختار؟!
وحين تقع في الحب، وحين ترغب بالزواج: على أي أساس، وبأي مقياس ستختار الطرف الآخر؟!!
وحين تقضي وقتها سمعا ومشاهدة، في الجد واللعب، في الثقافة والترويح، وفي البيت وخارجه ماذا ستختار؟! وكيف تمارس؟!
وهل ستكون قادرة على تجاوز ثنائية الضحية / المجرمة إلى أفق إنساني أرحب لا تكون فيه ملاكا ولا شيطانا، بل كائن فاعل قد يخطئ أحيانا، ولكنه ينشد الصواب أبدا ويسعى إلى الكمال، ولو لم يبلعه؟! لأنه لله وحده؟!!
وقبل أن أغادركم أترك لكم ولكن ثنائيات أخرى تضيع فيها الفتاة العربية، وتترد... تعالوا نفكر:
بين الشكل والمضمون
نعيش جميعا "عصر الشكل" وتتجه البشرية بدفع من رأس المال والفكر المادي إلى تغليب أهمية المظهر على الجوهر، فالغلاف الزاهي بألوانه وصوره أهم من المحتوى، والصورة بشكل عام أهم من الأصل، والفتاة العربية وسط هذا العصر تكاد تنحبس في سؤال الشكل، تحسبه الأخطر في تحديد المسار والمصير، وتندلع المعارك، وتنعقد المجالس، وتدور المطابع، ويكثر الحديث، وتنفق الفتاة العربية وقتا وجهدا هائلا لتحسم "الاختيار المصيري"، وتتراوح الاختيارات بين النقاب الأسود، وثوب يجر على الأرض ينشد اللحاق بعصر النبوة، ولو شكليا، وبين أزياء متنوعة زاهية أو قاتمة، كاسية أو عارية، ووصفات حُمية تنحيف، وعناوين عيادات تجميل، ومرايا على جدران المنازل، وفي الحقائب، وهاجس يتضخم تحت ضغوط كثيرة يستبدل بالسؤال الأهم حول: ماذا أنا؟! السؤال الشائع: كيف أبدو؟!
وتقع حواء الصغيرة -والكبيرة أيضا- في الفخ حين تستجيب للسؤال الخاطئ بغض النظر عن إجابتها عليه، وقد تكتشف أو لا تكتشف أن المطلوب منها أكثر وأعقد بكثير من لون القماش أو طول الخمار، أو حين تكتشف أن التحرر أبعد وأعمق من السفور أو تدخين النرجيلة، أو إرسال شعرها الغجري المجنون، وإطلاقه للريح تداعبه: يقع على الجبين فتزيحه لتكشف عن حاجب نمصته، ورمش صبغته المسْكَرة في مسارها ليصبح أطول وأكثر سوادا!!!
وقد تكتشف أو لا تكتشف أن الوجود الإنساني له تجليات متعددة غير كتلة اللحم والعظم، وغطاء الملابس، وقد تكتشف أو لا تكتشف أنها أضاعت أحلى سنين العمر، وذروة جهود وطاقة الشباب أمام المرآة تلعب على أوتار المجتمع واهتماماته لعبة "التعري والإخفاء"!!
هل تستطيع الفتاة العربية تجاوز ثنائية الشكل / المضمون لتصل إلى شكل معقول ومقبول تعبيرا عن محتوى متين ومبدع وفاعل، ليكتمل وجودها الإنساني بدلا من تغليب التجلي الأنثوي، واعتبارات المظهر، والانحباس في سؤال الجسد والزي؟!!
ثنائية العناد والانقياد
وفي علاقتها بالرجل يغلب الشد والجذب، وينطرح سؤال آخر مكذوب وملغوم: هل تتحقق المرأة، وتقوم بدورها، وترضي ربها، أو تحقق ذاتها بتحدي الرجل ومدافعته، والخصم من رصيده، والصراع معه، أم بالانقياد له آمرا ومتحكما ومسئولا؟!
وتندلع المعارك، وتنعقد المجالس، وتدور المطابع، ويكثر النقاش بحثا عن إجابة هي بالضرورة مغلوطة على سؤال مغلوط.
فلا المرأة ستتحرر بسجن الرجل وتقييده، ولا بوضع نفسها في زنزانة يملك مفاتحها، ولكنها كيان له معالمه وخصائصه ومميزاته ونقاط ضعفه أيضا، مثل الرجل.
وتخسر المرأة كثيرا حين تغادر ذاتها وعرشها ومدارها الذي تسبح فيه نجمة في سماء الكون لتصطدم بالرجل أو تقتحم مداره، وكأن الشمس أهم من القمر، أو الليل أجمل من النهار، والحقيقة أن "كلّ في فلك يسبحون"
ربما تعتبر الفتاة العربية الحديث عن تكامل الجنسين، والمشاركة في صناعة الحياة بناء على التنوع في التركيب المزاجي فضلا عن البيولوجي إضافة إلى الوحدة في التكوين الإنساني.. ربما تعتبر الأغلبية هذا الكلام من قبيل التسكين للصراع الدائر بين الجنسين، وقد لا تفهمه الفتاة العربية، وإذا فهمته فلا تستطيع تطبيقه، وأحيانا لا تريد.
وتبدو حواء العربية متناقضة ومضحكة من شر البلية حين تريد في حركة ذكاء خائبة -وإن كانت تنجح أحيانا- أن تربح مميزات النظامين معا: القوامة بمسئولياتها على النظام الإسلامي، والندية والمساواة على النمط الغربي!! وهذا التلفيق هو محاولة لتجاوز ثنائية العناد والانقياد، ولكنه فاشل عقيم، قصير العمر مثل كل تلفيق.
هل تستطيع الفتاة العربية أن تندفع بسرعة أكبر في مسارها هي دون الطواف المستمر حول كعبة الرجل؛ رغبة في أن تكون مكانه، أو رهبة منه، لا تنضبط إلا بإشارة من عصاه: عصا السجان أو حتى عصا المايسترو؟!
هل تستطيع أن تنزع حريتها، وتثبت وجودها بجهودها وإبداعها دون الحاجة إلى الشقلبات أو الممارسات على طريقة أن يقول الرجل: أنا موجود، فترد هي: وأنا أيضا؟!
هل تستطيع أن تضبط مسارها، وتحكم خطواتها، وترسم خططها دون رجل أحيانا، فإذا أقامت علاقة معه تواصلت وأغدقت وأعطت وأخذت، وتراجعت أحيانا أو تقدمت برشاقة وهدوء، ودون كثير ضجيج؟!!
وأدارت وجودها حين تكون معه، وحين لا يكون؟! أم ستظل مشدودة عنادا معه أو انقيادا له؟!
وبعد... كم هي صعبة الحياة؟!
هل أضفت جديدا، أو أوضحت غامضا، أو جمعت متفرقا، أو أجملت تفصيلا، أو أثرت سؤالا مفيدا أو وضعت جوابا مرشدا؟!!
هل يوجد أصلا شيء واحد عبر الأقطار والمجتمعات والطبقات والثقافات اسمه الفتاة العربية؟! وهل كل فتاة عربية مظلومة أو مترددة؟!
لا أومن بالتعميم طبعا، ولكنها كانت محاولة بكاميرا القلم عسى أن تكون قد وضعت أمامك لقطة موحية توضح لك بعض معالم "سيكولوجية الفتاة العربية".
كيف تكون مبدعة ومرآة مصقولة تعكس عمق تاريخها ورسالتها؟!
أين السبيل الصحيح وسط فوضى الأصوات، وضجيج الأفكار المفخخة؟!
والحكاية تبدأ من أول صرخة؛ لأن رد الفعل على مشهد اكتشاف جنسها يتراوح بين الامتعاض وعدم الممانعة، بين "إنجاب البنات نعمة"!! و"كل اللي يجيبه ربنا كويس"، وتصبح هذه هي خطيئتها الأولى!!
خطيئة لم تذنب فيها، إنما هي الذنب نفسه!!
خطيئة يكون مطلوبا منها غالبا أن تعيش العمر تدفع ثمنها!!!
والفتاة العربية هنا ضحية بكل المقاييس، ولكل قاعدة استثناءات.
حرية.. حنان.. دعم
وتنشأ "المذنبة" وسط أجواء تتراوح بين طقوس الاعتقال بدعوى "الحماية"، أو تعازي إعطاء "الحرية" تحت عنوان "المساواة"، ووسط ثنائية مغلوطة كهذه حماية / حرية تضيع الحاء الأهم، والدال الأخطر، لأنه يتبين بعد مدة أنها كانت تحتاج أكثر إلى "حنان" و"دعم".
كانت تحتاج من البداية إلى من يحتضنها جسديا ومعنويا، ويطبع على وجنتها، وفوق رأسها كل يوم قبلة، ويمسح على شعرها، ويقول لها: يا حبيبتي، فمن منا يفعل ذلك مع ابنته؟!!
ولقد رأى الأعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحتضن الحسن والحسين، ويلاعبهما، ويقبلهما فقال للرسول: إن لي عشرة أبناء ما قبلت منهم أحدا، فرد الحبيب المصطفي -بأبي هو وأمي-: "من لا يرحم لا يُرحم" بفتح الياء الأولى وضم الثانية.
وكل طفلة تحتاج إلى دعم معنوي يشيد بنجاحاتها الصغيرة ويتجنب النقد المستمر، واللوم المتكرر، فما بالنا بالتمييز الظالم لأخيها الذكر، أو معايرتها الدائمة بالخطيئة الأولى: إنها خلقت أنثى!!! حسبي الله ونعم الوكيل. هل نقول: رب ضارة نافعة؟!!
هل أقول: إن هذه الأوضاع تضاعف من روح التحدي فتندفع الفتاة كالإعصار تسعى لإثبات ذاتها وجدارتها بالإنسانية فتتفوق دراسيا، وتتميز اجتماعيا، ولا تترك فرصة إلا وأظهرت فيها أن للنساء طاقات ومهارات وقوة تصميم لا تعرف الوهن ولو ارتدت منديلا من قطن، أو قفازا من حرير!!
سؤال الاختيار
وأمام كل فتاة يتجدد سؤال الاختيار كل يوم، بل كل لحظة: هل تكون وفية للتحدي ولمسئولية جدارتها بوجودها المستقل، ومسئوليتها أمام ربها؟! أم تكون مثل الظن الغالب بها: هشة وتافهة وفريسة سهلة لكل صياد ينصب لها فخا بكلمة معسولة أو حنان ملغوم؟!
هل تكون مجرد نتيجة للتهميش والإهمال أو التحرر الأجوف بدعوى المساواة؟!
أم تكون المفاجأة حين تكون "أُمّة"، والأمة من الأم!!!
هل هي مخلوق ناقص لا يكتمل ولا يتحقق إلا في كنف رجل؟ أم أنها تحتاج للرجل -كما يحتاجها- طرفا مشاركا ينسج معادلة الحياة، ويعزف لحن الوجود في الحقل والمدرسة كما في البيت وميدان القتال؟!
هل تتمثل في مسيرتها نحو المستقبل سيرة الغواني المائلات المميلات اللامعات ببريق زائف قد يغري الأبصار، ولكن الداخل مثل البيت الخرب: مظلم وكئيب، وكابوس ضائع؟!!
أم تتمثل نماذج الماجدات من الجدات اللائي حملن السيف والخنجر دفاعا عن رسول الله رمز الدين، وهن يدركن أنه حين يشتد الوطيس، ويتعاظم التهديد فلا عرض لأحد ولا عذر لقاعد، وأنه في لحظة ما يكون حفظ الدين أهم من حفظ النفس لأنه لو ضاع الدين فستضيع الكرامة، وكل النفوس تصبح في خطر.
وحين تنظر الفتاة حولها ماذا ستلتقط؟!
أية جريدة من عند البائع أو أية مجلة؟!
أية ملابس سترتدي؟! وأي نمط سلوك ستختار؟!
وحين تقع في الحب، وحين ترغب بالزواج: على أي أساس، وبأي مقياس ستختار الطرف الآخر؟!!
وحين تقضي وقتها سمعا ومشاهدة، في الجد واللعب، في الثقافة والترويح، وفي البيت وخارجه ماذا ستختار؟! وكيف تمارس؟!
وهل ستكون قادرة على تجاوز ثنائية الضحية / المجرمة إلى أفق إنساني أرحب لا تكون فيه ملاكا ولا شيطانا، بل كائن فاعل قد يخطئ أحيانا، ولكنه ينشد الصواب أبدا ويسعى إلى الكمال، ولو لم يبلعه؟! لأنه لله وحده؟!!
وقبل أن أغادركم أترك لكم ولكن ثنائيات أخرى تضيع فيها الفتاة العربية، وتترد... تعالوا نفكر:
بين الشكل والمضمون
نعيش جميعا "عصر الشكل" وتتجه البشرية بدفع من رأس المال والفكر المادي إلى تغليب أهمية المظهر على الجوهر، فالغلاف الزاهي بألوانه وصوره أهم من المحتوى، والصورة بشكل عام أهم من الأصل، والفتاة العربية وسط هذا العصر تكاد تنحبس في سؤال الشكل، تحسبه الأخطر في تحديد المسار والمصير، وتندلع المعارك، وتنعقد المجالس، وتدور المطابع، ويكثر الحديث، وتنفق الفتاة العربية وقتا وجهدا هائلا لتحسم "الاختيار المصيري"، وتتراوح الاختيارات بين النقاب الأسود، وثوب يجر على الأرض ينشد اللحاق بعصر النبوة، ولو شكليا، وبين أزياء متنوعة زاهية أو قاتمة، كاسية أو عارية، ووصفات حُمية تنحيف، وعناوين عيادات تجميل، ومرايا على جدران المنازل، وفي الحقائب، وهاجس يتضخم تحت ضغوط كثيرة يستبدل بالسؤال الأهم حول: ماذا أنا؟! السؤال الشائع: كيف أبدو؟!
وتقع حواء الصغيرة -والكبيرة أيضا- في الفخ حين تستجيب للسؤال الخاطئ بغض النظر عن إجابتها عليه، وقد تكتشف أو لا تكتشف أن المطلوب منها أكثر وأعقد بكثير من لون القماش أو طول الخمار، أو حين تكتشف أن التحرر أبعد وأعمق من السفور أو تدخين النرجيلة، أو إرسال شعرها الغجري المجنون، وإطلاقه للريح تداعبه: يقع على الجبين فتزيحه لتكشف عن حاجب نمصته، ورمش صبغته المسْكَرة في مسارها ليصبح أطول وأكثر سوادا!!!
وقد تكتشف أو لا تكتشف أن الوجود الإنساني له تجليات متعددة غير كتلة اللحم والعظم، وغطاء الملابس، وقد تكتشف أو لا تكتشف أنها أضاعت أحلى سنين العمر، وذروة جهود وطاقة الشباب أمام المرآة تلعب على أوتار المجتمع واهتماماته لعبة "التعري والإخفاء"!!
هل تستطيع الفتاة العربية تجاوز ثنائية الشكل / المضمون لتصل إلى شكل معقول ومقبول تعبيرا عن محتوى متين ومبدع وفاعل، ليكتمل وجودها الإنساني بدلا من تغليب التجلي الأنثوي، واعتبارات المظهر، والانحباس في سؤال الجسد والزي؟!!
ثنائية العناد والانقياد
وفي علاقتها بالرجل يغلب الشد والجذب، وينطرح سؤال آخر مكذوب وملغوم: هل تتحقق المرأة، وتقوم بدورها، وترضي ربها، أو تحقق ذاتها بتحدي الرجل ومدافعته، والخصم من رصيده، والصراع معه، أم بالانقياد له آمرا ومتحكما ومسئولا؟!
وتندلع المعارك، وتنعقد المجالس، وتدور المطابع، ويكثر النقاش بحثا عن إجابة هي بالضرورة مغلوطة على سؤال مغلوط.
فلا المرأة ستتحرر بسجن الرجل وتقييده، ولا بوضع نفسها في زنزانة يملك مفاتحها، ولكنها كيان له معالمه وخصائصه ومميزاته ونقاط ضعفه أيضا، مثل الرجل.
وتخسر المرأة كثيرا حين تغادر ذاتها وعرشها ومدارها الذي تسبح فيه نجمة في سماء الكون لتصطدم بالرجل أو تقتحم مداره، وكأن الشمس أهم من القمر، أو الليل أجمل من النهار، والحقيقة أن "كلّ في فلك يسبحون"
ربما تعتبر الفتاة العربية الحديث عن تكامل الجنسين، والمشاركة في صناعة الحياة بناء على التنوع في التركيب المزاجي فضلا عن البيولوجي إضافة إلى الوحدة في التكوين الإنساني.. ربما تعتبر الأغلبية هذا الكلام من قبيل التسكين للصراع الدائر بين الجنسين، وقد لا تفهمه الفتاة العربية، وإذا فهمته فلا تستطيع تطبيقه، وأحيانا لا تريد.
وتبدو حواء العربية متناقضة ومضحكة من شر البلية حين تريد في حركة ذكاء خائبة -وإن كانت تنجح أحيانا- أن تربح مميزات النظامين معا: القوامة بمسئولياتها على النظام الإسلامي، والندية والمساواة على النمط الغربي!! وهذا التلفيق هو محاولة لتجاوز ثنائية العناد والانقياد، ولكنه فاشل عقيم، قصير العمر مثل كل تلفيق.
هل تستطيع الفتاة العربية أن تندفع بسرعة أكبر في مسارها هي دون الطواف المستمر حول كعبة الرجل؛ رغبة في أن تكون مكانه، أو رهبة منه، لا تنضبط إلا بإشارة من عصاه: عصا السجان أو حتى عصا المايسترو؟!
هل تستطيع أن تنزع حريتها، وتثبت وجودها بجهودها وإبداعها دون الحاجة إلى الشقلبات أو الممارسات على طريقة أن يقول الرجل: أنا موجود، فترد هي: وأنا أيضا؟!
هل تستطيع أن تضبط مسارها، وتحكم خطواتها، وترسم خططها دون رجل أحيانا، فإذا أقامت علاقة معه تواصلت وأغدقت وأعطت وأخذت، وتراجعت أحيانا أو تقدمت برشاقة وهدوء، ودون كثير ضجيج؟!!
وأدارت وجودها حين تكون معه، وحين لا يكون؟! أم ستظل مشدودة عنادا معه أو انقيادا له؟!
وبعد... كم هي صعبة الحياة؟!
هل أضفت جديدا، أو أوضحت غامضا، أو جمعت متفرقا، أو أجملت تفصيلا، أو أثرت سؤالا مفيدا أو وضعت جوابا مرشدا؟!!
هل يوجد أصلا شيء واحد عبر الأقطار والمجتمعات والطبقات والثقافات اسمه الفتاة العربية؟! وهل كل فتاة عربية مظلومة أو مترددة؟!
لا أومن بالتعميم طبعا، ولكنها كانت محاولة بكاميرا القلم عسى أن تكون قد وضعت أمامك لقطة موحية توضح لك بعض معالم "سيكولوجية الفتاة العربية".