وقعت هذه الغزوة في شهر شوال من العام الثالث للهجرة عند جبل أحد؛ شمالي المدينة المنورة، فقد جندت قريش ثلاثة آلاف من رجالها وحلفائها للانتقام من المسلمين، والثأر لهزيمتها الساحقة في بدر التي جلبت في كل بيت من بيوت مكة مأتمًا. وعندما وصلت أخبار ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ جمع أصحابه على الفور، واستشارهم في أفضل طريقة لمواجهة هذا الموقف، فأشار عليه شيوخ المدينة أن يتحصنوا داخلها، ويتركوا الأعداء خارجها لأن شوارع المدينة ضيقة، ويمكن إغلاقها عليهم، وقتالهم فيها بكل طريقة ممكنة حتى بالحجارة، ويمكن أن يشترك النساء والأطفال في مقاومتهم، وكان هذا رأى الكبار ورأى النبي صلى الله عليه وسلم. أما الشباب فقد أخذهم الحماس، وخشوا أن يتهمهم الأعداء بالجبن؛ ففضلوا الخروج لمواجهتهم في مكان مكشوف
ولما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أن الرأي الأخير هو رأى الأغلبية قام إلى بيته ولبس درعه وحمل سلاحه وخرج إليهم ، فأدركوا أنهم أخرجوه مكرهًا، فقالوا له: يا رسول الله، لقد استكرهناك وما كان لنا ذلك، فافعل ما شئت، فقال صلى الله عليه وسلم: ما كان لنبي لبس لأمته - عدة حربه - أن ينزعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه. وخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ساحة أحد، وجعل ظهر جيشه إلى الجبل، والأعداء أمامه، ونظر إلى ميدان المعركة نظرة فاحصة، وعرف أن الخطر يكمن خلف ظهر الجيش، فأعد خمسين رجلا ممن يُحسنون الرمى بالنبل، وأمَّر عليهم عبد الله بن جبير الأنصاري، وكلفهم بالصعود إلى قمة عالية خلف ظهورهم، سُميت بعد ذلك بجبل الرماة، وقال لهم في حسم: احموا ظهورنا، لا نُؤتى من قبلكم، وأمرهم برمي المشركين بالنبال، وألا يتركوا مواقعهم أبدًا سواء انتصر المسلمون أو انهزموا، لخطورة الموقع وأهميته، وكرر عليهم أوامره مرارًا
ودارت المعركة، وكانت الغلبة للمسلمين في البداية، لكنهم تعجلوا النصر ولم يصبروا، وظنوا أن المعركة انتهت، فالذين في الميدان تركوا القتال وبدءوا في جمع الغنائم، والذين فوق الجبل خالفوا أوامر النبي صلى الله عليه وسلم وأوامر قائدهم عبد الله بن جبير، وتركوا مواقعهم، ليشتركوا في جمع الغنائم
انتهز خالد بن الوليد هذه الفرصة،وانقض بفرسانه من الخلف، مستغلا الثغرة التي حدثت بترك الرماة مواقعهم، فحول بحركته العسكرية سير المعركة من نصر للمسلمين في أولها إلى هزيمة، وارتبك المسلمون من هول المفاجأة، حتى إن بعضهم أخذ يقتل بعضًا، وزاد ارتباكهم عندما أشاع المشركون أنهم قتلوا الرسول صلى الله عليه وسلم الذى كان قد سقط في حفرة، وجُرِح وكُسِرَت رباعيته، وانجلت المعركة عن هزيمة للمسلمين، وسقوط واحد وسبعين شهيدًا، وكان ذلك درسًا قاسيًا، أنزل الله بشأنه أكثر من ستين آية في سورة آل عمران، وضح لهم أسباب ما حدث، وأن الهزيمة إنما كانت لمخالفة أوامر الرسول، والحرص على جمع الغنائم، قال تعالى: ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين. آل عمران: 152. ثم واساهم وعفا عنهم، وذكرهم بأنهم إن كانوا قد أصابهم قرح وخسروا معركة، فقد أصاب أعداءهم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس، ثم طلب من نبيه أن يعفو عنهم ويستغفر لهم، وألا يدع مشورتهم، حتى لو أدت إلى الهزيمة في معركة، فخسارة المعركة أسهل من خسارة مبدأ الشورى الذى يربى الرجال ويدربهم على إبداء الرأي والمشاركة في صنع القرار