المرأة و الشأن العام : بين الواقع و التصورات
إن المنتدى المدني الأورومتوسطي الذي يسعى الى نمو منطق التعاضد بين مجتمعات أهلية تتبلور شيئا فشيئا لا يعبّر صراحة عن رأيها في سبل تعزيز التنمية و العدالة و إيجاد حلول عادلة للنزاعات القائمة في المنطقة. لا بدّ أن يسعى لإفساح المجال أمام النساء للعب دور أساسي في ذلك ،فالمرأة معنية بشؤون التنمية والعدل و الظلم كما بقضايا الحرب و السلم ، إنها من حيث المبدأ مواطنة و يجب أن تكون كاملة الحقوق و الواجبات .
تأخرت في خوض الشأن العام لأسباب عدة تنطلق من محور أساس يمكن تلخيصه بهيمنة الثقافة الذكورية و تعميم مقولة ضعف المرأة إلا أن هذا التأخر لا يعني أنها لم تسع لذلك و التاريخ شاهد على نضالات العديد من النساء و الحركات النسائية الساعية لما يجب أن يكون من شراكة و مساواة حقيقية مع الرجل في جميع المجالات . إن قضية المرأة كما هو معروف ترتبط ارتباطا عضويا بالواقع السياسي و الإجتماعي و الإقتصادي . و الوقائع أثبتت أن انعدام العدل و انهيار السلم و التغييرات الإقتصادية تصيب كل كائن بشري رجلا كان أم امرأة ، طفلا كان أم كهلا إلا أن انعكاسها على المرأة غالبا ما يكون أشد ظلما مما هو على الرجل ، يتجلى ذلك في مظاهر عدة أردت أن أختصر ثلاثة منها:
1- الحرب على الإرهاب و تنامي الأصوليات 2- العولمة 3- آثار الحروب
لأنتقل الى التناقضات التي تعيشها المرأة في المنطقة الشرقية و الجنوبية للبحر المتوسط . و من ثم لوضع بعض المقترحات .
1- إعلان الحرب على الإرهاب بعد 11 أيلول الذي تزامن مع مقولة صراع الحضارات ل "هانتنغتون" . وضع العرب و الإسلام في خانة الإرهاب فأصبحوا ضحايا التنميط و المضايقات غير المبررة مما شكل الأرض الخصبة لتنامي الأصوليات ، التي تستخدم في كثير من الحالات من قبل الأنظمة السياسية المحلية و العالمية لأهداف سياسية محددة .
هذه الأصوليات قد تختلف فيما بينها بأمور كثيرة الا أنها تتفق على مسلمة ضعف المرأة و إذ بها ضحية تفسيرات الفقهاء فيما خصّ الزواج الحضانة و الميراث و غيرها.... و تحت شعار خطاب الأصالة يتم الترويج للحجاب الذي يمعن بإخفاء أجساد النساء فنكون أمام اختزال المرأة بحضورها الجسدي .
هذا ما يقودنا الى إثارة موضوع الحجاب الذي بات يشكل نوعا من التابو يمنع نقاشه . فيما تحتل الدعوة إليه شاشات التلفزيون و لوحات الإعلانات
في القرن الماضي و حتى سبعيناته كان الحجاب بالنسبة للحركات النسائية يرمز الى اضطهاد المرأة العربية المسلمة و الى المركز المتدني الذي كانت تحله . و كان السفور رمزا لتصميم النساء على التحرر ،فكانت النضالات التي قادتها النساء بهذا الخصوص و منها الحركة التي قادتها هدى شعراوي في مصرو إحراق المتظاهرات في البحرين (و خلال انتفاضة 1965 التي قادتها هيئة الإتحاد الوطني) للعباءة السوداء رمزالعزل و القهرالإجتماعي . اليوم نجد الحجاب في مختلف الطبقات الإجتماعية و الثقافية و كأنه يعبر عن الشعور بالهزيمة و أحد مظاهر الإرتدار على الهوية ، تتصور المرأة أنه يحميها من المجهول القادم من الغرب و الذي لا تستطيع السيطرة هي عليه .
2-إن العولمة و ما رافقها من فتح الأسواق و خصخصة المؤسسات أدت الى تقليص فرص العمل و ازدياد معدلات الفقر ، مما استتبع تراجعا في فرص عمل المرأة و أدى الى تأنيث ظاهرة الفقر،هذا من جهة
من جهة أخرى فالعولمة التي فضلت لاهوت السوق على المرتكزات الأساسية لثقافة حقوق الإنسان ( الحرية - العدالة - المساواة) عادت بالمرأة التي بذلت الكثير و وظفت الرساميل العلمية و الثقافية الكبرى لتتحول من موضوع الى ذات ، الى الأدوار الحريمية التي توظف الجسد كرأسمال شبه وحيد يحولها الى دمية مطواعة الجسد و الروح في التسويق و الإعلان و ما شابه ....
3- آثار الحروب : للحروب آثار مروعة على الإقتصاد و الأرواح و الممتلكات إلا أن هذه الآثار أشد ظلما على المرأة مما هي على الرجل في قضايا عديدة أبرزها موضوع الإغتصاب . نعلم جميعا أن النزاعات تؤدي الى ارتفاع تلقائي في معدلات الإغتصاب . و الإغتصاب شكّل و ما يزال نوعا مميزا من العنف ضد النساء و بات يشكل الآن سلاحا لإذلال الآخرين خاصة في المجتمعات التي تعتبر العار الذي يجلبه الإغتصاب أشد و طأة من فعل الإغتصاب نفسه . و هذا ما أدى ببعض العراقيات المغتصبات في الحرب على العراق الى الإنتحار .
التناقضات حاليا هي السمة الرئيسية لواقع النساء فمع كل التطورات الحضارية و مع تحقيق النساء نجاحات بارزة في مختلف المجالات العلمية و السياسية و العملية .الا أنهن لا زلن يتعرضن حتى يومنا هذا للتمييز و العنف من الدول و المجتمعات و الأسر . فلا زالت هناك تحفظات من قبل العديد من دول المنطقة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) إما بمجملها أوببعض بنودها .
و نذكر هنا التحفظ على المادة (9) التي تمنح المرأة حقا مساويا لحق الرجل في اكتساب الجنسية و في منحها لأطفالها. هذا التحفظ يحول دون امتلاك المرأة لحقها في المواطنية الكاملة ،إذ لا يحق للمرأة في المشرق و المغرب العربي المتزوجة من أجنبي منح جنسيتها الى زوجها و أولادها حيث يقتصر حق منح الجنسية الى الأولاد على الأب دون سواه . باستثناء مصر و الجزائر
هذا إضافة الى التحفظ على المادة 16 من اتفاقية السيداو التي تتعلق بالقضاء على كافة أشكال التمييز في كافة الأمور المتعلقة بالزواج و العلاقات الأسرية .
هذا التحفظ ناتج عن تمسك دول المنطقة بالمنظومة القيمية و القانونية التقليدية التي تلحق قوانين الأحوال الشخصية بالطوائف و الأديان التي ترفض بدورها رفضا عصيا أي تبدل أو اجتهاد و هذا ما يشكل السياج الخفي لبطء تقدم النساء و للتناقضات الكبرى التي تعاني منها اللواتي قطعن أشواطا في حياتهن العملية و العلمية . وهنا لا بد من التوقف قليلا أمام بعض هذه التناقضات و نذكر منها ما يلي :
1- نجحت المرأة في أن تصبح قاضية تحكم بين الناس في القضايا المختلفة لكن القانون في دول عدة لا زال لا يعترفبشهادتهامنفردةف يقضيةما.
2-أصبحت المرأة نائبة و وزيرة و لا زالت في بعض دولنا تحرم من الإنتخابات و تمنع من قيادة السيارة أو التجول بمفردها . و لا زالت تتعرض للقتل غسلا للعار بحماية القانون . و قد وصل عدد النساء اللواتي تعرضن للقتل بجرائم الشرف في العام 2004 الى 45 امرأة تقل أعمارهن عن 20عاما و ذلك حسب تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في آذار 2004 .
طبعا هذا لا يعني زوال هذه التناقضات في العالم المتقدم ،ففي نفس التقرير نجد أن 55 ألف امرأة تغتصب سنويا في فرنسا ، وفي أميركا تتعرض امرأة للضرب كل 15 ثانية على يد شريكها و تغتصب امرأة كل 90 ثانية ، مما يحيلنا مجددا الى استمرار مسلمة ضعف المرأة و هيمنة العقلية الذكورية .
3- ناضلت المرأة و استشهدت و اعتقلت في سبيل الوطن الا أنها لا زالت تهمش على الساحة السياسية فالمرأة الجزائرية مثلا ناضلت ضد الإحتلال الفرنسي و لعبت دورا هاما في نجاح الثورة الجزائرية إلا أنها فشلت بأن تجد مكانتها السياسية بعد الإستقلال .
و تاريخ لبنان المعاصريشهد على الأدوار النضالية المتعددة للمرأة ضد العدو الإسرائيلي كالإستشهاد و الأسر و العمل في صفوف الأحزاب السياسية و إن بحدود معينة . الا أن المواقع السياسية كانت لقريبات ساسة سابقين أو مقربات من ساسة حاليين، أي لفئة من النساء لا تحمل قضايا المرأة و مشاكلها و لا تتبنى خطا سياسيا خاصا بهااعتنقته بناء لرأيها الحرّ و مواقفها المستقلة . وهذا ما يطرح إشكالية المشاركةالسياسية للمرأة : يتصور البعض أن الكوتا النسائية المعتمدة في العديد من الدول المتقدمة و في المغرب العربي حديثا هي الحل .و هناك سعي من قبل الحركات النسائية لنقل التجربة الى بعض الدول العربية . مما يطرح تساؤلات عدة أهمه:
كيف يمكن لمجتمعات تعتمد في مرتكزاتها السياسية على الأسرية و الطائفية و المذهبية التي تناقض المبادئ الأولى للديمقراطية أن تخصص كوتا نسائية في بنيتها السياسية ؟
و إذا طبقت ، فأي فئة من النساء سوف تصل الى البرلمانات و الوزارات ؟ أهي الفئة التي تتمتع بالكفاية العلمية أم الخبرات العملية و النضالية ؟
لقد تمكنت المرأة من تبوء مناصب قيادية و سياسية في أمكنة عدة و أثبتت جدارة بفضل قدرة هذه المجتمعات على بناء ديمقراطيات فعلية ترتكز على الحرية و المساواة و العدالة . فهل خطونا بهذا الإتجاه في مجتمعاتنا العربية ؟
نحتاج حاليا الى تمكين المرأة من حقوقها الإنسانية و السياسية من أجل إثبات ذاتها كمواطنة لها كامل الحقوق و الواجبات لتتمكن من المشاركة الفعلية في مؤسسات المجتمع المدني و أهمها النقابات و الأحزاب السياسية أولا . طرح الكوتا يبدأ من هنا، من النقابة، من الحزب السياسي و من ثم لوائح الترشيح ، لتعتاد المجتمعات على صورة المرأة المرشحة الساعية الى مواقع القرار و ليس الى المقعد المخصص لها سلفا من قبل الذكور . بذلك تشارك المرأة في بناء الحياة الديمقراطية الحقة و ليس في بناء
الديمقراطية الواجهة التي يسعى البعض الى ترويجها و إقحام المرأة فيها لأهداف لا تقول إسمها الحقيقي .
نحن مدعوون اليوم لإطلاق حملة نقاش واسعة داخل الحركات النسائية و ضمن منظمات المجتمع المدني الأورومتوسطي تتناول المحاور التالية :
1- المعوقات التي تحول دون امتلاك المرأة لحقها بالمواطنية الكاملة و دون مشاركتها الفعلية في الشأن العام و أهمها في العالم العربي قانون الأحوال الشخصية المرتبط بالطوائف و المذاهب ، و الذي إذا ما تحول الى قانون مدني يحرّر المرأة مما يعتقلها من قوانين و قوالب جاهزة. و تصبح كائنا مستقلا ليس ملحقا بكينونة آخر .
2- العمل لإيجاد منظومة تربوية و إعلامية تبني رؤية جديدة للعلاقات المتساوية بين الرجل و المرأة محل الصور النمطية الموجودة في الكتب و المناهج التعليمية و في وسائل الإعلام المختلفة . مما يتيح إعادة النظر في التصورات و الرؤى التي تحكم تقاسم الأدوار التاريخي
3- العمل على حثّ الحكومات للمصادقة على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة. و رفع التحفظات التي وضعتها بعض الدول على الإتفاقية.
4- إشراك المرأة في مراكز الأبحاث و خلوات صنع القرار التي تناقش مفاهيم و قضايا الأمن و السلم و العدل. فهي أكثر قدرة من الرجل على تحسّس هذه الظواهر و بلورتها .
5- تأسيس شبكة ضمن المنتدى الأورومتوسطي تهتم بمناقشة هذه القضايا و بلورتها لتبادل الخبرات و صياغة مطالب يتم الضغط بها على الحكومات .
إن المنتدى المدني الأورومتوسطي الذي يسعى الى نمو منطق التعاضد بين مجتمعات أهلية تتبلور شيئا فشيئا لا يعبّر صراحة عن رأيها في سبل تعزيز التنمية و العدالة و إيجاد حلول عادلة للنزاعات القائمة في المنطقة. لا بدّ أن يسعى لإفساح المجال أمام النساء للعب دور أساسي في ذلك ،فالمرأة معنية بشؤون التنمية والعدل و الظلم كما بقضايا الحرب و السلم ، إنها من حيث المبدأ مواطنة و يجب أن تكون كاملة الحقوق و الواجبات .
تأخرت في خوض الشأن العام لأسباب عدة تنطلق من محور أساس يمكن تلخيصه بهيمنة الثقافة الذكورية و تعميم مقولة ضعف المرأة إلا أن هذا التأخر لا يعني أنها لم تسع لذلك و التاريخ شاهد على نضالات العديد من النساء و الحركات النسائية الساعية لما يجب أن يكون من شراكة و مساواة حقيقية مع الرجل في جميع المجالات . إن قضية المرأة كما هو معروف ترتبط ارتباطا عضويا بالواقع السياسي و الإجتماعي و الإقتصادي . و الوقائع أثبتت أن انعدام العدل و انهيار السلم و التغييرات الإقتصادية تصيب كل كائن بشري رجلا كان أم امرأة ، طفلا كان أم كهلا إلا أن انعكاسها على المرأة غالبا ما يكون أشد ظلما مما هو على الرجل ، يتجلى ذلك في مظاهر عدة أردت أن أختصر ثلاثة منها:
1- الحرب على الإرهاب و تنامي الأصوليات 2- العولمة 3- آثار الحروب
لأنتقل الى التناقضات التي تعيشها المرأة في المنطقة الشرقية و الجنوبية للبحر المتوسط . و من ثم لوضع بعض المقترحات .
1- إعلان الحرب على الإرهاب بعد 11 أيلول الذي تزامن مع مقولة صراع الحضارات ل "هانتنغتون" . وضع العرب و الإسلام في خانة الإرهاب فأصبحوا ضحايا التنميط و المضايقات غير المبررة مما شكل الأرض الخصبة لتنامي الأصوليات ، التي تستخدم في كثير من الحالات من قبل الأنظمة السياسية المحلية و العالمية لأهداف سياسية محددة .
هذه الأصوليات قد تختلف فيما بينها بأمور كثيرة الا أنها تتفق على مسلمة ضعف المرأة و إذ بها ضحية تفسيرات الفقهاء فيما خصّ الزواج الحضانة و الميراث و غيرها.... و تحت شعار خطاب الأصالة يتم الترويج للحجاب الذي يمعن بإخفاء أجساد النساء فنكون أمام اختزال المرأة بحضورها الجسدي .
هذا ما يقودنا الى إثارة موضوع الحجاب الذي بات يشكل نوعا من التابو يمنع نقاشه . فيما تحتل الدعوة إليه شاشات التلفزيون و لوحات الإعلانات
في القرن الماضي و حتى سبعيناته كان الحجاب بالنسبة للحركات النسائية يرمز الى اضطهاد المرأة العربية المسلمة و الى المركز المتدني الذي كانت تحله . و كان السفور رمزا لتصميم النساء على التحرر ،فكانت النضالات التي قادتها النساء بهذا الخصوص و منها الحركة التي قادتها هدى شعراوي في مصرو إحراق المتظاهرات في البحرين (و خلال انتفاضة 1965 التي قادتها هيئة الإتحاد الوطني) للعباءة السوداء رمزالعزل و القهرالإجتماعي . اليوم نجد الحجاب في مختلف الطبقات الإجتماعية و الثقافية و كأنه يعبر عن الشعور بالهزيمة و أحد مظاهر الإرتدار على الهوية ، تتصور المرأة أنه يحميها من المجهول القادم من الغرب و الذي لا تستطيع السيطرة هي عليه .
2-إن العولمة و ما رافقها من فتح الأسواق و خصخصة المؤسسات أدت الى تقليص فرص العمل و ازدياد معدلات الفقر ، مما استتبع تراجعا في فرص عمل المرأة و أدى الى تأنيث ظاهرة الفقر،هذا من جهة
من جهة أخرى فالعولمة التي فضلت لاهوت السوق على المرتكزات الأساسية لثقافة حقوق الإنسان ( الحرية - العدالة - المساواة) عادت بالمرأة التي بذلت الكثير و وظفت الرساميل العلمية و الثقافية الكبرى لتتحول من موضوع الى ذات ، الى الأدوار الحريمية التي توظف الجسد كرأسمال شبه وحيد يحولها الى دمية مطواعة الجسد و الروح في التسويق و الإعلان و ما شابه ....
3- آثار الحروب : للحروب آثار مروعة على الإقتصاد و الأرواح و الممتلكات إلا أن هذه الآثار أشد ظلما على المرأة مما هي على الرجل في قضايا عديدة أبرزها موضوع الإغتصاب . نعلم جميعا أن النزاعات تؤدي الى ارتفاع تلقائي في معدلات الإغتصاب . و الإغتصاب شكّل و ما يزال نوعا مميزا من العنف ضد النساء و بات يشكل الآن سلاحا لإذلال الآخرين خاصة في المجتمعات التي تعتبر العار الذي يجلبه الإغتصاب أشد و طأة من فعل الإغتصاب نفسه . و هذا ما أدى ببعض العراقيات المغتصبات في الحرب على العراق الى الإنتحار .
التناقضات حاليا هي السمة الرئيسية لواقع النساء فمع كل التطورات الحضارية و مع تحقيق النساء نجاحات بارزة في مختلف المجالات العلمية و السياسية و العملية .الا أنهن لا زلن يتعرضن حتى يومنا هذا للتمييز و العنف من الدول و المجتمعات و الأسر . فلا زالت هناك تحفظات من قبل العديد من دول المنطقة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) إما بمجملها أوببعض بنودها .
و نذكر هنا التحفظ على المادة (9) التي تمنح المرأة حقا مساويا لحق الرجل في اكتساب الجنسية و في منحها لأطفالها. هذا التحفظ يحول دون امتلاك المرأة لحقها في المواطنية الكاملة ،إذ لا يحق للمرأة في المشرق و المغرب العربي المتزوجة من أجنبي منح جنسيتها الى زوجها و أولادها حيث يقتصر حق منح الجنسية الى الأولاد على الأب دون سواه . باستثناء مصر و الجزائر
هذا إضافة الى التحفظ على المادة 16 من اتفاقية السيداو التي تتعلق بالقضاء على كافة أشكال التمييز في كافة الأمور المتعلقة بالزواج و العلاقات الأسرية .
هذا التحفظ ناتج عن تمسك دول المنطقة بالمنظومة القيمية و القانونية التقليدية التي تلحق قوانين الأحوال الشخصية بالطوائف و الأديان التي ترفض بدورها رفضا عصيا أي تبدل أو اجتهاد و هذا ما يشكل السياج الخفي لبطء تقدم النساء و للتناقضات الكبرى التي تعاني منها اللواتي قطعن أشواطا في حياتهن العملية و العلمية . وهنا لا بد من التوقف قليلا أمام بعض هذه التناقضات و نذكر منها ما يلي :
1- نجحت المرأة في أن تصبح قاضية تحكم بين الناس في القضايا المختلفة لكن القانون في دول عدة لا زال لا يعترفبشهادتهامنفردةف يقضيةما.
2-أصبحت المرأة نائبة و وزيرة و لا زالت في بعض دولنا تحرم من الإنتخابات و تمنع من قيادة السيارة أو التجول بمفردها . و لا زالت تتعرض للقتل غسلا للعار بحماية القانون . و قد وصل عدد النساء اللواتي تعرضن للقتل بجرائم الشرف في العام 2004 الى 45 امرأة تقل أعمارهن عن 20عاما و ذلك حسب تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في آذار 2004 .
طبعا هذا لا يعني زوال هذه التناقضات في العالم المتقدم ،ففي نفس التقرير نجد أن 55 ألف امرأة تغتصب سنويا في فرنسا ، وفي أميركا تتعرض امرأة للضرب كل 15 ثانية على يد شريكها و تغتصب امرأة كل 90 ثانية ، مما يحيلنا مجددا الى استمرار مسلمة ضعف المرأة و هيمنة العقلية الذكورية .
3- ناضلت المرأة و استشهدت و اعتقلت في سبيل الوطن الا أنها لا زالت تهمش على الساحة السياسية فالمرأة الجزائرية مثلا ناضلت ضد الإحتلال الفرنسي و لعبت دورا هاما في نجاح الثورة الجزائرية إلا أنها فشلت بأن تجد مكانتها السياسية بعد الإستقلال .
و تاريخ لبنان المعاصريشهد على الأدوار النضالية المتعددة للمرأة ضد العدو الإسرائيلي كالإستشهاد و الأسر و العمل في صفوف الأحزاب السياسية و إن بحدود معينة . الا أن المواقع السياسية كانت لقريبات ساسة سابقين أو مقربات من ساسة حاليين، أي لفئة من النساء لا تحمل قضايا المرأة و مشاكلها و لا تتبنى خطا سياسيا خاصا بهااعتنقته بناء لرأيها الحرّ و مواقفها المستقلة . وهذا ما يطرح إشكالية المشاركةالسياسية للمرأة : يتصور البعض أن الكوتا النسائية المعتمدة في العديد من الدول المتقدمة و في المغرب العربي حديثا هي الحل .و هناك سعي من قبل الحركات النسائية لنقل التجربة الى بعض الدول العربية . مما يطرح تساؤلات عدة أهمه:
كيف يمكن لمجتمعات تعتمد في مرتكزاتها السياسية على الأسرية و الطائفية و المذهبية التي تناقض المبادئ الأولى للديمقراطية أن تخصص كوتا نسائية في بنيتها السياسية ؟
و إذا طبقت ، فأي فئة من النساء سوف تصل الى البرلمانات و الوزارات ؟ أهي الفئة التي تتمتع بالكفاية العلمية أم الخبرات العملية و النضالية ؟
لقد تمكنت المرأة من تبوء مناصب قيادية و سياسية في أمكنة عدة و أثبتت جدارة بفضل قدرة هذه المجتمعات على بناء ديمقراطيات فعلية ترتكز على الحرية و المساواة و العدالة . فهل خطونا بهذا الإتجاه في مجتمعاتنا العربية ؟
نحتاج حاليا الى تمكين المرأة من حقوقها الإنسانية و السياسية من أجل إثبات ذاتها كمواطنة لها كامل الحقوق و الواجبات لتتمكن من المشاركة الفعلية في مؤسسات المجتمع المدني و أهمها النقابات و الأحزاب السياسية أولا . طرح الكوتا يبدأ من هنا، من النقابة، من الحزب السياسي و من ثم لوائح الترشيح ، لتعتاد المجتمعات على صورة المرأة المرشحة الساعية الى مواقع القرار و ليس الى المقعد المخصص لها سلفا من قبل الذكور . بذلك تشارك المرأة في بناء الحياة الديمقراطية الحقة و ليس في بناء
الديمقراطية الواجهة التي يسعى البعض الى ترويجها و إقحام المرأة فيها لأهداف لا تقول إسمها الحقيقي .
نحن مدعوون اليوم لإطلاق حملة نقاش واسعة داخل الحركات النسائية و ضمن منظمات المجتمع المدني الأورومتوسطي تتناول المحاور التالية :
1- المعوقات التي تحول دون امتلاك المرأة لحقها بالمواطنية الكاملة و دون مشاركتها الفعلية في الشأن العام و أهمها في العالم العربي قانون الأحوال الشخصية المرتبط بالطوائف و المذاهب ، و الذي إذا ما تحول الى قانون مدني يحرّر المرأة مما يعتقلها من قوانين و قوالب جاهزة. و تصبح كائنا مستقلا ليس ملحقا بكينونة آخر .
2- العمل لإيجاد منظومة تربوية و إعلامية تبني رؤية جديدة للعلاقات المتساوية بين الرجل و المرأة محل الصور النمطية الموجودة في الكتب و المناهج التعليمية و في وسائل الإعلام المختلفة . مما يتيح إعادة النظر في التصورات و الرؤى التي تحكم تقاسم الأدوار التاريخي
3- العمل على حثّ الحكومات للمصادقة على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة. و رفع التحفظات التي وضعتها بعض الدول على الإتفاقية.
4- إشراك المرأة في مراكز الأبحاث و خلوات صنع القرار التي تناقش مفاهيم و قضايا الأمن و السلم و العدل. فهي أكثر قدرة من الرجل على تحسّس هذه الظواهر و بلورتها .
5- تأسيس شبكة ضمن المنتدى الأورومتوسطي تهتم بمناقشة هذه القضايا و بلورتها لتبادل الخبرات و صياغة مطالب يتم الضغط بها على الحكومات .