المراهق . . . والمراهقة . . كيفية التواصل
يعتبر التواصل مع المراهق, وإقامة التبادلات الحياتية والضرورية معه, مسألة غاية في التعقيد بالنسبة للأهل, إذ عليهم بدء إدراك طبيعة الضيق المميز لمرحلة المراهقة في عصر مليء بالقلق والانزعاج.
تشكّل المراهقة مرحلة غاية في الخصوبة, وغاية في التعقيد أيضًا, وتطبع حياة المراهق بشكل شبه دائم, نظرًا للتغيرات العميقة, التي تحصل عنده نتيجة العمل الدءوب, الطويل الأمد والبطيء (تستمر مرحلة المراهقة ما لا يقل عن ستة الأعوام: ما بين الحادية عشرة أو الثانية عشرة حتى الثامنة عشرة من العمر, على الأقل), الذي ينتهي ببناء شخصية هي دائمًا متمايزة وفريدة من نوعها.
لكن الانبناء المتوازن لهذه الشخصية, يبقى مرهونًا, وبمقدار كبير, بنوعية التواصل الذي تمكن الراشدون ذوو الدور المهم في حياة المراهق وتطوّره - الأهل على وجه الخصوص - من إقامته معه, خاصة أن المراهقة هي مرحلة حاسمة بتطوّر كل فرد, تطورًا مسئولاً غالبًا عن حدوث العديد من التوترات التي تنشأ بين المراهقين والراشدين. لذا, على الأهل وكل مربٍ إيلاء انتباه واهتمام خاصين بموضوع التواصل هذا, كي يعترف المراهقون بهم كأشخاص فلا يخاطبونهم كأعداء.
ما التواصل?
تتم التبادلات القائمة بين المراهقين والراشدين, غالبًا, تبعًا للعفوية الطبيعية المميزة لكل منهم, أي تبعًا لحدس الفرد وطبعه ومزاجه وجهوزيته الحالية لإقامة التبادلات والعلاقات السابقة التي عاشها....إلخ. لذا, قد يعدّل دخول مواقف سابقة عاشها الفرد (انفعالات, أو ردّات فعل معيّنة,...إلخ), على خط التبادل الحاصل بينهم سير المناقشة دون أن يدروا. بمعنى آخر نقول, قد يكون عند كلّ من المراهقين والراشدين انطباعات متنوعة, لا بل متناقضة, بخصوص النقاش المتبادل نفسه, الأمر الذي يهدّد مجرى التبادلات المستقبلية التي لابدّ من حصولها فيما بينهم بالفشل. ومما لاشك فيه أنه بالإمكان تحسين هذه الوضعية إذا ما تساءل كلّ منهم, الراشدون بوجه خاص: ما العمل للحصول على إصغاء الآخر, وفهمه لما أود قوله له (بخاصة وأنه من المتعين ألا يكون الحوار بمنزلة استجواب أو محاولة لحشر الآخر بوضعية ذنب معيّن, إنما بمنزلة مناخ من الاحترام المتبادل)?
قواعد التواصل الجيّد
يتكون التواصل بين المتخاطبين من رسائل لفظية, وغير لفظية في آن معا.
والرسائل اللفظية هي عمومًا مباشرة, دقيقة, مختصرة, تشتمل على عدد محدود من المعلومات (أي تبليغ رسالة واحدة فحسب, في كل مرة), وتنبني تبعًا لقواعد التعبير (أي علم الكلام).
لكن التبادلات اللفظية تترافق, عمومًا, بالتواصل غير اللفظي: طريقة التعبير الصامت عن الذات الخاصة بكل فرد, النبرات, الإشارات (الإيماءات والحركات الجسدية), الانفعالات, ردّات الفعل, المواقف,...إلخ, وهذه التعابير تقنّن داخليًا من قبل المخاطب, لذا, من المهم جدًا إدراك المخاطِب مدى تأثير هذه العناصر غير اللفظية على معنى الرسالة التي يود تبليغها, والتنبّه إليها لتعديلها عند الضرورة.
أما أهداف التواصل, فتُحدد منذ البداية وتوجّه التبادلات القائمة بين المتخاطبين.
وبإمكان كل راشد إقامة التبادلات بينه وبين المراهق, تبعًا لهذه القواعد, فيتعلّم هذا الأخير, بالتالي, كيفية التصرّف مع الآخرين بشكل اجتماعي يتميّز بالنضج.
وهنا يفرض التساؤل نفسه: ما فائدة الاتصال?
المراهقة هي مرحلة خصبة جدًا, ولحظة فريدة في حياة الفرد إذ ينمّي, خلالها, العديد من الطاقات الجديدة: فتطوّر الفكر عنده, وهو ميزة من مميّزات هذه المرحلة, يمكّنه من تحقيق الاستدلال بشكل أوسع, وبفضل تطوّر اللغة عنده, بالإضافة إلى التبادلات القائمة بينه وبين الآخرين, والقدرة الشخصية على التفكير, سيتمكّن من إدراك, ثم تحمّل, كل التغييرات الجسدية, العاطفية والعلائقية التي يتكبّدها (وهذه التغييرات تشكّل أيضًا, إحدى المميزات الرئيسية للمراهقة).
تكمن إحدى أهم فوائد الاتصال, بالتالي, في قدرة الكلمات على تطويع هذه التغييرات الحاصلة عند المراهق إذ: بإصغاء الأهل له يُفسَح له في المجال للإصغاء إلى نفسه أو للتعريف عن نفسه, لتطويع ذاته, ومن ثمّ, لإدارة الآراء, ردّات الفعل والمشاعر التي يعيها بفضل تبادل الحديث مع الآخرين. بتعبير آخر نقول: بما أن التحدّث يسمح للمراهق بالتعرّف على نفسه, باكتشاف ذاته, بالتعلّم وبالتخطيط لمشاريع جديدة, من المهم جدًا, بالتالي, أن يقترح الأهل عليه فترات من المناقشة يرافقونه, خلالها, بهذا العمل اللفظي ودون القيام بأحكام سريعة أو ردّات فعل حيّة يمكن أن تفاجئه, وقد تقف حائلاً دون متابعة تواصله معهم.
ومن فوائد التواصل نذكر, أيضًا, قدرته على خلق روابط رمزيّة - تنبني بفضل الكلام والتبادلات اللفظية - مما يسمح للتمخاطبين بالتقارب ذهنيًا, مع بقائهم منفصلين جسديًا (المحافظة على العلاقات القائمة بينهم, مع إمكان المحافظة على مسافة فيزيكيّة معينة أي, إمكان الاتحاد عبر الأفكار, مع المحافظة على الاستقلال الفردي لكل منهم). تجدر الإشارة هنا إلى رغبة المراهق بالتفاعل مع الراشد, الأمر الذي يتحقق له عبر الحديث, الذي قد يأخذ شكلاً صراعيًا, بحيث نجده يتلاعب بهذا الراشد حينًا, ويغريه أو ينصب له العداء أو يهزأ منه أو يتحدّاه أحيانًا أخرى, مثال, (لا أفهم شيئًا, تقول والدة جان البالغ من العمر ستة عشر عامًا, فابني يبحث عن كل المناسبات لإجراء مناقشة مع أبيه, يود النقاش معه بشكل دائم مع أنّه لا يتفق معه أبدًا ويعلو صوتهما...): في الحقيقة, يستخدم جان الكلام لإقامة علاقة مع أبيه, حتى وإن لم يكن متفقًا معه. والأب, فهم معنى هذه النقاشات التي لا تنتهي وتقبّلها, لكنه رسم لها حدودًا رمزيّة ينبغي عدم تخطّيها, أي: دون الانزلاق معه, من حيث العدوانية ودون السماح بتشويه التبادلات القائمة بينهما, وبفضل ذلك, تمكّن من جعل ابنه يكتشف تدريجيًا القواعد الكامنة وراء التواصل بين الأشخاص, وعلّمه كيف يدير العدوانية التي تعتمل بداخله.
باختصار نقول, يبقى إمكان تأمين التواصل الجيد رهنًا بالراشد: فكل اتصال قائم بين شخصين أو أكثر يهدف لجرّهما إلى رد فعل أو لتكيّف معين, بالإضافة لمختلف الرسائل اللفظية المنْوي تبليغها بالتتابع, وفي هذا المجال نقول: قد تؤدّي توقعات الأهل والمدرّسين تجاه المراهق إلى تشويه التواصل القائم بينهما حين يأتي سلوك المراهق مغايرًا لهذه التوقعات, بخاصة حين يعيد, بتصرّفاته وكلامه, هؤلاء الأهل أو المدرّسين إلى مراهقتهم, فيحيي عندهم تلك الصراعات الداخلية - مسألة الهويّة والاستقلال الشخصي, الصعوبات العلائقيّة, مثلا - التي لم يتجاوزوها. وهنا, قد يساعدون المراهق على استكمال تنظيمه الداخلي إن أبدوا له أنهم, هم أيضًا, قادرون على وضع أنفسهم موضع التساؤل, وأن لإعادة تحريك الموارد الشخصية هذه, على المستوى النفسي, تأثيرات إيجابية وبنّاءة.
وقد يعيد الراشد - كما في مرآة - ردّات الفعل المكثفة عند المراهق, انفعالاته, تجنّبه للوضعيّات الصعبة
إلخ: فمثلا, لا تأخذ والدة سهام - ابنة الخامسة عشرة من عمرها- الوقت اللازم قبل أن تجيب عن سؤال ابنتها, الأمر الذي يجعلها فريسة الانفعال المكثف نفسه, الذي تعبّر عنه ابنتها: أي تصبح بمنزلة مرآة لابنتها المراهقة وتتصرّف تبعًا لقانون (الكل أو لاشيء), حيث لا ترى ابنتها بشكل شامل, بل, فقط, تبعًا للفترات التي تمر بها هذه الأخيرة, أي إما تراها جيّدة تمامًا إن كان تصرّفها جيدًا, أو سيّئة تمامًا, إن كان تصرّفها سيئًا - تمامًا مثل ذلك الأب الذي كسر ذراع ابنه ذي الأربعة عشر عامًا لأنه قام بتصرّف سيئ - غنيّ عن القول هنا أن من شأن ذلك تعزيز المواقف المتطرّفة عند المراهق, وإثارة الاضطراب في التبادلات المتعين إقامتها معه من قبل الأهل كراشدين.
ولإرساء ركائز التواصل الجيد مع المراهق وتقديم المساعدة له ننصح الأهل, حين تكون ردّات فعل المراهق متطرّفة, أو حين يغيّر فجأة من موقفه أو سلوكه تجاههم, بما يلي:
1- لاحظوا ردّات فعلكم - إيماءاتكم, الانفعالات التي تشعرون بها, ألفاظكم - وتأثيراتها عليكم وعلى المراهق.
2- حدّدوا, بدقة, سلوكات أو ألفاظ المراهق التي تُحدِث بداخلكم الغيظ, الغضب, التعب, عدم الفهم,...إلخ.
3- ثم, حاولوا إدراك وضبط ردّات الفعل هذه ما إن يقوم المراهق بهذا السلوك.
4- هدّئوا ردّات فعلكم: عن طريق القيام بتمارين استرخاء التنفس والحديث بشكل أبطأ, بالتقاط الأفكار الآلية التي تضايق ذهنكم بهذه اللحظة, وبسرعة إذ تعطون أنفسكم الوسائل الكفيلة بتطوير ردّات فعلكم لدى الكشف عنها: فالأفكار الآلية تنتقل بسرعة النيازك, تجتاز الذهن بسرعة, كما تُنسى بسرعة, إنما تبقى ناشطة, وتحدّد مواقفنا وسلوكاتنا اللاحقة.
وحين يحاول المراهق التواصل لفظيّا معكم, حاولوا أن تكونوا جاهزين نفسيًا له, وذلك بالانتباه للنقاط التالية:
اصغوا له بانتباه وترحيب, ابذلوا جهدًا, إن كان ذلك ضروريًا, اتركوه يتحدث, فربّما يكون بصدد التحدّث مع نفسه بصوت مرتفع, لا ينتظر سوى وجود رفقة, ويتمنّى أن يسمع نفسه, وأن يُسمع قبل أن يتم توجيهه.
انتبهوا لردّات فعلكم غير اللفظية - من مواقف ونبرات ونظرات...إلخ -, لأن المراهق ينظر إليكم ويمكن أن يتوقف عن الحديث, إن لاحظ على وجوهكم تفاجؤًا كبيرًا, أو نفاد الصبر أو عدم الاهتمام,....إلخ.
لا تحكموا بسرعة ولا بتأثر كبير على ما يقوله, لا تهزأوا منه, بخاصة حين يعبّر عن بعض الأفكار التي لا تتلاءم مع آرائكم, مع معايير الحكم الخاصة بكم, أو التي تبدو لكم مُضحكة.
إذا طلب رأيكم, لا تستغلّوا الظرف لترهقوه بخطاب طويل, عبّروا عن رأيكم بشكل منوّع ومتلائم مع الوضعيّات.
لا تجبروه على مشاركتكم مباشرة برأيكم, اتركوا الوقت يفعل فعله, لا تهوّلوا أفكاره ومعتقداته الحالية - أي تركّزون على مظهرها المأساوي- : فهي ستتطوّر بفضل تطوّره, وبخاصة بفضل التواصل اللفظي الذي يقيمه معكم, مع الأقرباء ومع أفراد البيئة المحيطة به.
ولالتقاط المسافة التي تبعدكم عنه, حاولوا مراقبة ردّات فعلكم تجاهه: أتحسّون بنفاد الصبر (لا يمكنني تحمّله بعد...), (لا أستاهل ولدًا مثله...)? أو باللامبالاة تجاهه (لا يهمّني
)! أتميلون لعدم فهمه, لتأنيبه, للشكوى منه (أو منها), مع أشخاص آخرين? هناك, بالتالي, مسافة تبعدكم عنه وتصعّب عليكم التقرّب منه, لذا, ولتسهيل تواصلكم المستقبلي معه (معها), هناك أمور لابد من القيام بها مثل: التسليم عليه (حين ترونه للمرة الأولى من النهار), التخلّي تدريجيًا عن الألقاب التي كنتم تسمّونه (تسمّونها) بها سابقًا, اختيار صيغة السؤال لدى طلب شيء منه, تجنّب إلقاء الأوامر - استخدام صيغة الأمر مثلاً - أو الصراخ عليه أو استخدام التعابير العدائية, التوجه إليه بأكثر ما يمكن من الهدوء, لكن, دون التصرّف بلطف زائد أو بلامبالاة زائدة, عدم تطلب حصول تأثير مباشر نتيجة طلباتكم, إذ من الضروري فسح المجال للمناقشة, للتفكير والاختيار, إنما دون الاسترسال بالجدال معه.
وحين يبدأ بذلك, عليكم حسم الأمر بسرعة, لكن دون توقع الاعتراف لكم بأنكم على حق, وهو على خطأ, البقاء على مسافة, لا تكون قريبة جدًا أو بعيدة جدا, منه.
المحك السلوكي
ولفهم سلوك المراهق لا بد من تقييمه تبعًا لعدد من المحكات التي يتضافر أحدها مع الآخر لتحديد المستوى السوي منها وتمييزه عن المرضي, مع أن هذا أمر صعب نظرًا لتميز الحدود بينهما ببعض الغموض:
المحك
السلوك السوي
السلوك الاضطرابي
التواتر السلوك المتطرّف هو عابر ويبدو في أوقات متقطعة يبدو السلوك الاضطرابي بشكل متواتر ومستتب, وقد ظهر سابقًا.
درجة الحدّة الانفعالات الناجمة عن السلوك المتطرّف لا تُحتمل, لكن دون أن تترافق بألم نفسي الألم النفسي حاد والانزعاج يسيطر على المراهق الذي يتكبّده, دون أن يتمكن دائمًا من التحدث عنه
تطوّر السلوك يبقى السلوك المتطرّف محدّدًا بقطاع حياتي يمتد السلوك الاضطرابي ليشمل سلوكات جديدة, وقد تظهر سلوكات اضطرابية جديدة غير قابلة للفهم
الصدى لا يؤثر هذا السلوك في قدرات التكيّف الفكري, الاجتماعي, العاطفي,...عنده كمراهق يبدي المراهق صعوبات واضحة من حيث التكيّف مع وضعيات الحياة اليومية ويصعب عليه إدارة المعلومات الجديدة التي يتلقاها, الأمرالذي يثير الاضطراب في تطوّره النفساني
الأسباب أحداث قوية تسبق ظهور السلوك (تعرض لحادث معين, حصول وفاة, تعرّض أحد الوالدين للبطالة,...إلخ) أو أحداث عائلية (تعرّض الأهل مثلا لاضطرابات نفسية عند الولادة أوخلال المراهقة) تركت عند المراهق جراحًا لم تلتئم
التواصل مع الآخرين تتعطّل الديناميّة العائلية, الأمر الذي يعطّل, نوعًا ما, التواصل بين مختلف أعضائها.
يعتبر التواصل مع المراهق, وإقامة التبادلات الحياتية والضرورية معه, مسألة غاية في التعقيد بالنسبة للأهل, إذ عليهم بدء إدراك طبيعة الضيق المميز لمرحلة المراهقة في عصر مليء بالقلق والانزعاج.
تشكّل المراهقة مرحلة غاية في الخصوبة, وغاية في التعقيد أيضًا, وتطبع حياة المراهق بشكل شبه دائم, نظرًا للتغيرات العميقة, التي تحصل عنده نتيجة العمل الدءوب, الطويل الأمد والبطيء (تستمر مرحلة المراهقة ما لا يقل عن ستة الأعوام: ما بين الحادية عشرة أو الثانية عشرة حتى الثامنة عشرة من العمر, على الأقل), الذي ينتهي ببناء شخصية هي دائمًا متمايزة وفريدة من نوعها.
لكن الانبناء المتوازن لهذه الشخصية, يبقى مرهونًا, وبمقدار كبير, بنوعية التواصل الذي تمكن الراشدون ذوو الدور المهم في حياة المراهق وتطوّره - الأهل على وجه الخصوص - من إقامته معه, خاصة أن المراهقة هي مرحلة حاسمة بتطوّر كل فرد, تطورًا مسئولاً غالبًا عن حدوث العديد من التوترات التي تنشأ بين المراهقين والراشدين. لذا, على الأهل وكل مربٍ إيلاء انتباه واهتمام خاصين بموضوع التواصل هذا, كي يعترف المراهقون بهم كأشخاص فلا يخاطبونهم كأعداء.
ما التواصل?
تتم التبادلات القائمة بين المراهقين والراشدين, غالبًا, تبعًا للعفوية الطبيعية المميزة لكل منهم, أي تبعًا لحدس الفرد وطبعه ومزاجه وجهوزيته الحالية لإقامة التبادلات والعلاقات السابقة التي عاشها....إلخ. لذا, قد يعدّل دخول مواقف سابقة عاشها الفرد (انفعالات, أو ردّات فعل معيّنة,...إلخ), على خط التبادل الحاصل بينهم سير المناقشة دون أن يدروا. بمعنى آخر نقول, قد يكون عند كلّ من المراهقين والراشدين انطباعات متنوعة, لا بل متناقضة, بخصوص النقاش المتبادل نفسه, الأمر الذي يهدّد مجرى التبادلات المستقبلية التي لابدّ من حصولها فيما بينهم بالفشل. ومما لاشك فيه أنه بالإمكان تحسين هذه الوضعية إذا ما تساءل كلّ منهم, الراشدون بوجه خاص: ما العمل للحصول على إصغاء الآخر, وفهمه لما أود قوله له (بخاصة وأنه من المتعين ألا يكون الحوار بمنزلة استجواب أو محاولة لحشر الآخر بوضعية ذنب معيّن, إنما بمنزلة مناخ من الاحترام المتبادل)?
قواعد التواصل الجيّد
يتكون التواصل بين المتخاطبين من رسائل لفظية, وغير لفظية في آن معا.
والرسائل اللفظية هي عمومًا مباشرة, دقيقة, مختصرة, تشتمل على عدد محدود من المعلومات (أي تبليغ رسالة واحدة فحسب, في كل مرة), وتنبني تبعًا لقواعد التعبير (أي علم الكلام).
لكن التبادلات اللفظية تترافق, عمومًا, بالتواصل غير اللفظي: طريقة التعبير الصامت عن الذات الخاصة بكل فرد, النبرات, الإشارات (الإيماءات والحركات الجسدية), الانفعالات, ردّات الفعل, المواقف,...إلخ, وهذه التعابير تقنّن داخليًا من قبل المخاطب, لذا, من المهم جدًا إدراك المخاطِب مدى تأثير هذه العناصر غير اللفظية على معنى الرسالة التي يود تبليغها, والتنبّه إليها لتعديلها عند الضرورة.
أما أهداف التواصل, فتُحدد منذ البداية وتوجّه التبادلات القائمة بين المتخاطبين.
وبإمكان كل راشد إقامة التبادلات بينه وبين المراهق, تبعًا لهذه القواعد, فيتعلّم هذا الأخير, بالتالي, كيفية التصرّف مع الآخرين بشكل اجتماعي يتميّز بالنضج.
وهنا يفرض التساؤل نفسه: ما فائدة الاتصال?
المراهقة هي مرحلة خصبة جدًا, ولحظة فريدة في حياة الفرد إذ ينمّي, خلالها, العديد من الطاقات الجديدة: فتطوّر الفكر عنده, وهو ميزة من مميّزات هذه المرحلة, يمكّنه من تحقيق الاستدلال بشكل أوسع, وبفضل تطوّر اللغة عنده, بالإضافة إلى التبادلات القائمة بينه وبين الآخرين, والقدرة الشخصية على التفكير, سيتمكّن من إدراك, ثم تحمّل, كل التغييرات الجسدية, العاطفية والعلائقية التي يتكبّدها (وهذه التغييرات تشكّل أيضًا, إحدى المميزات الرئيسية للمراهقة).
تكمن إحدى أهم فوائد الاتصال, بالتالي, في قدرة الكلمات على تطويع هذه التغييرات الحاصلة عند المراهق إذ: بإصغاء الأهل له يُفسَح له في المجال للإصغاء إلى نفسه أو للتعريف عن نفسه, لتطويع ذاته, ومن ثمّ, لإدارة الآراء, ردّات الفعل والمشاعر التي يعيها بفضل تبادل الحديث مع الآخرين. بتعبير آخر نقول: بما أن التحدّث يسمح للمراهق بالتعرّف على نفسه, باكتشاف ذاته, بالتعلّم وبالتخطيط لمشاريع جديدة, من المهم جدًا, بالتالي, أن يقترح الأهل عليه فترات من المناقشة يرافقونه, خلالها, بهذا العمل اللفظي ودون القيام بأحكام سريعة أو ردّات فعل حيّة يمكن أن تفاجئه, وقد تقف حائلاً دون متابعة تواصله معهم.
ومن فوائد التواصل نذكر, أيضًا, قدرته على خلق روابط رمزيّة - تنبني بفضل الكلام والتبادلات اللفظية - مما يسمح للتمخاطبين بالتقارب ذهنيًا, مع بقائهم منفصلين جسديًا (المحافظة على العلاقات القائمة بينهم, مع إمكان المحافظة على مسافة فيزيكيّة معينة أي, إمكان الاتحاد عبر الأفكار, مع المحافظة على الاستقلال الفردي لكل منهم). تجدر الإشارة هنا إلى رغبة المراهق بالتفاعل مع الراشد, الأمر الذي يتحقق له عبر الحديث, الذي قد يأخذ شكلاً صراعيًا, بحيث نجده يتلاعب بهذا الراشد حينًا, ويغريه أو ينصب له العداء أو يهزأ منه أو يتحدّاه أحيانًا أخرى, مثال, (لا أفهم شيئًا, تقول والدة جان البالغ من العمر ستة عشر عامًا, فابني يبحث عن كل المناسبات لإجراء مناقشة مع أبيه, يود النقاش معه بشكل دائم مع أنّه لا يتفق معه أبدًا ويعلو صوتهما...): في الحقيقة, يستخدم جان الكلام لإقامة علاقة مع أبيه, حتى وإن لم يكن متفقًا معه. والأب, فهم معنى هذه النقاشات التي لا تنتهي وتقبّلها, لكنه رسم لها حدودًا رمزيّة ينبغي عدم تخطّيها, أي: دون الانزلاق معه, من حيث العدوانية ودون السماح بتشويه التبادلات القائمة بينهما, وبفضل ذلك, تمكّن من جعل ابنه يكتشف تدريجيًا القواعد الكامنة وراء التواصل بين الأشخاص, وعلّمه كيف يدير العدوانية التي تعتمل بداخله.
باختصار نقول, يبقى إمكان تأمين التواصل الجيد رهنًا بالراشد: فكل اتصال قائم بين شخصين أو أكثر يهدف لجرّهما إلى رد فعل أو لتكيّف معين, بالإضافة لمختلف الرسائل اللفظية المنْوي تبليغها بالتتابع, وفي هذا المجال نقول: قد تؤدّي توقعات الأهل والمدرّسين تجاه المراهق إلى تشويه التواصل القائم بينهما حين يأتي سلوك المراهق مغايرًا لهذه التوقعات, بخاصة حين يعيد, بتصرّفاته وكلامه, هؤلاء الأهل أو المدرّسين إلى مراهقتهم, فيحيي عندهم تلك الصراعات الداخلية - مسألة الهويّة والاستقلال الشخصي, الصعوبات العلائقيّة, مثلا - التي لم يتجاوزوها. وهنا, قد يساعدون المراهق على استكمال تنظيمه الداخلي إن أبدوا له أنهم, هم أيضًا, قادرون على وضع أنفسهم موضع التساؤل, وأن لإعادة تحريك الموارد الشخصية هذه, على المستوى النفسي, تأثيرات إيجابية وبنّاءة.
وقد يعيد الراشد - كما في مرآة - ردّات الفعل المكثفة عند المراهق, انفعالاته, تجنّبه للوضعيّات الصعبة
إلخ: فمثلا, لا تأخذ والدة سهام - ابنة الخامسة عشرة من عمرها- الوقت اللازم قبل أن تجيب عن سؤال ابنتها, الأمر الذي يجعلها فريسة الانفعال المكثف نفسه, الذي تعبّر عنه ابنتها: أي تصبح بمنزلة مرآة لابنتها المراهقة وتتصرّف تبعًا لقانون (الكل أو لاشيء), حيث لا ترى ابنتها بشكل شامل, بل, فقط, تبعًا للفترات التي تمر بها هذه الأخيرة, أي إما تراها جيّدة تمامًا إن كان تصرّفها جيدًا, أو سيّئة تمامًا, إن كان تصرّفها سيئًا - تمامًا مثل ذلك الأب الذي كسر ذراع ابنه ذي الأربعة عشر عامًا لأنه قام بتصرّف سيئ - غنيّ عن القول هنا أن من شأن ذلك تعزيز المواقف المتطرّفة عند المراهق, وإثارة الاضطراب في التبادلات المتعين إقامتها معه من قبل الأهل كراشدين.
ولإرساء ركائز التواصل الجيد مع المراهق وتقديم المساعدة له ننصح الأهل, حين تكون ردّات فعل المراهق متطرّفة, أو حين يغيّر فجأة من موقفه أو سلوكه تجاههم, بما يلي:
1- لاحظوا ردّات فعلكم - إيماءاتكم, الانفعالات التي تشعرون بها, ألفاظكم - وتأثيراتها عليكم وعلى المراهق.
2- حدّدوا, بدقة, سلوكات أو ألفاظ المراهق التي تُحدِث بداخلكم الغيظ, الغضب, التعب, عدم الفهم,...إلخ.
3- ثم, حاولوا إدراك وضبط ردّات الفعل هذه ما إن يقوم المراهق بهذا السلوك.
4- هدّئوا ردّات فعلكم: عن طريق القيام بتمارين استرخاء التنفس والحديث بشكل أبطأ, بالتقاط الأفكار الآلية التي تضايق ذهنكم بهذه اللحظة, وبسرعة إذ تعطون أنفسكم الوسائل الكفيلة بتطوير ردّات فعلكم لدى الكشف عنها: فالأفكار الآلية تنتقل بسرعة النيازك, تجتاز الذهن بسرعة, كما تُنسى بسرعة, إنما تبقى ناشطة, وتحدّد مواقفنا وسلوكاتنا اللاحقة.
وحين يحاول المراهق التواصل لفظيّا معكم, حاولوا أن تكونوا جاهزين نفسيًا له, وذلك بالانتباه للنقاط التالية:
اصغوا له بانتباه وترحيب, ابذلوا جهدًا, إن كان ذلك ضروريًا, اتركوه يتحدث, فربّما يكون بصدد التحدّث مع نفسه بصوت مرتفع, لا ينتظر سوى وجود رفقة, ويتمنّى أن يسمع نفسه, وأن يُسمع قبل أن يتم توجيهه.
انتبهوا لردّات فعلكم غير اللفظية - من مواقف ونبرات ونظرات...إلخ -, لأن المراهق ينظر إليكم ويمكن أن يتوقف عن الحديث, إن لاحظ على وجوهكم تفاجؤًا كبيرًا, أو نفاد الصبر أو عدم الاهتمام,....إلخ.
لا تحكموا بسرعة ولا بتأثر كبير على ما يقوله, لا تهزأوا منه, بخاصة حين يعبّر عن بعض الأفكار التي لا تتلاءم مع آرائكم, مع معايير الحكم الخاصة بكم, أو التي تبدو لكم مُضحكة.
إذا طلب رأيكم, لا تستغلّوا الظرف لترهقوه بخطاب طويل, عبّروا عن رأيكم بشكل منوّع ومتلائم مع الوضعيّات.
لا تجبروه على مشاركتكم مباشرة برأيكم, اتركوا الوقت يفعل فعله, لا تهوّلوا أفكاره ومعتقداته الحالية - أي تركّزون على مظهرها المأساوي- : فهي ستتطوّر بفضل تطوّره, وبخاصة بفضل التواصل اللفظي الذي يقيمه معكم, مع الأقرباء ومع أفراد البيئة المحيطة به.
ولالتقاط المسافة التي تبعدكم عنه, حاولوا مراقبة ردّات فعلكم تجاهه: أتحسّون بنفاد الصبر (لا يمكنني تحمّله بعد...), (لا أستاهل ولدًا مثله...)? أو باللامبالاة تجاهه (لا يهمّني
)! أتميلون لعدم فهمه, لتأنيبه, للشكوى منه (أو منها), مع أشخاص آخرين? هناك, بالتالي, مسافة تبعدكم عنه وتصعّب عليكم التقرّب منه, لذا, ولتسهيل تواصلكم المستقبلي معه (معها), هناك أمور لابد من القيام بها مثل: التسليم عليه (حين ترونه للمرة الأولى من النهار), التخلّي تدريجيًا عن الألقاب التي كنتم تسمّونه (تسمّونها) بها سابقًا, اختيار صيغة السؤال لدى طلب شيء منه, تجنّب إلقاء الأوامر - استخدام صيغة الأمر مثلاً - أو الصراخ عليه أو استخدام التعابير العدائية, التوجه إليه بأكثر ما يمكن من الهدوء, لكن, دون التصرّف بلطف زائد أو بلامبالاة زائدة, عدم تطلب حصول تأثير مباشر نتيجة طلباتكم, إذ من الضروري فسح المجال للمناقشة, للتفكير والاختيار, إنما دون الاسترسال بالجدال معه.
وحين يبدأ بذلك, عليكم حسم الأمر بسرعة, لكن دون توقع الاعتراف لكم بأنكم على حق, وهو على خطأ, البقاء على مسافة, لا تكون قريبة جدًا أو بعيدة جدا, منه.
المحك السلوكي
ولفهم سلوك المراهق لا بد من تقييمه تبعًا لعدد من المحكات التي يتضافر أحدها مع الآخر لتحديد المستوى السوي منها وتمييزه عن المرضي, مع أن هذا أمر صعب نظرًا لتميز الحدود بينهما ببعض الغموض:
المحك
السلوك السوي
السلوك الاضطرابي
التواتر السلوك المتطرّف هو عابر ويبدو في أوقات متقطعة يبدو السلوك الاضطرابي بشكل متواتر ومستتب, وقد ظهر سابقًا.
درجة الحدّة الانفعالات الناجمة عن السلوك المتطرّف لا تُحتمل, لكن دون أن تترافق بألم نفسي الألم النفسي حاد والانزعاج يسيطر على المراهق الذي يتكبّده, دون أن يتمكن دائمًا من التحدث عنه
تطوّر السلوك يبقى السلوك المتطرّف محدّدًا بقطاع حياتي يمتد السلوك الاضطرابي ليشمل سلوكات جديدة, وقد تظهر سلوكات اضطرابية جديدة غير قابلة للفهم
الصدى لا يؤثر هذا السلوك في قدرات التكيّف الفكري, الاجتماعي, العاطفي,...عنده كمراهق يبدي المراهق صعوبات واضحة من حيث التكيّف مع وضعيات الحياة اليومية ويصعب عليه إدارة المعلومات الجديدة التي يتلقاها, الأمرالذي يثير الاضطراب في تطوّره النفساني
الأسباب أحداث قوية تسبق ظهور السلوك (تعرض لحادث معين, حصول وفاة, تعرّض أحد الوالدين للبطالة,...إلخ) أو أحداث عائلية (تعرّض الأهل مثلا لاضطرابات نفسية عند الولادة أوخلال المراهقة) تركت عند المراهق جراحًا لم تلتئم
التواصل مع الآخرين تتعطّل الديناميّة العائلية, الأمر الذي يعطّل, نوعًا ما, التواصل بين مختلف أعضائها.