قام النبي صلى الله عليه وسلم بقيادة هذه الغزوة في شهر رجب سنة 9 ه، وهي آخر غزوة غزاها، وكان سببها أن أخبارًا وصلت إليه من عيونه التي بثها لمراقبة تحركات الروم في الشمال، أنهم يعدون العدة للهجوم عليه فأعد جيشًا لصده، وكان عدده ثلاثين ألفًا، وهو أكبر جيش قاده النبي صلى الله عليه وسلم وسُمي جيش العسرة، لأن المسافة كانت بعيدة والجو صيف شديد الحرارة، و الناس يحبون المقام في مزارعهم وبساتينهم لجنى الثمار، والاستمتاع بالظل الوارف، ولكن مادامت الدولة الإسلامية ودعوتها في خطر، فلابد من التضحية والاستهانة بكل راحة ومتعة، وقد ضحى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تضحيات كبيرة، وأسهموا في تجهيز الجيش وإعداده بأموالهم، وبخاصة عثمان بن عفان الذى جهز نحو ثلث الجيش من ماله الخاص
سار النبي حتى وصل إلى تبوك ، فإذا به يعلم أن جيش الروم الذى كان يُعد يومئذٍ أقوى جيش في الدنيا قد فرَّ مذعورًا إلى داخل الشام ، فعسكر النبي في تبوك ثلاثة أسابيع، رتب خلالها أوضاع المنطقة، وأظهر هيبة الإسلام وضرب هيبة الروم ضربة قاصمة، جعلت سكان الإمارات الصغيرة في المنطقة الخاضعة لسيطرة الروم -كأيلة و أدرح و الجرساء- يهرعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مذعنين، وقالوا له: ماذا تريد منا؟ فعرض عليهم الإسلام فرفضوا، وقالوا: غير هذا، قال: تدفعون الجزية ونؤمنكم على عقائدكم وأرواحكم وأموالكم؛ فقبلوا، فأعطاهم بذلك معاهدات، وكان تصرف النبي صلى الله عليه وسلم مثلا عاليًا ودليلا على تسامح الإسلام، وأنه لا يُفرض على الناس بالقوة