1ـ حسن الخلق
حسن الخلق هو: حالة نفسية تبعث على حسن معاشرة الناس، ومجاملتهم بالبشاشة، و طيب القول، ولطف المداراة، كما عرفه الإمام الصادق(عليه السلام) حينما سئل عن حده فقال: (تلين جناحك، وتطيب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن). (الكافي للكليني).
من الأماني والآمال التي يطمح إليها كل عاقل حصيف، و يسعى جاهدا في كسبها و تحقيقها، أن يكون ذا شخصية جذابة، ومكانة مرموقة، محببا لدى الناس، عزيزا عليهم.
وإنها لأمنية غالية، وهدف سام، لا يناله إلا ذوو الفضائل والخصائص الذين تؤهلهم كفاءتهم لبلوغها، ونيل أهدافها، كالعلم والأريحية والشجاعة ونحوها من الخلال الكريمة.
بيد أن جميع تلك القيم والفضائل، لا تكون مدعاة للإعجاب والإكبار وسمو المنزلة، ورفعة الشأن، إلا إذا اقترنت بحسن الخلق، وازدانت بجماله الزاهر، ونوره الوضاء، فإذا ما تجردت عنه فقدت قيمتها الأصيلة، وغدت صورا شوهاء تثير السأم والتذمر.
لذلك كان حسن الخلق ملاك الفضائل ونظام عقدها، ومحور فلكها، وأكثرها إعدادا و تأهيلا لكسب المحامد والأمجاد، ونيل المحبة والاعتزاز.
انظر كيف يمجد أهل البيت عليهم السلام هذا الخلق الكريم، ويمطرون المتحلين به إطراء رائعا، ويحثون على التمسك به بمختلف الأساليب التوجيهية المشوقة، كما تصوره النصوص التالية:
قال النبي (صلى الله عليه وآله): (أفاضلكم أحاسنكم أخلاقا، الموطؤون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون و توطأ رحالهم) (الكافي). والأكناف جمع كنف، وهو: الناحية والجانب، ويقال (رجل موطأ الأكناف) أي كريم مضياف.
وقال الباقر(عليه السلام): (إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا). (عن الكافي).
وقال الصادق (عليه السلام): (ما يقدم المؤمن على الله تعالى بعمل بعد الفرائض،أحب إلى الله تعالى من أن يسع الناس بخلقه) (عن الكافي)
وقال (عليه السلام): (إن الله تعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق , كما يعطي المجاهد في سبيل الله، يغدو عليه ويروح) (عن الكافي).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): (إن صاحب الخلق الحسن له مثل أجر الصائم القائم) (عن الكافي).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): (إن صاحب الخلق الحسن يميث الخطيئة، كما تميث الشمس الجليد) (عن الكافي)
وقال (عليه السلام): (البر وحسن الخلق يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار) (عن الكافي).
وقال (عليه السلام): (إن شئت أ تكرم فلـن، وان شئت أن تهان فاخشن) (تحف العقول).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): (إنكم لم تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم) (من لا يحضره الفقيه).
وكفى بحسن الخلق شرفا وفضلا، أن الله عز وجل لم يبعث رسله وأنبياءه للناس إلا بعد أن حلاهم بهذه السجية الكريمة، وزانهم بها، فهي رمز فضائلهم، وعنوان شخصياتهم.
ولقد كان سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) المثل الأعلى في حسن الخلق، وغيره من كرائم الفضائل والخلال. واستطاع بأخلاقه المثالية أن يملك القلوب والعقول، واستحق بذلك ثناء الله تعالى عليه بقوله عز من قائل: ((وانك لعلى خلق عظيم)).
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وهو يصور أخلاق رسول الله(صلى الله عليه وآله): (كان أجود الناس كفا، وأجرأ الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة. من رآه بديهة هابة. ومن خالطه فعرفه أحبه، لم أر مثله قبله ولا بعده) (سفينة البحار ـ مادة خلق ـ).
وحسبنا أن نذكر ما أصابه من قريش، فقد تألبت عليه، وجرعته ألوان الغصص، حتى اضطرته إلى مغادرة أهله وبلاده، فلما نصره الله عليهم، وأظفره بهم، لم يشكـّوا أنه سيثأر منهم، وينكـّل بهم، فما زاد أن قال: ما تقولون أني فاعل بكم ؟ قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم. فقال: أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء.
وجاء عن أنس قال: كنت مع النبي(صلى الله عليه وآله)، وعليه برد غليظ الحاشية، فجذبه أعرابي بردائه جذبة شديدة، حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عاتقه، ثم قال: يا محمد احمل لي على بعيرَيّ هذين من مال الله الذي عندك، فانك لا تحمل من مالك، ولا مال أبيك. فسكت النبي(صلى الله عليه وآله) ثم قال: (المال مال الله، وأنا عبده). ثم قال: (ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي؟) قال: لا. قال: لِمَ؟ قال: لأنك لا تكافئ بالسيئة السيئة. فضحك النبي(صلى الله عليه وآله)، ثم أمر أن يحمل له على بعير شعيرا، وعلى الآخر تمرا (سفينة البحار ـ مادة خلق ـ).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (إن يهوديا كان له على رسول الله(صلى الله عليه وآله) دنانير، فتقاضاه، فقال له: يا يهودي ما عندي ما أعطيك. فقال: فإني لا أفارقك يا محمد حتى تقضيني. فقال: أجلس معك، فجلس معه حتى صلى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة (الصبح)، وكان أصحاب رسول الله يتهددونه ويتوعدونه، فنظر رسول الله(صلى الله عليه وآله) إليهم وقال: ما الذي تصنعون به؟ فقالوا: يا رسول الله يهودي يحبسك ! فقال: لم يبعثني ربي عز وجل (كي) أظلم معاهدا ولا غيره. فلما علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وشطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت، إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة، فإني قرأت نعتك في التوراة:
محمد بن عبد الله، مولده بمكة، ومهاجره بطيبة (المدينة المنورة)، وليس بفظ ولا غليظ ، ولا سخاب، ولا متزين بالفحش، ولا قول الخنا، وأنا أشهد أن لا اله إلا الله، وأنك رسول الله، وهذا مالي فاحكم فيه بما أنزل الله، وكان اليهودي كثير المال) (البحار م 6 في مكارم أخلاق النبي(صلى الله عليه وآله)) وهكذا كان الأئمة المعصومون من أهل البيت عليهم السلام في مكارم أخلاقهم وسمو آدابهم. وقد حمل الرواة إلينا صورا رائعة ودروسا خالدة من سيرتهم المثالية، وأخلاقهم الفذة.
من ذلك ما ورد عن أبي محمد العسكري(عليه السلام) قال: (ورد على أمير المؤمنين(عليه السلام) أخـَوان له مؤمنان، أب وابن، فقام إليهما وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه، وجلس بين يديهما، ثم أمر بطعام فأحضر فأكلا منه، ثم جاء قنبر بطست و إبريق خشب ومنديل، فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام الإبريق فغسل يد الرجل بعد أن كان الرجل يمتنع من ذلك، و أقسم عليه أمير المؤمنين(عليه السلام) أن يغسل مطمئنا، كما لو كان الصاب عليه قنبرا ففعل، ثم ناول الإبريق محمد بن الحنفية وقال: يا بني لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده، ولكن الله عز وجل يأبى أن يسوي بين ابن وأبيه، إذا جمعهما مكان، ولكن قد صب الأب على الأب، فليصب الابن على الابن، فصب محمد بن الحنفية على الابن) ثم قال العسكري (عليه السلام): (فمن اتبع عليا على ذلك فهو الشيعي حقا) (سفينة البحار ـ مادة
وضع ـ).
وورد أن الحسن والحسين مرا على شيخ يتوضأ ولا يحسن، فأخذا في التنازع، يقول كل واحد منهما أنت لا تحسن الوضوء، فقالا أيها الشيخ كن حكما بيننا، يتوضأ كل منا، فتوضئا ثم قالا: أينا يحسن؟ قال: كلاكما تحسنان الوضوء، ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يحسن، وقد تعلم الآن منكما، وتاب على يديكما ببركتكما وشفقتكما على أمة جدكما ( البحار م 10 عن المحاسن ص89).
وجنى غلام للحسين عليه السلام جناية توجب العقاب عليه، فأمر به أن يضرب، فقال: يا مولاي والكاظمين الغيظ. قال: خلوا عنه. فقال: يا مولاي والعافين عن الناس. قال: قد عفوت عنك. قال: يا مولاي والله يحب المحسنين. قال: أنت حر لوجه الله، ولك ضعف ما كنت أعطيك (البحار م10ص145عن كشف الغمة).
وحدث الصولي: أنه جرى بين الحسين وبين محمد بن الحنفية كلام، فكتب ابن الحنفية إلى الحسين: (أما بعد يا أخي فان أبي وأباك علي لا تفضلني فيه ولا أفضلك، وأمك فاطمة بنت رسول الله، لو كان ملء الأرض ذهبا ملك أمي ما وفت بأمك، فإذا قرأت كتابي هذا فصر إلي حتى تترضاني. فانك أحق بالفضل مني، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته) ففعل الحسين فلم يجر بعد ذلك بينهما شئ(البحار 10ص144 عن مناقب ابن شهرآشوب).
وعن محمد بن جعفر وغيره قالوا: وقف على علي بن الحسين(عليه السلام) رجل من أهل بيته فأسمعه وشتمه، فلم يكلمه، فلما انصرف قال لجلسائه: لقد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا مني ردي عليه،فقالوا له: نفعل، ولقد كنا نحب أن يقول له ويقول، فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) فعلمنا أنه لا يقول له شيئا.
قال: فخرج حتى أتى منزل الرجل، فصرخ به، فقال: قولوا له هذا علي بن الحسين. قال: فخرج متوثبا للشر، وهو لا يشك أنه إنما جاء مكافئا له على بعض ما كان منه.
فقال له علي بن الحسين: يا أخي انك وقفت علي آنفا وقلت وقلت فان كنت قلت ما في فأستغفر الله منه، وان كنت قلت ما ليس في فغفر الله لك، قال: فقبله الرجل بين عينيه، وقال: بل قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحق به (البحار م11ص17عن إعلام الورى وإرشاد المفيد).
وليس شئ أدل على شرف حسن الخلق، وعظيم أثره في سمو الإنسان وإسعاده، من الحديث التالي:
عن علي بن الحسين(عليه السلام) قال: ثلاثة نفر آلـَو باللات والعزى ليقتلوا محمدا(صلى الله عليه وآله)، فذهب أمير المؤمنين وحده إليهم وقتل واحدا منهم وجاء بالآخرين، فقال النبي(صلى الله عليه وآله): قدّم إلي أحد الرجلين، فقدمه فقال: قل لا اله إلا الله، واشهد أني رسول الله. فقال لنقل جبل أبي قبيس أحب إلي من أن أقول هذه الكلمة.
قال: يا علي أخرّه وأضرب عنقه. ثم قال: قدم الآخر، فقال: قل لا اله إلا الله، واشهد أني رسول الله. قال ألحقني بصاحبي. قال: يا علي أخرّه واضرب عنقه.فأخرّه وقام أمير المؤمنين ليضرب عنقه فنزل جبرئيل على النبي(صلى الله عليه وآله)، فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام، ويقول لا تقتله فانه حسن الخلق سخي في قومه. فقال النبي(صلى الله عليه وآله): يا علي أمسك، فان هذا رسول ربي يخبرني أنه حسن الخلق سخي في قومه. فقال المشرك تحت السيف: هذا رسول ربك يخبرك ؟ قال: نعم. قال: والله ما ملكت درهما مع أخ لي قط، ولا قطبت وجهي في الحرب، فأنا أشهد أن لا اله إلا الله، وأنك رسول الله. فقال رسول الله:
هذا ممن جره حسن خلقه وسخاؤه إلى جنات النعيم (البحار م15 ج2 ص210 في حسن الخلق).
حسن الخلق هو: حالة نفسية تبعث على حسن معاشرة الناس، ومجاملتهم بالبشاشة، و طيب القول، ولطف المداراة، كما عرفه الإمام الصادق(عليه السلام) حينما سئل عن حده فقال: (تلين جناحك، وتطيب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن). (الكافي للكليني).
من الأماني والآمال التي يطمح إليها كل عاقل حصيف، و يسعى جاهدا في كسبها و تحقيقها، أن يكون ذا شخصية جذابة، ومكانة مرموقة، محببا لدى الناس، عزيزا عليهم.
وإنها لأمنية غالية، وهدف سام، لا يناله إلا ذوو الفضائل والخصائص الذين تؤهلهم كفاءتهم لبلوغها، ونيل أهدافها، كالعلم والأريحية والشجاعة ونحوها من الخلال الكريمة.
بيد أن جميع تلك القيم والفضائل، لا تكون مدعاة للإعجاب والإكبار وسمو المنزلة، ورفعة الشأن، إلا إذا اقترنت بحسن الخلق، وازدانت بجماله الزاهر، ونوره الوضاء، فإذا ما تجردت عنه فقدت قيمتها الأصيلة، وغدت صورا شوهاء تثير السأم والتذمر.
لذلك كان حسن الخلق ملاك الفضائل ونظام عقدها، ومحور فلكها، وأكثرها إعدادا و تأهيلا لكسب المحامد والأمجاد، ونيل المحبة والاعتزاز.
انظر كيف يمجد أهل البيت عليهم السلام هذا الخلق الكريم، ويمطرون المتحلين به إطراء رائعا، ويحثون على التمسك به بمختلف الأساليب التوجيهية المشوقة، كما تصوره النصوص التالية:
قال النبي (صلى الله عليه وآله): (أفاضلكم أحاسنكم أخلاقا، الموطؤون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون و توطأ رحالهم) (الكافي). والأكناف جمع كنف، وهو: الناحية والجانب، ويقال (رجل موطأ الأكناف) أي كريم مضياف.
وقال الباقر(عليه السلام): (إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا). (عن الكافي).
وقال الصادق (عليه السلام): (ما يقدم المؤمن على الله تعالى بعمل بعد الفرائض،أحب إلى الله تعالى من أن يسع الناس بخلقه) (عن الكافي)
وقال (عليه السلام): (إن الله تعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق , كما يعطي المجاهد في سبيل الله، يغدو عليه ويروح) (عن الكافي).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): (إن صاحب الخلق الحسن له مثل أجر الصائم القائم) (عن الكافي).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): (إن صاحب الخلق الحسن يميث الخطيئة، كما تميث الشمس الجليد) (عن الكافي)
وقال (عليه السلام): (البر وحسن الخلق يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار) (عن الكافي).
وقال (عليه السلام): (إن شئت أ تكرم فلـن، وان شئت أن تهان فاخشن) (تحف العقول).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): (إنكم لم تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم) (من لا يحضره الفقيه).
وكفى بحسن الخلق شرفا وفضلا، أن الله عز وجل لم يبعث رسله وأنبياءه للناس إلا بعد أن حلاهم بهذه السجية الكريمة، وزانهم بها، فهي رمز فضائلهم، وعنوان شخصياتهم.
ولقد كان سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) المثل الأعلى في حسن الخلق، وغيره من كرائم الفضائل والخلال. واستطاع بأخلاقه المثالية أن يملك القلوب والعقول، واستحق بذلك ثناء الله تعالى عليه بقوله عز من قائل: ((وانك لعلى خلق عظيم)).
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وهو يصور أخلاق رسول الله(صلى الله عليه وآله): (كان أجود الناس كفا، وأجرأ الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة. من رآه بديهة هابة. ومن خالطه فعرفه أحبه، لم أر مثله قبله ولا بعده) (سفينة البحار ـ مادة خلق ـ).
وحسبنا أن نذكر ما أصابه من قريش، فقد تألبت عليه، وجرعته ألوان الغصص، حتى اضطرته إلى مغادرة أهله وبلاده، فلما نصره الله عليهم، وأظفره بهم، لم يشكـّوا أنه سيثأر منهم، وينكـّل بهم، فما زاد أن قال: ما تقولون أني فاعل بكم ؟ قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم. فقال: أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء.
وجاء عن أنس قال: كنت مع النبي(صلى الله عليه وآله)، وعليه برد غليظ الحاشية، فجذبه أعرابي بردائه جذبة شديدة، حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عاتقه، ثم قال: يا محمد احمل لي على بعيرَيّ هذين من مال الله الذي عندك، فانك لا تحمل من مالك، ولا مال أبيك. فسكت النبي(صلى الله عليه وآله) ثم قال: (المال مال الله، وأنا عبده). ثم قال: (ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي؟) قال: لا. قال: لِمَ؟ قال: لأنك لا تكافئ بالسيئة السيئة. فضحك النبي(صلى الله عليه وآله)، ثم أمر أن يحمل له على بعير شعيرا، وعلى الآخر تمرا (سفينة البحار ـ مادة خلق ـ).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (إن يهوديا كان له على رسول الله(صلى الله عليه وآله) دنانير، فتقاضاه، فقال له: يا يهودي ما عندي ما أعطيك. فقال: فإني لا أفارقك يا محمد حتى تقضيني. فقال: أجلس معك، فجلس معه حتى صلى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة (الصبح)، وكان أصحاب رسول الله يتهددونه ويتوعدونه، فنظر رسول الله(صلى الله عليه وآله) إليهم وقال: ما الذي تصنعون به؟ فقالوا: يا رسول الله يهودي يحبسك ! فقال: لم يبعثني ربي عز وجل (كي) أظلم معاهدا ولا غيره. فلما علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وشطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت، إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة، فإني قرأت نعتك في التوراة:
محمد بن عبد الله، مولده بمكة، ومهاجره بطيبة (المدينة المنورة)، وليس بفظ ولا غليظ ، ولا سخاب، ولا متزين بالفحش، ولا قول الخنا، وأنا أشهد أن لا اله إلا الله، وأنك رسول الله، وهذا مالي فاحكم فيه بما أنزل الله، وكان اليهودي كثير المال) (البحار م 6 في مكارم أخلاق النبي(صلى الله عليه وآله)) وهكذا كان الأئمة المعصومون من أهل البيت عليهم السلام في مكارم أخلاقهم وسمو آدابهم. وقد حمل الرواة إلينا صورا رائعة ودروسا خالدة من سيرتهم المثالية، وأخلاقهم الفذة.
من ذلك ما ورد عن أبي محمد العسكري(عليه السلام) قال: (ورد على أمير المؤمنين(عليه السلام) أخـَوان له مؤمنان، أب وابن، فقام إليهما وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه، وجلس بين يديهما، ثم أمر بطعام فأحضر فأكلا منه، ثم جاء قنبر بطست و إبريق خشب ومنديل، فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام الإبريق فغسل يد الرجل بعد أن كان الرجل يمتنع من ذلك، و أقسم عليه أمير المؤمنين(عليه السلام) أن يغسل مطمئنا، كما لو كان الصاب عليه قنبرا ففعل، ثم ناول الإبريق محمد بن الحنفية وقال: يا بني لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده، ولكن الله عز وجل يأبى أن يسوي بين ابن وأبيه، إذا جمعهما مكان، ولكن قد صب الأب على الأب، فليصب الابن على الابن، فصب محمد بن الحنفية على الابن) ثم قال العسكري (عليه السلام): (فمن اتبع عليا على ذلك فهو الشيعي حقا) (سفينة البحار ـ مادة
وضع ـ).
وورد أن الحسن والحسين مرا على شيخ يتوضأ ولا يحسن، فأخذا في التنازع، يقول كل واحد منهما أنت لا تحسن الوضوء، فقالا أيها الشيخ كن حكما بيننا، يتوضأ كل منا، فتوضئا ثم قالا: أينا يحسن؟ قال: كلاكما تحسنان الوضوء، ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يحسن، وقد تعلم الآن منكما، وتاب على يديكما ببركتكما وشفقتكما على أمة جدكما ( البحار م 10 عن المحاسن ص89).
وجنى غلام للحسين عليه السلام جناية توجب العقاب عليه، فأمر به أن يضرب، فقال: يا مولاي والكاظمين الغيظ. قال: خلوا عنه. فقال: يا مولاي والعافين عن الناس. قال: قد عفوت عنك. قال: يا مولاي والله يحب المحسنين. قال: أنت حر لوجه الله، ولك ضعف ما كنت أعطيك (البحار م10ص145عن كشف الغمة).
وحدث الصولي: أنه جرى بين الحسين وبين محمد بن الحنفية كلام، فكتب ابن الحنفية إلى الحسين: (أما بعد يا أخي فان أبي وأباك علي لا تفضلني فيه ولا أفضلك، وأمك فاطمة بنت رسول الله، لو كان ملء الأرض ذهبا ملك أمي ما وفت بأمك، فإذا قرأت كتابي هذا فصر إلي حتى تترضاني. فانك أحق بالفضل مني، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته) ففعل الحسين فلم يجر بعد ذلك بينهما شئ(البحار 10ص144 عن مناقب ابن شهرآشوب).
وعن محمد بن جعفر وغيره قالوا: وقف على علي بن الحسين(عليه السلام) رجل من أهل بيته فأسمعه وشتمه، فلم يكلمه، فلما انصرف قال لجلسائه: لقد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا مني ردي عليه،فقالوا له: نفعل، ولقد كنا نحب أن يقول له ويقول، فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) فعلمنا أنه لا يقول له شيئا.
قال: فخرج حتى أتى منزل الرجل، فصرخ به، فقال: قولوا له هذا علي بن الحسين. قال: فخرج متوثبا للشر، وهو لا يشك أنه إنما جاء مكافئا له على بعض ما كان منه.
فقال له علي بن الحسين: يا أخي انك وقفت علي آنفا وقلت وقلت فان كنت قلت ما في فأستغفر الله منه، وان كنت قلت ما ليس في فغفر الله لك، قال: فقبله الرجل بين عينيه، وقال: بل قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحق به (البحار م11ص17عن إعلام الورى وإرشاد المفيد).
وليس شئ أدل على شرف حسن الخلق، وعظيم أثره في سمو الإنسان وإسعاده، من الحديث التالي:
عن علي بن الحسين(عليه السلام) قال: ثلاثة نفر آلـَو باللات والعزى ليقتلوا محمدا(صلى الله عليه وآله)، فذهب أمير المؤمنين وحده إليهم وقتل واحدا منهم وجاء بالآخرين، فقال النبي(صلى الله عليه وآله): قدّم إلي أحد الرجلين، فقدمه فقال: قل لا اله إلا الله، واشهد أني رسول الله. فقال لنقل جبل أبي قبيس أحب إلي من أن أقول هذه الكلمة.
قال: يا علي أخرّه وأضرب عنقه. ثم قال: قدم الآخر، فقال: قل لا اله إلا الله، واشهد أني رسول الله. قال ألحقني بصاحبي. قال: يا علي أخرّه واضرب عنقه.فأخرّه وقام أمير المؤمنين ليضرب عنقه فنزل جبرئيل على النبي(صلى الله عليه وآله)، فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام، ويقول لا تقتله فانه حسن الخلق سخي في قومه. فقال النبي(صلى الله عليه وآله): يا علي أمسك، فان هذا رسول ربي يخبرني أنه حسن الخلق سخي في قومه. فقال المشرك تحت السيف: هذا رسول ربك يخبرك ؟ قال: نعم. قال: والله ما ملكت درهما مع أخ لي قط، ولا قطبت وجهي في الحرب، فأنا أشهد أن لا اله إلا الله، وأنك رسول الله. فقال رسول الله:
هذا ممن جره حسن خلقه وسخاؤه إلى جنات النعيم (البحار م15 ج2 ص210 في حسن الخلق).