هاوار عفرين ابو الوليد

دور العلم والمعرفة في الأخلاق 73926
دور العلم والمعرفة في الأخلاق 73949

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

هاوار عفرين ابو الوليد

دور العلم والمعرفة في الأخلاق 73926
دور العلم والمعرفة في الأخلاق 73949

هاوار عفرين ابو الوليد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
هاوار عفرين ابو الوليد

مرحبا و أغــلى ســهلا يا (زائر) .. عدد مساهماتك و مـشــاركـاتـك3


    دور العلم والمعرفة في الأخلاق

    احبك يا عفرين
    احبك يا عفرين
     غــرامــي  كبـــير الــمــشـــرفــين
     غــرامــي  كبـــير الــمــشـــرفــين


    عــدد الـــمــســاهـمات عــدد الـــمــســاهـمات : 191

    دور العلم والمعرفة في الأخلاق Empty دور العلم والمعرفة في الأخلاق

    مُساهمة من طرف احبك يا عفرين الخميس 17 نوفمبر - 13:08

    من العوامل في عمليّة تهذيب الأخلاق وترشيدها، هوالصعود بالمستوى العلمي والمعرفي للأفراد، فإنّ التجربة أثبتت أنّ الإنسان، كلّما ارتقي مستواه في دائرة العلوم والمعارف الإلهيّة، أينعت سجاياه الإنسانيّة، وتفتحت فضائله الأخلاقيّة، والعكس صحيح، فإنّ الجهل وفقدان المعارف الإلهيّة، يؤثر تأثيراً شديداً على دعامات واُسس الفضيلة، ويهبط بالمستوى الأخلاقي للفرد، في خطّ الإنحراف والباطل.

    بعض الفلاسفة والعلماء، بالغوا في الأمر وإدعوا أنّ: "العلم يساوي الأخلاق".

    وبعبارة اُخرى: أنّ العلم والحكمة والمعرفة، هي المنبع الرّئيسي للأخلاق، "كما نُقل عن سقراط الحكيم"، وأنّ الرّذائل الأخلاقيّة سببها الجهل.

    فمثلاً المتكبّر والحاسد، إنّما ابتلي بهذين الرذيلتين، بسبب عدم علمه بواقع الحال، فلا توجد عنده صورةٌ واضحةٌ عن أضرارهما وتبعاتهما السلبيّة، على واقع الإنسان الدّاخلي، ويقولون أنّه لا يوجد إنسان يخطوخطوةً نحوالقبائح عن وعي وعلم بها.

    وبناءً على ذلك، إذا تمّ الصّعود بالمستوى العلمي لدى أفراد المجتمع، فإنّ ذلك بإمكانه، أن يكون عاملاً مساعداً، لتشييد صرح الهيكل الأخلاقي السّليم في المجتمع.

    وبالطّبع فإنّ هذا الكلام فيه نوع من المُغالاة والمُبالغة، ويُنظر للمسألة من زواية خاصّة، رغم أننا لا ننكر أنّ العلم يُعدّ من العوامل المهمّة لتهيئة الأرضيّة، وخَلقِ الأجواء الملائمة لِسيادة الأخلاق، بناءً على ذلك فإنّ الأفراد الاُميّين والجهلة، يكونون أقرب إلى منحدر الضّلالة والخطيئة، وأمّا العلماء الواعون، فيكونون على بصيرة من أمرهم ويبتعدون عن الرّذيلة، من موقع الوضوح في الرّؤية، ولا ننسى أنّ لكلّ قاعدة شَواذ.

    وقد ورد في القرآن الكريم هذا المعنى، في بيان الهدف من البعثة: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الاُْمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَل مُبِين﴾(الجمعة:2).

    وبناءً على ذلك، فإنّ النّجاة من الضّلال المبين، والطّهارة من الأخلاق الرّذيلة والذنوب، تأتي بعد تلاوة الكتاب المجيد، وتعليم الكتاب والحكمة، وهودليلٌ واضحٌ على وجود العلاقة والإرتباط بين الإثنين.

    وهناك شواهد عديدة من الآيات القرآنية، حول علاقة العِلم والمعرفة بالفضائل الأخلاقيّة، وكذلك علاقة الجهل بالرذائل الأخلاقيّة، ونشير هنا بشكل مختصرٌ إلى عشرة نماذج منها:

    1- الجهل مصدرٌ للفساد والإنحراف

    نقرأ في الآية (55) من سورة الّنمل: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾.

    فقرن هنا الجهل، بالإنحراف الجنسي والفساد الأخلاقي.

    2- الجهل سبب للإنفلات والتّحلل الجنسي

    ورد في الآية (33) من سورة يوسف على لسان يوسف عليه السلام، في أنّ الجهل قرينٌ للتحلل الجنسي، فقال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمّا يَدْعُونَني إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ﴾.

    3- الجهل أحد عوامل الحسد

    ورد في الآية (89) من سورة يوسف عليه السلام، أنّه عندما جلس يوسف عليه السلام على عرش مصر، وتحدّث مع إخوانه الذين جاءوا من كنعان إلى مصر، لإستلام الحنطة منه، فقال: ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾.

    أي أنّ جهلكم هوالسبب في وقوعكم في أسر الحسد، الذي دفعكم إلى تعذيبه، والسّعي لقتله، والقائه في البئر.

    4- الجهل مصدر التّعصب والعناد واللؤم

    في الآية (26) من سورة الفتح، نرى أنّ تعصّب مشركي العرب في الجاهلية، كان بسبب جهلهم وضلالهم: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾.

    5- علاقة الجهل بالذرائع

    تاريخ الأنبياء مليءٌ بمظاهر التبرير، وخلق الذّرائع من قبل الأقوام السّالفة، في مواجهة أنبيائهم، وقد أشار القرآن الكريم مراراً إلى هذه الظاهرة، ومرًّة اُخرى يشير إلى علاقة الجهل بها، فنقرأ في الآية (118) من سورة البقرة: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾.

    فالتأكيد هنا على أنّ عدم العلم والجهل، هوالذي يتولى خلق الأرضيّة للتذرع، وتبيّن الآية الكريمة، العلاقة الوثيقة بين هذا الإنحراف الأخلاقي مع الجهل، وكما أثبتته التجارب أيضاً.

    6- علاقة سوء الظنّ مع الجهل

    ورد في الآية (154) من سورة آل عمران، الكلام عن مُقاتلي اُحد: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾.

    ولا شك في أنّ سوء الظّن، هومن المفاسد الأخلاقيّة، ومصدر لكثير من الرذائل الفردية والإجتماعيّة في حركة الواقع والحياة، وهذه الآية تبيّن علاقة الظّن بالجهل بصورة واضحة.

    7- الجهل مصدر لسوء الأدب

    ورد في الآية (4) من سورة الحجرات، إشارةً للّذين لا يحترمون مقام النبوة، وقال إنّهم قوم لا يعقلون: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾.

    فقد كانوا يزاحمون الرّسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم، في أوقات الرّاحة، وفي بيوت أزواجه، ويُنادونه بأعلى أصواتهم قائلين: يا مُحَمِّد! يا مُحَمِّد! اُخرُجُ إلَينا.

    فكان الرّسول صلى الله عليه واله وسلم ينزعج كثيراً من سوء أدبهم وقلّة حيائهم، ولكن حياؤه يمنعه من البوح لهم، وبقي كذلك يتعامل معهم من موقع الحياء، حتى نزلت الآية، ونبّهتهم لضرورة التأدّب أمام الرسول صلى الله عليه واله وسلم، وشرحت لهم كيف يتعاملون معه صلى الله عليه واله وسلم، من موقع الأدب والإحترام.

    وفي تعبير: "أكثرهم لا يعقلون"، إشارة لطيفة للسّبب الكامن وراء سوء تعاملهم، وقلّة أدبهم وجسارتهم، وهوفي الغالب عبارةٌ عن هُبوط المستوى العلمي، والوعي الثقافي لدى الأفراد.

    8- أصحاب النّار لا يفقهون

    لا شك أنّ أصحاب النّار هم أصحاب الرذائل، والملوّثين بألوان القبائح، وقد نوّه إليهم القرآن الكريم، وعرّفهم بالجُهّال، وعدم التّفقه، ويتّضح منه العلاقة بين الجهل وإرتكاب القبائح، فنقرأ في الآية (179) من سورة الأعراف: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالاِْنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالاَْنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ﴾.

    فقد بيّنت هذه الآية وآيات كثيرةٌ اُخرى، العلاقة الوطيدة بين الجهل، وبين أعمال السوء وإرتكاب الرذائل.

    9- الصبر من معطيات العلم

    الآية (65) من سورة الأنفال، تنبّه المسلمين على أنّ الصّبر الذي يقوم على أساس الإيمان والمعرفة، بإمكانه أن يمنح المسلمين قوّة للوقوف بوجه الكفّار، الذين يفوقون المسلمين عدداً وعدّةً، تقول الآية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ﴾.

    نعم فإنّ جهل الكافرين، هوالسبب في عدم إستطاعتهم في الصّمود بوجه المؤمنين، وفي مقابل ذلك فإنّ وعي المؤمنين هوالسّبب في صمودهم، بحيث يُعادل كلّ واحد منهم عشرة أنفار من جيش الكفّار.

    10- النّفاق والفرقة ينشآن من الجهل

    أشار القرآن الكريم في الآية (14) من سورة الحشر إلى يهود (بني النضير)، الذين عجزوا عن مُقاومة المسلمين، لأنّهم كانوا مُختلفين ومُتفرقين، رغم أنّ ظاهرهم يحكي الوحدة والإتفاق، فقال: ﴿لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَة أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُر بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ﴾.

    وبناءً على ذلك فإنّ النّفاق والفرقة والتشتت، وغيرها من الرذايل الأخلاقيّة، الناشئة من جهلهم وعدم إطّلاعهم على حقائق الاُمور.

    النتيجة
    تبيّن ممّا جاء في أجواء تلك العناوين العشرة السّابقة، التي وردت في سياق بعض الآيات القرآنية، علاقة الفضيلة بالعلم من جهة وعلاقة الرذيلة بالجهل، من جهة اُخرى، وقد ثبت لنا بالتجربة ومن خلال المشاهدة، أنّ أشخاصاً كانوا منحرفين بسبب جهلهم، وكانوا يرتكبون القبيح ويمارسون الرّذيلة في السّابق، ولكنّهم إستقاموا بعد أن وقفوا على خطئهم، وتنبّهوا إلى جهلهم، وأقلعوا عن فعل القبائح والرذائل، وقلّلوها إلى أدنى حدٍّ.

    والدّليل المنطقي لهذا الأمر واضح جدّاً، وذلك لأنّ حركة الإنسان نحوالتّحلي بالصّفات والكمالات الإلهيّة، يحتاج إلى دافع وقصد، وأفضل الدّوافع هوالعلم بفوائد الأعمال الصّالحة ومضار القبائح، وكذلك الإطّلاع والتعرّف على المبدأ والمعاد، وسلوكيات الأنبياء والأولياء ومذاهبهم الأخلاقية، فكلّ ذلك بإمكانه أن يكون عاملاً مساعداً، يسوق الإنسان للصّلاح والفلاح، والإبتعاد عن الفساد والباطل في حركة الحياة والواقع.

    وبالطّبع المراد من العلم هنا، ليس هوالفنون والعلوم الماديّة، لأنّه يوجد الكثير من العلماء في دائرة العلوم الدنيويّة، ولكنّهم فاسدين ومفسدين ويتحركون في خط الباطل والإنحراف، ولكن المقصود هوالعلم والاطّلاع على القيم الإنسانية، والتعاليم والمعارف الإلهيّة العالية، التي تصعد بالإنسان في مدارج الكمال المعنوي والأخلاقي، في مسيرته المعنوية.

    علاقة "العلم" و"الأخلاق" في الأحاديث الإسلاميّة
    الأحاديث الإسلاميّة من جهتها، مشحونة بالعبارات الحكيمة الّتي تبيّن العلاقة الوثيقة بين العلم والمعرفة من جهة، وبين الفضائل الأخلاقيّة من جهة اُخرى، وكذلك علاقة الجهل بالرّذائل أيضاً. وهنا نستعرض بعضاً منها:

    1- بيّن الإمام علي عليه السلام علاقة المعرفة بالزهد، الذي يُعدّ من أهمّ الفضائل الأخلاقيّة، فقال: "ثَمَرةُ المَعرِفَةِ العُزُوفُ عَِنْ الدُّنيا"1.

    2- وَوَرد في حديث آخر عنه عليه السلام، قال: "يَسيرُ المَعرِفةِ يُوجِبُ الزُّهدَ فِي الدُّنيا"2.

    والمعرفة هنا يمكن أن تكون إشارةً لمعرفة الباري تعالى، فكلّ شيء في مقابل ذاته المقدّسة لا قيمة له، فما قيمة القَطرة بالنسبة للبحر، ونفس هذا المعنى يمثّل أحد أسباب الزهد في الدنيا وزبرجها، وهوإشارةٌ لعدم ثبات الحياة في الدّنيا، وفناء الأقوام السّابقة، وهذا المعنى أيضاً يحثّ الإنسان على التّحرك في سلوكه وأفكاره، من موقع الزّهد، ويوجّهه نحوالآخرة والنّعيم المقيم، وهوإشارةٌ لجميع ما ذُكر آنفاً.

    3- وَوَرد عنه عليه السلام في حديث آخر، بيان علاقة الغِنى الذّاتي، وترك الحرص على الاُمور الدنيوية، بالعلم والمعرفة، فقال: "مَنْ سَكَنَ قلْبَهُ العِلْمُ بِاللهِ سُبحانَهُ سَكَنَهُ الغِنى عَنْ الخَلْقِ"3.

    ومن الواضح أنّ الذي يعيش المعرفة، بالصّفات الجماليّة والجلاليّة للباري تعالى، ويرى أنّ العالم كلّه، هوإنعكاسةٌ وومضةٌ، من شمس ذاته الأزليّة الغنيّة بالذات، فيتوكل عليه فقط، ويرى نفسه غنيّاً عن الناس أجمعين، في إطار هذا التوكّل والإعتماد المطلق على الله تعالى.

    4- وجاء في حديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم، حول معرفة الله وعلاقتها بحفظ اللّسان من الكلام البذيء، والبطن من الحرام، فقال صلى الله عليه واله وسلم: "مَنْ عَرَفَ اللهَ وَعَظَمَتَهُ مَنَعَ فاهُ مِنْ الكَلامِ وَبَطْنَهُ مِنَ الحَرامِ"4.

    5- وَرَد عن الإمام الصّادق عليه السلام، علاقة المعرفة بالخوف منه تبارك وتعالى، الذي هوبدوره مصدر لكلّ أنواع الفضائل، فقال: "مَنْ عَرَفَ اللهَ خافَ اللهَ وَمَنْ خافَ اللهَ سَخَت نَفْسهُ عَنِ الدُّنيا"5.

    6- بالنّسبة للعفووقبول العذر من الناس، قال أمير المؤمنين عليه السلام: "أَعْرَفُ النَّاسِ بِاللهِ أَعْذَرَهُم لِلنّاسِ وإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُم عُذر"6. (ومن البديهي أنّ هذا الحديث ناظرٌ إلى المسائل الشخصيّة، لا المسائل الإجتماعيّة).

    7- حول معرفة الله وترك التكبّر، قال عليه السلام: "وَإِنَّهُ لا يَنبَغِي لَمَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ اللهِ أنْ يَتَعَظَّمُ"7.

    8- حول العلم والعمل، قال عليه السلام: "لَن يُزَّكى العَمَلُ حتّى يُقارِنَهُ العِلْمُ"8.

    ومن المعلوم أنّ طهارة العمل لا تنفكّ عن طهارة الأخلاق.

    9- ونقرأ في حديث آخر عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم، حول هذا الموضوع: "بِالعِلمِ يُطاعُ اللهُ وَيُعبَدُ وَبالعِلمِ يُعْرَفُ اللهُ وَيُوَحَّدُ وَبِهِ تُوصَلُ الأَرحامُ وَيُعْرَفُ الحَلالُ وَالحَرامُ وَالعِلمُ إِمامُ العَمَلِ".9

    ففي هذا الحديث، إعتبر كثيراً من السّلوكيّات الأخلاقيّة الإيجابيّة، هي ثمرةٌ من ثمار العلم والمعرفة.

    10- ورد نفس هذا المعنى بصراحة أقوى عن أميرالمؤمنين عليه السلام، أنّه قال: "ثَمَرَةُ العَقلِ مُداراةُ النَّاسِ"10.

    وفي مقابل الأحاديث التي تتحدث عن العلم والمعرفة، وعلاقتها بالفضائل الأخلاقيّة توجد أحاديث شريفة اُخرى، وردت في المصادر الإسلاميّة حول علاقة الجهل بالرذائل، وهي تأكيد آخر لموضوع بحثنا هذا ومنها:

    1- في حديث عن علي عليه السلام قال: "الجَهلُ أَصلُ كُلِّ شرٍّ"11.

    2- وورد أيضاً عنه عليه السلام: "الحرصُ وَالشَّرَهُ والبُخلُ نَتِيجَةُ الجَهلِ"12.

    لأنّ الحريص والطّماع، غالباً ما يتحرك في طلب اُمور زائدة عن إحتياجه، وفي الحقيقة فإنّ ولعه بالمال والثّروة والمواهب الماديّة، ولعٌ غير منطقي وغير عقلائي، وهكذا حال البخيل أيضاً فبِبُخله يحرص، ويحافظ على أشياء لن يستفيد منها في حياته، بل يتركها لغيره بعد موته.

    3- ونقل عنه عليه السلام في تعبير جميل: "الجَاهِلُ صَخْرَةٌ لا يَنْفَجِرُ مائُها! وَشَجَرَةٌ لا يَخْضَرُّ عُودُها! وَأَرْضٌ لا يَظهَرُ عُشْبُها!"13.

    4- وَوَرد عنه عليه السلام أيضاً، في إشارة إلى أنّ الجاهل يعيش دائماً في حالة إفراط وتفريط، فقال: "لا تَرى الجَاهِلَ إلاّ مُفْرِطاً ومُفَرِّط"14.

    فطبقاً للرأي المعروف عن علماء الأخلاق، أنّ الفضائل الأخلاقيّة هي الحد الأوسط بين الإفراط والتفريط، الذي ينتهي إلى السّقوط في الرذائل، ويُستفاد من الحديث أعلاه، أنّ العلاقة بين الجهل من جهة والرذائل الأخلاقيّة، من جهة اُخرى، هي علاقةٌ وطيدةٌ جدّاً.

    5- يقول كثير من علماء الأخلاق، أنّ الخُطوة الاُولى لإصلاح الأخلاق، وتهذيب النّفس، هي المحافظة على اللّسان والإهتمام بإصلاحه، وقد ورد في الأحاديث الإسلاميّة، تأكيد على علاقة الجهل ببذاءة اللّسان، فنقرأ في حديث عن الإمام الهادي عليه السلام: "الجَاهِلُ أَسِيرُ لِسانِهِ"15.

    وخُلاصة القول، أنّ الرّوايات الإسلاميّة الكثيرة أكدت على علاقة العلم بالأخلاق الحسنة، والجهل بالأخلاق السيّئة، وكلّها تؤيد هذه الحقيقة، وهي أنّ إحدى الطّرق المؤثرة لتهذيب النّفوس، هوالصّعود بالمستوى العلمي والمعرفي لِلأفراد، ومعرفة المبدأ والمعاد، والعلم بمعطيات الفضائل والرذائل الأخلاقية، في واقع الإنسان والمجتمع.

    هذا الصعود بالمستوى العلمي للأفراد على نحوين
    النحوالأول: زيادة المعرفة بسلبيات السّلوك المنحرف، والإطّلاع على أضرار الرذائل الأخلاقية بالنسبة للفرد والمجتمع، فمثلاً عندما يُحيط الإنسان علماً، بأضرار المواد المخدّرة والمشروبات الكحولية، وأنّ أضرارها لا يمكن اصلاحها على المستوى القريب، فذلك العلم سيهيّىء الأرضيّة في روح الإنسان، للإقلاع عن تلك السلوكيّات المضرّة، وبناءً عليه فكما أنّه يجب تعريف النّاس بمضرّات المخدرات، والمشروبات الكحولية، وعلينا تعريف النّاس بطرق مُحاربة الرّذائل وإحصاء عُيوبها، وأساليب تنمية الفضائل، وإستجلاء محاسنها، ورغم أنّ ذلك لا يُمثّل العلّة التّامة لإحداث حالة التغيير، والتّحول في الإنسان، ولكّنه بلا شك يمهّد ويهيّىء الأرضيّة المساعدة لذلك.

    النحو الثاني: الصّعود بالمستوى العلمي بصورة عامّة، فعندما يطّلع الإنسان على المعارف الإلهيّة، ومنها المبدأ والمعاد، وأقوال الأنبياء والأولياء، وما شابه ذلك، فإنّ الإنسان سيجد في نفسه ميلاً نحوالفضائل، ورغبةً في الإبتعاد عن الرّذائل.

    وبعبارة اُخرى: إنّ تدنّي المستوى العلمي بالاُمور العقائدية، كفيل بخلق محيط مناسب لنموالرذائل، والعكس صحيحٌ فإنّ زيادة المعرفة تبعث في روح الإنسان الرّغبة والشّوق نحوممارسة الفضيلة.

    *الأخلاق في القرآن،آية الله مكارم الشيرازي،مدرسة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 21 نوفمبر - 10:58