الأدب هو ذلك الميدان الرحب والفسيح الذي تلُغى فيه الحدود والمسافات، وتفتح الآفاق واسعة أمام الإبداع والتعبير عن خلجات النفس والمشاعر الانسانية، والأحاسيس الصادقة. وهذا ما ينطبق أول ما ينطبق على الشعر...حين يحلّق الشاعر بروحه عالياً مع أحاسيسه الملتهبة والدفاقّة ليعّبر عن حب أو كره أو فكر أو غضب ما يغلي في الأعماق، وهو ما يشبه غالباً بركاناً خامداَ مليئاً بالحمم التي تنتظر أن تقذف لتحرق وتحيي من جديد.ولأن الشعر هكذا، فكثيراً ما نرى شعراء عالميين يتعاطفون ويتضامنون مع قضايا الشعوب المضطهدة التي تعاني من الظلم والغبن أينما وجدت، ذلك لأن إنسانية الشاعر تأتي قبل كل شيء وفوق كل شيء. وإذا ما عدنا قليلاً إلى الوراء، سنرى كيف أن الشاعر الانكليزي اللورد بايرون قد خلّد في وجدان وضمير الشعب اليوناني لأن بايرون أبى أن يرى موطن وبلاد الحضارة والفلسفة-بلاد الإغريق- تتعرض للغزو والاحتلال فأستشهد دفاعاً عن ترابها. ولا ننسى هنا تعاطف الكثير من الادباء والمفكرين والشعراء العالميين- ومنهم حاملي جائزة نوبل للآداب، والشعراء والمثقفين مع قضية الشعب الفلسطيني الذي يشبه الشعب الكوردي كثيراً من حيث تعرضه للظلم والاحتلال. وايضاً تعاطف الكثير من الأدباء والشعراء مع قضية الشعب الكوردي العادلة ووقفوا إلى جانبه في أيام المحن والشدة، ومنهم الشاعر اليوناني الثائر" أدونيس بودوريس" في ديوانه" حديث مع كوردي" الذي قام بترجمته إلى لغة الضاد الأديب الكوردي دحام عبد الفتاح.
لمحة عن سيرة الشاعر أدونيس بودوريس
شاعر يوناني معاصر، تقدّمي الفكر، إنساني الرؤية. ولد في جزيرة" سيروس" اليونانية عام 1960 م من أب عامل. بعد إنهاء دراسته الثانوية، انتقل إلى العاصمة أثينا ليعمل في مجال الصحافة مدة ثلاث سنوات. خرج من اليونان عام 1980 م وهو في العشرين من عمره، لمتابعة دراسته في مجال علم الإجتماع، وفي العواصم الأوروبية تعرف على اللاجئين الكورد، والمهاجرين من تركيا بعيد الإنقلاب العسكري فيها عام 1980 م، وتفهّم معاناتهم، وصار منذ ذلك الوقت صديقاً حميماً لشعبهم الكوردي.
كتب أدونيس بودوريس كثيراً من المقالات والتقارير الصحفية في الجرائد والصحف والمجلات اليونانية عن القضية الكوردية. وله ديوان شعري باسم( الوميض)، طبع في اليونان عام 1985 م.
وبالنسبة للكتاب المذكور( حديث مع كوردي) فقد ترجمه الأديب الكردي الاستاذ دحام عبد الفتاح بلغة أدبية سلسة وممتعة بحيث يوصل المعنى للمتلقي دون أن يفقد النص الأصلي لذته وجماله.
رسالة حب مفتوحة إلى أدونيس بودوريس
يرسل المترجم دحام عبد الفتاح رسالة حب مفتوحة من عامودا(مسقط رأسه) على أثير الحب والوفاء إلى صديق الكورد بودوريس، وهي أشبه ما تكون بقصيدة من إنسان كوردي يحترق:
لك القلب مرفأ عشق، فأقبل أيها المبحر من الساحل الغربي للمتوسط....!
أقبل بزورقك الشعريّ، واعبر غطرسات الاناضول بعناد العاشقين، فنحن على نار......!
أقبل إلينا في جناح غيمة حبلى، وأمطر الشعر على ساحاتنا الظمآى
قناديل وبنادق. فهذا زمن العشق الفدائي، وزمن إتحاد المضطَهدين
على الأرض...!
كل الحبيبات اللواتي لوّحت لهن، بمناديلك الزرقاء( روني وآلاء وشيرين، و...)، كلهن في الأفق الشرقي حنين وانتظار....وكل العصافير الملونة، والحمائم البيضاء.
في وطن السنابل، اختنقت بغاز الموت...!
فيا حادي العشق، هذا زمن الانتماء الانساني، فأوغل....أوغل في الانتماء....وافرش في وجه الريح الغربية اشرعتك الحمراء، فكل أقلام السادة المحترمين وراء المتوسط، وما وراء الوراء جفّت، وما جفت عيون الحبيبات في وطن العشق المطعون...!
الشرفات الجبلية، تلّوح بستائرها الخضراء لعينيك الحالمتين بالفجر والانسان...!
فأقبل أيها المبحر إلينا. لك القلوب كل القلوب مرافىء عشق...!
امنحني الدفء. أرجوك!
امنحني شهادة ميلاد العاشقين لأترجم زورقك الشعري إلى لغة الضاد...لأفسر بها حلمك الانساني الكبير.
فلي معها- يا صاحبي- حكاية حب عذري، طال أمده، جمعتني بها صناعة التاريخ الطويل، من حطين إلى قلعة شقيف*....!
والدم، هو الوحيد الشاهد والمشهود في ساحة العشق
لك القلب مرفأ عشق، فأبحر...أيها الشاعر الانسان.....!
"مقدمة الشاعر"
هذه هي المقدمة الرائعة للشاعر اليوناني أدونيس بودوريس في كتابه الشعري–حديث مع كوردي-...
عندما شاهدت، للمرة الأولى لوحة فوتوغرافية من كوردستان، أمعنت فيها النظر طويلاً، ثم رحت أبحث على الخارطة عن أصول شعب يتجاوز(24 مليوناً). وعلى مدى سبع سنوات من الزمن وأنا أوطّد علاقتي بالثوار الكورد بعمق، وهذه المدة ليست بقصيرة كما أعتقد، وهي ليست بالطويلة أيضاً، للتعرف عليهم، وتفهّم عاداتهم وتقاليدهم، وحياتهم الصميمية، ومع ذلك، فقد وجدت في نفسي الشجاعة، كي أحمل القلم، واكتب لكم هذه القصائد، فاعذروني....!
وكالمياه المتدفقة من صخور الجبال، تدفقت هذه القصائد بعفوية من قلبي. لم أذهب إلى كوردستان في ليالي الشتاء الطويلة، عندما كانت كؤوس الشاي تدفىء حناجرنا وأحاديثنا. بعد الانقلاب العسكري(في تركيا عام 1980م) درست تاريخ هذه الحرب الانقلابية، وعرفت عنها الكثير من أفواه هؤلاء الشباب المغتربين، كما وقفت على كل ما لاقوه من عذاب في المعتقلات والسجون. وتعرفت على الحياة القاسية في قراهم، وما كانوا يعانونه من اضطهاد....كل هذا جعلني اختلي بنفسي وأفكر بصمت.
إن العشق في أرض الكورد، والحبيبات المنتظرات هناك والأزهار الجبلية، وأزقة دياربكر، والأحاديث التي كانت تدور في المقاهي، كل ذلك رسم في مخيلتي مناظر، ولوحات غنية، ومن خلالها سرح الخيال بي في انحاء وطنكم، فكأنني خرجتُ في رحلة سياحية إلى–وان- حيث بحُيرتها تمتد أمام ناظري...أو كأنني أطرق باباً في "نصيبين"....في السليمانية أبحث عن صديق....! أو أبحث عن ماء مهاباد...!
أو كأنني على صهوة حصان يهيم بي، بحثاً عن بعض الفدائيين في جبالكم الشماء، أو كأنني في أزقة هكاري، اتعرف على اولئك الفلاحين العائدين من اعمالهم....
من المحتمل انني قد جسّمتُ الموضوع برومانسيتيّ قليلاً، لكنني هكذا أرى كوردستان، وهكذا أعايشها!
أخبار الحرب في كوردستان تنتشر في اليونان يومياً، وبسرعة مذهلة، حيث تنقلها أجهزة الإعلام الحديثة، لكن هذه الاخبار لا تطفىء ظمأ الشعب اليوناني إلى معرفة كل ما يحدث في كوردستان إذ يجب أن يذاع أكثر من ذلك، وأن يكتب أكثر من ذلك. إن تجارب الشعب اليوناني ضد الفاشية، ومناهضته لكافة اشكال الارتباط بالامبريالية هي تقاليد متأصلة فيه. إن قواه التقدمية تتضامن مع جميع الذين يكافحون الاستعمار، والامثلة على هذا التضامن ليست قليلة.
أشكركم على سماحكم لي بالتعبير- ولو على الورق-عن حقدي الطبقي وعن آلامي وأمالي ضد اولئك الذين حرموكم الحرية.
عندما كنت أكتب هذه القصائد، كنت اتصور نفسي كوردياً قدر المستطاع...أحسست بقراكم، ومياهكم، وامهاتكم، بيوتكم، وحربكم....فان لم انجح في التعبير عن هذه الأحاسيس، فاسمحوا لي أن أدعو جميع الحركات الكوردية لنتاضل ضد الاضطهاد ومن أجل كوردستان حرة-طبعاً بمفهومي أنا....!
أتقدم بالشكر الجزيل على المشرفين على مطبعة-الحياة الجديدة -الذين ساعدوني على أن أقدم لكم ما قدمت! كما اتقدم بجزيل الشكر إلى كمال صالح، الذي بذل قصارى جهده في ترجمة الديوان إلى(التركية).
قد تكون هذه القصائد جميلة، وقد تكون رديئة....رديئة جداً. ولكن....ولانني اخترت موقعي بينكم على هذا الشكل من المشاركة، ولم اختر موقعاً آخر غيره، فاعذروني عليه.....
قصائد
" حديث مع كوردي" ديوان الشاعر اليوناني أدونيس بودوريس، يضّم بين دفتيه قصائد رائعة....رائعة جداً! وبالإضافة إلى ذلك، وكما توضّح مما قيل، فأنه يضّم عُصارة فكر، شعور وموقف الشاعر-الانسان أدونيس من قضية الشعب الكوردي والمآسي والكوارث التي حلت به، والثورات والإنتفاضات التي أشعلها الواحدة تلو الأخرى. لقد تعرف أدونيس على قضية الشعب الكوردي من أفواه المهاجرين والنازحين الكورد من تركيا بعد الانقلاب العسكري في ثمانينات القرن المنصرم. وهذا ما دفعه إلى زيارة كوردستان-عبر خياله الخصب- التي لم تكن حتى آنذاك سوى اسماً محّرماً وغامضاً لشعب غامض، قالت الأساطير فيه أنه من " أبناء الجن"!!...وتمعّن الشاعر في معايشة ورؤية ذلك الوطن المنسي التي تعمدت الخرائط الجغرافية أن تحذفه وتخفيه عن الأنظار، كما أن التاريخ أيضاً لم يرحمه..وبعد أن رأى أدونيس ما رأى وسمع ما سمع، وقرأ ما قرأ بدأ يسّطر القصائد الملتهبة والثورية في حب الكورد وكوردستان.
وفي النهاية، هذه هي مقتطفات من كتاب الشاعر اليوناني أدونيس بودوريس " حديث مع كوردي":
المدارس الحمراء
لم يعلمونا في المدارس....
معنى السياط على الأرجل.
معنى الصمت
معنى السجن!
لم يعلمونا في المدارس،
الوقوف وراء القضبان الحديدية؛
وعدّ الشعيرات البيضاء
في الشتاء!
أبداً، لم يكتبوا على السبورة
معنى تقطّر حقد الموت،
من جدران دياربكر..!
كل المدارس تدمع
كل الدنيا
تذرف الدموع،
من أجل جدران دياربكر..!
أبداً،
لم نتعلم في صفوف المدارس...!
معنى الحياة
شريف أنا، مع إني جائع...
جائع أنا، لأني شريف....!
أنزلق بين أيدي الجلادين.
وأسمع تكسّر عظامي،
لأني شريف....
لياليَّّّ، في الزنزانة المنفردة،
أجمل من نهارات الجلادين!
اعرف اوجاع الشعب
الذي لم يرضخ قط،
بالعيون المبللة بالدمع، أرى
ثلج الجبال....
أتكىء على أبيات " جكرخوين"*
المفعمة بالإيمان،
ولانهاية لهذه الملحمة يا رفيق. . . .!
الجيوب الخاوية
منذ أمد بعيد،
فقدتَ الثقة بالنفس
خلفتها على وجه السماء،
وجئت اليوم تطلبها!
ولهذا ضجرتَ هذا الصباح،
وصرخت فيهم:
-أيها القتلة!
بلا جدوى تبحثون في جيوبي
في قلبي خبّأت أسراري؛
وأغلقت كل مواعيدي مع التاريخ..
تَطّهَر وجهُ السماء في داخلي،
أيها القتلة الأنذال!
بلا جدوى،
تبحثون في جيوبي......!
كيف تقول...؟!
أين ذيّاك التراب؟!
أين هاتيك الجنان..
تلكَ التي خدمناها سنوات طويلة ؟!
أين (كوفيّةُ) أمي؟!
مجالس حبي...؟!
تحتضن الأسودُ الغزلانَ بود؛
وأنا الوحيدُ،
في معمعة العداوات!
من عينّي وحدي، يتصاعد اللهب....
...........
كل من حولي
ينظر إليَّ بذهول!
أين حصاني السبّاق، ذاك؟!
عندما كنا نزور القرى،
نبارك لها الأعياد.
لعليَّ أستعيد سعادتي، أستعيد حبي..!
البرق طاهر في السماء
لكن الشرر، هو الذي غاص في عمق البحار.
الوعول النافرة، الدمار الشامل في عمق السكون،
هذا وطني
هذا هو شعبي
كوردستان،
كوردستان..!
فكيف تقول كل ما في القلب..؟!
ومن سيصّدقك...؟!
من الأعالي
لو خرجتُ من جلدي
لأبدو عارياً، من كل الجوانب،
فهذا أنا...
هذه رغبتي..!
وأخيراً، لو أصعد أعالي السموات،
لأرى الناس صغاراً.
أرى وطني صغيراً.
لأنسى حلمي برهة!
وعندما أعود إلى ذاتي
مرة أخرى لأصير انساناً، بهيكله العظمي
بذاكرته..
بدمي سأكتب الحرية!
وهكذا،
مثل كوردي عادي
أصبحُ أغنية،
على أفواه كلَّ تلاميذ
الدنيا..!!
*إشارة إلى استشهاد عدد من الكوادر الكردية في معركة قلعة شقيف اثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 م.
*جكرخوين: (1903-1984) من أبرز شعراء الكورد في العصر الحديث.
لمحة عن سيرة الشاعر أدونيس بودوريس
شاعر يوناني معاصر، تقدّمي الفكر، إنساني الرؤية. ولد في جزيرة" سيروس" اليونانية عام 1960 م من أب عامل. بعد إنهاء دراسته الثانوية، انتقل إلى العاصمة أثينا ليعمل في مجال الصحافة مدة ثلاث سنوات. خرج من اليونان عام 1980 م وهو في العشرين من عمره، لمتابعة دراسته في مجال علم الإجتماع، وفي العواصم الأوروبية تعرف على اللاجئين الكورد، والمهاجرين من تركيا بعيد الإنقلاب العسكري فيها عام 1980 م، وتفهّم معاناتهم، وصار منذ ذلك الوقت صديقاً حميماً لشعبهم الكوردي.
كتب أدونيس بودوريس كثيراً من المقالات والتقارير الصحفية في الجرائد والصحف والمجلات اليونانية عن القضية الكوردية. وله ديوان شعري باسم( الوميض)، طبع في اليونان عام 1985 م.
وبالنسبة للكتاب المذكور( حديث مع كوردي) فقد ترجمه الأديب الكردي الاستاذ دحام عبد الفتاح بلغة أدبية سلسة وممتعة بحيث يوصل المعنى للمتلقي دون أن يفقد النص الأصلي لذته وجماله.
رسالة حب مفتوحة إلى أدونيس بودوريس
يرسل المترجم دحام عبد الفتاح رسالة حب مفتوحة من عامودا(مسقط رأسه) على أثير الحب والوفاء إلى صديق الكورد بودوريس، وهي أشبه ما تكون بقصيدة من إنسان كوردي يحترق:
لك القلب مرفأ عشق، فأقبل أيها المبحر من الساحل الغربي للمتوسط....!
أقبل بزورقك الشعريّ، واعبر غطرسات الاناضول بعناد العاشقين، فنحن على نار......!
أقبل إلينا في جناح غيمة حبلى، وأمطر الشعر على ساحاتنا الظمآى
قناديل وبنادق. فهذا زمن العشق الفدائي، وزمن إتحاد المضطَهدين
على الأرض...!
كل الحبيبات اللواتي لوّحت لهن، بمناديلك الزرقاء( روني وآلاء وشيرين، و...)، كلهن في الأفق الشرقي حنين وانتظار....وكل العصافير الملونة، والحمائم البيضاء.
في وطن السنابل، اختنقت بغاز الموت...!
فيا حادي العشق، هذا زمن الانتماء الانساني، فأوغل....أوغل في الانتماء....وافرش في وجه الريح الغربية اشرعتك الحمراء، فكل أقلام السادة المحترمين وراء المتوسط، وما وراء الوراء جفّت، وما جفت عيون الحبيبات في وطن العشق المطعون...!
الشرفات الجبلية، تلّوح بستائرها الخضراء لعينيك الحالمتين بالفجر والانسان...!
فأقبل أيها المبحر إلينا. لك القلوب كل القلوب مرافىء عشق...!
امنحني الدفء. أرجوك!
امنحني شهادة ميلاد العاشقين لأترجم زورقك الشعري إلى لغة الضاد...لأفسر بها حلمك الانساني الكبير.
فلي معها- يا صاحبي- حكاية حب عذري، طال أمده، جمعتني بها صناعة التاريخ الطويل، من حطين إلى قلعة شقيف*....!
والدم، هو الوحيد الشاهد والمشهود في ساحة العشق
لك القلب مرفأ عشق، فأبحر...أيها الشاعر الانسان.....!
"مقدمة الشاعر"
هذه هي المقدمة الرائعة للشاعر اليوناني أدونيس بودوريس في كتابه الشعري–حديث مع كوردي-...
عندما شاهدت، للمرة الأولى لوحة فوتوغرافية من كوردستان، أمعنت فيها النظر طويلاً، ثم رحت أبحث على الخارطة عن أصول شعب يتجاوز(24 مليوناً). وعلى مدى سبع سنوات من الزمن وأنا أوطّد علاقتي بالثوار الكورد بعمق، وهذه المدة ليست بقصيرة كما أعتقد، وهي ليست بالطويلة أيضاً، للتعرف عليهم، وتفهّم عاداتهم وتقاليدهم، وحياتهم الصميمية، ومع ذلك، فقد وجدت في نفسي الشجاعة، كي أحمل القلم، واكتب لكم هذه القصائد، فاعذروني....!
وكالمياه المتدفقة من صخور الجبال، تدفقت هذه القصائد بعفوية من قلبي. لم أذهب إلى كوردستان في ليالي الشتاء الطويلة، عندما كانت كؤوس الشاي تدفىء حناجرنا وأحاديثنا. بعد الانقلاب العسكري(في تركيا عام 1980م) درست تاريخ هذه الحرب الانقلابية، وعرفت عنها الكثير من أفواه هؤلاء الشباب المغتربين، كما وقفت على كل ما لاقوه من عذاب في المعتقلات والسجون. وتعرفت على الحياة القاسية في قراهم، وما كانوا يعانونه من اضطهاد....كل هذا جعلني اختلي بنفسي وأفكر بصمت.
إن العشق في أرض الكورد، والحبيبات المنتظرات هناك والأزهار الجبلية، وأزقة دياربكر، والأحاديث التي كانت تدور في المقاهي، كل ذلك رسم في مخيلتي مناظر، ولوحات غنية، ومن خلالها سرح الخيال بي في انحاء وطنكم، فكأنني خرجتُ في رحلة سياحية إلى–وان- حيث بحُيرتها تمتد أمام ناظري...أو كأنني أطرق باباً في "نصيبين"....في السليمانية أبحث عن صديق....! أو أبحث عن ماء مهاباد...!
أو كأنني على صهوة حصان يهيم بي، بحثاً عن بعض الفدائيين في جبالكم الشماء، أو كأنني في أزقة هكاري، اتعرف على اولئك الفلاحين العائدين من اعمالهم....
من المحتمل انني قد جسّمتُ الموضوع برومانسيتيّ قليلاً، لكنني هكذا أرى كوردستان، وهكذا أعايشها!
أخبار الحرب في كوردستان تنتشر في اليونان يومياً، وبسرعة مذهلة، حيث تنقلها أجهزة الإعلام الحديثة، لكن هذه الاخبار لا تطفىء ظمأ الشعب اليوناني إلى معرفة كل ما يحدث في كوردستان إذ يجب أن يذاع أكثر من ذلك، وأن يكتب أكثر من ذلك. إن تجارب الشعب اليوناني ضد الفاشية، ومناهضته لكافة اشكال الارتباط بالامبريالية هي تقاليد متأصلة فيه. إن قواه التقدمية تتضامن مع جميع الذين يكافحون الاستعمار، والامثلة على هذا التضامن ليست قليلة.
أشكركم على سماحكم لي بالتعبير- ولو على الورق-عن حقدي الطبقي وعن آلامي وأمالي ضد اولئك الذين حرموكم الحرية.
عندما كنت أكتب هذه القصائد، كنت اتصور نفسي كوردياً قدر المستطاع...أحسست بقراكم، ومياهكم، وامهاتكم، بيوتكم، وحربكم....فان لم انجح في التعبير عن هذه الأحاسيس، فاسمحوا لي أن أدعو جميع الحركات الكوردية لنتاضل ضد الاضطهاد ومن أجل كوردستان حرة-طبعاً بمفهومي أنا....!
أتقدم بالشكر الجزيل على المشرفين على مطبعة-الحياة الجديدة -الذين ساعدوني على أن أقدم لكم ما قدمت! كما اتقدم بجزيل الشكر إلى كمال صالح، الذي بذل قصارى جهده في ترجمة الديوان إلى(التركية).
قد تكون هذه القصائد جميلة، وقد تكون رديئة....رديئة جداً. ولكن....ولانني اخترت موقعي بينكم على هذا الشكل من المشاركة، ولم اختر موقعاً آخر غيره، فاعذروني عليه.....
قصائد
" حديث مع كوردي" ديوان الشاعر اليوناني أدونيس بودوريس، يضّم بين دفتيه قصائد رائعة....رائعة جداً! وبالإضافة إلى ذلك، وكما توضّح مما قيل، فأنه يضّم عُصارة فكر، شعور وموقف الشاعر-الانسان أدونيس من قضية الشعب الكوردي والمآسي والكوارث التي حلت به، والثورات والإنتفاضات التي أشعلها الواحدة تلو الأخرى. لقد تعرف أدونيس على قضية الشعب الكوردي من أفواه المهاجرين والنازحين الكورد من تركيا بعد الانقلاب العسكري في ثمانينات القرن المنصرم. وهذا ما دفعه إلى زيارة كوردستان-عبر خياله الخصب- التي لم تكن حتى آنذاك سوى اسماً محّرماً وغامضاً لشعب غامض، قالت الأساطير فيه أنه من " أبناء الجن"!!...وتمعّن الشاعر في معايشة ورؤية ذلك الوطن المنسي التي تعمدت الخرائط الجغرافية أن تحذفه وتخفيه عن الأنظار، كما أن التاريخ أيضاً لم يرحمه..وبعد أن رأى أدونيس ما رأى وسمع ما سمع، وقرأ ما قرأ بدأ يسّطر القصائد الملتهبة والثورية في حب الكورد وكوردستان.
وفي النهاية، هذه هي مقتطفات من كتاب الشاعر اليوناني أدونيس بودوريس " حديث مع كوردي":
المدارس الحمراء
لم يعلمونا في المدارس....
معنى السياط على الأرجل.
معنى الصمت
معنى السجن!
لم يعلمونا في المدارس،
الوقوف وراء القضبان الحديدية؛
وعدّ الشعيرات البيضاء
في الشتاء!
أبداً، لم يكتبوا على السبورة
معنى تقطّر حقد الموت،
من جدران دياربكر..!
كل المدارس تدمع
كل الدنيا
تذرف الدموع،
من أجل جدران دياربكر..!
أبداً،
لم نتعلم في صفوف المدارس...!
معنى الحياة
شريف أنا، مع إني جائع...
جائع أنا، لأني شريف....!
أنزلق بين أيدي الجلادين.
وأسمع تكسّر عظامي،
لأني شريف....
لياليَّّّ، في الزنزانة المنفردة،
أجمل من نهارات الجلادين!
اعرف اوجاع الشعب
الذي لم يرضخ قط،
بالعيون المبللة بالدمع، أرى
ثلج الجبال....
أتكىء على أبيات " جكرخوين"*
المفعمة بالإيمان،
ولانهاية لهذه الملحمة يا رفيق. . . .!
الجيوب الخاوية
منذ أمد بعيد،
فقدتَ الثقة بالنفس
خلفتها على وجه السماء،
وجئت اليوم تطلبها!
ولهذا ضجرتَ هذا الصباح،
وصرخت فيهم:
-أيها القتلة!
بلا جدوى تبحثون في جيوبي
في قلبي خبّأت أسراري؛
وأغلقت كل مواعيدي مع التاريخ..
تَطّهَر وجهُ السماء في داخلي،
أيها القتلة الأنذال!
بلا جدوى،
تبحثون في جيوبي......!
كيف تقول...؟!
أين ذيّاك التراب؟!
أين هاتيك الجنان..
تلكَ التي خدمناها سنوات طويلة ؟!
أين (كوفيّةُ) أمي؟!
مجالس حبي...؟!
تحتضن الأسودُ الغزلانَ بود؛
وأنا الوحيدُ،
في معمعة العداوات!
من عينّي وحدي، يتصاعد اللهب....
...........
كل من حولي
ينظر إليَّ بذهول!
أين حصاني السبّاق، ذاك؟!
عندما كنا نزور القرى،
نبارك لها الأعياد.
لعليَّ أستعيد سعادتي، أستعيد حبي..!
البرق طاهر في السماء
لكن الشرر، هو الذي غاص في عمق البحار.
الوعول النافرة، الدمار الشامل في عمق السكون،
هذا وطني
هذا هو شعبي
كوردستان،
كوردستان..!
فكيف تقول كل ما في القلب..؟!
ومن سيصّدقك...؟!
من الأعالي
لو خرجتُ من جلدي
لأبدو عارياً، من كل الجوانب،
فهذا أنا...
هذه رغبتي..!
وأخيراً، لو أصعد أعالي السموات،
لأرى الناس صغاراً.
أرى وطني صغيراً.
لأنسى حلمي برهة!
وعندما أعود إلى ذاتي
مرة أخرى لأصير انساناً، بهيكله العظمي
بذاكرته..
بدمي سأكتب الحرية!
وهكذا،
مثل كوردي عادي
أصبحُ أغنية،
على أفواه كلَّ تلاميذ
الدنيا..!!
*إشارة إلى استشهاد عدد من الكوادر الكردية في معركة قلعة شقيف اثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 م.
*جكرخوين: (1903-1984) من أبرز شعراء الكورد في العصر الحديث.