كلما ازداد تقدمي في العمر ازداد اقترابي من معرفة الإجابة على ذلك السؤال الذي طالما حيرني: لماذا كانت الأمومة، وما تزال، تأخذ كل ذلك التقديس والاحترام؟! لماذا تتعب المرأة نفسها من أجل طفل ربما لن يتذكر يوماً أن يشكرها على منحها إياه الحياة؟!
ولا أعرف كم سنة سأحتاج لأعرف الإجابة! لكني أخشى أن ينتهي عمري قبل أن أجد الإجابة!
كنت منذ أيام أتجول في الأسواق مع صديقتي بهدف انتقاء هدية لأمي بمناسبة عيد الأم. ورغم أنني لا أحب السوق بسبب عدم جاهزية شوارع مدينتي لاستقبال عجلات كرسيي المتحرك, إلا أنني أصر على انتقاء الهدية بنفسي! ربما أهدف بذلك أن أتعب من أجلها مشاركة منّي بما تتعبه هي من أجلي. وكعادتي أثناء الجولات لا أكف عن تأمل كل شيء محيط بي كأنني أراه لأول مرة.
ولفت نظري أن كل شي حولي كان يبدو عليه علامات الاحتفال بعيد الأم: من واجهات المحلات إلى الإعلانات الطرقية التي كرس معظمها للحديث عن نماذج من عالم الأمومة الناجحة! الحقيقة أن تلك اللافتات شدتني إلى درجة أنني تركت التسوق وصرت أتتبعها لأقرأ عن كل نموذج ناجح وفريد (حسب رأي الشركة)! بل وصل الأمر بي أنني أمسكت بالقلم وكتبت كل أسماء السيدات المذكورات. ورغم أنهن يستحققن كل الاحترام, إلا أنني رأيت أنهم للمرة المليون في وطني قد تاجروا باسمنا! ففي الوقت الذي نجد مئات النساء المصابات بأنواع مختلفة من الإعاقة قد تزوجن وأثبتن قدرتهن على الأمومة بكل معنى الكلمة, أجد الإعلانات قد ظلمتهن (كعادتها) بعدم الالتفات ولو إلى امرأة واحدة من اللواتي دخلن عالم الأمومة رغم كل المعوقات! ربما يجهل الكثيرون مدى الخطورة التي تعرض نفسها لها المرأة المعوقة عندما تتخذ قرار الأمومة! إلا أنها تقدم على اتخاذ القرار بدافع الغريزة. تلك الغريزة نفسها التي تجعل أم الطفل المعوق تفني نفسها من أجله.
ويسعدني رداً على ذلك الإهمال الإعلامي للأم المعوقة أن أكتب عن بعض النماذج من النساء اللواتي دخلن عالم الأمومة، ويستحققن أن نذكرهن الآن ونحن نحتفل بعيد الأم. وليس الرد هو هدفي الوحيد. بل هناك هدف آخر أهم وأسمى هو أن تصير هؤلاء الأمهات قدوة لغيرهن من النساء اللواتي جعلتهن الإعاقة يعتقدن أنهن غير قادرات على دخول عالم الزواج والأمومة.
بداية سأبدأ من وطني حيث الكثير من الفتيات المعوقات قد تزوجن وأنجبن. فهاهي ذي السيدة غالية المصابة بشلل الأطفال والتي تتحرك باستخدام العكازات، ونسبة الشلل عندها 80%، هي أم لطفلين هما علي ورضا. سألتها كم عانت من الحمل؟! فأجابت: نعم كانت أيام صعبة وتعبت كثيراً! لكنني بمجرد أن وضعت المولود واطمأننت أنه معافى ولا يعاني من أي إعاقة، نسيت التعب والألم كله.
وسألتها ما هو أكثر شيء أتعبها في حملها؟! فقالت : أنها أصبحت ثقيلة الوزن لدرجة أنها كانت تخشى تحطم العكازات في أي لحظة! والغريب أن جوابها كان، عندما سألتها ما هو أكثر شيء أتعبها عند وضع المولود: أنها كانت حزينة لأنها لا تستطيع الإنجاب ولادة طبيعية. فهي بحاجة لإجراء عملية قيصرية! لماذا؟! قالت: العملية مكلفة ولا أريد أن أرهق زوجي بالمصاريف!
وهنا عرفت أن غالية لم تتحدَّ الإعاقة فقط عندما قررت الإنجاب، بل تحدت أيضاً الظروف الاقتصادية الصعبة. ومع ذلك كررت تجربة الإنجاب مرة أخرى رغم التعب الذي عانته. فهي قد نسيت كل ذلك ما إن بدأ علي يكبر، ورأت أنه لا يجب أن يبقى وحيداً دون أخ. .
فما رأيكم؟! هل تستحق هذه السيدة أن تتوِّج (لوحة إعلانية) رمزاً للأم التي منحت أطفالها الحياة متحدية كل ما يمكن أن تتعرض له هي؟!
كذلك السيدة نهى وزوجها اللذان لديهما إعاقة بصرية. فهما، رغم المخاوف التي كانت تنتابهما أن يأتي المولود أعمى، ومخاوفهما أن يؤذيا الطفل، فقد أقدما على هذه الخطوة! وكانت نهى التي رعت طفلتها بوسائلها الفطرية. وهاهي ذي الابنة الآن شابة فخورة بانتمائها إلى أبوين معوقين. نموذج حقيقي للأم الناجحة التي عرفت كيف تنجز ما عليها من واجبات تجاه طفلتها بأكمل وجه، رغم كل المعيقات التي حدثتني عنها طويلاً، خاصة خوفها الدائم على طفلتها عندما كانت تأخذها إلى الحديقة لتلعب! إذ كان عليها أن تعرف كيف توجد بديلاً عن البصر لمراقبتها أثناء اللعب دون أن تشعر الطفلة أنها مقيدة، وأن أمها عاجزة عن حمايتها عندما تناديها مستغيثة إثر وقعة أو ضربة مثلاً.
ما رأيكم؟! ألا تستحق هذه السيدة أن تكون أيضاً نموذجاً يذكر بفخر في عيد الأم؟!
أما على مستوى العالم فهناك المئات من هذه النماذج التي تذكر بفخر، كالسيدة هبة هجرس في مصر، والسيدة ستيفاني في فرنسا التي دخلت عالم الإعاقة إثر حادث، ورغم ذلك تمكنت من إكمال حياتها وتحدت إعاقتها وأنجبت صغيرها (كوم). والحقيقة أن هناك آلاف الحالات المشابهة التي يجب أن تذكر أمثلة يحتذى بها لكل فتاة معوقة. بل إن رقم الآلاف هو قليل جداً مقابل ملايين الفتيات اللواتي ابتعدن عن فكرة الإنجاب! بل الزواج خوفاً من الإعاقة! والأسباب كثيرة أهمها الأسرة التي تتكفل بتخريج فتاة معوقة جسدياً بأمر ربها، ونفسياً بأمر من جهل أسرتها!
والإعلام أيضاً هو أكثر من أساء في النظرة إلى المعوق عامة، والمرأة المعوقة خاصة! فهذا الإعلام الذي يكتفي بالالتفات نادراً إلى نموذج ناجح من الإعاقة، وغالباً ما يكون ذلك النموذج ضمن طيات التاريخ, هو نفسه ذلك الإعلام الذي يغدق علينا عشرات الصور يومياً عن المعوق المتسول الذي يجب أن نشفق عليه! لهذا لا عتب على تلك الشركة التي تذكرت نماذج للأمومة الناجحة ليس بضمنها أي نموذج لأم معوقة.. وناجحة!
ولا أعرف كم سنة سأحتاج لأعرف الإجابة! لكني أخشى أن ينتهي عمري قبل أن أجد الإجابة!
كنت منذ أيام أتجول في الأسواق مع صديقتي بهدف انتقاء هدية لأمي بمناسبة عيد الأم. ورغم أنني لا أحب السوق بسبب عدم جاهزية شوارع مدينتي لاستقبال عجلات كرسيي المتحرك, إلا أنني أصر على انتقاء الهدية بنفسي! ربما أهدف بذلك أن أتعب من أجلها مشاركة منّي بما تتعبه هي من أجلي. وكعادتي أثناء الجولات لا أكف عن تأمل كل شيء محيط بي كأنني أراه لأول مرة.
ولفت نظري أن كل شي حولي كان يبدو عليه علامات الاحتفال بعيد الأم: من واجهات المحلات إلى الإعلانات الطرقية التي كرس معظمها للحديث عن نماذج من عالم الأمومة الناجحة! الحقيقة أن تلك اللافتات شدتني إلى درجة أنني تركت التسوق وصرت أتتبعها لأقرأ عن كل نموذج ناجح وفريد (حسب رأي الشركة)! بل وصل الأمر بي أنني أمسكت بالقلم وكتبت كل أسماء السيدات المذكورات. ورغم أنهن يستحققن كل الاحترام, إلا أنني رأيت أنهم للمرة المليون في وطني قد تاجروا باسمنا! ففي الوقت الذي نجد مئات النساء المصابات بأنواع مختلفة من الإعاقة قد تزوجن وأثبتن قدرتهن على الأمومة بكل معنى الكلمة, أجد الإعلانات قد ظلمتهن (كعادتها) بعدم الالتفات ولو إلى امرأة واحدة من اللواتي دخلن عالم الأمومة رغم كل المعوقات! ربما يجهل الكثيرون مدى الخطورة التي تعرض نفسها لها المرأة المعوقة عندما تتخذ قرار الأمومة! إلا أنها تقدم على اتخاذ القرار بدافع الغريزة. تلك الغريزة نفسها التي تجعل أم الطفل المعوق تفني نفسها من أجله.
ويسعدني رداً على ذلك الإهمال الإعلامي للأم المعوقة أن أكتب عن بعض النماذج من النساء اللواتي دخلن عالم الأمومة، ويستحققن أن نذكرهن الآن ونحن نحتفل بعيد الأم. وليس الرد هو هدفي الوحيد. بل هناك هدف آخر أهم وأسمى هو أن تصير هؤلاء الأمهات قدوة لغيرهن من النساء اللواتي جعلتهن الإعاقة يعتقدن أنهن غير قادرات على دخول عالم الزواج والأمومة.
بداية سأبدأ من وطني حيث الكثير من الفتيات المعوقات قد تزوجن وأنجبن. فهاهي ذي السيدة غالية المصابة بشلل الأطفال والتي تتحرك باستخدام العكازات، ونسبة الشلل عندها 80%، هي أم لطفلين هما علي ورضا. سألتها كم عانت من الحمل؟! فأجابت: نعم كانت أيام صعبة وتعبت كثيراً! لكنني بمجرد أن وضعت المولود واطمأننت أنه معافى ولا يعاني من أي إعاقة، نسيت التعب والألم كله.
وسألتها ما هو أكثر شيء أتعبها في حملها؟! فقالت : أنها أصبحت ثقيلة الوزن لدرجة أنها كانت تخشى تحطم العكازات في أي لحظة! والغريب أن جوابها كان، عندما سألتها ما هو أكثر شيء أتعبها عند وضع المولود: أنها كانت حزينة لأنها لا تستطيع الإنجاب ولادة طبيعية. فهي بحاجة لإجراء عملية قيصرية! لماذا؟! قالت: العملية مكلفة ولا أريد أن أرهق زوجي بالمصاريف!
وهنا عرفت أن غالية لم تتحدَّ الإعاقة فقط عندما قررت الإنجاب، بل تحدت أيضاً الظروف الاقتصادية الصعبة. ومع ذلك كررت تجربة الإنجاب مرة أخرى رغم التعب الذي عانته. فهي قد نسيت كل ذلك ما إن بدأ علي يكبر، ورأت أنه لا يجب أن يبقى وحيداً دون أخ. .
فما رأيكم؟! هل تستحق هذه السيدة أن تتوِّج (لوحة إعلانية) رمزاً للأم التي منحت أطفالها الحياة متحدية كل ما يمكن أن تتعرض له هي؟!
كذلك السيدة نهى وزوجها اللذان لديهما إعاقة بصرية. فهما، رغم المخاوف التي كانت تنتابهما أن يأتي المولود أعمى، ومخاوفهما أن يؤذيا الطفل، فقد أقدما على هذه الخطوة! وكانت نهى التي رعت طفلتها بوسائلها الفطرية. وهاهي ذي الابنة الآن شابة فخورة بانتمائها إلى أبوين معوقين. نموذج حقيقي للأم الناجحة التي عرفت كيف تنجز ما عليها من واجبات تجاه طفلتها بأكمل وجه، رغم كل المعيقات التي حدثتني عنها طويلاً، خاصة خوفها الدائم على طفلتها عندما كانت تأخذها إلى الحديقة لتلعب! إذ كان عليها أن تعرف كيف توجد بديلاً عن البصر لمراقبتها أثناء اللعب دون أن تشعر الطفلة أنها مقيدة، وأن أمها عاجزة عن حمايتها عندما تناديها مستغيثة إثر وقعة أو ضربة مثلاً.
ما رأيكم؟! ألا تستحق هذه السيدة أن تكون أيضاً نموذجاً يذكر بفخر في عيد الأم؟!
أما على مستوى العالم فهناك المئات من هذه النماذج التي تذكر بفخر، كالسيدة هبة هجرس في مصر، والسيدة ستيفاني في فرنسا التي دخلت عالم الإعاقة إثر حادث، ورغم ذلك تمكنت من إكمال حياتها وتحدت إعاقتها وأنجبت صغيرها (كوم). والحقيقة أن هناك آلاف الحالات المشابهة التي يجب أن تذكر أمثلة يحتذى بها لكل فتاة معوقة. بل إن رقم الآلاف هو قليل جداً مقابل ملايين الفتيات اللواتي ابتعدن عن فكرة الإنجاب! بل الزواج خوفاً من الإعاقة! والأسباب كثيرة أهمها الأسرة التي تتكفل بتخريج فتاة معوقة جسدياً بأمر ربها، ونفسياً بأمر من جهل أسرتها!
والإعلام أيضاً هو أكثر من أساء في النظرة إلى المعوق عامة، والمرأة المعوقة خاصة! فهذا الإعلام الذي يكتفي بالالتفات نادراً إلى نموذج ناجح من الإعاقة، وغالباً ما يكون ذلك النموذج ضمن طيات التاريخ, هو نفسه ذلك الإعلام الذي يغدق علينا عشرات الصور يومياً عن المعوق المتسول الذي يجب أن نشفق عليه! لهذا لا عتب على تلك الشركة التي تذكرت نماذج للأمومة الناجحة ليس بضمنها أي نموذج لأم معوقة.. وناجحة!