إن إسلامية العلم والمعرفة قضية منهجية تقوم على اكتشاف العلاقة بين القرآن والكون، أي بين الوحي والوجود للربط بين عالمي الغيب والشهادة، لنثبت أ في عصر العلم ـ استيعاب القرآن الكريم للكون وقوانينه وحركته، وللإنسان ومعارفه وحياته في إجمالية ثقافية حضارية رائعة لازمة لتقدم البشرية في المستقبل في إطار المبادىء الأربعة التالية:
1ـ القرآن الكريم يحث على العلم النافع وإسلامية المعرفة.
2ـ المنهج القرآني لبحث وتحصيل العلم والمعرفة.
3ـ الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة لإثبات صدق النبوة وعالمية الرسالة.
4ـ الإشارات القرآنية للقضايا الكونية المطروحة للبحث العلمي في المستقبل.
أولاً: إسلامية العلم والمعرفة:
نزل القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً في أول آياته يحث على القراءة لتحصيل العلم والمعرفة بشرط الإيمان بالله، حتى لا يطغى الإنسان كما في قوله تعالى: )اقرأ باسم ربك الذي خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم كلا إن الإنسان ليطغى. إن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى ([سورة العلق: 1 ـ 8].
وبهذا يشترط القرآن الكريم إسلامية العلم والمعرفة لصالح البشرية، لأن العلم بلا دين يؤدي إلى الإلحاد والغطرسة، كما في الحضارة الحديثة المعاصرة، وإلى الهلاك كما في الحرب العالمية الأولى والثانية، وقد يؤدي إلى الرخاء المادي مع الفراغ الروحي، والخوف من المخزون الضخم لأسلحة الدمار الشامل، وهذه الحضارة المزيفة اتخذت من العلم المادي إلهاً، ومن التكنولوجيا سلطاناً للسيطرة والتحكم واستعمار الآخرين والمساهمة في تخلفهم...
لهذا ينادي الإسلام بربط القرآن بالكون، أي: ربط الوحي بالوجود، والدين بالعلم، والغيب بالشهادة، كأساس لإسلامية العلم والمعرفة، ولا تعارض بين الدين والعلم في الإسلام، فلقد وردت كلمة ( العلم ) أكثر من ثمان مئة مرة بالقرآن الكريم، علاوة على مئات المرات لكلمات ( العقل ) و (الفكر ) و( المعرفة ) وبهذا فعلمية القرآن ساطعة سطوع الشمس، وعندما تمسك المسلمون بدينهم قدموا للبشرية إسهاماً علمياً ملحوظاً في الطبيعة والرياضيات والفلك في العصور الوسطى باعتراف المنصفين من علماء الغرب، مثل برينولت الذي يقول في كتابه ( بناء الإنسانية makung of humanity).
لا توجد ناحية من نواحي الازدهار الأوروبي في مطلع عصر النهضة إلا ويمكن إرجاع أصلها إلى المنهج العلمي التجريبي الذي نقله روجر بيكون من العرب أثناء وجودهم في إسبانيا ( 800 ـ 1200م ).
وللأسف يتجاهل الغرب هذه الحقيقة بل ويتهم دين الإسلام بأنه سبب التخلف الحالي للمسلمين، ناسياً أن هذا التخلف ناتج من خضوع المسلمين لاستعمار التتار والمغول والصليبيين قديماً، واستعمار الغرب والصهيونية حديثاً، وسيطرة هذا النفوذ الأجنبي على عقول المسلمين، فأصبحوا للأسف تابعين لغيرهم، وأهملوا دينهم، وقلدوا الغرب وانبهروا بحضارته الحديثة دون أن يشاركوا في صنعها أو توجيهها، ونسوا قول الله تعالى: )ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ([سورة المائدة: 49].
وقوله تعالى:)أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم ([سورة الجاثية: 23].
وكان الواجب على المسلمين أن يتسلحوا بثقافتهم الإسلامية لإحيائها وتأصيلها وتجديدها وتعميمها لإعطاء منهج جديد لإسلامية العلم والمعرفة في مواجهة الإلحاد المادي المعاصر، والنظام العالمي الجائر، وخاصة بعد أن سقط القناع ذو الوجهين عن هذا النظام وعن كل شعاراته، وأتضح الزيف في تطبيقه للديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلاوة على اعتراف بعض علماء القرن العشرين البارزين أمثال: أينشتين، وكريسي، وموريسون، وغيرهم بوجود الله وقدرته، وظهرت كتب كثيرة حول الدين والعلم في الغرب، ولهذا فقد حان الوقت لإظهار الوجه الحضاري للإسلام والمسلمين باتباع إسلامية المعرفة وبيان الإعجاز العلمي للقرآن والسنة.
ولقد واجه أجدادنا المسلمون في بدء ظهور الإسلام حضارتي الروم والفرس دون انصهارهم في إحداهما مدافعين عن ذاتيتهم، فالإسلام له أيدلوجية خاصة أساسها القرآن والسنة، وشعارها العلم والإيمان، كما سنوضح فيما يلي:
1ـ العلم بلا دين ـ أو الدين بلا علم ـ مرفوض في الإسلام،ولا بد من الجمع بينهما، كما في قوله تعالى:
)ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون ([سورة الأعراف: 52].
)وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ([سورة الحج: 54].
)بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ([سورة العنكبوت: 49].
)شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ([سورة آل عمران: 18].
2ـ دعا الإسلام إلى طلب العلم النافع والمعرفة كما في قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
· " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ".
والعلم هنا هو العلم النافع المرتبط بالإيمان؛ حتى لا يتحول العلماء إلى جبابرة كما في قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
· " اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ".
3ـ الإسلام يرفع من شأن العلماء، كما في قوله تعالى:
)قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ([سورة الزمر: 9].
)يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ([سورة المجادلة: 11].
وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
· " العلماء ورثة الأنبياء ".
5ـ العلم في الإسلام يشمل علوم الدين والدنيا، ولقد أشار القرآن الكريم للعلوم الكونية في أكثر من سبع مئة آية.
والعلماء هنا دعاة لإسلامية المعرفة، وليس الجبابرة الذين يتيهون صلفاً وغروراً، ويقولون كما قال قارون:
)إنما أوتيته على علم عندي ([سورة القصص: 78].
ثانياً: المنهج القرآني لبحث وتحصيل العلم والمعرفة:
1ـ العلم في القرآن الكريم هو الحق اليقيني الثابت بالبرهان القاطع، كما في قوله تعالى في تعميم شامل لكل المعارف:
)قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ([سورة البقرة: 111].
)قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن ([سورة الأنعام: 148].
)إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ([سورة يونس: 36].
2ـ القرآن يؤكد ضرورة المشاهدة الصحيحة باستخدام البصر والسمع والعقلمعاً كأساس للمنهج العلمي التجريبي، كما في قوله تعالى:
)ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ([سورة الإسراء: 36].
ويحث على النظر والتدبر في الكون بهدف العلم والإيمان، كما في قوله تعالى: )قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ([سورة يونس: 101].
والتأكيد على المنهج الاستقرائي في النظرة العلمية للبحث عن كيفية تركيب الأشياء، كما في قوله تعالى:
)أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. وإلى السماء كيف رفعت. وإلى الجبال كيف نصبت. وإلى الأرض كيف سطحت ([سورة الغاشية: 17 ـ 20].
3ـ القرآن الكريم ينهى عن التقليد الأعمى في تحصيل العلم والمعرفة كسلوك حضاري عام، كما في قوله تعالى:
)وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا: حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون ([سورة المائدة: 104].
4ـ يدعو القرآن الكريم دائماً إلى استخدام العقل كأحد أركان العبادة، كما في قوله تعالى:
)إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ([سورة البقرة: 164].
5ـ العلم لا يقف عند حد معين بهدف استمرار التقدم العلمي، كما في قوله تعالى: )وقل رب زدني علماً ([سورة طه: 114].
ولهذا يجب الاستمرار في البحث حتى يأتي اليقين، كما في قوله تعالى:
)لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون ([سورة الأنعام: 67].
ومسيرة العلم لن تتوقف؛ لأن كلمات الله في الكون لا نهائية، كما في قوله تعالى: )قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً ([سورة الكهف: 109].
كما أن العلم البشري محدود، بينما العلم الإلهي مطلق ولا نهائي، فالبشرية رغم العصر الحالي للعلم والتكنولوجي ما زالت على الشاطىء، بينما محيط الكون مملوء بالعلم والمعرفة، كما في قوله تعالى:
)وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ([سورة الإسراء: 85].
)نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم ([سورة يوسف: 76].
6ـ العلم والمعرفة منحة إلهية للإنسان، كما في قوله تعالى:
)علم الإنسان ما لم يعلم ([سورة العلق: 5].
)ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ([سورة البقرة: 255].
)الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ([سورة الرحمن: 1 ـ 4].
7ـ إسلامية المعرفة تتميز بما يلي:
( أ ) الربانية والتوحيد في المنهج والهدف:
كما في قوله تعالى:
)إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ([سورة آل عمران: 190 ـ 191].
وقوله تعالى:
)لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن ([سورة فصلت: 37].
)قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ([سورة الإخلاص: 1 ـ 4].
( ب ) الإنسانية:
أي: المعرفة لصالح الإنسان وخيره وسعادته في الدنيا والآخرة، كما في قوله تعالى:
)وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ([سورة الجاثية: 13].
)وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار. وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار. وآتاكم من كل ما سألتموه ([سورة إبراهيم: 32 ـ 34].
ويجب على الإنسان أن يكون سيداً لما سخر له وليس عبداً إلا الله.
( ج ) الشمول والإحاطة:
القرآن الكريم موسوعة تشمل جميع أساسيات المعارف في عالمي الغيب والشهادة تاركاً التفاصيل لاجتهاد البشر، كما في قوله تعالى:
)وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ([سورة الأنعام: 38].
( د ) الوسطية والتوازن:
وتعني التوازن بين الروح والمادة، وبين الفرد والجماعة، وبين الوحي والوجود، وبين الدين والدنيا، وبين الشرعي والمدني في العلوم الإنسانية، أي: المعرفة التي توازن بين كل من الطرفين في منهج مستقيم لا يميل لأحدهما على حساب الآخر، كما في قوله تعالى:
)اهدنا الصراط المستقيم ([سورة الفاتحة: 6].
وهذا التوازن ضروري، لأن الإخلال به يؤدي إما إلى إلحاد مادي كما في الحضارة الحديثة، أو إلى رهبانية كما في المسيحية، بينما الإسلام يرفض النقيضين.
8ـ التوجيه الإسلامي للعلوم يعتمد على ما يلي:
( أ ) الماء أصل الحياة:كما في قوله تعالى:
)وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ([سورة الأنبياء: 30].
( ب ) الوحدنية صفة الخالق،والزوجية صفة المخلوق: كما في قوله تعالى:)ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ([سورة الذاريات: 49].
( ج ) الكون لا يعرف السكون:فالحركة والطواف قوانين شاملة سارية لأجل مسمى، كما في قوله تعالى:
)كل يجري لأجل مسمى ([سورة الرعد: 2].
)كل في فلك يسبحون ([سورة الأنبياء: 33].
( د ) اللانهائية لله وحده،أما الكون فيخضع للمقدار في عالمي الغيب والشهادة، كما في قوله تعالى:
)وكل شيء عنده بمقدار، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ([سورة الرعد: 8 ـ 9].
( هـ ) الوجود وقوانينه دليل على وحدانية الله، كما في قوله تعالى:
)ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ([سورة الملك: 3].
( و ) الوحدانية ـ وليس التعدد ـ شرط الانتظام والتماثل في السماوات والأرض، كما في قوله تعالى:
)لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ([سورة الأنبياء: 22].
(ق)ثبوت الفطرة وقوانين الكون، كما في قوله تعالى:
)فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ([سورة الروم: 30].
)فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد بسنة الله تحويلاً ([سورة فاطر: 43].
)الشمس والقمر بحسبان ([سورة الرحمن: 5].
ثالثاً: بيان الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة النبوية:
يهدف الإعجاز العلمي للقرآن والسنة إلى إثبات صدق الوحي في القرآن الكريم، وصدق نبوة سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لغير المؤمنين به، كما في قوله تعالى:
)سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ([سورة فصلت: 53].
وهذا وعد إلهي بدأ يتحقق في زماننا، وسيظل متجدداً حتى قيام الساعة نظراً لعالمية الرسالة لكل مكان وزمان. والقرآن الكريم هو الرسالة الإلهية الخاتمة؛ ولهذا فهو الكتاب السماوي الوحيد الذي لم يحور، وتعهد الله بحفظه، كما في قوله تعالى:
)إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ([سورة الحجر: 9].
)ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ([سورة البقرة: 2].
ولهذا فالقرآن الكريم يتفق مع حقائق العلم بعكس الكتب السماوية السابقة التي حورها أهل الكتاب، فتعارضت مع العلم، ( كما يقول الدكتور موريس بوكاي ).
وفيما يلي نورد الأمثلة التالية لبيان الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة النبوية والذي تظهر دلائله كلما تقدم العلم:
1ـ قدم العالم الفرنسي برنارد باليسي عام 1580 أول تصور علمي صحيح لدورة الماء في الطبيعة رغم الخرافات التي كانت سائدة حول هذا الموضوع؛ مؤكداً أهمية الشمس في تبخير مياه البحار والمحيطات، كما في قوله تعالى:
)وجعلنا سراجاً وهاجاً. وأنزلنا من المصعرات ماء ثجاجاً ([سورة النبأ: 13 ـ 14].
ودور الرياح في نزول الأمطار، كما في قوله تعالى:
)وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء ([سورة الحجر: 22].
ودور الأمطار في تكوين المياه الجوفية، تماماً كما في قول الله تعالى:
)ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ([سورة الزمر: 21].
2ـ أعلن كوبر نيكس عام 1543م، وأيده كل من جاليليو ونيوتن أن الأرض ليست ساكنة ولكنها تدور حول نفسها بسرعة تم قياسها حديثاً بمقدار 1000 ميل / ساعة، عند خط الاستواء، كما أشار القرآن الكريم في قول الله تعالى: )يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ([سورة الزمر: 5].
وتدور الأرض حول الشمس بسرعة 67000 ميل / سعة، كما ثبت ذلك علمياً في القرن العشرين، ولقد أشار القرآن الكريم إلى حركة الأرض في قوله تعالى:
)وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ([سورة النمل: 88].
3ـ ثبت علمياً ( 1917م ) أن الشمس ومعها كواكبها تدور حول مركز مجرة سكة التبانة بسرعة 497000 ميل / ساعة، أي: أن الشمس لها فلك خاص بها علاوة على فلك الأرض ( الليل والنهار ) حول الشمس وفلك القمر حول الأرض، كما في قوله تعالى:
)وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ([سورة الأنبياء: 33].
كما ثبت حديثاً أن الشمس تجري في الفضاء الكوني بسرعة 43000 ميل / ساعة نحو مجم فيجا، لمستقر لها، كما في قوله تعالى:
)والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ([سورة يس: 38].
4ـ بدأ الفلكي الألماني بازل ( 1838م ) بأول قياس لبعد النجوم، وتبين علمياً الآن أن مواقع النجوم متباعدة ومذهلة، لأنها تبعد عنا مسافة تتراوح بين 4 وعدة بلايين من السنين الضوئية، كما في قوله تعالى:
)فلا أقسم بمواقع النجوم. وإنه لقسم لو تعلمون عظيم )[سورة الواقعة: 75 ـ 76].
5ـ أعلن اللورد هاتون ( 1800 م ) أن الحاضر مفتاح للماضي ( في علم الجيولوجيا ) لأن البحث في الصخور عن الحفريات سيؤدي إلى التعرف على توزيع العصور الجيولوجية وبداية الخلق، كما في قوله تعالى:
)قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ([سورة العنكبوت: 20].
8ـ تم حديثاً إثبات أن البرق ينشأ من التفريغ الكهربي بين السحاب الركامي ( المرتفع كالجبال ) نتيجة الكهربية المتولدة بواسطة البرد كما في قوله تعالى: )وينزل من السماء من جبال فيها من برد، فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ([سورة النور: 43].
9ـ تنبأ القرآن باحتمال تواجدنا في السماء كما في قوله تعالى:
)وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير([سورة العنكبوت: 22].
10ـ تم حديثاً التعرف على تركيب الغلاف الجوي وانعدام الأكسجين، على ارتفاع 30 كم ـ تقريباً ـ من سطح الأرض، كما في قوله تعالى:
)يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء ([سورة الأنعام: 125].
11ـ كما تحقق لرواد الفضاء بعد عام 1960م رؤية ظلام الفضاء الكوني بسواد حالك، لإنعدام التشتت الضوئي عند هذا الارتفاع فصاعداً، كما في قوله تعالى: )ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ([سورة الحجر: 14 ـ 15].
13ـ كما أشار القرآن الكريم إلى كل وسائل المواصلات في المستقبل كما في قوله تعالى: )والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون ([سورة النحل: 8].
16ـ لقد توصلت أنا حديثاً إلى إثبات قرآني لأهم حقيقة كونية لنسبية اينشتين التي تنص على أن سرعة الضوء في الفراغ وقدرها 299792.5 كم / ثانية هي الثابت المطلق الوحيد في الكون، وتمثل الحد الأقصى للسرعة الكونية كما في المعادلة القرآنية التالية، والتفسير الجديد لقوله تعالى: )يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ([سورة السجدة: 5].
وقوله تعالى مؤكداً هذه الحقيقة ومشيراً إلى نسبة الزمن:
)وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون ([سورة الحج: 47].
17ـ بدأ ظهور التلوث البيئي على مستوى الكرة الأرضية كما في قوله تعالى: )ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ([سورة الروم: 41].
18ـ ويشير القرآن الكريم إلى تطور الجنين في رحم الأم مؤكداً ما وصل إليه العلم الحديث، كما في قوله تعالى: )ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ([سورة المؤمنون: 14].
19ـ ويشير القرآن الكريم إلى دورة الحياة والموت بواسطة التمثيل الضوئي للشجر الأخضر في الدنيا لإثبات البعث في الآخرة، كما في قوله تعالى: )قال من يحيي العظام وهي رميم. قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم. الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون ([سورة يس: 78 ـ 80].
كما يعطينا الله سبحانه مثالاً يصف الناس يوم القيامة في عالم الغيب بالفراش المبثوث الذي يتطور أمام أعيننا في عالم الشهادة من دودة إلى شرنقة إلى فراشة في قوله تعالى: )يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ([سورة القارعة: 4].
فالدودة تمثل الدنيا بحركتها، والشرنقة تمثل القبور بسكونها، والفراشة تمثل البعث بانطلاقها من قبرها.
20ـ يشير القرآن الكريم إلى ظاهرة تمدد ( توسع ) الكون التي تم قياسها حديثاً بالإزاحة الحمراء للمجرات، كما في قوله تعالى: )والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ([سورة الذاريات: 47].
رابعاً: الإشارات القرآنية للقضايا الكونية المستقبلية:
1ـ بداية الكون بانفجار عظيم ونهايته بانسحاق عظيم:
يشير القرآن الكريم إلى الانفجار العظيم وتوسع الكون لحظة بداية الزمن والخلق، كما في قوله تعالى: )أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما ([سورة الأنبياء: 30].
ويشير إلى توقف هذا التمدد مستقبلاً ثم الانكماش الكوني، وحدوث الانسحاق العظيم عند نهاية الزمن يوم القيامة، كما في قوله تعالى: )يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين ([سورة الأنبياء: 104].
وقوله تعالى: )كلا إذا دكت الأرض دكاً دكاً (سورة الفجر: 21].
2ـ عمر الكون:
يفصل القرآن الكريم مراحل الخلق بوصف الأيام الستة ( بخلاف ما نعده من أيام ) كمراحل زمنية متساوية عددها ستة لخلق السماوات والأرض وما بينهما مع إعطاء العمر الجيولوجي للأرض بما يعادل يومين، أي: ما يعادل ثلث الأيام الستة كما في الآيات ( 9 ـ 12 ) من سورة فصلت، وبهذا يكون عمر الكون حسب تفسيري لهذه الآيات:
= العمر الجيولوجي المقاس حالياً للأرض منذ تصلبت وحتى الآن × 3
= 4.6 مليار سنة × 3 = 13.8 مليار سنة.
ولقد أعلنت وكالة الفضاء مؤخراً رقماً يقارب هذا الرقم لتحديد عمر الكون.
4ـ المبدأ الإنساني:
أعلن ستيفن هوكنج المبدأ الإنساني الذي ينص على أن الإنسان هو الهدف والغاية النهائية لنشأة الكون وتطوره بالدليل العلمي الذي يؤكد تسخير الكون كله ( بالقصد الإلهي وليس بالصدفة ) لقدوم الإنسان وتهيئة الظروف الطبيعية اللازمة لحياته بقدرة الله ـ سبحانه وتعالى ـ كما في قوله تعالى:
)وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ([سورة الجاثية: 13].
5ـ توحيد قوى الطبيعة:
يلهث العلماء حالياً وراء توحيد القوى الفيزيائية الكونية المتعددة في نظرية التوحيد الكبرى (Grand unified theory gut)وهذا يتمشى مع وحدانية الخالق وقوله تعالى: )أن القوة لله جميعاً ([سورة البقرة: 165].
6ـ الهندسة الوراثية:
أشار القرآن الكريم إلى تطبيقات الهندسة الوراثية وحذر من استغلالها طبقاً لوساوس الشيطان لتغيير خلق الله كما في قوله تعالى:)وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا([سورة النساء: 119].
11ـ شيخوخة الشمس وتحولها إلى عملاق أحمر قبل الوفاة:
يتحدث العالم الآن عن شيخوخة الشمس ووفاتها في المستقبل عند تحولها إلى عملاق أحمر بتكور ـ أي: بانتفاخ ـ سطحها تدريجياً فتبلع كواكبها التي تتحول على الترتيب إلى غازات وأبخرة وعندئذٍ يصبح لون السماء أحمر وردياً ودرجة الحرارة فوق رؤوسنا حوالي 3000 درجة مئوية، وتبتلع الشمس القمر الذي سيختفي بدوره ويتبخر في هذه الحالة في غلاف العملاق الذي سيقترب من الأرض فتشتعل البحار لتحلل مائها بالحرارة إلى أيدروجين يشتعل وأكسجين يساعد على الاشتعال.
وكل هذه التوقعات العلمية واردة نصاً بالقرآن الكريم كما في قوله تعالى:
)إذا الشمس كورت ([سورة التكوير: 1].
)فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ([سورة الرحمن: 37].
أي: تصبح السماء وردية اللون، أي: حمراء كالزيت المغلي إشارة للعملاق الأحمر، كما يتضح أيضاً في الآية التالية:
)فإذا برق البصر، وخسف القمر. وجمع الشمس والقمر. يقول الإنسان يومئذٍ أين المفر. كلا لا وزر. إلى ربك يومئذٍ المستقر ([سورة القيامة: 7 ـ 12].
)وإذا البحار سجرت ([سورة التكوير: 6].
)وإذا البحار فجرت ([سورة الإنفطار: 3].
وبهذا فإن إسلامية العلم والمعرفة بديل حضاري عالمي وتجديد للفكر الإسلامي لتصحيح آثار الفكر الغربي، ومشروع هام لازم لكل البشرية كمنهج ثقافي حضاري يجمع بين العلم والدين، ويفتح الباب على مصراعيه للفروض والاحتمالات والخيال العلمي الحر الطليق من كل قيد، بل يسمح باستخدام الشك كطريق لليقين الذي سيبدو في عصر العلم واضحاً كالشمس، يؤكد لنا صدق القرآن وصدق نبوة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم ) وعالمية رسالة الإسلام كما في قوله تعالى: )إن الدين عند الله الإسلام ([سورة آل عمران: 19].
وقوله سبحانه مخاطباً رسول الله للناس جميعاً، أي النبي محمداً (صلى الله عليه وسلم ) لتأكيد هذه الحقيقة: )قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ([سورة الأعراف: 158].
وقوله سبحانه مشيراً إلى خلود القرآن لكل العالمين، وتجدد إعجازه لكل زمان، )إن هو إلا ذكر للعالمين. ولتعلمن نبأه حتى حين ([سورة ص: 87 ـ 88].
تم نشر البحث بالتعاون مع جمعية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في القاهرة
المراجع:
1ـ قضايا العصر في ضوء الإسلام. أ. أنور الجندي، الكتاب رقم 38 سلسلة البحوث الإسلامية (ص: 122) ـ 1971م.
2ـ العلم يدعو إلى الإيمان. مترجم. د.كريس موريسون 1980م مكتبة النهضة المصرية.
3ـ 1983 (p.davis good and the bew physics penguim books) الإسلام في عصر العلم أ.د. الغمراوي ـ المختار الإسلامي القاهرة 1970 ـ الله ياجلى في عصر العلم ( مترجم ) نخبة من العلماء الأمريكيين ـ مؤسسة الحلبي القاهرة 1960م.
4ـ (the new story of science: robert m.augros. new york. 1984) مترجم بعنوان: العلم في منظوره الجديد. عالم المعرفة، العدد 134 ـ الكويت.
5ـ الكون والإعجاز العلمي في القرآن أ.د. منصور حسب النبي ـ دار الفكر العربي 1996 ـ القاهرة.
6ـ إسلامية المعرفة: المعد العالمي للفكر الإسلامي بالقاهرة / العدد 15 يوليو 1994م.
(international institute of islamic though publications. Verginia & cairo).
إسلامية المعرفة أ.د. محمد عمارة. دار الشرق الأوسط للنشر 1991م.
7ـ سلسلة المعارف الكونية بين العلم والقرآن. أ.د. منصور حسب النبي، دار الفكر العربي، القاهرة 1996م.
8ـ (the biblo. The quran and science maurice bucaille. North american trust publication 1979).
مترجم بعنوان ( القرآن والتوراة... والإنجيل والعلم ) د. موريس بوكاي، دار المعارف، القاهرة 1980م.
9ـ ارتياد الفضاء بين العلم والقرآن. ـ أ.د. منصور حسب النبي، دار الفكر العربي، القاهرة 1996م.
10ـ الإشارات القرآنية للسرعة العظمى والنسبية. أ.د. منصور حسب النبي ـ دار الآفاق العلمية ـ القاهرة 1995م.
11ـ إعجاز القرآن في آفاق الزمان والمكان أ.د. منصور حسب النبي ـ دار الفكر العربي ـ القاهرة 1996م.
12ـ (the glorious quran and modern science prof. Mansour hassab el-naby/ general egyptian book organization, cairo 1990).
مترجم بعنوان ( القرآن الكريم والعلم الحديث ) أ.د. منصور حسب النبي ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة 1991م.
13ـ (new horizons in astronomy. Brandt, san francisco 1972).
مترجم بعنوان ( آفاق جديدة في علم الفلك ). جون براندت وستيفان ماران ـ مكتبة الوعي العربي (ص 421) ـ القاهرة 1972م.
14ـ (end cosrmic catastrophe and the fate of the universe frank close – science & schuster, englabd 1988).
مترجم بعنوان ( النهاية ) عالم المعرفة، العدد 191 ـ الكويت 1994م.
1ـ القرآن الكريم يحث على العلم النافع وإسلامية المعرفة.
2ـ المنهج القرآني لبحث وتحصيل العلم والمعرفة.
3ـ الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة لإثبات صدق النبوة وعالمية الرسالة.
4ـ الإشارات القرآنية للقضايا الكونية المطروحة للبحث العلمي في المستقبل.
أولاً: إسلامية العلم والمعرفة:
نزل القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً في أول آياته يحث على القراءة لتحصيل العلم والمعرفة بشرط الإيمان بالله، حتى لا يطغى الإنسان كما في قوله تعالى: )اقرأ باسم ربك الذي خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم كلا إن الإنسان ليطغى. إن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى ([سورة العلق: 1 ـ 8].
وبهذا يشترط القرآن الكريم إسلامية العلم والمعرفة لصالح البشرية، لأن العلم بلا دين يؤدي إلى الإلحاد والغطرسة، كما في الحضارة الحديثة المعاصرة، وإلى الهلاك كما في الحرب العالمية الأولى والثانية، وقد يؤدي إلى الرخاء المادي مع الفراغ الروحي، والخوف من المخزون الضخم لأسلحة الدمار الشامل، وهذه الحضارة المزيفة اتخذت من العلم المادي إلهاً، ومن التكنولوجيا سلطاناً للسيطرة والتحكم واستعمار الآخرين والمساهمة في تخلفهم...
لهذا ينادي الإسلام بربط القرآن بالكون، أي: ربط الوحي بالوجود، والدين بالعلم، والغيب بالشهادة، كأساس لإسلامية العلم والمعرفة، ولا تعارض بين الدين والعلم في الإسلام، فلقد وردت كلمة ( العلم ) أكثر من ثمان مئة مرة بالقرآن الكريم، علاوة على مئات المرات لكلمات ( العقل ) و (الفكر ) و( المعرفة ) وبهذا فعلمية القرآن ساطعة سطوع الشمس، وعندما تمسك المسلمون بدينهم قدموا للبشرية إسهاماً علمياً ملحوظاً في الطبيعة والرياضيات والفلك في العصور الوسطى باعتراف المنصفين من علماء الغرب، مثل برينولت الذي يقول في كتابه ( بناء الإنسانية makung of humanity).
لا توجد ناحية من نواحي الازدهار الأوروبي في مطلع عصر النهضة إلا ويمكن إرجاع أصلها إلى المنهج العلمي التجريبي الذي نقله روجر بيكون من العرب أثناء وجودهم في إسبانيا ( 800 ـ 1200م ).
وللأسف يتجاهل الغرب هذه الحقيقة بل ويتهم دين الإسلام بأنه سبب التخلف الحالي للمسلمين، ناسياً أن هذا التخلف ناتج من خضوع المسلمين لاستعمار التتار والمغول والصليبيين قديماً، واستعمار الغرب والصهيونية حديثاً، وسيطرة هذا النفوذ الأجنبي على عقول المسلمين، فأصبحوا للأسف تابعين لغيرهم، وأهملوا دينهم، وقلدوا الغرب وانبهروا بحضارته الحديثة دون أن يشاركوا في صنعها أو توجيهها، ونسوا قول الله تعالى: )ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ([سورة المائدة: 49].
وقوله تعالى:)أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم ([سورة الجاثية: 23].
وكان الواجب على المسلمين أن يتسلحوا بثقافتهم الإسلامية لإحيائها وتأصيلها وتجديدها وتعميمها لإعطاء منهج جديد لإسلامية العلم والمعرفة في مواجهة الإلحاد المادي المعاصر، والنظام العالمي الجائر، وخاصة بعد أن سقط القناع ذو الوجهين عن هذا النظام وعن كل شعاراته، وأتضح الزيف في تطبيقه للديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلاوة على اعتراف بعض علماء القرن العشرين البارزين أمثال: أينشتين، وكريسي، وموريسون، وغيرهم بوجود الله وقدرته، وظهرت كتب كثيرة حول الدين والعلم في الغرب، ولهذا فقد حان الوقت لإظهار الوجه الحضاري للإسلام والمسلمين باتباع إسلامية المعرفة وبيان الإعجاز العلمي للقرآن والسنة.
ولقد واجه أجدادنا المسلمون في بدء ظهور الإسلام حضارتي الروم والفرس دون انصهارهم في إحداهما مدافعين عن ذاتيتهم، فالإسلام له أيدلوجية خاصة أساسها القرآن والسنة، وشعارها العلم والإيمان، كما سنوضح فيما يلي:
1ـ العلم بلا دين ـ أو الدين بلا علم ـ مرفوض في الإسلام،ولا بد من الجمع بينهما، كما في قوله تعالى:
)ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون ([سورة الأعراف: 52].
)وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ([سورة الحج: 54].
)بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ([سورة العنكبوت: 49].
)شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ([سورة آل عمران: 18].
2ـ دعا الإسلام إلى طلب العلم النافع والمعرفة كما في قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
· " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ".
والعلم هنا هو العلم النافع المرتبط بالإيمان؛ حتى لا يتحول العلماء إلى جبابرة كما في قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
· " اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ".
3ـ الإسلام يرفع من شأن العلماء، كما في قوله تعالى:
)قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ([سورة الزمر: 9].
)يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ([سورة المجادلة: 11].
وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
· " العلماء ورثة الأنبياء ".
5ـ العلم في الإسلام يشمل علوم الدين والدنيا، ولقد أشار القرآن الكريم للعلوم الكونية في أكثر من سبع مئة آية.
والعلماء هنا دعاة لإسلامية المعرفة، وليس الجبابرة الذين يتيهون صلفاً وغروراً، ويقولون كما قال قارون:
)إنما أوتيته على علم عندي ([سورة القصص: 78].
ثانياً: المنهج القرآني لبحث وتحصيل العلم والمعرفة:
1ـ العلم في القرآن الكريم هو الحق اليقيني الثابت بالبرهان القاطع، كما في قوله تعالى في تعميم شامل لكل المعارف:
)قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ([سورة البقرة: 111].
)قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن ([سورة الأنعام: 148].
)إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ([سورة يونس: 36].
2ـ القرآن يؤكد ضرورة المشاهدة الصحيحة باستخدام البصر والسمع والعقلمعاً كأساس للمنهج العلمي التجريبي، كما في قوله تعالى:
)ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ([سورة الإسراء: 36].
ويحث على النظر والتدبر في الكون بهدف العلم والإيمان، كما في قوله تعالى: )قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ([سورة يونس: 101].
والتأكيد على المنهج الاستقرائي في النظرة العلمية للبحث عن كيفية تركيب الأشياء، كما في قوله تعالى:
)أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. وإلى السماء كيف رفعت. وإلى الجبال كيف نصبت. وإلى الأرض كيف سطحت ([سورة الغاشية: 17 ـ 20].
3ـ القرآن الكريم ينهى عن التقليد الأعمى في تحصيل العلم والمعرفة كسلوك حضاري عام، كما في قوله تعالى:
)وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا: حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون ([سورة المائدة: 104].
4ـ يدعو القرآن الكريم دائماً إلى استخدام العقل كأحد أركان العبادة، كما في قوله تعالى:
)إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ([سورة البقرة: 164].
5ـ العلم لا يقف عند حد معين بهدف استمرار التقدم العلمي، كما في قوله تعالى: )وقل رب زدني علماً ([سورة طه: 114].
ولهذا يجب الاستمرار في البحث حتى يأتي اليقين، كما في قوله تعالى:
)لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون ([سورة الأنعام: 67].
ومسيرة العلم لن تتوقف؛ لأن كلمات الله في الكون لا نهائية، كما في قوله تعالى: )قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً ([سورة الكهف: 109].
كما أن العلم البشري محدود، بينما العلم الإلهي مطلق ولا نهائي، فالبشرية رغم العصر الحالي للعلم والتكنولوجي ما زالت على الشاطىء، بينما محيط الكون مملوء بالعلم والمعرفة، كما في قوله تعالى:
)وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ([سورة الإسراء: 85].
)نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم ([سورة يوسف: 76].
6ـ العلم والمعرفة منحة إلهية للإنسان، كما في قوله تعالى:
)علم الإنسان ما لم يعلم ([سورة العلق: 5].
)ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ([سورة البقرة: 255].
)الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ([سورة الرحمن: 1 ـ 4].
7ـ إسلامية المعرفة تتميز بما يلي:
( أ ) الربانية والتوحيد في المنهج والهدف:
كما في قوله تعالى:
)إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ([سورة آل عمران: 190 ـ 191].
وقوله تعالى:
)لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن ([سورة فصلت: 37].
)قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ([سورة الإخلاص: 1 ـ 4].
( ب ) الإنسانية:
أي: المعرفة لصالح الإنسان وخيره وسعادته في الدنيا والآخرة، كما في قوله تعالى:
)وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ([سورة الجاثية: 13].
)وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار. وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار. وآتاكم من كل ما سألتموه ([سورة إبراهيم: 32 ـ 34].
ويجب على الإنسان أن يكون سيداً لما سخر له وليس عبداً إلا الله.
( ج ) الشمول والإحاطة:
القرآن الكريم موسوعة تشمل جميع أساسيات المعارف في عالمي الغيب والشهادة تاركاً التفاصيل لاجتهاد البشر، كما في قوله تعالى:
)وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ([سورة الأنعام: 38].
( د ) الوسطية والتوازن:
وتعني التوازن بين الروح والمادة، وبين الفرد والجماعة، وبين الوحي والوجود، وبين الدين والدنيا، وبين الشرعي والمدني في العلوم الإنسانية، أي: المعرفة التي توازن بين كل من الطرفين في منهج مستقيم لا يميل لأحدهما على حساب الآخر، كما في قوله تعالى:
)اهدنا الصراط المستقيم ([سورة الفاتحة: 6].
وهذا التوازن ضروري، لأن الإخلال به يؤدي إما إلى إلحاد مادي كما في الحضارة الحديثة، أو إلى رهبانية كما في المسيحية، بينما الإسلام يرفض النقيضين.
8ـ التوجيه الإسلامي للعلوم يعتمد على ما يلي:
( أ ) الماء أصل الحياة:كما في قوله تعالى:
)وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ([سورة الأنبياء: 30].
( ب ) الوحدنية صفة الخالق،والزوجية صفة المخلوق: كما في قوله تعالى:)ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ([سورة الذاريات: 49].
( ج ) الكون لا يعرف السكون:فالحركة والطواف قوانين شاملة سارية لأجل مسمى، كما في قوله تعالى:
)كل يجري لأجل مسمى ([سورة الرعد: 2].
)كل في فلك يسبحون ([سورة الأنبياء: 33].
( د ) اللانهائية لله وحده،أما الكون فيخضع للمقدار في عالمي الغيب والشهادة، كما في قوله تعالى:
)وكل شيء عنده بمقدار، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ([سورة الرعد: 8 ـ 9].
( هـ ) الوجود وقوانينه دليل على وحدانية الله، كما في قوله تعالى:
)ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ([سورة الملك: 3].
( و ) الوحدانية ـ وليس التعدد ـ شرط الانتظام والتماثل في السماوات والأرض، كما في قوله تعالى:
)لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ([سورة الأنبياء: 22].
(ق)ثبوت الفطرة وقوانين الكون، كما في قوله تعالى:
)فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ([سورة الروم: 30].
)فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد بسنة الله تحويلاً ([سورة فاطر: 43].
)الشمس والقمر بحسبان ([سورة الرحمن: 5].
ثالثاً: بيان الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة النبوية:
يهدف الإعجاز العلمي للقرآن والسنة إلى إثبات صدق الوحي في القرآن الكريم، وصدق نبوة سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لغير المؤمنين به، كما في قوله تعالى:
)سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ([سورة فصلت: 53].
وهذا وعد إلهي بدأ يتحقق في زماننا، وسيظل متجدداً حتى قيام الساعة نظراً لعالمية الرسالة لكل مكان وزمان. والقرآن الكريم هو الرسالة الإلهية الخاتمة؛ ولهذا فهو الكتاب السماوي الوحيد الذي لم يحور، وتعهد الله بحفظه، كما في قوله تعالى:
)إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ([سورة الحجر: 9].
)ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ([سورة البقرة: 2].
ولهذا فالقرآن الكريم يتفق مع حقائق العلم بعكس الكتب السماوية السابقة التي حورها أهل الكتاب، فتعارضت مع العلم، ( كما يقول الدكتور موريس بوكاي ).
وفيما يلي نورد الأمثلة التالية لبيان الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة النبوية والذي تظهر دلائله كلما تقدم العلم:
1ـ قدم العالم الفرنسي برنارد باليسي عام 1580 أول تصور علمي صحيح لدورة الماء في الطبيعة رغم الخرافات التي كانت سائدة حول هذا الموضوع؛ مؤكداً أهمية الشمس في تبخير مياه البحار والمحيطات، كما في قوله تعالى:
)وجعلنا سراجاً وهاجاً. وأنزلنا من المصعرات ماء ثجاجاً ([سورة النبأ: 13 ـ 14].
ودور الرياح في نزول الأمطار، كما في قوله تعالى:
)وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء ([سورة الحجر: 22].
ودور الأمطار في تكوين المياه الجوفية، تماماً كما في قول الله تعالى:
)ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ([سورة الزمر: 21].
2ـ أعلن كوبر نيكس عام 1543م، وأيده كل من جاليليو ونيوتن أن الأرض ليست ساكنة ولكنها تدور حول نفسها بسرعة تم قياسها حديثاً بمقدار 1000 ميل / ساعة، عند خط الاستواء، كما أشار القرآن الكريم في قول الله تعالى: )يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ([سورة الزمر: 5].
وتدور الأرض حول الشمس بسرعة 67000 ميل / سعة، كما ثبت ذلك علمياً في القرن العشرين، ولقد أشار القرآن الكريم إلى حركة الأرض في قوله تعالى:
)وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ([سورة النمل: 88].
3ـ ثبت علمياً ( 1917م ) أن الشمس ومعها كواكبها تدور حول مركز مجرة سكة التبانة بسرعة 497000 ميل / ساعة، أي: أن الشمس لها فلك خاص بها علاوة على فلك الأرض ( الليل والنهار ) حول الشمس وفلك القمر حول الأرض، كما في قوله تعالى:
)وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ([سورة الأنبياء: 33].
كما ثبت حديثاً أن الشمس تجري في الفضاء الكوني بسرعة 43000 ميل / ساعة نحو مجم فيجا، لمستقر لها، كما في قوله تعالى:
)والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ([سورة يس: 38].
4ـ بدأ الفلكي الألماني بازل ( 1838م ) بأول قياس لبعد النجوم، وتبين علمياً الآن أن مواقع النجوم متباعدة ومذهلة، لأنها تبعد عنا مسافة تتراوح بين 4 وعدة بلايين من السنين الضوئية، كما في قوله تعالى:
)فلا أقسم بمواقع النجوم. وإنه لقسم لو تعلمون عظيم )[سورة الواقعة: 75 ـ 76].
5ـ أعلن اللورد هاتون ( 1800 م ) أن الحاضر مفتاح للماضي ( في علم الجيولوجيا ) لأن البحث في الصخور عن الحفريات سيؤدي إلى التعرف على توزيع العصور الجيولوجية وبداية الخلق، كما في قوله تعالى:
)قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ([سورة العنكبوت: 20].
8ـ تم حديثاً إثبات أن البرق ينشأ من التفريغ الكهربي بين السحاب الركامي ( المرتفع كالجبال ) نتيجة الكهربية المتولدة بواسطة البرد كما في قوله تعالى: )وينزل من السماء من جبال فيها من برد، فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ([سورة النور: 43].
9ـ تنبأ القرآن باحتمال تواجدنا في السماء كما في قوله تعالى:
)وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير([سورة العنكبوت: 22].
10ـ تم حديثاً التعرف على تركيب الغلاف الجوي وانعدام الأكسجين، على ارتفاع 30 كم ـ تقريباً ـ من سطح الأرض، كما في قوله تعالى:
)يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء ([سورة الأنعام: 125].
11ـ كما تحقق لرواد الفضاء بعد عام 1960م رؤية ظلام الفضاء الكوني بسواد حالك، لإنعدام التشتت الضوئي عند هذا الارتفاع فصاعداً، كما في قوله تعالى: )ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ([سورة الحجر: 14 ـ 15].
13ـ كما أشار القرآن الكريم إلى كل وسائل المواصلات في المستقبل كما في قوله تعالى: )والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون ([سورة النحل: 8].
16ـ لقد توصلت أنا حديثاً إلى إثبات قرآني لأهم حقيقة كونية لنسبية اينشتين التي تنص على أن سرعة الضوء في الفراغ وقدرها 299792.5 كم / ثانية هي الثابت المطلق الوحيد في الكون، وتمثل الحد الأقصى للسرعة الكونية كما في المعادلة القرآنية التالية، والتفسير الجديد لقوله تعالى: )يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ([سورة السجدة: 5].
وقوله تعالى مؤكداً هذه الحقيقة ومشيراً إلى نسبة الزمن:
)وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون ([سورة الحج: 47].
17ـ بدأ ظهور التلوث البيئي على مستوى الكرة الأرضية كما في قوله تعالى: )ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ([سورة الروم: 41].
18ـ ويشير القرآن الكريم إلى تطور الجنين في رحم الأم مؤكداً ما وصل إليه العلم الحديث، كما في قوله تعالى: )ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ([سورة المؤمنون: 14].
19ـ ويشير القرآن الكريم إلى دورة الحياة والموت بواسطة التمثيل الضوئي للشجر الأخضر في الدنيا لإثبات البعث في الآخرة، كما في قوله تعالى: )قال من يحيي العظام وهي رميم. قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم. الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون ([سورة يس: 78 ـ 80].
كما يعطينا الله سبحانه مثالاً يصف الناس يوم القيامة في عالم الغيب بالفراش المبثوث الذي يتطور أمام أعيننا في عالم الشهادة من دودة إلى شرنقة إلى فراشة في قوله تعالى: )يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ([سورة القارعة: 4].
فالدودة تمثل الدنيا بحركتها، والشرنقة تمثل القبور بسكونها، والفراشة تمثل البعث بانطلاقها من قبرها.
20ـ يشير القرآن الكريم إلى ظاهرة تمدد ( توسع ) الكون التي تم قياسها حديثاً بالإزاحة الحمراء للمجرات، كما في قوله تعالى: )والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ([سورة الذاريات: 47].
رابعاً: الإشارات القرآنية للقضايا الكونية المستقبلية:
1ـ بداية الكون بانفجار عظيم ونهايته بانسحاق عظيم:
يشير القرآن الكريم إلى الانفجار العظيم وتوسع الكون لحظة بداية الزمن والخلق، كما في قوله تعالى: )أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما ([سورة الأنبياء: 30].
ويشير إلى توقف هذا التمدد مستقبلاً ثم الانكماش الكوني، وحدوث الانسحاق العظيم عند نهاية الزمن يوم القيامة، كما في قوله تعالى: )يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين ([سورة الأنبياء: 104].
وقوله تعالى: )كلا إذا دكت الأرض دكاً دكاً (سورة الفجر: 21].
2ـ عمر الكون:
يفصل القرآن الكريم مراحل الخلق بوصف الأيام الستة ( بخلاف ما نعده من أيام ) كمراحل زمنية متساوية عددها ستة لخلق السماوات والأرض وما بينهما مع إعطاء العمر الجيولوجي للأرض بما يعادل يومين، أي: ما يعادل ثلث الأيام الستة كما في الآيات ( 9 ـ 12 ) من سورة فصلت، وبهذا يكون عمر الكون حسب تفسيري لهذه الآيات:
= العمر الجيولوجي المقاس حالياً للأرض منذ تصلبت وحتى الآن × 3
= 4.6 مليار سنة × 3 = 13.8 مليار سنة.
ولقد أعلنت وكالة الفضاء مؤخراً رقماً يقارب هذا الرقم لتحديد عمر الكون.
4ـ المبدأ الإنساني:
أعلن ستيفن هوكنج المبدأ الإنساني الذي ينص على أن الإنسان هو الهدف والغاية النهائية لنشأة الكون وتطوره بالدليل العلمي الذي يؤكد تسخير الكون كله ( بالقصد الإلهي وليس بالصدفة ) لقدوم الإنسان وتهيئة الظروف الطبيعية اللازمة لحياته بقدرة الله ـ سبحانه وتعالى ـ كما في قوله تعالى:
)وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ([سورة الجاثية: 13].
5ـ توحيد قوى الطبيعة:
يلهث العلماء حالياً وراء توحيد القوى الفيزيائية الكونية المتعددة في نظرية التوحيد الكبرى (Grand unified theory gut)وهذا يتمشى مع وحدانية الخالق وقوله تعالى: )أن القوة لله جميعاً ([سورة البقرة: 165].
6ـ الهندسة الوراثية:
أشار القرآن الكريم إلى تطبيقات الهندسة الوراثية وحذر من استغلالها طبقاً لوساوس الشيطان لتغيير خلق الله كما في قوله تعالى:)وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا([سورة النساء: 119].
11ـ شيخوخة الشمس وتحولها إلى عملاق أحمر قبل الوفاة:
يتحدث العالم الآن عن شيخوخة الشمس ووفاتها في المستقبل عند تحولها إلى عملاق أحمر بتكور ـ أي: بانتفاخ ـ سطحها تدريجياً فتبلع كواكبها التي تتحول على الترتيب إلى غازات وأبخرة وعندئذٍ يصبح لون السماء أحمر وردياً ودرجة الحرارة فوق رؤوسنا حوالي 3000 درجة مئوية، وتبتلع الشمس القمر الذي سيختفي بدوره ويتبخر في هذه الحالة في غلاف العملاق الذي سيقترب من الأرض فتشتعل البحار لتحلل مائها بالحرارة إلى أيدروجين يشتعل وأكسجين يساعد على الاشتعال.
وكل هذه التوقعات العلمية واردة نصاً بالقرآن الكريم كما في قوله تعالى:
)إذا الشمس كورت ([سورة التكوير: 1].
)فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ([سورة الرحمن: 37].
أي: تصبح السماء وردية اللون، أي: حمراء كالزيت المغلي إشارة للعملاق الأحمر، كما يتضح أيضاً في الآية التالية:
)فإذا برق البصر، وخسف القمر. وجمع الشمس والقمر. يقول الإنسان يومئذٍ أين المفر. كلا لا وزر. إلى ربك يومئذٍ المستقر ([سورة القيامة: 7 ـ 12].
)وإذا البحار سجرت ([سورة التكوير: 6].
)وإذا البحار فجرت ([سورة الإنفطار: 3].
وبهذا فإن إسلامية العلم والمعرفة بديل حضاري عالمي وتجديد للفكر الإسلامي لتصحيح آثار الفكر الغربي، ومشروع هام لازم لكل البشرية كمنهج ثقافي حضاري يجمع بين العلم والدين، ويفتح الباب على مصراعيه للفروض والاحتمالات والخيال العلمي الحر الطليق من كل قيد، بل يسمح باستخدام الشك كطريق لليقين الذي سيبدو في عصر العلم واضحاً كالشمس، يؤكد لنا صدق القرآن وصدق نبوة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم ) وعالمية رسالة الإسلام كما في قوله تعالى: )إن الدين عند الله الإسلام ([سورة آل عمران: 19].
وقوله سبحانه مخاطباً رسول الله للناس جميعاً، أي النبي محمداً (صلى الله عليه وسلم ) لتأكيد هذه الحقيقة: )قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ([سورة الأعراف: 158].
وقوله سبحانه مشيراً إلى خلود القرآن لكل العالمين، وتجدد إعجازه لكل زمان، )إن هو إلا ذكر للعالمين. ولتعلمن نبأه حتى حين ([سورة ص: 87 ـ 88].
تم نشر البحث بالتعاون مع جمعية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في القاهرة
المراجع:
1ـ قضايا العصر في ضوء الإسلام. أ. أنور الجندي، الكتاب رقم 38 سلسلة البحوث الإسلامية (ص: 122) ـ 1971م.
2ـ العلم يدعو إلى الإيمان. مترجم. د.كريس موريسون 1980م مكتبة النهضة المصرية.
3ـ 1983 (p.davis good and the bew physics penguim books) الإسلام في عصر العلم أ.د. الغمراوي ـ المختار الإسلامي القاهرة 1970 ـ الله ياجلى في عصر العلم ( مترجم ) نخبة من العلماء الأمريكيين ـ مؤسسة الحلبي القاهرة 1960م.
4ـ (the new story of science: robert m.augros. new york. 1984) مترجم بعنوان: العلم في منظوره الجديد. عالم المعرفة، العدد 134 ـ الكويت.
5ـ الكون والإعجاز العلمي في القرآن أ.د. منصور حسب النبي ـ دار الفكر العربي 1996 ـ القاهرة.
6ـ إسلامية المعرفة: المعد العالمي للفكر الإسلامي بالقاهرة / العدد 15 يوليو 1994م.
(international institute of islamic though publications. Verginia & cairo).
إسلامية المعرفة أ.د. محمد عمارة. دار الشرق الأوسط للنشر 1991م.
7ـ سلسلة المعارف الكونية بين العلم والقرآن. أ.د. منصور حسب النبي، دار الفكر العربي، القاهرة 1996م.
8ـ (the biblo. The quran and science maurice bucaille. North american trust publication 1979).
مترجم بعنوان ( القرآن والتوراة... والإنجيل والعلم ) د. موريس بوكاي، دار المعارف، القاهرة 1980م.
9ـ ارتياد الفضاء بين العلم والقرآن. ـ أ.د. منصور حسب النبي، دار الفكر العربي، القاهرة 1996م.
10ـ الإشارات القرآنية للسرعة العظمى والنسبية. أ.د. منصور حسب النبي ـ دار الآفاق العلمية ـ القاهرة 1995م.
11ـ إعجاز القرآن في آفاق الزمان والمكان أ.د. منصور حسب النبي ـ دار الفكر العربي ـ القاهرة 1996م.
12ـ (the glorious quran and modern science prof. Mansour hassab el-naby/ general egyptian book organization, cairo 1990).
مترجم بعنوان ( القرآن الكريم والعلم الحديث ) أ.د. منصور حسب النبي ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة 1991م.
13ـ (new horizons in astronomy. Brandt, san francisco 1972).
مترجم بعنوان ( آفاق جديدة في علم الفلك ). جون براندت وستيفان ماران ـ مكتبة الوعي العربي (ص 421) ـ القاهرة 1972م.
14ـ (end cosrmic catastrophe and the fate of the universe frank close – science & schuster, englabd 1988).
مترجم بعنوان ( النهاية ) عالم المعرفة، العدد 191 ـ الكويت 1994م.